قلعة الحصن بالساحل السوري.. عندما تروي الأبراج حكايات الفاتحين
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
وسلط برنامج "في رحاب الشام"، في حلقته بتاريخ (2025/3/18)، الضوء على واحدة من تلك القلاع، وهي قلعة الحصن إحدى كبرى القلاع في الشرق الأوسط وأكثرها إثارة للإعجاب، والتي تعد شاهدا حيا على الصراع بين المسلمين والصليبيين على أرض الشام.
تمتد مساحة القلعة لأكثر من 30 ألف متر مربع، وترتفع شامخة وسط تضاريس جبلية ومناظر طبيعية خلابة، مما جعلها موقعا إستراتيجيا هاما عبر العصور، حيث تسمح للمراقبين برصد الطريق كاملا من ساحل البحر إلى مدينة حمص.
ويذكر زهير حسون، مشرف قلعة صلاح الدين، أن أقدم أصل للبناء الحالي يعود إلى عهد المرداسيين قبل ألف سنة تقريبا، حيث بناه أمير حمص شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ووضع فيه حامية كردية، ومن هنا جاءت تسميتها بـ"حصن الأكراد".
وتتألف قلعة الحصن من قلعتين متحدتي المركز، خارجية وداخلية، وتضم 13 برج مراقبة في السور الخارجي، و7 أبراج في الحصن الداخلي، مصممة بحرفية عالية تجعل اقتحام القلعة شبه مستحيل.
نظام دفاعي محكموتكشف التفاصيل المعمارية للقلعة عن نظام دفاعي محكم، يشمل خندقا مائيا، وجسورا خشبية متحركة، وبوابات تفتح من الداخل، وفتحات مصممة لصب الزيت المغلي على المهاجمين، مما يفسر صمودها لفترات طويلة أمام محاولات الاستيلاء عليها.
إعلانوعندما استولى فرسان الاسبتارية على المكان خلال الحملات الصليبية، أطلقوا عليه اسم "حصن الأكراد"، وبعد نهب القرى المجاورة وطرد أهلها، أقاموا هذا الحصن ليكون واحدا من أهم وأكبر حصونهم المنيعة قرب سواحل بلاد الشام.
وحاول المسلمون استعادة القلعة عدة مرات، فحاصرها السلطان السلجوقي ألب أرسلان، ثم نور الدين زنكي أكثر من مرة، لكن تصميمها الدفاعي المحكم حال دون نجاح تلك المحاولات، وصمدت أمام حصار صلاح الدين الأيوبي لمدة شهرين.
وتعرضت القلعة لزلزال مدمر ذكرته المصادر التاريخية، لكن الصليبيين أعادوا بناءها وتوسيعها، وقد شُيدت على 5 مراحل، 3 منها خلال الفترة الصليبية، ومرحلتان خلال الفترة المملوكية، مما زاد من تحصيناتها وقوتها الدفاعية.
وتكشف قاعة الفرسان داخل القلعة، المبنية على الطراز الأوروبي، عن الفن المعماري القوطي الذي يتميز بفرض السلطة والرهبة من خلال تصميمه، حيث يكون الضوء خافتا والتفاصيل توحي بالغموض، وهو جزء من فكرة الجو الكنسي المتسم بالسرية.
كنيسة تحولت لمسجدكما تضم القلعة كنيسة تحولت إلى مسجد بعد تحريرها من الصليبيين، حيث تم نصب منبر حجري وحفر محراب في الجدار القبلي، مع الحفاظ على البناء القديم بسقفه المقبب وجدرانه الحجرية ونوافذه الصغيرة.
ونُقشت على جدران القلعة عبارات باللغة اللاتينية، منها حكمة تقول "إذا منحت الوفرة وأعطيت الحكمة وفوقهما الجمال، فلا تدع التعجرف يتسلل إليك لأنه سيطيح بها جميعا"، وهي شاهد على الفترة الصليبية في تاريخ القلعة.
ولم تكن القلعة مجرد حصن عسكري، بل كانت مدينة متكاملة، حيث بنيت فيها معصرة زيتون وفرن ومستودعات حبوب وطاحونة ومطعم وكنيسة وغرف للقادة والفرسان النبلاء وإسطبل خيول وآبار للمياه، وحتى حمامات خاصة مزودة بخلاطات للمياه الباردة والساخنة.
