بيروتـ هذا العام، لم يكن عيد الأم مجرد يوم عابر، بل لوحة نابضة بالفخر والاشتياق، رسمتها أمهات احتضن صور أبنائهن الشهداء كما لو أنهن يضمدن جراح الفقد بين ضلوعهن، بعيون تتلألأ بالكبرياء وقلوب تنبض بالحزن والاعتزاز، وقفن شامخات يروين قصة أمهات لم يهزمهن غياب أحبائهن.

وسط قسوة الفقد وثقل الأيام، لم ينكسرن بل تحدين الألم بثباتهن المعهود، وفي هذا العيد لم يكن البكاء لغة، بل كان عنوانا لصبر لا يُقهر، صمود لا ينكسر، لنساء أقوى من كل محنة، وأمهات أكبر من كل وجع.

في عيدهن، لا يتحدثن عن الألم بل عن الكبرياء الذي منحنهن إياه أبناؤهن، أمهات لبنانيات قدمن أغلى ما لديهن في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، فقدن فلذات أكبادهن، لكن قلوبهن بقيت صامدة، يروين للجزيرة نت قصصهن ليقلن: "أبناؤنا قدموا لنا أسمى هدية هذا العام.. أن نصبح أمهات الشهداء".

أم الشهيد زياد: المقاومة هي خيارنا للدفاع عن أرضنا وأفتخر بابني الشهيد (الجزيرة) "وداع لا ينسى"

تقول والدة الشهيد زياد قشمر -الذي استشهد في 20 أغسطس/آب 2024- وعيناها تلمعان بمزيج من الفخر والحنين: "عندما تلقيت الخبر، تفاجأت، لأن زياد عندما يذهب إلى العمل أحيانا أوصله أنا وأحيانا والده، لكن في يوم استشهاده كنا معا، أنا ووالده، وعندما نزل من السيارة، قلت لوالده: انتظر، دعني أره مرة أخرى ربما لن يعود، ذهب الساعة التاسعة صباحا، وجاء خبر استشهاده الساعة التاسعة مساء".

تتوقف للحظة، وكأنها تستعيد المشهد بكل تفاصيله، ثم تتابع للجزيرة نت، "أنا امرأة صبور جدا، ودّعت ابني إلى مثواه الأخير دون أن يكون له جثمان أقبله، ودّعته بقوة وثبات وصمود، لكن اليوم في عيد الأم، الأمر مختلف كأنني أبدأ العيد بذكرياتي عنه، ماذا كان يحضر لي؟ كيف كان يحتفل؟ الذكريات تعود وكأنها شريط يُعاد أمامي".

زياد قشمر استشهد في 20 أغسطس/آب 2024 خلال الحرب الإسرائيلية على لبنبان (الجزيرة)

عندما تتحدث عنه يتغير وجهها وكأنها ترى صورته أمامها وتقول: "زياد لم يكن مجرد ابن، كان حياة البيت، البيت الآن فارغ بدونه، كان مختلفًا عن إخوته، كثير المزاح والضحك، كان الحركة في كل مكان، قلبه كان قويا، لم يكن يخاف شيئا، كان مقاوما، تأثر كثيرا بغزة، لأننا ربّيناهم على الإحساس بالآخرين، أن يكونوا مع كل مظلوم خاصة قضية فلسطين".

إعلان

ثم تختتم بذكرى لا تُنسى "قبل 3 سنوات، أهداني سلسلة على شكل وردة، لم أكن أعلم حينها أنني سأراها مجددا في سياق مختلف تماما، عندما قُدمت لي لاحقا تكريما للشهيد قالوا: هذه وردة الشهادة، للحظة تجمدتُ في مكاني، حدقت بها طويلا وكأنني أراه أمامي".

