قال فضيلة الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، إن اسم الله تعالى "الحكيم" لا يفسر إلا على وزنين فقط، إما أن يفسر على وزن "فعيل" بمعنى عليم، أو أن يفسر على وزن "مفعل" بمعنى محكم، بكسر الكاف، ومعناه الإحكام لأنه قد أحكم الأشياء، أي أتقنها وأحسن تقديرها، مصداقا لقوله تعالى: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ"، والمراد هنا الحسن الإلهي الموجود في كل شيء خلقه الله تعالى، لافتا أن الحسن الإلهي يشمل أيضا بعض المخلوقات التي لا يظهر فيها الحسن، مثل الحشرات والمخلوقات الدنيا، لأن الحسن الإلهي ليس معناه الجمال الظاهر أو البهاء والرواء، فالجمال والحسن الإلهي ليس جمال الشكل فقط، ولكن المراد في "الذي أحسن كل شيء خلقه" هنا إتقان الخلق، وهذا مهم لأن الإتقان في الخلق، وخاصة في الإنسان، يظهر ظهورا بينا.

وبين فضيلة الإمام الأكبر، في الحلقة العشرون من برنامج "الإمام الطيب"، أنه إذا كانت عندنا بعض المخلوقات لا يمكن أن يسبق عليها الحسن بمعنى البهاء والجمال الظاهري، فإنه يصدق عليها الحسن الإلهي بمعنى إتقان الخلق، ولذلك قال سبحانه وتعالى في آية ثانية: " الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"، وقد فسرت هذه الآية المراد من قوله تعالى في الآية الأولى "أحسن كل شيء خلقه" على أنه حسن التقدير وإتقان الخلق وليس حسن الشكل والجمال الظاهري، ولهذا فإن دلالة بعض المخلوقات الدنيا كالحشرات وغيرها، والتي لا تظهر جميلة بالنسبة لنا، على وجود الله تعالى مثل دلالة الجبال والأرض والسماوات، لأن فيها تقدير وإتقان خلق يعرفه العالمون، ولذلك عندما نراها نقف عندها ونقول "سبحان الله".

وأوضح فضيلة الإمام الأكبر أن المراد بالإتقان الذي هو معنى "أحسن"، الحماية، وفيه رقيب وحماية الأضداد من أن يطغى بعضها على بعض، فالإنسان بخلقه المعقد يتكون من أجهزة داخلية ولها درجة حرارة معينة، وعندما ترتفع درجة حرارته قليلا وتصل إلى 40 درجة، يقلق ويشعر بالإعياء، إلا أن إتقان الله تعالى لخلقه، هو المسؤول عن ضبط حرارة الإنسان عند 37 درجة، وذلك هو المراد بحسن التقدير وإتقان الخلق، لافتا أن من أكثر الأمور عجبا فيما يتعلق بمسألة حسن التقدير وإتقان الخلق، ما يتعلق بعملية تلقيح الزهور، فمنها ما يلقحه الحشرات ومنها ما يتلقح بالريح، وتلك التي تتلقح بالريح لا تحتاج لإغراءات كي تتلقح، فالريح يهب دائما ويساعدها على التلقيح، أما النباتات الأخر التي تلقحها الحشرات فقد زودت بلون جميل، وبعطر معين يجذب هذه الحشرة لتلقيحها.

واختتم فضيلة الإمام الطيب الحلقة بتأكيد أن هذا هو المقصود بالإتقان وحسن التقدير الوارد في قوله تعالى: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ"، فرغم أن الإنسان خلق من طين، إلا أنه محكم ومتقن، فكيف يخرج من الطين هذا العقل وهذه الروح وهي كلها مضادة للطين، فخلقه وأعطاه العقل والتفكير وتحمل المسؤولية والإحساس والشعور والحب والغضب وغيرها، وهذه كلها ليست صفات الطين، ثم الروح التي نفخت فيه، هذا هو الإتقان الذي يدل على الحكمة، فهو سبحانه وتعالى "حكيم" بمعنى متقن لخلق الأشياء.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شيخ الأزهر الإمام الاكبر الحكيم المزيد فضیلة الإمام الله تعالى

إقرأ أيضاً:

ما حكم رد الهدية وعدم قبولها؟.. الإفتاء: يجوز فى هذه الحالات

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما مدى جواز عدم قبول الهدية؟ وما هي الحالات التي يجوز فيها شرعًا رد الهدية وعدم قبولها؟

وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمي عن السؤال قائلة: نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رد الهدية إلا إذا وُجد مانع من قبولها؛ كأن كانت الهدية شيئًا محرمًا، أو كانت رشوة، أو كانت مُهداة لأخذ أكثر منها، أو كانت بمثابة الدَّيْن، أو على سبيل المَنِّ، ويستحب لمن امتنع عن قبول هدية لعذرٍ أن يبين عذره للمُهدي؛ تطييبًا لقلبه وجبرًا لخاطره.

حكم قول سيدنا على النبي في الأذان والتشهد خلال الصلاة.. الإفتاء تجيبماذا يفعل المصلي عند عدم قدرته على القراءة والذكر في الصلاة؟.. الإفتاء تجيبهل يجوز الزواج من تارك الصلاة؟.. دار الإفتاء تحسم الجدلهل الاستعجال في الصلاة يبطلها؟ الإفتاء تجيب

حكم رد الهدية من دون سبب شرعي

وأوضحت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن رد الهدية إذا لم يكن هناك سبب يدعو لذلك؛ رَوى الإمام أحمد في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ».

قال الإمام ابن حبان في "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص: 242، ط. دار الكتب العلمية): [زجر النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلَّم في هذا الخبر عَن ترك قبول الهدايا بين المسلمين؛ فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر ويشكر عنها، وإنَّي لأستحب للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم إذ الهدية تورث المحبة، وتذهب الضغينة] اهـ.

