المركز الفلسطيني للمخفيين قسرا للجزيرة نت: الاحتلال يعيق البحث عن آلاف المفقودين
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
غزة- قال مسؤول بالمركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا إن القيود المشددة التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المعابر، ومنعه إدخال الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة للتعامل مع الركام والأنقاض، تعيق مهمة البحث والكشف عن آلاف المفقودين.
وأوضح غازي المجدلاوي مسؤول وحدة البحث بالمركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا -في حوار مع الجزيرة نت- أن استمرار إغلاق الاحتلال للمعابر منذ 2 مارس/آذار الجاري، ومنعه إدخال المساعدات، يقضي على الآمال بمعالجة سريعة لملف المفقودين.
وقد تزامن إغلاق جيش الاحتلال للمعابر مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف اطلاق النار التي استمرت على مدار 42 يوما. وذكر المجدلاوي أن الاحتلال سمح خلالها بدخول 9 جرافات فقط محدودة الكفاءة، في حين يحتاج القطاع بصورة عاجلة لنحو 500 آلية ثقيلة متنوعة المهام من جرافات وحفارات وغيرها، وذلك للتعامل مع الأطنان الهائلة من ركام المنازل والمباني والمنشآت المدمرة، وانشال جثث الشهداء والبحث عن المفقودين.
ورغم عدم توفر الإمكانيات، تمكنت فرق الدفاع المدني خلال هذه الفترة من انتشال جثامين نحو 750 شهيد.
وتشير تقديرات المركز إلى أن أعداد المفقودين والمخفيين قسرا تتراوح ما بين 8 و10 آلاف مواطن، في حين يقدرها المكتب الإعلامي الحكومي بنحو 14 ألفا، باحتساب الشهداء معلومي الهوية والموجودة جثثهم تحت الأنقاض.
إعلانوفيما يلي نص الحوار:
أفرزت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة ظاهرة المفقودين والمخفيين قسرا، والذين تزايدت أعدادهم يوما بعد يوم. وبمرور الوقت بات الحديث الآن عن أكثر من 14 ألف مفقود. وهذا الواقع يطرح ضرورة تأسيس مؤسسة مختصة تتابع هذه الظاهرة، فكان تأسيس المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا، وله منصة إلكترونية متخصصة تهدف لتوثيق وجمع البيانات وتسليط الضوء على المفقودين، ومعاناة ذويهم وتقديمها للجهات المعنية والرأي العام بمنهجية منظمة وفاعلة.
وتتركز أهداف المركز في التالي:
تقديم الدعم القانوني لذوي المفقودين. تحديد مسارات التحرك القانوني، وملاحقة الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن هذه الجرائم، من أجل الكشف عن مصير المخفيين قسرا وتعويضهم. التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية للضغط نحو فتح تحقيقات عادلة. توفير الدعم النفسي والاجتماعي لعائلات المفقودين. تسليط الضوء على معاناة المفقودين وعائلاتهم من خلال حملات إعلامية وتوثيق مرئي، ونشر التقارير السنوية حول أعداد الضحايا المفقودين والجرائم المرتكبة بحقهم. بناء شراكات مع المنظمات الدولية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان، لتسهيل الوصول إلى المعلومات ودعم الجهود.
ما المقصود بالمفقودين ومن هم المخفيون قسرا، وكم عددهم؟
وفق تصنيف المركز فإن المفقود هو الشخص الذي انقطع الاتصال به مع ذويه، بسبب الأعمال الحربية في قطاع غزة، سواء في منطقة توغل أو بعد قصف إسرائيلي لمنزل أو منطقة، ولم يتم اعتماده رسميا كشهيد (لعدم وصول جثته للمستشفيات والمرافق الصحية) أو اختفى أثناء النزوح، أو في منطقة توغل، ولا يعرف هل هو حي أم ميت، وهل هو معتقل أم مختف.
إعلانأما المخفي قسرا فهو الشخص الذي توجد مؤشرات أن قوات الاحتلال اعتقلته من أحد الأماكن في قطاع غزة، ثم انقطع الاتصال به ولم تتوفر أي معلومات عنه، بما في ذلك رفض الاحتلال تقديم أي معلومات عنه أو إنكار احتجازه.
وتقديراتنا أن عدد المفقودين والمخفيين قسراً يتراوح ما بين 8 و10 آلاف مواطن، يضاف إليهم نحو 4 آلاف آخرين من شهداء معلومي الهوية ولا تزال جثثهم تحت أنقاض المباني المدمرة بحسب تصنيف المكتب الإعلامي الحكومي.
