الجزيرة:
2025-06-26@10:38:12 GMT

هل تفتح أوروبا الآن أبوابها لتركيا؟

تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT

هل تفتح أوروبا الآن أبوابها لتركيا؟

يعيش حلف شمال الأطلسي (الناتو) حالة من الضبابية لم تمر عليه منذ تأسيسه في أبريل/ نيسان 1949، في ظل حديث لا ينقطع عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من الحلف، الذي تأسس لمواجهة خطر الاتحاد السوفياتي آنذاك، والمفارقة أن أوروبا تواجه اليوم أخطارًا أمنية متزايدة من روسيا، وريثة الإمبراطورية الشيوعية البائدة.

هذه الضبابية التي يعيشها الحلف على وقع تصريحات متفرّقة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ومن معاونيه، دفعت القارة الأوروبية إلى البحث عن تأسيس منظومة جديدة للأمن والدفاع، بعيدًا عن المظلة الأميركية التي أظلت أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

لكن قرار الاعتماد على النفس، ليس بالقرار السهل للأوروبيين، إذ يتعلق الأمر بزيادة النفقات العسكرية، ودعم الصناعات الدفاعية، وإعداد تصور إستراتيجي لمستقبل القارة العسكري، بحسب ما أقرته السياسة الدفاعية الجديدة التي اعتمدها المجلس الأوروبي خلال قمته الاستثنائية في بروكسل الشهر الجاري.

من هنا كان قرار الاتحاد الاستعانة بأعضاء من خارجه للمساهمة في تدعيم المشروع الأمني الجديد، حيث وقع الاختيار على بريطانيا وتركيا.

تحركات أوروبية

منذ مطلع مارس/ آذار الجاري، كان واضحًا أن التحركات الأوروبية لدعم أوكرانيا، وبحث المنظومة الدفاعية في القارة العجوز، حرصت على جذب تركيا إلى الدوائر النقاشية.

إعلان

حيث استضافت بريطانيا قمة أوروبية استثنائية، بمشاركة 10 قادة أوروبيين، إضافة إلى كندا وتركيا، التي مثلها وزير الخارجية، هاكان فيدان، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وبعدها بأيام قليلة شاركت تركيا في اجتماع "الدول ذات التفكير المماثل" الذي نظمه الاتحاد الأوروبي، حيث شارك فيه زعماء أوروبيون، ورئيس وزراء كندا، إضافة إلى الرئيس التركي.

حيث أكد أردوغان في كلمته التي ألقاها عبر الإنترنت، أن "التحديات الراهنة كشفت مرة أخرى مدى أهمية العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالنسبة للأمن الاقتصادي والدفاعي لأوروبا".

كما أشار إلى قدرة بلاده على لعب دور مؤثر في الصراع الروسي الأوكراني، بما في ذلك استضافة مفاوضات سلام بين الطرفين، خاصة أن تركيا تمتلك خبرة في هذا الجانب ونجحت عام 2022 في الوساطة بين الطرفين والتوصل إلى اتفاق، تم إفشاله سريعًا بواسطة رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون.

لكن الملاحظ أن الرئيس التركي لم يعرض خدمات مجانية للأوروبيين، فقد أعلن في المقابل تمسك بلاده بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلغاء استبعاد تركيا من برامج إمدادات المنتجات الدفاعية للاتحاد الأوروبي وإعادة الإعمار في أوكرانيا.

وأضاف أردوغان "أنه من مصلحة الطرفين التصرف بمنظور إستراتيجي طويل الأمد في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي".

إذن هناك قناعة لدى أنقرة أنه لا يمكن لأوروبا تأسيس منظومة أمنية جديدة بدونها، وبحسب تعبير الوزير هاكان فيدان فإنه: "لا يُمكن بناء هيكل أمني مستدام ورادع للاتحاد الأوروبي إلا بمشاركة تركيا".

توسك في أنقرة

يقول المثل البولندي القديم: " إذا لم تشرب الخيول التركية من مياه نهر فيستولا، فلن يتم إنقاذ بولندا"، هذا المثل يعكس عمق الروابط التي تجمع شعبَي البلدين منذ عهد الدولة العثمانية.

