على مدى عامين، وجدت قرية "أورا أمبا" نفسها محاصرة وسط حرب طاحنة بين مقاتلي "فانو" والقوات الفدرالية الإثيوبية، مما وضع هذا المجتمع المسالم في قلب صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.

قرية "أورا أمبا": جزيرة سلام في بحر من النزاعات
تحدّق أريغاش نورو بحزن في التلال الخضراء المتمايلة وسط إقليم أمهرة، قائلة بحسرة "اعتدنا مشاهدة غروب الشمس من هنا، لكنه أصبح مشهدًا من الماضي".

لم يعد سكان القرية قادرين على تجاوز حدودها بأمان. تقول "نورو"، المحاسبة والمرشدة السياحية ذات الثلاثين عامًا، إن أصوات الطلقات النارية تتردد من حين لآخر، بينما تعرّض بعض الأهالي للخطف، وأُغلقت المدارس قسرًا.

تضيف، وهي تُطرق بنظرها إلى الأرض "الوضع السياسي قلب حياتنا رأسًا على عقب".

أريغاش نورو (يسار) المحاسبة والمرشدة السياحية تقول إن أصوات الطلقات النارية تتردد من حين لآخر (الجزيرة)

إثيوبيا وصراعها المتكرر
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعاني فيها إثيوبيا من عدم الاستقرار. فقد شهدت البلاد نزاعات دامية، أبرزها حرب تيغراي (2020-2022) التي أودت بحياة ما يُقدر بـ600 ألف شخص.

ومع ذلك، ظلّت "أورا أمبا" لفترة طويلة نموذجًا فريدًا للمجتمعات المسالمة. تأسست القرية في سبعينيات القرن الماضي كمجتمع متكافئ حيث يتقاسم الجميع العمل والمسؤوليات دون تمييز بين الجنسين.

ورغم الفوضى التي ضربت أجزاء واسعة من البلاد، كانت هذه البقعة الصغيرة ملاذًا للسلام، معتمدة على نظام اجتماعي قائم على الحوار والعدالة.

قوات من الأمهرة بجوار كنيسة في بلدة لاليبيلا بإقليم الأمهرة (رويترز)

وقد حظيت "أورا أمبا" باهتمام دولي، حيث زارها مسؤولون من الأمم المتحدة والصليب الأحمر وأوكسفام، لمراقبة هذا النموذج الاجتماعي الفريد في المنطقة.

إعلان

احتدام النزاع في أمهرة
لكن منذ عام 2023، تصاعد العنف في إقليم أمهرة، موطن الكنائس المحفورة في الصخور في لاليبيلا، وحصن غوندار التاريخي.

اندلعت الاشتباكات عندما حاول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد دمج القوات الإقليمية في الجيش الفدرالي، مما أثار مقاومة شرسة من جماعة "فانو" المسلحة.

منذ ذلك الحين، وثّقت تقارير حقوقية جرائم قتل، وانتهاكات جنسية، واعتقالات تعسفية ارتكبها الطرفان.

ووصفت "مجموعة الأزمات الدولية" الصراع بأنه "حرب تزداد خطورة"، بينما دعت منظمة العفو الدولية إلى تحقيق دولي، وأدانت "هيومن رايتس ووتش" ما وصفته بـ"جرائم حرب".

يقول الباحث بانتايهيو شيفراو تشاني، المتخصص في الشأن الإثيوبي والمقيم في كندا "المنطقة تعيش صدمة عميقة، والدمار هائل".

"أورا أمبا" في مرمى النيران
مع تصاعد العنف، لم يعد المجتمع المسالم في "أورا أمبا" بمنأى عن التداعيات.

توضح نورو، التي تعمل ضمن التعاونية المحلية التي تدير الموارد والدخل لدعم دار المسنين والأيتام "كان اقتصادنا قائمًا على الاكتفاء الذاتي، لكن الآن بات على حافة الانهيار".

عمليات حصاد الذرة في حقول القرية (الجزيرة)

في السابق، كانت القرية وجهة سياحية تستقبل آلاف الزوار سنويًا، من السياح وطلاب المدارس. كان بإمكانهم المبيت في نزل القرية، وشراء المنسوجات اليدوية والمنتجات المحلية، مما وفر مصدر دخل مستداما.