سعاد صبرا: ابني الأكبر ما زال حاضرا معي في كل تفاصيل يومي وأعتز بأنني أم الشهيد (الجزيرة) فخر وحزن

تجلس سعاد صبرا أم الشهيد حسن صبرا بثبات، ملامح وجهها تعكس قوة، وعيونها التي تفيض بالحزن لا تخلو من الإرادة الصلبة، تبدأ حديثها للجزيرة نت بصوت هادئ وتقول "حسن كان ابني الأكبر، وكان أكثر من مجرد ابن بالنسبة لي، كان صديقي وسندي، وكان قلبا طيبا لا يعرف الأنانية، يتحسس ألم الآخرين، وكان دائما يسعى لمساعدة من يحتاج لا يمكنني وصفه بكلمات، لأن كل كلمة تخون ما كان عليه".

تتوقف لحظة، ثم تتابع بنبرة قوية "في كل عيد، كنت أتوقع أن يأتيني هدية من أولادي، لكن بالنسبة لي، كانت حياتهم بجانبي هي أعظم هدية، كانوا جميعا حولي، يفرحون، يضحكون، ونحن نتشارك اللحظات السعيدة معا، أما حسن، فكان دائما يختار لي هدية خاصة، وردة، أو أي شيء يعكس حبه، لكن الآن، حسن ليس هنا".

الشهيد حسن كان الابن الأكبر لسعاد صبرا (الجزيرة)

تظهر على وجهها عزيمة أكبر، وتقول: "لكنني أؤمن أنه في مكان أفضل الآن، ليس في الدنيا، بل في الجنة، حيث لا ألم ولا هم، هو الآن في مكان مميز، وأنا فخورة بذلك، فقدانه مؤلم، نعم، لكنه زاده مكانا عاليا في الجنة".

تلتقط أنفاسها، ثم ترفع رأسها بثقة "أنا الآن هنا، أعيش من أجل من بقي، وأدافع عن الطريق الذي سار عليه حسن، هذا الطريق هو طريق العزة والكرامة، أقول لكل أم شهيد: نحن ثابتون على العهد، ولن نتراجع. قد رحل أبناؤنا عن هذه الدنيا، لكنهم باقون في قلوبنا".

مريم حريري: أحتفل بعيد الأم اليوم بروح ابني الذي منحني أعظم هدية لقب أم الشهيد (الجزيرة) احتفال وفقدان

أما مريم حريري أم الشهيد محمد حريري، فتصف مشاعرها للجزيرة نت وتقول بحرقه تعكس حجم الفقد "اليوم مشاعري مختلطة جدا، لأنه في النهاية أنا أم، وأي أم تشعر بمشاعر متضاربة في يوم كهذا، الله سبحانه وتعالى كرمنا بالشهداء، ورفعنا بهم، فهم رفعوا رؤوسنا ورؤوس الأمة بأسرها".

إعلان

وتتابع "من الطبيعي أن تتمنى كل أم أن يكون أولادها دائمًا بجانبها وأن تعيش معهم كل لحظة، ولكنني فقدت أغلى ما لدي، شعور الفقد لا أستطيع وصفه، لكن في المقابل، هناك شعور آخر يملأ قلبي بالفخر، كأني أعيش التناقض بين ألم الفقد والفخر بالشهيد".

أم محمد، التي ترفع رأسها بكل عزيمة، تواصل حديثها بمرارة وحب: "أنا أم شهيد، وهذا اللقب هو أعظم ما أفتخر به، لأن ابني ضحى بحياته من أجل عزتنا وكرامتنا، مشاعر العز والفخر تفوق أي شعور آخر، نعم هناك لحظات شوق وحزن على فراق ابني، ولكن عندما أفكر في كل ما قدمه، فإن شعور الفخر يغلب على مشاعر الفقد".

محمد حريري استشهد أيضا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان (الجزيرة)

وفي كلماتها التي تنبض اعتزازا، تضيف "الشوق لابني محمد كبير، ولكن في الوقت نفسه، كنت فخورة به، لأنه ختم حياته بأعلى درجات الشرف، وضحى بكل شيء من أجل دينه وأمته، هو الآن في الجنة، وأنا مطمئنة عليه، وأنا فخورة لأنه كان لي ابن يفتخر به الوطن كله".

