في خضمِّ صراعٍ وجودي تفرضه قوى الاستكبار العالمي، تَبرُز اليمن كقلبٍ نابضٍ بالعروبة والإسلام، وحصنٌ منيعٌ يُدافع عن قضايا الأمة المُحقة. العدوان الأمريكي المُستمر على اليمن ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من السياسات الاستعمارية التي تهدف إلى إخضاع الشعوب الحرة وإسكات أصواتها التي ترفض الهيمنة والتبعية.

فالشعب اليمني، برفضه الانصياع للمشاريع التقسيمية والتبعية، بات هدفاً لآلة الحرب الأمريكية التي تُوظِّف القوة والعنف لفرض أجنداتها، متناسيةً أن دماء الشهداء تُغذي إرادة المقاومة ولا تُخمدها.

اليمن اليوم هو صمود المبادئ في مواجهة آلة الحرب من حيث التمسك بالهوية العروبية والإسلامية، والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، ليس خياراً سياسياً للشعب اليمني، بل هو مُكونٌ جوهري في ضميره الجمعي. فالقضية الفلسطينية، بما تمثله من عدالةٍ تاريخيةٍ ورمزٍ لصمود الأمة، باتت محوراً لصراعٍ حضاري بين قوى الاستعمار الجديد والشعوب التواقة للتحرر، العدوان الأمريكي على اليمن يأتي كردٍ انتقامي لهذا الموقف الثابت، محاولةً من إدارة واشنطن لمعاقبة شعبٍ يرفض أن يكون أداةً في يد المشروع الصهيو-أمريكي الذي يستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وعلى رأسها المسجد الأقصى.

والتاريخ يُعلّمنا أن الشعوب التي ترفض المذلة، وتتخذ من المبادئ درعاً، لا تُهزم. فالقصف الأمريكي، الذي يستهدف المدنيين والعجزة والنساء والأطفال، ليس دليلاً على القوة، بل اعترافاً صارخاً بالعجز عن مواجهة الإرادة الشعبية التي لا تنكسر. إنها سياسةٌ استعماريةٌ مكشوفةٌ، تُعيد إنتاج جرائم القرن العشرين تحت شعارات زائفة، كـ”مكافحة الإرهاب” أو “حماية المصالح”، بينما جوهرها إبادةُ كل مَن يقف في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني أو يرفض التخلي عن فلسطين.

وبما أن إدارة ترامب تمثل عجز القوة وعَتَه الاستكبار ولا يُخفي عدوانُ إدارة ترامب على اليمن سوى حقيقةٍ واحدة: أن “العنف” أداةُ الضعفاء، فالإدارة الأمريكية، التي تتصرف كشرطي عالمي مُتغطرس، تحاول تعويض فشلها في كسب القلوب والعقول بالصواريخ والدمار، إن استهداف المدنيين اليمنيين، وتجويعهم، وتدمير بنيتهم التحتية، هو جريمة حرب بكل المعايير الدولية، لكنه أيضاً دليلٌ على أن واشنطن فقدت أدواتها الناعمة في السيطرة على الشعوب، بعد أن انكشفت أكاذيبها وقِصر نظر سياستها الخارجية الفاشلة.

هذه الإدارة، التي ترفع شعار “أمريكا أولاً”، تنسى أن الشعوب الحرة ترفض أن تكون “أمريكا آخراً” في سلم أولوياتها، فالشعب اليمني، كغيره من شعوب المنطقة، يرى في الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني، وفي صمت الغرب عن جرائمه، دليلاً على ازدواجية المعايير التي تشرعن العدوان تحت مسميات حقوق الإنسان والديمقراطية.

والمعلوم أن شعار المقاومة طريق النصر أو الاستشهاد نرى أن رسالة اليمن إلى العالم واضحة لن يكون هناك استسلام، فكل قطرة دم تُراق، وكل طفلٍ يُشرد، وكل بيتٍ يُدمر، هو وقودٌ لإرادة شعبٍ يعرف أن معركته مع العدوان هي معركة كرامة.

إن دعم فلسطين ليس شعاراً يُرفع، بل التزامٌ عملي يُترجم بالتضحية بالغالي والنفيس، فكما انتصرت فيتنام على أعتى آلات الحرب الأمريكية، وكما انتزع لبنان احترامه بهزيمة “إسرائيل” في 2006، ستُكتب نهاية هذا العدوان بإذن الله، وسيبقى اليمن منارةً للمقاومة.

اليوم، يُصادر الغربُ صوتَ الحقيقة حين يُصنف المقاومة “إرهاباً”، لكنه ينسى أن القانون الدولي نفسه وُلد من رحم مقاومة الشعوب للاستعمار. فالمقاومة اليمنية، هي ردٌّ شرعي على عدوان خارجي، وحقٌ طبيعي يكفله ميثاق الأمم المتحدة. أما ما تسميه أمريكا “إرهاباً”، فهو في حقيقته رفضٌ لوصاية الخارج، ودفاعٌ عن الأرض والعرض.

