بعد سنوات من التعثر.. هل تحل محادثات جنيف قضية قبرص؟
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
أنقرة- تتجه الأنظار إلى العاصمة السويسرية جنيف، حيث تنطلق جولة جديدة من المحادثات حول مستقبل جزيرة قبرص يومي 17 و18 مارس/آذار الجاري، وسط خلافات عميقة تجعل أي اختراق دبلوماسي مهمة شاقة.
فبعد عقود من التعثر، يجد القبارصة اليونانيون والأتراك أنفسهم أمام اختبار جديد، بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في محاولة لرأب الصدع بين الطرفين.
ومع تعقد المشهد الإقليمي وتصاعد التوترات في شرق المتوسط، تبدو الخيارات محدودة، مما يطرح تساؤلات حول فرص النجاح هذه المرة وما يمكن أن تحمله الأمم المتحدة من حلول لتقريب وجهات النظر.
ما أهمية هذه المحادثات؟تعود القضية القبرصية إلى الواجهة بعد فشل آخر جولة تفاوضية في سويسرا عام 2017، التي انهارت بسبب الخلاف حول الضمانات الأمنية ووجود القوات التركية في الجزيرة. وخلال العقود الماضية، شهد الملف أكثر من 15 جولة تفاوضية رئيسية، لم تسفر عن حل دائم، إذ اصطدمت كل المحاولات بعقبات سياسية عميقة.
اليوم، تُعقد المحادثات في ظرف إقليمي متغير، إذ تلعب التحالفات الجيوسياسية دورا في تعقيد الأزمة. فمع تصاعد التنافس على موارد الطاقة في شرق المتوسط، وتعزيز قبرص اليونانية علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، تزداد المخاوف من استبعاد تركيا والقبارصة الأتراك من ترتيبات المنطقة.
إعلانمن جانبها، تقول الخبيرة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، للجزيرة نت، إن الاجتماع "ليس بداية فعلية لمفاوضات شاملة، بل مجرد محاولة لاستكشاف مدى وجود أرضية للحوار"، مؤكدة أن الأمم المتحدة تسعى فقط لتحريك الملف دون امتلاك أدوات ضغط حقيقية، مما يجعل فرص تحقيق تقدم ملموس شبه معدومة.
ما مطالب الأطراف الرئيسية؟تتباين مواقف الأطراف في النزاع القبرصي إلى حد يجعل من التوصل إلى اتفاق مهمة شبه مستحيلة. فبينما يطالب القبارصة اليونانيون بإعادة توحيد الجزيرة تحت نظام فدرالي يضمن لهم السيطرة السياسية، يصر القبارصة الأتراك على أن الحل الوحيد الممكن هو الاعتراف بجمهورية شمال قبرص كدولة ذات سيادة متساوية، وهو ما تدعمه أنقرة بشكل مطلق.
وترى تركيا أن نموذج الاتحاد الفدرالي لم يعد قابلا للتطبيق، خاصة بعد فشل جولات التفاوض السابقة. في المقابل، تصر اليونان والقبارصة اليونانيون على رفض أي سيناريو يعترف بجمهورية شمال قبرص، معتبرين أن هذا الطرح "يقوض وحدة الجزيرة ويتعارض مع قرارات الأمم المتحدة".
في هذا السياق، أكد وزير خارجية جمهورية شمال قبرص التركية تحسين أرطغرل أوغلو، في تصريحات لوكالة رويترز، أن اجتماع جنيف لا يمثل فرصة لاستئناف المفاوضات وفق الصيغة السابقة، بل هو مناسبة لإعادة تأكيد موقف بلاده أن الحل الوحيد الممكن هو الاعتراف بدولتين مستقلتين ذات سيادة متساوية.
وشدد على أن إصرار القبارصة اليونانيين على إعادة التفاوض وفق شروط 2017 "غير واقعي".