وتخاطب أم الشهيد ابنها برسالة محملة بكل معاني الفخر "محمد، يا بطل، أنت منحتني أعظم لقب في حياتي، اللقب الذي لا يعادله أي لقب آخر (لقب أم الشهيد)، مهما كانت مكانة الإنسان أو نجاحه أو شهرته، يبقى أعظم فخر أن يكون لديك ابن ضحى بحياته من أجل وطنه وشعبه".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان للجزیرة نت أم الشهید عید الأم لم یکن من أجل

إقرأ أيضاً:

في أضنة قتل صديقته طعنًا ثم انتحر تاركًا هذه الرسالة..

في حادثة هزّت الشارع التركي، أقدم شاب يُدعى إنجين يوجي (31 عامًا) على قتل صديقته شيفال تشيفتشي (23 عامًا) طعنًا داخل منزلها في أضنة، قبل أن ينتحر بالقفز من الطابق الثاني عشر. الحادثة المأساوية وقعت مساء 19 أبريل/نيسان في منطقة تشوكوروفا، وكشفت تفاصيلها رسالة مؤلفة من 6 صفحات تركها القاتل قبل أن يُنهي حياته.

طعن مميت ورسالة “الجنون” قبل الانتحار

وفقًا للتحقيقات الأولية، دخل يوجي -الذي يُقال إنه يعاني من اضطرابات نفسية- في جدال مع صديقته داخل منزلها لسبب لم يُعرف بعد. وأثناء الشجار، أخذ سكينًا من المطبخ ووجّه لها 10 طعنات قاتلة. بعد تنفيذ الجريمة، كتب يوجي رسالة من 6 صفحات على طاولة الطعام، تضمّنت عبارات مقلقة مثل: “أنا على وشك الجنون.. يمكنني أن أقتل أمي ونفسي”، وادّعى فيها أن والدته وشقيقته كانتا تتآمران ضده منذ فترة.

رثاء مفجع من الأم المكلومة

اقرأ أيضا

خبير تركي يطمئن: لا تحزنوا إن فاتتكم فرصة شراء الذهب.. فرصة…

الثلاثاء 20 مايو 2025

نُقلت جثتا القتيلَين إلى معهد الطب الشرعي في أضنة لتشريحهما. وخلال استلام الجثمان، انهارت الأم سيبل تشيفتشي بالبكاء، وأطلقت عبارات مفجعة تعبّر عن ألمها، قائلة: “طفلتي ترقد بالداخل.. لم أصل إلى حملي، لم أصل إلى كبدي… لقد عانيت كثيرًا، وقلت يا كبدي تعال، لكنني لم أسمعك، يا حملي”.

مقالات مشابهة

  • محمد رمضان: ابني اتقال له أسود زي أبوك.. وهذه عقوبة التنمر
  • «المرأة العاملة بين الألم والأمل».. محاضرة بقصر ثقافة المحلة الكبرى
  • خدعت أمهات وربّت المخطوفين كأبنائها… السعودية تُنهي أسطورة “خاطفة الدمام”
  • حين يعلو صوت الحنين
  • بيتكوين تسجل أعلى مستوى لها يفوق 109 آلاف دولار
  • وزيرة الانتقال الرقمي: غطينا آلاف المناطق بالإنترنت بدعم يفوق 8,4 مليارات درهم
  • بدء اختبارات المتقدمين على فرص عمل بلبنان براتب 500 دولار شهريا
  • فليصمت القلم .. من شِدّة الألم
  • في أضنة قتل صديقته طعنًا ثم انتحر تاركًا هذه الرسالة..
  • أكاديمي أردني يحصل على جائزة أفضل ملخص بحثي