ما طريقتكم لتوثيق المفقودين والمخفيين قسرا؟أطلقنا رابطا إلكترونيا يمكن للمواطنين من خلاله تسجيل ذويهم من المفقودين، ونقوم بعد ذلك بفلترة وتدقيق البيانات المدخلة لدينا واعتماد الطلبات المكتملة بعد التواصل مع ذويها والتأكد من صحة البيانات.
ماذا أنجزتم بهذا الملف خلال 42 يوما من المرحلة الأولى لاتفاق وقف النار؟لدينا حاليا أكثر من ألف حالة مسجلة على موقعنا وهي تحت البحث والتدقيق، وقد قمنا بتسجيل وتوثيق أكثر من 100 حالة –كمرحلة أولى- بعد اعتماد الطلبات وتوثيقها لدينا، وسنقوم بنشر القائمة خلال اليومين القادمين عبر منصاتنا المختلفة.
ورغم أن الرقم يبدو قليلا قياسا بالملف الضخم، إلا أنه ليس كذلك، فنحن نعمل بناء على آليات معقدة ودقيقة، وتتوافق مع ما يتطلبه التعامل مع الهيئات والمؤسسات الدولية، حيث إن هذه الطلبات موثقة حاليا تماما ومكتملة البيانات الشخصية، والظروف المحيطة بفقد المعني من حيث التاريخ والمكان والأحداث.
تحدثتم أن 9 آليات محدودة الكفاءة دخلت خلال هذه الفترة، ما أبرز المعوقات التي تعترض عملكم وما احتياجاتكم للتعامل مع هذا الملف الإنساني؟
خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار انتشلت فرق الدفاع المدني جثث زهاء 750 شهيدا من تحت الأنقاض ومن مناطق توغل كان من الخطورة الوصول إليها، وقد تعاملت هذه الفرق بإمكانياتها المتاحة والبدائية، بينما احتياجاتها للتعامل مع هذا الملف الإنساني أكبر بكثير مما سمح الاحتلال بإدخاله من آليات.
إعلانومن أبرز التحديات التي تعترضنا الوصول إلى أغلب أو كل حالات المفقودين، مع صعوبة الوضع في قطاع غزة.
وما زلنا في البداية وفي مرحلة تشكيل الفرق، وما يترتب عن ذلك من أعباء كبيرة، علاوة على استمرار المخاوف من استئناف العدوان الإسرائيلي، حسب ما يرشح من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وهو مما يزيد صعوبة التواصل ويزيد قوائم المفقودين.
ومن ضمن التحديات أيضا رفض الاحتلال الكشف عن مصير المخفيين قسرا في سجونه، ومن قتلهم واحتجز جثثهم أو دفنها في مقابر مجهولة.
ونحن بحاجة ماسة لمساعدة فرق دولية متخصصة بالطب الجنائي والتعامل مع الجثث تحت الأنقاض، بإمكانيات وقدرات متطورة، لتساهم معنا في إتمام هذه المهمة الإنسانية.
لماذا ينتهج الاحتلال سياسة الإخفاء القسري؟
إسرائيل تمارس أبشع سياسات القهر وتجريد الفلسطيني من إنسانيته فهي لا تنطلق فقط في تنفيذ سياساتها من رغبات الانتقام، بل أيضاً من خلال رغبتها في إخضاع الشعب الفلسطيني عبر كل ما يمكن أن يمس كرامته وقيمته الإنسانية.
ولابد من الإشارة بهذا الصدد إلى أن إسرائيل تحتجز جثث نحو 1500 فلسطيني، من بينهم 665 جثة موثقة تحتفظ بها في الثلاجات وما تعرف بمقابر الأرقام، ويعود تاريخ احتجاز أعداد منها لستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ويجب عدم التعامل بازدواجية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمجتمع الدولي في قضية احتجاز الجثث. وتكشف جريمة احتجاز الجثث الموقف الدولي المتخاذل تجاه انتهاكات الاحتلال، بينما يهدد ترامب بالإبادة الجماعية في غزة، وكان الأجدر أن يطبق المعايير نفسها على إسرائيل التي تحتجز مئات الجثث منذ عقود.
هل لديكم اتصالات مع هيئات دولية متخصصة ولديها خبرة بهذا الشأن؟هناك اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري تتبع للأمم المتحدة وهي تتألف من عدد من الخبراء المستقلين، وترصد إعمال الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري من جانب الدول الأطراف. ولم نلمس تحركا واضحا من هذه اللجنة إزاء هذه المأساة ولو على صعيد المخفيين قسرا.