جمهورية شمال قبرص التركية ترفض وتكذب مزاعم الاحتلال الإسرائيلي عن استخدام #إيران لأراضيها لتنفيذ ما أسمته "أنشطة إرهابية".. فما هدف إسرائيل من هذه الادعاءات؟
#حرب_غزة pic.twitter.com/q8C1tBXH3L
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 13, 2023
ما العقبات الرئيسية أمام التوصل إلى حل؟يرى المحلل السياسي مراد تورال أن أي مسار تفاوضي حول قبرص يواجه عقبات بنيوية وسياسية عميقة جعلت من التوصل إلى حل دائم أمرا شبه مستحيل، وأبرزها:
إعلان غياب الاعتراف المتبادل، إذ يرفض القبارصة اليونانيون الاعتراف بسيادة القبارصة الأتراك، في حين ترى تركيا أن الحل الفدرالي لم يعد خيارا قابلا للتطبيق. التدخلات الدولية والتحالفات العسكرية، إذ عززت قبرص اليونانية تعاونها العسكري مع إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، إضافة إلى رفع الحظر الأميركي على تصدير الأسلحة إليها، مما غيّر التوازن الأمني في المنطقة وأثار قلق أنقرة. الصراع على موارد الطاقة، إذ تزيد اتفاقيات قبرص اليونانية مع مصر واليونان وإسرائيل في ملف الغاز، واستبعاد القبارصة الأتراك من هذه الترتيبات، من حدة التوترات الإقليمية.ويضيف تورال للجزيرة نت أن المشكلة القبرصية لم تعد محصورة في الجزيرة، بل تحولت إلى جزء من صراع جيوسياسي إقليمي، حيث تلعب القوى الدولية دورا في تعميق الانقسام بدلا من إيجاد حلول وسط.
ما الذي يمكن أن تقدمه الأمم المتحدة؟على الرغم من جهود الأمم المتحدة المستمرة، فإنها لم تنجح في فرض تسوية دائمة، حيث يقتصر دورها على إدارة النزاع دون أدوات ضغط فعالة.
وترى الباحثة أوزبينار أن دور المنظمة ظل محدودا لأنه لم يتعامل مع جوهر المشكلة، وهو الاعتراف المتبادل بين الطرفين. وتضيف أن أي محاولة لإحياء المفاوضات دون معالجة هذه المعضلة ستؤدي إلى إبقاء الوضع كما هو، دون تحقيق أي اختراق فعلي.
يُذكر أن تقارير صحفية تشير إلى أن الاجتماع جاء بطلب يوناني، إذ يسعى زعيم الإدارة القبرصية اليونانية نيكوس كريستودوليدس، المدعوم من الأحزاب المتشددة، إلى كسر الجمود السياسي، في خطوة تبدو أقرب لمحاولة تسجيل موقف دبلوماسي أكثر من كونها تحركا حقيقيا نحو تسوية.
ما السيناريوهات المحتملة؟تؤكد الباحثة أوزبينار أن الاجتماع "ليس بداية فعلية لمفاوضات شاملة، بل مجرد محاولة لاستكشاف إذا ما كان هناك أي مجال للحوار"، لكن المؤشرات الحالية لا تعكس أي استعداد من الأطراف لتقديم تنازلات.
إعلانوترجح أن الاجتماع لن يسفر عن أي اختراق حقيقي، بل سينتهي بأحد السيناريوهات التالية:
استمرار الجمود: وهو السيناريو الأرجح، إذ يتمسك كل طرف بمطالبه دون تغيير، مما يبقي الوضع على ما هو عليه. تصعيد دبلوماسي وتوتر إقليمي: إذا فشلت المحادثات تماما، قد تتصاعد التوترات بين تركيا واليونان، مما يدفع أنقرة إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة في شرق المتوسط. إجراءات محدودة دون تسوية شاملة: قد تثمر المحادثات عن تفاهمات جزئية، مثل فتح معابر جديدة أو ترتيبات اقتصادية، من دون أن تؤدي إلى حل سياسي. ما التداعيات الإقليمية لهذه المحادثات؟تتجاوز محادثات جنيف الإطار القبرصي، إذ تؤثر بشكل مباشر على التوازنات في شرق المتوسط. ويرى الباحث تورال أن هذه الجولة "لن تغير المشهد، لكنها ستعزز الانقسامات، خاصة مع استمرار التحركات العسكرية لقبرص اليونانية وتحالفاتها مع إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، التي تعتبرها أنقرة محاولات لتقليص نفوذها".