لكن كل ذلك تبدّد بين ليلة وضحاها.

يقول وركسيو محمد، المرشد السياحي البالغ من العمر 25 عامًا "كنا نروي للزوار قصة قريتنا المسالمة، أما الآن، فلا أحد يجرؤ على المجيء".

اقتصاد مشلول وانعدام للأمن
لم تقتصر الأزمة على فقدان السياحة. أصبح بيع المنتجات الزراعية، مثل الذرة والتيف، محفوفًا بالمخاطر، إذ تسيطر العصابات المسلحة على الطرقات، وتنهب المسافرين.

إعلان

يقول أياليسو زومر، أحد المزارعين المحليين "التجارة شُلت تمامًا. التنقل أصبح خطيرًا، وأحيانًا مستحيلًا. ومع توقف الدخل، باتت الحياة أكثر قسوة".

وإضافة إلى ذلك، قطعت السلطات الإنترنت في الإقليم لمنع تواصل المتمردين، مما زاد من عزلة السكان.

ألامو نورهاك، طالب جامعي يدرس تكنولوجيا المعلومات، يقول إنه لم يتمكن من متابعة دراسته عند عودته إلى قريته بسبب انقطاع الشبكة.

رجال من القرية في دار المسنين (الجزيرة)

وفي عام 2019، موّلت "أورا أمبا" بناء مدرسة تبرعت بها للدولة، لكنها أُغلقت العام الماضي بعد أن أجبر مقاتلو "فانو" المعلمين على التوقف عن التدريس، معتبرين أنها "مؤسسة حكومية".

يقول زومرا، "الحكومة أرادت استمرار المدرسة، لكن "فانو" منعتها. والنتيجة أن الأطفال هم الضحية".

اختطاف وتهديدات بالقتل
في 2023، اختُطف أحد سكان القرية على يد مسلحين طالبوا بفدية مليون بير إثيوبي (حوالي 7.900 دولار). وحتى الآن، لم يتمكن المجتمع من جمع المبلغ بالكامل.

كما اضطر زومرا نورو، مؤسس القرية، إلى الفرار مع ابنه إلى العاصمة أديس أبابا، بعد أن نجا بأعجوبة من محاولة اختطاف استهدفته.

يقول الباحث تشاني "ما لم يغيّر آبي أحمد سياساته تجاه فانو، فإن العنف سيستمر. الأمهرة يشعرون بأنهم مهمشون، وليس هناك إرادة سياسية لإشراكهم بعد اتفاق السلام الذي أنهى نزاع تيغراي عام 2022".

مستقبل مجهول
بحسب تقرير "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" الصادر في يونيو/حزيران 2024، ارتكبت القوات الفدرالية والمليشيات انتهاكات جسيمة، بما في ذلك التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون، بينما تسبب الصراع في حرمان 4 ملايين طفل من التعليم.

يقول تشاني "الحلول العسكرية لم تُنهِ أي نزاع في إثيوبيا. لا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال حوار سياسي شامل. استمرار القتال قد يؤدي إلى انهيار الدولة، ما يهدد استقرار المنطقة بأسرها".

"نحن نريد السلام فقط"
أما سكان "أورا أمبا"، فما زالوا يحلمون بالخروج من هذا الكابوس.

المسلحون باتوا ينتشرون في القرية بعد أن كانت آمنة (الجزيرة)

يقول زومرا نورو، مؤسس المجتمع البالغ من العمر 76 عامًا، والذي يعيش الآن في أديس أبابا "نؤمن بأن النزاعات يمكن حلها بالحوار والعقلانية".

إعلان

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها القرية محنة. فقد طُرد سكانها عام 1988 خلال حكم النظام العسكري الشيوعي، ولم يتمكنوا من العودة إلا في 1993 بعد سقوطه.

يختتم نورو حديثه بتفاؤل رغم كل شيء:
"لقد نجونا من صراعات كثيرة في الماضي. بالتعاون والعمل المشترك، يمكننا تجاوز هذا الألم، وإعادة السلام إلى قريتنا، وإلى إثيوبيا كلها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان

إقرأ أيضاً:

وضع شعار القرية العالمية الخاص بالموسم الـ 30 على التأشيرات الصادرة من إقامة دبي

أعلنت الإدارة العامة للهوية وشؤون الأجانب في دبي، بالتعاون مع القرية العالمية، عن وضع شعار القرية العالمية الخاص بالموسم الـ 30 على جميع التأشيرات الصادرة من إمارة دبي، إلى جانب اعتماد ختم خاص يحمل شعار القرية العالمية على جوازات القادمين إلى الدولة، احتفاءً بالذكرى الثلاثين لانطلاق القرية.

جاء ذلك خلال لقاء الفريق محمد أحمد المري، المدير العام للإدارة العامة للهوية وشؤون الأجانب بدبي، مع زينة داغر، نائب الرئيس الأول للعمليات في دبي القابضة للترفيه - القرية العالمية، وسارة المهيري، مدير إدارة التسويق والفعاليات.

كما أعلنت الجهتان أن الدخول إلى القرية العالمية سيكون مجانياً لحاملي جوازات السفر التي تحمل ختم القرية العالمية الخاص بالموسم الـ 30، وذلك لمدة عشرة أيام من تاريخ افتتاح القرية في 15 أكتوبر الحالي، على أن يكون الختم بجانب ختم الدخول ليستفيد حامله من هذه الميزة لمرة واحدة فقط.

وتُجسّد هذه الخطوة التكامل المؤسسي بين الجهات الحكومية وشركائها في القطاعين العام والخاص، بما يعكس حرص دبي على إبراز مبادراتها التي تحتفي بالتنوّع الثقافي وتُعزّز مكانتها كجسر للتواصل الحضاري بين شعوب العالم.

أخبار ذات صلة مكتوم بن محمد يعتمد استراتيجية القطاع المالي في دبي محمد بن راشد: شكراً مكتوم بن محمد.. معكم نطمئن على مستقبل اقتصادنا الوطني

وتهدف المبادرة إلى تعريف ملايين المسافرين القادمين إلى دبي بهذا المعلم الذي يجمع ثقافات العالم في تجربة واحدة، ويجسّد القيم التي تقوم عليها هوية الإمارة: الانفتاح، والتسامح، والإنسانية.

وتأتي المبادرة في إطار حرص إقامة دبي على دعم الفعاليات الوطنية والمشاريع التي تُبرز الوجه المشرق للإمارة، وتُعزّز تجربة الزوّار من لحظة وصولهم إلى منافذها، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية دبي 2033 واستراتيجيتها في تعزيز مكانتها كوجهة عالمية نابضة بالحياة تجمع بين الثقافة والابتكار وجودة الحياة.

وتُعدّ القرية العالمية واحدة من أبرز الوجهات السياحية والثقافية في دبي، حيث تستقطب ملايين الزوّار سنوياً من مختلف أنحاء العالم، وتقدّم تجربة فريدة تجمع بين أجنحة الدول، والعروض الفنية، والأنشطة الترفيهية التي تحتفي بالتنوّع الثقافي في أبهى صوره.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • ترامب: ممتن للدول العربية والإسلامية التي ساهمت في اتفاق السلام لإنهاء الأزمة في غزة
  • نقل عجمان تعيد تشغيل خط القرية العالمية
  • لندن | فوز تحكيمي لصالح المؤسسة الوطنية للنفط في نزاع «نور (1)»
  • ترامب: سنفعل شيئًا لا يُصدق.. وأشيد بالدول العربية التي تعهدت بإعادة إعمار غزة
  • قلادة النيل الأرفع.. قائمة الشرف التي انضم إليها ترامب بأمر من الرئيس السيسي
  • شرم الشيخ.. مدينة السلام التي تحتضن الأمل من جديد
  • وضع شعار القرية العالمية الخاص بالموسم الـ 30 على التأشيرات الصادرة من إقامة دبي
  • نزاع على ملكية الأرض.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو لودر قنا
  • صالون نفرتيتي يحتفي بالحرب والسلام وأمجاد مصر التي خلدها التاريخ بمركز إبداع.. غدا
  • السيسي يقول إن ترامب يستحق نوبل للسلام ويدعوه لرعاية اتفاق غزة