إعلانوضمن مسؤولياتنا سنسعى للتواصل معها وتسهيل رفع البلاغات لها حول المخفيين قسرا، إلى جانب طرح كل حالات المفقودين لتكون على طاولة اهتمام العالم وصولا للكشف عن مصيرهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وتعويض الضحايا وذويهم.
ونحن انطلقنا إيمانا بأهمية قضية المفقودين وأبعادها الإنسانية التي تمس آلاف العائلات، ونحن نتطلع إلى المضي لإكمال توثيق حالات الفقدان والتعرف على الأماكن التي سجلت بها حالات الفقد، والوصول إلى ذوي المفقودين، بهدف السعي إلى تقديم دعم قانوني أكبر لتعزيز الجهود في مساءلة الجهات المتورطة في حالات الاختفاء القسري.
كما نسعى لتأمين الموارد اللازمة لتمكين فرقنا من الرصد والتوثيق وجمع الأدلة والشهادات وتقديم الدعم القانوني والنفسي. ونتطلع إلى توسيع شبكة التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية لتعزيز الضغط القانوني والإعلامي.
ونحن بالفعل باشرنا بإجراء اتصالات ومراسلات، ولدينا منسقة في جنيف تقود تحركات بهذا الإطار. ونعمل على تطوير قاعدة بيانات مركزية لتوثيق جميع حالات المفقودين وتسهيل عملية البحث والتواصل مع الجهات المختصة. كما نسعى إلى تعزيز دور الإعلام في تسليط الضوء على هذه القضية عبر حملات توعوية ومناصرة، ونقدر اهتمامكم في شبكة الجزيرة بمناقشة هذه القضية، ومنحها المساحة والاهتمام.
ما رسالتكم لأهالي المفقودين والمخفيين قسراً؟نحن نقدر الألم العميق الذي تعيشونه، ونعلم أن الانتظار دون إجابة هو أحد أشد أنواع المعاناة. لكن اعلموا أن قضايا أبنائكم وأحبائكم ليست منسية، وأننا في المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا نعمل بلا كلل من أجل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.
ونؤكد لكم أننا سنواصل جهودنا للكشف عن مصير المفقودين، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. فأنتم لستم وحدكم، ونحن معكم حتى تحقيق العدالة وإيجاد الحقيقة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المفقودین والمخفیین قسرا المخفیین قسرا الوصول إلى للتعامل مع قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مهاجرون عرب يروون للجزيرة نت تجربتهم السياسية في بلجيكا
بروكسل- تُشكل الجاليات العربية نحو 12% من الناخبين بالمدن الكبرى في بلجيكا، إلا أن وجودهم في هيئاتها التشريعية لم يتجاوز 5% فقط في السابق، مما جعل كل فوز انتخابي بمثابة انتصار ذي دلالة رمزية وإستراتيجية.
مؤخرا، وصل تمثيل المهاجرين إلى حوالي 7% من أعضاء مجلس النواب الفدرالي، وحقق العرب حضورا متزايدا ضمن أحزاب بلجيكا، رغم أن الطريق لم يكن مفروشا بالورود، فقد واجه كثير منهم خطابات التشكيك، واتهامات بالازدواجية.
ويوثق التقرير التالي ملامح التحوّل في مسيرة هذه الجالية عبر شهادات حصرية لسياسيين من أصول عربية، يكشفون فيه عن البدايات والصعوبات وأحلام التغيير.
سامي وحكاية لاجئيقول سامي مهدي "أنا ابن لاجئ، لكن لا أساوم على الحقيقة"، ويضيف "وُلدت في بلجيكا، والدي كان لاجئا هرب في عهد نظام صدام حسين، ونشأت في بيت يؤمن بالصرامة والاحترام، ولم يكن يُسمح لي التحدث بالعربية، لا عن جهل، بل عن قناعة أن علينا أن نندمج كليًا في هذا المجتمع. كنت أطيعه، وأتمنى تعلّم العربية، لكنني لم أفعل، واليوم أفهم لماذا كان يفكر بهذه الطريقة".
يستهل سامي (37 عاما) حديثه، وهو جالس في مكتبه بمقر الحزب "الديمقراطي المسيحي الفلمنكي" الذي يترأسه منذ 2022، كأصغر من يتزعم المنصب في تاريخ الحزب الذي يرمز له بـ "سي دي آند في" (CD&V) ويُعد أحد أعرق الأحزاب في البلاد.
وبسرعة صعد سامي إلى هرم السياسة البلجيكية؛ من ناشط في صفوف الشبيبة الحزبية، إلى وزير للهجرة، ثم رئيس للحزب. ويقول "حين وصلت للحكومة كوزير للهجرة، قيل إنني لن أستمر، لكنني اشتغلت بجد، وكنت واضحا: الاندماج مسؤولية، وليس منحة، وعلى من يعيش هنا أن يساهم، لا أن يكتفي بالمطالبة".
وهذا الخطاب الصارم كلّفه اتهامات، فالبعض يعتبره "متنكرا لأصوله" أو "يغازل اليمين على حساب المهاجرين"، ويردّ بابتسامة حازمة "أنا لا أتهرب من جذوري، أفتخر بأنني ابن لاجئ، لكنني أيضا سياسي بلجيكي، لا يمكن أن أغمض عيني عن المشاكل".
إعلانويتابع أنه حين كتب مقالة بعد أعمال عنف في بلجيكا عقب مباراة، قال الحقيقة، ومفادها "نحن لاجئون سابقون، لكن أبناءنا سلوكهم خالٍ من الاحترام، كأنهم نسوا ما فعل آباؤهم ليستقروا هنا".
ويضيف أنه يحمل مسؤولية لا تجاهَ حزبه فقط، بل تجاهَ الشباب أمثاله، فهو حين كان مراهقا لم يكن له قدوة، ولم يرَ أحدا يشبهه في مراكز القرار، واليوم، "آمل أن أكون أنا الشخص القدوة، وإشارة إلى أن النجاح ليس حكرا على أبناء النخبة".
وفي السياسة، يتقن مهدي حساب التوازنات، ويقول "نعم، أستطيع إسقاط الحكومة إن انسحب حزبي من التحالف، لكنها ليست لعبة، نحن نتحمل مسؤولية الحكم، ولا نلعب بالاستقرار".
وتزوج سامي مؤخرا من نوال فاريح، التي تعيش في مدينة خينك وهي برلمانية من نفس الحزب من أصل مغربي. ويقول إنها شريكته في الحياة وفي الرؤية معا، ويؤمنان أن بلجيكا قادرة على أن تكون "عادلة ومتماسكة، دون شعارات فارغة".
وعن موقفه من الحرب على غزة، يقول سامي "منذ البداية، دعوت لوقف فوري لإطلاق النار، لا أقبل بقتل المدنيين، أيا كان الطرف، قلتها صراحة وكررتها داخل البرلمان، لأن المبدأ لا يتجزأ؛ حقوق الإنسان تشمل الفلسطينيين أيضا".
وفي زاوية بالمقر المتواضع لحزب سامي، تلفت الانتباه قصيدة معلّقة على عمود داخلي للكاتبة غريت أوب دي بيك، مؤرخة بالأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تقول في نهايتها "دعونا لا نكون ملائكة، لكن إن استطعنا، فلنكن بشرا، دعونا نجرؤ". وهو نص ربما يعكس جوهر وملخص المسار الذي اختاره سامي لنفسه.
في الطابق العلوي من مبنى برلمان بروكسل، يفتح فؤاد أحيدار باب مكتبه بنفسه؛ فلا حواجز ولا بروتوكولات. في الداخل، طاولة اجتماعات بسيطة تحيط بها مجموعة من الشبان، هم مساعدوه: شابة رواندية، وشاب يهودي من هايتي يُدعى كلاوديو، وآخرون من أحياء بروكسل الشعبية.
"تفضل، اجلس معنا، نحن هنا نفكر معا، لا ننتظر الأوامر من فوق"، يقول أحيدار ضاحكا.
اصطحبنا أحيدار في جولة بين قاعات برلمان بروكسل العريقة، وحدثنا عن تجربته منذ أكثر من 30 عاما، حيث خرج من حي "سان غيل" أو "حي الكسالى" كما يسمّى، وهو أحد أكثر أحياء العاصمة تهميشا، حاملا في داخله غضب المراهقين من ممارسات الشرطة، ومظلومية الأحياء المغاربية التي تُعامل كما لو أنها عبء أمني.
يقول "كنت في سن 15 عاما، وقلت: هذا لا يُحتمل، كنا نُفتَّش بلا سبب، ويُنظر إلينا كمجرمين فقط لأننا عرب، السياسة لم تكن طموحًا، بل رد فعل على الظلم".
دخل أحيدار البرلمان لأول مرة كمساعد في ديوان وزير الثقافة والشباب، ثم ما لبث أن أصبح نائبا منتخبا، وها هو اليوم يملك 3 من أصل 9 مقاعد ناطقة بالهولندية في برلمان بروكسل، أي ما يكفي لتعطيل تشكيل الحكومة أو تمريرها.
أبعد أحيدار عن حزبه اليساري، فأسس في 2024 حزبا جديدا أطلق عليه اسم "فور يو" (For You) وتعني "من أجلك". يقول "تعبت من الوعود، أردت حزبا يسمع الناس فعلا، لا حزبا يخاطبهم كل خمس سنوات فقط".
اتهامات وصمودومنذ تأسيس حزبه، يُهاجَم أحيدار بشكل متواصل من الإعلام ومن بعض خصومه الذين يصفونه بـ"الإسلامي المقنّع" أو "الإخواني المتخفي"، لكنه يرد ساخرا "أنا مسلم، واشتراكي، وبلجيكي، ولا أفهم أصلا ماذا يعني الإخوان، وهي تهمة أصبحت موضة في أوروبا لإسكات من يدافع عن المسلمين".
ويؤمن أحيدار بالتعددية ويمارسها، ويجمع فريقه البرلماني بين جنسيات وخلفيات ثقافية متنوعة، ويقول إن حزبه يضم أكثر من 60 متطوعا، لا يتقاضون أجورا بل يعملون من أجل الأحياء التي نشؤوا فيها.
إعلانويضيف "نريد فقط سياسة عادلة، وسكنا لائقا، وتعليما مجانيا، وحرية معتقد"، منتقدا تضييق السلطات على المسلمين، من منع الذبح الحلال إلى ختان الأطفال، مرورا بتقييد الحجاب ببعض المهن.
وعن غزة، يقول أحيدار "ليست مسألة دينية، بل إنسانية، حين يُقتل الأطفال ولا يتحرك الضمير الأوروبي، فهناك خلل، نحن لا نطلب انحيازا، بل عدالة فقط".
ورغم صلابته الظاهرة، يذوب حين يتحدث عن والدته، ويردف "هي الرابط في حياتي، حين أتعب اتصل بها، ويكفي دعاؤها لأشعر أنني قادر على الاستمرار".
وثمة حضور لافت للنساء المهاجرات في بلديات بلجيكا، كحال فتيحة أمردون، وهي سيدة أعمال وأم لثلاثة أطفال، جمعت بين النشاط البلدي والعمل الخيري، لتصبح صوتا مسموعا في مدينة هارلبيكي، بصفتها رئيسة جمعية "تمازيرت" وعضوا منتخبًا في البلدية عن الحزب الديمقراطي المسيحي.
تعمل فتيحة على دعم الفئات الهشة وتعزيز قيم التضامن والاندماج، وتقول "نلت ثقة الناس لأنني واجهت التحديات، لكن ذلك يجعلني أُحسب كقوة يجب الحذر منها".
في ناحية أخرى، بمدينة بلانكينبيرغ الساحلية، حيث الجالية العربية والمسلمة تكاد لا تُرى، صنعت فاطمة أوميمون حضورا سياسيا من لا شيء، إذ بدأت من العمل الجماعي والأنشطة الثقافية، واستقبال اللاجئين، قبل أن تدعوها زميلتها للانضمام إلى حزب "فووريوت" (Vooruit)، حيث رأت فيه شغفا بالناس وبتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية.
وبفضل خلفيتها القانونية وتجربتها في التعليم، شقّت طريقها السياسي بهدوء وثقة، ومنذ انتخابها عام 2018، وهي تعمل على ملفات التعليم، التعددية، ومحاربة الفقر، لتصبح أول امرأة مسلمة وعربية تُنتخب في قيادة الحزب بالمدينة.
ورغم هذه التجارب، فإن المشاركة السياسية للمواطنين من أصول عربية ومهاجرة في بلجيكا والتي قطعت شوطًا مهمًّا خلال العقود الأخيرة، لا تزال بعيدة عن تحقيق تمثيل يعكس وزنهم الديموغرافي، خاصة في المستويين الفدرالي والإقليمي الفلاماني.
ورغم بروز شخصيات مؤثرة كسامي مهدي، وفؤاد أحيدار، فإن كثيرا من النواب ذوي الأصول العربية، مثل رجاء معوان، ونبيل بوكيلي، ورشيدة آيت علوهة وغيرهم، يوجّهون جهودهم لخدمة مجتمعاتهم المحلية، والتعليم، والمساواة، بدلًا من تشكيل لوبيات ضغط فاعلة كما تفعل جاليات أخرى في دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا.
وهذا التوجّه يعكس روحا تضامنية وإنسانية، لكنه يسلّط الضوء أيضًا على الحاجة لوعي سياسي جمعي أقوى، وإستراتيجية طويلة المدى لرفع الصوت العربي في النقاش العام.