وتميزت القلعة أيضا بوجود أنفاق سرية كانت تستخدم لإدخال الإمدادات والمؤن خلال فترات الحصار، وقد اكتشف الظاهر بيبرس هذه السراديب ودمرها بشكل كامل، مما أصاب الصليبيين باليأس، وبعد 33 يوما من الحصار، تمكّن من انتزاع القلعة من أيديهم.
إعلانوبعد تحرير القلعة، سمح الظاهر بيبرس للصليبيين بالخروج بأمان إلى طرابلس، ثم قام المسلمون بترميمها وإعادة تشييد أسوارها المهدمة، وحفروا النقوش العربية والآيات القرآنية على جدرانها، منها "قل كل يعمل على شاكلته" المكتوبة فوق باب قاعة الفرسان.
قرية الحصنومن المثير للاهتمام أن المنطقة المحيطة بالقلعة، قرية الحصن، هي قرية قديمة تسبق بناء القلعة، وتتميز بينابيع المياه العذبة التي كانت تروي الأهالي والزوار القادمين من أماكن بعيدة.
وتتكون القرية من 4 حارات، هي: تركنا والحصن والسرايا والقلم، وتنقسم إلى قسم قديم بشوارع وحارات ضيقة وبيوت من الحجر الأبيض، وقسم حديث بالأبنية المعاصرة والشوارع الأوسع.
ويُظهر تاريخ المنطقة تناقضا صارخا في التعامل مع السكان المحليين، فبينما قام الصليبيون بتشريد أهالي المنطقة وارتكاب المجازر بحقهم، حافظ المسلمون بعد تحرير القلعة على الكنائس وأهلها الذين لا يزالون يعيشون هناك حتى اليوم، في تعايش تام مع جيرانهم المسلمين.
وفي العصر الحديث، أجبرت فرنسا الحكومة السورية على منحها القلعة عام 1930 لتبقى ملكا للحكومة الفرنسية، وقامت بتعويض الأهالي الذين كانوا يسكنونها وإخراجهم منها، فانتقلوا للعيش في قرية الحصن المجاورة.
وهكذا تبقى قلعة الحصن شاهدا على فترة تاريخية مهمة من تاريخ بلاد الشام، وعلى الفرق بين المحتل والمدافع عن أرضه، كما يقول أحد أهالي المنطقة "ملكنا فكان العفو منا سجية، فلما ملكتم سال بالدم الأبطح".
18/3/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان قلعة الحصن
إقرأ أيضاً:
الأسوأ في تاريخ سوريا.. حرائق غابات اللاذقية تخرج عن السيطرة
قال خليل هملو، مراسل «القاهرة الإخبارية» من دمشق، إن سوريا تشهد حاليًا أسوأ موجة حرائق في تاريخها، وفقًا لما أعلنه وزير الطوارئ السوري، مشيرًا إلى أن الحرائق أتت على ما يقارب 14 ألف هكتار من الغابات، وتركزت بشكل خاص في ريف اللاذقية الشمالي، ولا تزال مستعرة حتى الآن.
وتسابق فرق الدفاع المدني والطوارئ الزمن للسيطرة على النيران، بمشاركة أكثر من 80 فريقًا ميدانيًا و16 طائرة إطفاء، بعضها من لبنان والأردن وتركيا، موضحًا هملو، أن صعوبة التضاريس الجبلية وسرعة الرياح تعرقل جهود الإطفاء وتزيد من خطورة امتداد النيران إلى غابات "الفرلق"، وهي من أكبر الغابات السورية.
وأشار هملو، خلال مداخلة مع الإعلامية شيماء الكردي، على قناة "القاهرة الإخبارية" إلى أن الاتحاد الأوروبي قدّم وعودًا بمساعدات تقنية، فيما ينتظر وصول أربع طائرات إطفاء من قبرص خلال الساعات القادمة، وسط آمال بأن تنضم دول متوسطية أخرى مثل اليونان وإيطاليا إلى جهود الدعم.
وبينما تعمل خلايا أزمة في اللاذقية ودمشق على تنسيق عمليات الإطفاء، أفادت وزارة الزراعة السورية بأن وزير الزراعة والمدير الإقليمي لمنظمة الغذاء العالمي سيقومان بزيارة ميدانية إلى المناطق المتضررة لتقييم الأضرار وتنسيق تقديم المساعدات وإعادة تأهيل الغطاء النباتي.
في الأثناء، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات بوجود حرائق مفتعلة، ما يزيد من تعقيد المشهد في ظل ظروف مناخية غير مواتية.