ويضيف أن استبعاد تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية من ترتيبات الطاقة الإقليمية يعمق التوتر، مما قد يدفع أنقرة إلى خطوات أكثر حدة، سواء عبر اتفاقيات بحرية جديدة أو تحركات في البحر المتوسط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان القبارصة الأتراک قبرص الیونانیة فی شرق المتوسط الأمم المتحدة شمال قبرص
إقرأ أيضاً:
هل غير ترامب رأيه حول شراء تركيا مقاتلات F35.. أردوغان يجيب
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه بحث مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب مسألة مقاتلات "إف 35"، مشيرا إلى أن الأخير يحمل نية حسنة بشأن شراء أنقرة لهذه الطائرات.
وقال أردوغان عقب مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بمدينة لاهاي: "ناقشنا مع ترامب مسألة مقاتلات "إف 35"، ونرى أنه يحمل نية حسنة بشأن شرائنا هذه الطائرات التي دفعنا لأجلها ما يصل إلى 1.4 مليار دولار".
وذكر أن الاجتماع مع الرئيس ترامب لم يُدرج فيه مسألة منظومة الدفاع "إس 400" لأنها مسألة محسومة.
وعن شراء تركيا مقاتلات "يوروفايتر" قال أردوغان: "نواصل محادثاتنا مع بريطانيا وألمانيا وهناك تطورات إيجابية في هذا الصدد".
وحول قرارات قمة الناتو، ذكر أردوغان: "قررنا خلال جلسة مجلس الناتو رفع إنفاقنا الدفاعي إلى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عشر سنوات".
وأضاف أن القرار ضروري لحلف الناتو في ظلّ تفاقم الأزمات الحالية وظهور أزمات جديدة يومًا بعد يوم.
وأكد أن الإشراك الكامل للحلفاء غير الأعضاء في مبادرات الاتحاد الأوروبي للصناعات الدفاعية سيكون من مصلحة أوروبا بأسرها.
وأردف أردوغان: "قمنا بقيادة جهود لإدراج مبدأ إزالة العقبات أمام تجارة المنتجات الصناعية الدفاعية بين الحلفاء في وثائق الحلف".
كما أشار إلى أن تركيا كانت أول من بادرت بتجسيد مفهوم إزالة العوائق أمام تجارة منتجات الصناعات الدفاعية بين الحلفاء "دون شروط أو استثناءات"، معربا عن أمله تطبيق هذا المفهوم بجميع عناصره.
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، ذكر الرئيس التركي أنه كانت لها آثار إقليمية وعالمية، وأن تركيا تواصل جهودها لإنهائها عبر سلام عادل ومستدام.
وأضاف: "أعتقد أن هناك نافذة فرصة جديدة فتحت من أجل وقف إطلاق النار وتحقيق السلام الدائم".
وتابع: "حققنا نتائج ملموسة، مثل مبادرة حبوب البحر الأسود وتبادل أسرى الحرب، في المحادثات التي استضفناها بإسطنبول في مارس/ آذار 2022، والتي لم تنته بعد".
وأردف: "هدفنا هو تمهيد الطريق لعملية تؤدي إلى سلام دائم من خلال دعم خطوات ملموسة إضافية بين الطرفين".
وفي رده على سؤال حول جولة المحادثات الروسية الأوكرانية الأخيرة في تركيا، أوضح أردوغان أن المحادثات عقدت "بنجاح" برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان.