حفلات التخرج الخاصة.. عرف فرضه مجتمع وسائل التواصل
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
العين: منى البدوي
بذخ وخروج عن نطاق المعقول، تحت مسمى «حفل تخرج»، يقيمه الأهالي لأبنائهم، حيث لا تكتفي بعض الأسر بالحفل الذي تقيمه المؤسسة التعليمية للطلبة الخريجين، بهدف مشاركتهم الفرحة وتحفيزهم لمواصلة المشوار الدراسي، بل عمدت إلى إقامة حفلات خاصة ترتدي ثوب حفلات الزفاف، سواء في التجهيزات داخل قاعة الاحتفال، أو الاستعدادات المصاحبة من ملابس وبوفيه عشاء وفرق فولكلورية.
بالرغم من أن مشاركة الطالب وأسرته فرحة التخرج تكون لها انعكاسات إيجابية نفسية واجتماعية، فإن الخروج عن نطاق الإمكانات المادية قد يسبب ضغطاً على ولي الأمر، ويرى البعض أن حفلات التخرج الخاصة التي يقيمها بعض الأسر للاحتفاء بأبنائهم، باتت عرفاً فرضه مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي الذي بات مضماراً للتنافس في عرض الإمكانات المادية والمكانة الاجتماعية.
50 ألف درهمارتدت حفلات التخرج الخاصة، التي غالباً ما يتم عرض مقاطع منها على وسائل التواصل الاجتماعي للتباهي والتفاخر، ثوب حفلات الزفاف، ليس فقط من حيث إرسال بطاقة دعوة إلكترونية تتضمن اسم الفندق أو القاعة والموعد المحدد للحفل وبوفيه العشاء والفرق الفولكلورية وترتيبات القاعة، وإنما من حيث التكلفة المالية التي قد تصل إلى 50 ألف درهم، بحسب ما أشار البعض، وهو إجمالي المدفوع الذي يتضمن التجهيزات داخل الصالة والاستعدادات المصاحبة التي يحتاجها أفراد الأسرة من ملابس وغيرها.
وقالت رشا درويش، موظفة، من الطبيعي أن نحتفل بإنجازات أبنائنا ضمن حدود المعقول والإمكانيات ودون الخروج عن نطاق ثقافتنا المحلية، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أولها إفساح المجال لجميع أفراد العائلة للمشاركة في الفرح، وهو ما يسهم في بث مشاعر الفرح في نفس الخريج وشحذه بالهمة لمواصلة مشواره التعليمي أو العملي وأيضاً إشعاره بالإنجاز الذي حققه.
وأضافت أن ما نراه اليوم من مظاهر دخيلة امتدت لحفلات التخرج، يجعلنا نشعر بالاستياء، وهو ما أعتقد أن أسبابه تعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي خلقت عرفاً دخيلاً على مجتمعنا يتمثل بضرورة إقامة حفل فاخر جداً، وإن كان ذلك يفوق الإمكانيات المادية أو يدفع ولي الأمر للاقتراض.
وأكدت ضرورة أن يكون ولي الأمر على درجة عالية من الوعي، والاكتفاء بالحفل المدرسي أو إقامة حفل عائلي بسيط يُشعر الطالب بإنجازه وهو ما سيحقق العديد من الأهداف المعنوية المرجوة.
الرغبات والإمكانياتذكرت فادية سويدان، موظفة، أن حفلات التخرج باتت عرفاً رائجاً بين أفراد المجتمع، وذلك لأن الحفلة التي تتم إقامتها في المؤسسة التعليمية تقتصر على الطالب وأسرته، بينما حفل التخرج يجمع الأهل والأصدقاء الذين يرغبون بمجاملة أسرة الطالب وتقديم التهاني لهم.
وأشارت إلى أنه بالرغم من إيجابيات إقامة حفل يجتمع فيه الضيوف في يوم واحد، فإن البعض بدأ يأخذ منحنيات أخرى من حيث الهدف الرئيسي وهو المشاركة في الفرحة وتقديم المجاملات، وذلك بالمبالغة في دفع تكاليف الصالة وأعداد الضيوف وإكسسوارات الزينة والهدايا الرمزية التذكارية التي يتم تقديمها للضيوف وغيرها.
وقالت إن الأسرة يجب أن تكون قادرة على التنسيق ما بين رغبات الابن وإمكانياتها المادية، بحيث لا يكون الظهور بمستوى اجتماعي مرتفع على حساب ضغط الأسرة، خاصة أن التكاليف لا تقتصر فقط على الاستعدادات داخل القاعة، إنما تمتد للملابس وتكاليف التزيين بالصالونات النسائية وغيرها من التحضيرات الأخرى المصاحبة لأي حفل.
المبالغةقالت عبير صبري، ولية أمر، إن ابنتها تطالبها بإقامة حفل خاص، لأن جميع زميلاتها بالفصل سيقمن حفلات، بالرغم من أن المدرسة قد نظمت حفلاً رائعاً، وهو ما يجعلها ترضخ لطلبها، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن يتناسب الحفل البسيط مع الإمكانيات المادية.
وأشارت إلى أن إقامة حفل لا يعني بالضرورة البذخ أو تقليد الغير على حساب ضغط الأسرة مادياً، وهو ما أحاول أن أقنع به أبنائي، خاصة أن المبالغة في الحفلات يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، إضافة إلى أن المبلغ المادي الذي سيتم دفعه من الأولى أن يتم صرفه على التعليم أو الحياة المعيشية بشكل عام.
اختيارات الزبونقال غسان النمر صاحب إحدى شركات خدمات الأفراح، إن حفلات التخرج واحدة من سبل التعبير عن مشاعر الفرح بتخرج الابن أو الابنة، كما أنه فرصة لاجتماع المهنئين في يوم واحد بدلاً من أن تستعد الأسرة يومياً لاستقبالهم في المنزل.
وأضاف أن طلبات تنظيم هذه الحفلات تندرج ضمن الخدمات التي نقدمها للزبائن وفقاً لطلباتهم وإمكانياتهم المادية، وهو ما يتراوح بين 4 إلى 30 ألف درهم، ويتم تحديد السعر بناء على ما يتم إدراجه من طلبات، سواء تقديم بوفيه عشاء فاخر أو متوسط ومنصة تخرج تتضمن صورة للخريج إضافة إلى شخص يقوم بتشغيل وتنسيق الأغاني ومقاعد معينة للضيوف وعاملات لتقديم الضيافة وغيرها، ويبقى الاختيار في نهاية المطاف للزبون.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات حفلات وسائل التواصل حفلات التخرج إقامة حفل وهو ما
إقرأ أيضاً:
قوة المجتمع في ترابطه الأسري وتماسكه
تعصف بالعالم تغيرات سياسية واقتصادية وثقافية متسارعة تهدد بخلخلة بنية المجتمعات وتفكيك روابطها وقيمها التقليدية، وتشكل خطرا حقيقيا على استقرارها وازدهارها.
في مقابل ذلك.. يترسخ الترابط الأسري في سلطنة عُمان ليشكل أيقونة فريدة للهوية ودعامة قوية للأمن والاستقرار تحفظ تماسك المجتمع.
والجدير بالنظر أن هذا الترابط الأسري الفريد في المجتمع العماني تأسس عبر التاريخ كبنية ثقافية واجتماعية، تنبع من حضارة عميقة الجذور، أنتجت قيما أصيلة تحكم علاقات الأفراد وتنظم مصالحهم قوامها الشعور بالانتماء والولاء للأرض العمانية، وسياجها الألفة والتضامن، ما يجعل الأسرة أساسًا صلبًا لمجتمع قوي يتفاعل مع تحديات العصر دون أن يفقد اتزانه الحضاري وبوصلته القيمية.
ولعل من أهم سمات البيئة الأسرية في عُمان أنها تقوم على روابط متينة تتجاوز الأطر العاطفة الشكلية لتصل إلى عمق الشعور بالمسؤولية المشتركة والانتماء المخلص لقيم المواطنة ومكتسبات الوطن، وهو ما أكدته نتائج الاستطلاع الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات هذا العام، حيث أظهرت أن 88% من العمانيين يشعرون بوجود ترابط أسري قوي.
هذه النسبة المرتفعة تعكس انسجام الواقع الاجتماعي وترابط مصالح الأفراد وطموحاتهم في البناء والمشاركة المجتمعية في التنمية. كما تعكس بذات القدر صلابة القيم التي يمتاز بها المجتمع العُماني وتحكم سلوك أفراده وتفاعلاته مع المجتمعات الأخرى ويستمد منها قدرته على التمسك بهويته في مواجهة تيارات العولمة والتفكك الذي بات ظاهرة مقلقة في كثير من دول العالم.
ولا شك أن الأسرة تؤدي الدور الأكبر للمحافظة على هذا التماسك الذي ينعم به المجتمع العُماني.. فهي المسؤولة عن تنشئة الأفراد على قيم المحبة والتضامن والاحترام، وتعمل المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية، على ترسيخها. وتوظيف هذه المنظومة لتكوين بيئة حاضنة تعزز الثقة والأمان، وتدفع الأفراد إلى بناء علاقات اجتماعية منسجمة ومستقرة.
ورغم التداعيات الاجتماعية التي تفرضها وسائل التواصل والمنصات الرقمية على واقع الأسرة، أثبت العمانيون قدرتهم على التكيف مع معطيات العصر، دون أن تنال من سمتهم وأخلاقهم وترابطهم الأسري.. يعضد ذلك المبادرات الداعية إلى استثمار الجوانب المضيئة لوسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها كأداة لتعزيز الروابط وبناء العلاقات وهو ما يدل على مستوى عالٍ من الوعي والنضج، المدعوم بثقافة أصيلة تذكي قيمة التكاتف والتكافل والوئام.
إن الحفاظ على هذا التماسك المجتمعي يتطلب وعيًا مستمرًا من الجميع، أفرادًا ومؤسسات، بضرورة تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم والانتماء، وتفعيل أدوار المدرسة والمسجد ومؤسسات المجتمع المدني، لتكون منصات فعالة لبناء المبادرات المجتمعية وتعميق الروابط بين مختلف فئات المجتمع. وبقدر ما نتمسك بترابطنا الأسري، نحمي مجتمعنا من شتات الأفكار الضالة ونمنحه قدرة أكبر على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أكثر أمنا وأملا وتطلعا.