الحالات التي يجوز فيها شرعًا رد الهدية

وأشارت الى انه لا يجوز شرعًا رد الهديّة إلا لسببٍ شرعيٍّ؛ كما في الأسباب الآتية:

أولًا: أن تكون الهدية شيئًا مُحرمًا؛ كالخمر مثلًا، فيحرُم قبولها؛ لما في ذلك من تناول الحرام، وهو من المعاونة على الإثم، قال ابن عباس رضي الله عنه: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟» قَالَ: لَا، فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا. رواه مسلم في "صحيحه"؛ هذا الحديث نصٌّ في تحريم قبول الهدية المحرمة؛ قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (11/ 4،  ط. دار إحياء التراث العربي): [لعل السؤال كان ليعرف حاله؛ فإن كان عالمًا بتحريمها: أنكر عليه هديتها، وإمساكها وحملها، وعزَّره على ذلك، فلما أخبره أنه كان جاهلًا بذلك عذَرَه، والظاهر أن هذه القضية كانت على قرب تحريم الخمر قبل اشتهار ذلك] اهـ.

ثانيًا: أن تكون الهدية بمثابة الرشوة؛ لإبطال حق، أو إثبات باطل؛ كالهدية لبعض الموظفين ونحوهم؛ لقضاء حاجة الـمُهدي أو لتمكينه من شيء ليس من حقه، أو التجاوز عن شيءٍ لا يحق لهم التجاوز عنه، فحينئذ يحرُم الإهداء، ويحرم على المتلقى قبول الهدية؛ روى الإمام أحمد في " مسنده" عَن عَبْدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ".

وروى أيضًا أنَّ عُمَر بن عَبْد العَزِيز قال: "كَانَتِ الهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هَدِيَّةً، وَاليَوْمَ رِشْوَةٌ"؛ فهذه النصوص تدل على عدم جواز قبول الهدية إذا كانت على هذه الحالة.

ثالثًا: إذا كان الـمُهدي أهداها لأخذ أكثر منها ممن أهديت إليه مستقبلًا، فيُكره قبولها؛ ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَكْرَةً، فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ، فَتَسَخَّطَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ فُلَانًا أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَةً، وَهِيَ نَاقَتِي أَعْرِفُهَا كَمَا أَعْرِفُ بَعْضَ أَهْلِي، ذَهَبَتْ مِنِّي يَوْمَ زَغَابَاتٍ، فَعَوَّضْتُهُ سِتَّ بَكَرَاتٍ، فَظَلَّ سَاخِطًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ ثَقَفِيٍّ، أَوْ دَوْسِيٍّ».

قال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (7/ 2230، ط. مكتبة نزار الباز): [كُره قبول الهدية ممن كان الباعث له عليها طلب الاستكثار] اهـ.

رابعًا: إذا كان الـمُهدي يعتبر هديته بمثابة الدَّين على المهدى إليه، إلا ما جرت به بعض الأعراف، أو أن يكون منَّانًا يمنُّ بهديته ويتحدث بها، ففي هاتين الحالتين يُكره قبول الهدية.
يقول الإمام البهوتي في "كشاف القناع" (4/ 322، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجُوز ردُّها) أي: الْهَدِيَّة (لِأمُورٍ: مثل أن يريد أَخْذَهَا بِعَقْدِ مُعَاوضةٍ)... (أوْ يكُون الْمُعْطَى لَا يَقْنَعُ بالثَّواب الْمُعْتاد)؛ لِما فِي الْقَبُولِ من الْمشقَّة حينئذٍ (أَوْ تكُونُ) الْهَديَّة (بعد السُّؤَالِ وَاستشْرَافِ النَّفْسِ لَهَا).. (أَوْ لِقَطْعِ الْمِنَّةِ) إذَا كان على الْآخِذِ فيه منَّة] اهـ.

الاعتذار عند رد الهدية

 إذا وُجد سبب شرعي يدعو لرد الهديّة، فإنَّه ينبغي تطييب قلب المهدي ببيان العذر في عدم قبول هديته؛ ويدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» متفق عليه.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 34، ط. المكتبة السلفية): [وفيه الاعتذار عن رد الهدية؛ تطييبًا لقلب المهدي] اهـ.

طباعة شارك رد الهدية حكم رد الهدية الهدية رد الهدية من دون سبب شرعي الحالات التي يجوز فيها شرعًا رد الهدية الاعتذار عند رد الهدية

مقالات مشابهة

  • ما حكم رد الهدية وعدم قبولها؟.. الإفتاء: يجوز فى هذه الحالات
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: بر الوالدين يثمر سعادةً في الدنيا، وأجرًا عظيمًا في الآخرة
  • العمل الصالح طريق السعادة.. ندوة توعوية لخريجي الأزهر بكفر العرب بكفر الزيات
  • شيخ الأزهر: عالم اليوم يمر بظروف حرجة وأزمة أخلاقية عاصفة
  • ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: سيظل ما نعلمه عن خلق الإنسان أقل بكثير مما هو موجود في القرآن
  • شيخ الأزهر يستقبل مفتي بوروندي لبحث سُبُل تعزيز دعم التعاون الديني.. صور
  • الأزهر صوت الحق.. دعم جزائري لمواقف الإمام الأكبر تجاه فلسطين
  • الأزهر والجزائر يعززان التعاون العلمي والدعوي لتعزيز القيم الإسلامية المشتركة
  • أمين البحوث الإسلامية يلتقي السفير المصري ببكين ويؤكد دعم المبعوثين والطلاب الوافدين
  • هل يجب على الزوجة طاعة زوجها حتى إذا لم يكن مسئولا؟.. انتبهن