إعلان

ومن هنا كانت مبادرة، رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، بزيارة أنقرة في 12 مارس/ آذار الجاري، لبحث الترتيبات الأمنية الأوروبية مع أردوغان، خاصة أن توسك كان رئيسًا للمجلس الأوروبي، عندما تفاوض مع تركيا بشأن اتفاق عام 2016 للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

توسك كان صريحًا وواضحًا وهو يطلب من أردوغان "أن يتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤولية عن استقرار المنطقة"، مؤكدًا أن "تخطيط أوروبا لكافة الخطوات المتعلقة بأمن القارة بالتعاون مع تركيا سيكون في مصلحة الجانبين".

لكنه كان من الذكاء بمكان بحيث لم يتجاهل المطلب الرئيس لتركيا حيث قال: "نريد أن تصبح تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي".

هذا الإلحاح الأوروبي على جذب الأتراك إلى منظومتهم الأمنية المرتقبة يثير تساؤلًا عما يمكن أن تقدمه تركيا لأمن القارة الأوروبية.

تركيا والأمن الأوروبي

منذ قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي، ديسمبر/ كانون الأول 1999 وتركيا تحمل صفة "دولة مرشحة" للانضمام للاتحاد، ولكن منذ ذلك الحين لم يحرز الملف تقدمًا ملحوظًا.

لكن من جهة أخرى، فإن من الخطأ اختزال علاقة تركيا بأوروبا في ملف الانضمام للاتحاد، إذ يرتبط الجانبان بعلاقات جغرافية وأمنية وسياسية لا يمكن تجاوزها.

فرغم أن كثيرين يصنفون تركيا دولة آسيوية، باعتبار أن الجزء الأكبر من أراضيها (الأناضول) يقع في الجانب الآسيوي، فإنه لا يمكن إنكار أنه لا يمكن الفصل طبيعيًا بين آسيا وأوروبا، إذ تعتمد عوامل الفصل على محددات ثقافية وسياسية واقتصادية أكثر منها جغرافية.

كما تتداخل جغرافية تركيا مع نظيرتها الأوروبية باعتبارات عدة، حيث تضم تركيا منطقة شرق تراقيا ما يجعلها تصنف دولة بلقانية، كما أن إطلالتها على بحر إيجه وشرق المتوسط تجعل منها دولة جنوب أوروبية.

وعلى المستويين؛ السياسي والأمني تعد تركيا دولة مؤسسة للعديد من الهياكل الأوروبية ذات الأهمية، مثل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، التي يتولى أمانتها العامة الآن الدبلوماسي التركي، فريدون سينيرلي أوغلو.

إعلان

كما ساهمت تركيا في تعزيز الأمن في دول أوروبا الغربية، خلال سنوات الحرب الباردة، عبر عضويتها المبكرة والفعالة في حلف شمال الأطلسي.

لكن السنوات التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وحلف وارسو، قادت إلى تهميش الأهمية التركية لحلف الناتو والأمن الأوروبي، بتراجع أهمية الحدود الجنوبية للحلف وأوروبا.

أما اليوم فتتجدد الحاجة لتركيا، للمساهمة في حفظ أمن القارة الأوروبية، فهي تمتلك ثاني أكبر قوات برية في الناتو بتعداد يتجاوز 750 ألف جندي عامل واحتياطي.

لكن الأهم من العدد، كما يقول فيدان، أنّ هذا الجيش"يمتلك عناصر ومعدات قتالية تم اختبارها في ساحة المعركة. فكم عدد الجيوش التي يمكن تكوينها في أوروبا وتتمتع بهذه الخبرة؟" والتساؤل هنا للوزير التركي.

كما أنّه بحسب موقع جلوبال فاير باور، يحتل الجيش التركي المركز التاسع ضمن أفضل عشر قوى عسكرية عالمية لعام 2025.