وأخيراً العدوان الأمريكي على اليمن لن يُثني الشعب اليمني عن دعم فلسطين، ولن يُعيد تشكيل وعيه، بل سيزيده تمسكاً بثوابته. فالشعوب التي تخوض معارك التحرر لا تموت، بل تنتصر أو تستشهد، واليمن، برغم الحصار والدمار، يُرسل رسالةً إلى الأمة: أن طريق القدس يمرّ عبر صنعاء، وأن هزيمة المشروع الصهيو-أمريكي تبدأ بإفشال عدوانه على اليمن.

إننا في عصرٍ تُعاد فيه كتابة التاريخ بأيدي الشعوب، لا بأسلحة المستكبرين. فكما عملت وقدمت وجاهدت المقاومة الإسلامية لإسقاط مشاريع التقسيم والتبعية في العراق وسوريا ولبنان، سيسقط هذا العدوان، وسيبقى اليمن شامخاً، شاهقاً بصموده، ناطقاً باسم كل الأحرار في العالم: “لا للهيمنة.. لا للاستسلام.. والنصر لإرادة الشعوب”.

كاتبة سورية

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

في ذكرى استشهاده.. نص رسالة الشهيد إسماعيل هنية لقائد الثورة

 سماحة السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أبرق لكم بالتحية الجهادية الواجبة لكم ولشعبنا اليمني العظيم والقوات المسلحة نيابة عن إخواني المجاهدين في ميادين القتال. وشعبنا الصابر المحتسب. وذلك على جهدكم الكبير في اسناد معركة طوفان الأقصى عبر خوضكم لمعركة البحر الأحمر، ومعركة المسيرات والصواريخ ضد الأهداف الإسرائيلية.

كما نعزيكم ونعزي الشعب اليمني الشقيق بالشهداء العظام الذين ارتقوا دعما لغزة وعلى طريق القدس خمسة عشر شهيداً من القوات المسلحة مضوا على الطريق فكانوا خمسة عشر وسامًا على طريق التحرير والتمكين.

وأنقل لكم تضامننا معكم ومع شعبنا اليمني الشقيق في مواجهة العدوان الأمريكي البريطاني، الذي جاء كتعبير حقيقي عن الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني وحلفاؤه من عدم قدرتهم على تحقيق أي من أهدافهم في غزة رغم مضي مائة يوم على العدوان.

ويعود ذلك لقوة فعل المقاومة في غزة، وصمود شعبنا الأسطوري، والتدخل الفعال لقوى المقاومة في المنطقة، وفي مقدمتها تدخل الأخوة في أنصار الله، وكذلك المقاومة الإسلامية في لبنان والذي زاد من عجز الصهاينة في التعامل مع تطورات المعركة، إلى جانب تأثير الحراكات الشعبية في أوساط الأمة وأحرار العالم وصولاً إلى محاكمة العدو أمام محكمة العدالة الدولية بفعل الدعوى التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا المبدئية.

 

سماحة السيد:

إننا وإذ نعلن تضامننا الكامل مع شعبنا اليمني، فإننا نؤكد أن ما حصل من اعتداء، وردكم الفوري والجريء، وإعلانكم باستمرار سياستكم بمنع السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة سيجعل نهاية العدوان وإعلان انتصار المقاومة أمراً حتميا، وما ذلك على الله بعزيز.

 

سماحة السيد

إن أحد أكبر إنجازات هذه المعركة العظيمة هو تجسد وحدة جبهات المقاومة عمليا في معركة فلسطين على امتداد جغرافيا هذه الجبهات التي تبدأ من الجمهورية الإسلامية في إيران وجهدها الحيوي في هذه المعركة مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وليس انتهاء باليمن

إن الانتصار في معركة طوفان الأقصى جعل من فكرة مشاركة الأمة في معركة التحرير الكامل لفلسطين حقيقة وواقعا عمليا وليس حلمًا أو مستحيلاً، وهذا ما يجعل من هذه القضية على رأس الأولويات في المرحلة القادمة.

تقبل الله الشهداء، حفظ الله اليمن، وبارك الله في جيش اليمن

أخوكم إسماعيل هنية

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس

الجمعة 2024/1/12م

مقالات مشابهة

  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • وقفة غضب في مأرب تضامنًا مع غزة: دعوات لكسر الصمت الدولي وفتح المعابر فورًا.
  • أسرة شركة الأسواق الحرة الأردنية تنعى الزميل إياد العدوان
  • "تحالف القوى الفلسطينية" يرفض محاولة عباس فرض انتخابات إقصائية
  • في ذكرى استشهاده.. نص رسالة الشهيد إسماعيل هنية لقائد الثورة
  • المبعوث الأمريكي يوضح عدد الساعات التي قضاها في غزة والهدف من زيارته
  • اليمن لن يسكت على الخونة والمتواطئين .. السيد القائد يوجه الشعب اليمني بهذا الأمر
  • الانسحاب الصهيوأمريكي من مفاوضات الدوحة.. تكتيك تفاوضي أم تمهيد لتصعيد شامل؟..
  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 31 يوليو
  • الشيوخ الأمريكي يحبط محاولة بيرني ساندرز لمنع بيع الأسلحة لإسرائيل