وفي مجال الصناعات الدفاعية، حسب تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فقد ارتفعت حصة الشركات التركية في الصادرات العالمية للأسلحة من 0.8% خلال الفترة بين 2015 و2019 إلى 1.7% بين 2020 و2024، ما جعلها تحتل اليوم المرتبة الحادية عشرة في صادرات الدفاع العالمية بحسب إعلان أردوغان.

وفي الملف الأوكراني، رغم سياسة الحياد التي انتهجتها أنقرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فإن ذلك لم يحُل دون تزويدها كييف بالطائرات المسيرة والقذائف.

كما أغلقت تركيا مضائقها وأجواءها، أمام السفن والطائرات العسكرية الروسية، وقادت بالاشتراك مع رومانيا وبلغاريا، قوة لكشف الألغام في البحر الأسود دون السماح بمشاركة أي قوى خارجية.

كذلك أعلنت تركيا استعدادها المساهمة في أي قوة دولية لحفظ السلام في أوكرانيا، خلال المرحلة المقبلة.

إعلان

وعلى الصعيد الإنساني نجحت تركيا في التوصل إلى اتفاقية تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا عام 2022، تحت رعاية الأمم المتحدة.

إذن فتركيا تمتلك فعليًا ما يمكن أن تقدمه للقارة العجوز في ملفَّي الأمن ودعم أوكرانيا، فما الذي يمكن أن تقدمه أوروبا لتركيا؟

ماذا لدى الاتحاد الأوروبي؟

تقديري أن قبول عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي أمر بالغ الصعوبة حاليًا، فبعيدًا عن الأسباب الجيوثقافية، فلا تزال هناك ملفات عالقة تحول دون ذلك الآن، وأهمها ملف العلاقات التركية اليونانية، التي يصعب تطبيعها الآن؛ بسبب ملفَّي جزر بحر إيجه، والتنقيب عن الغاز والثروات المعدنية شرق البحر المتوسط.

أيضًا تلعب الأزمة القبرصية دورًا ضاغطًا في عدم إنجاز الانضمام، إذ تملك كل من اليونان وإدارة قبرص الجنوبية حق الاعتراض داخل الاتحاد، وتعطيل انضمام تركيا.

لكن مع ذلك، فالاتحاد الأوروبي يمكنه منح تركيا بعض الامتيازات والفرص، مثل إنهاء جميع العقوبات السالبة المتعلقة بتصدير الصناعات الدفاعية إليها، وإنهاء استبعادها من الشراكات الأمنية بين الاتحاد وحلف الناتو، كذلك إدراجها ضمن الدول المشاركة في التعاون الهيكلي الدائم المعروف باسم PESCO، وهو تجمع يهدف إلى تعميق التعاون الدفاعي بين دول الاتحاد الأوروبي.

على المستوى الاقتصادى، فإنه يمكن للاتحاد الاستجابة لطلب تركيا المُلح والمتكرر، بتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي.

أيضًا فإن تركيا تحتاج اليوم إلى إنهاء أزمة تأشيرات منطقة "شنغن" والتي كانت مدرجة ضمن اتفاقية اللاجئين الموقعة بين الطرفين، لكن لم يفِ بها الاتحاد حتى اليوم، وتفاقمت الأزمة في ظل الرفض المتزايد لمنح التأشيرة للمواطنين الأتراك.

وأخيرًا فإن التوافقات التركية الأوروبية بشأن الأمن والدفاع، لن تكون نهاية المطاف، فلربما تضع أنقرة أمام تحديات جديدة في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الاتحاد الأوروبی ترکیا فی لا یمکن

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر لسفيرة الاتحاد الأوروبي: ما يحدث في غزة إبادة جماعيَّة

استقبل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الاثنين بمشيخة الأزهر، السيدة أنجلينا أيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى القاهرة؛ لبحث سُبل تعزيز التعاون العلمي المشترك.

وقال الإمام الأكبر، إنَّ عالم اليوم مليء بالحروب والصراعات التي لا تحكمها أية قواعد أو أخلاق، فهي حروب قاسية لا تضع أي معايير لقتل الأطفال والنساء وهدم المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، مؤكدًا أن صُنَّاع قرار هذه الحروب فاقوا الوحوش في الغابات، بل لا أظن أن الوحوش قد وصلت إلى هذه البشاعة في القتل وسفك دماء الأبرياء، حتى شاهدنا ما عُرف بـ«مصيدة الجوع» من خلال تجويع الأبرياء لإجبارهم على الخروج واستهدافهم وقتلهم.

وأكد أنَّ تمكين الاحتلال في غزة من ممارسة أبشع الجرائم والمذابح والإبادة الجماعية هو جريمة لا يمكن محوها، مشيرًا إلى أنَّ من يدعمونه للاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم يستندون إلى فلسفات مادية تقوم على صراع الحضارات والنظريات الاستعمارية التي انتشر الحديث عنها لتمرير الأفكار الاستعماريَّة الجديدة وتبرير قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم وديارهم.

كما أكَّد شيخ الازهر أن هذه التوجهات الاستعمارية، للأسف الشديد، تنال من الجهود المبذولة لإرساء ثقافة التعايش والأخوة، وتعرقل الجهود التي تُبذل لتحقيق تقارب حقيقي بين الشرق والغرب، مصرحًا: “كل النداءات لإرساء التقارب والأخوة تذهب هباءً حينما تتفشَّى غطرسة القوة، ونحن مؤمنون بأن هناك عدالة في السماء وستأتي، ونؤمن بأن تأخيرها لسبب إلهي”، وتساءل مستنكرًا: “ما السرُّ وراء هذه القوة الشيطانية التي تُجهض أي قوى أخرى؟!”، مضيفًا: “نشعر بخيبة أمل؛ لأن السياسات الحالية لها منطلقات غير إنسانية”.

وأكد شيخ الأزهر أننا كنا نظن أن إنسان القرن الحادي والعشرين أكثر حظًّا من سابقيه، وأنه سيكون في قمة السعادة والتحضُّر والإنسانية، ولكننا فوجئنا بأنه أكثر تعاسة وفقدانًا للحقوق، بسبب إقصاء الدين والأخلاق، وتقديم اقتصاد السلاح على حماية الأرواح البريئة.

من جانبها، عبَّرت سفيرة الاتحاد الأوروبي عن سعادتها بلقاء شيخ الأزهر، وتقديرها لجهود فضيلته في نشر قيم الأخوة والتعايش، وإرساء ثقافة العمل من أجل الإنسانية، مشيرةً إلى أن هناك تعاونًا مثمرًا بين الأزهر والاتحاد الأوروبي، يُنفَّذ من خلاله العديد من المبادرات والبرامج التي تستهدف نشر ثقافة السلام وتأهيل القيادات الشبابية للمشاركة في صناعة السلام، مؤكدةً سعي الاتحاد الأوروبي إلى استمرار هذا التعاون المثمر مع الأزهر وتعزيزه في المستقبل.

مقالات مشابهة

  • اللجان الامتحانية تفتح أبوابها لاستقبال طلاب الثانوية العامة لأداء امتحاني الفيزياء والتاريخ
  • بأرقام مذهلة.. تركيا تقترب من صدارة أوروبا
  • أرباح البنوك الأوروبية مهددة بالتآكل إذا طبقت رسوم ترامب
  • الاتحاد الأوروبي يقدم 20 مليون يورو للاجئين في تركيا
  • «الشارقة للاتصال» تفتح أبوابها للمبادرات الشبابية
  • هيئة الاستثمار تبحث جاهزية القطاع الخاص لتطبيق آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية
  • أوروبا ترفع القبعة لتركيا
  • وقف الحرب واستعادة الأموال - مصطفى يطلع ممثلي البعثات الأوروبية على آخر المستجدات
  • شيخ الأزهر لسفيرة الاتحاد الأوروبي: ما يحدث في غزة إبادة جماعيَّة
  • الاتحاد الأوروبي يقدم دعمًا للاجئين في تركيا