من مظاهر التخلف الحضاري في اليمن، جهل الشعب، وبالتحديد غالبية النخب، لطبيعة الكارثة التي حلت بهم من حيث: ماهيتها، والمتسببين فيها، والحلول الصحيحة لها. والغريب في الأمر أن هناك شبه إجماع بأن المشكلة هي الحل.

ولتوضيح ما قد يبدو لغزا، سأشير بإيجاز شديد في هذه المقالة إلى خلاصات، أو أحكام لأفكار عديدة تحتاج كتابات واسعة لتوضيحها، وهو ما أنوي عمله في المستقبل القريب.

في البداية سأشير إلى طبيعة المشكلة اليمنية الحالية التي بدأت في التصاعد منذ عام 2011، وأصبحت كارثة بكل المقاييس فيما بعد. ففي ذلك العام اندلعت، ما يسميها البعض، ثورة ويسميها البعض الأخر أزمة أو نكبة، احتجاجات تطالب بتنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي كان في الحكم لمدة 33 سنة تقريبا (12 سنة قبل الوحدة و 21 سنة من بعد الوحدة). وكانت الأهداف الرئيسية لتلك الاحتجاجات في حينها، تتلخص في إصلاح وتطوير النظام السياسي، ليكون أكثر ديمقراطية وأقل فسادا.

غير أن الأهداف تغيرت بعد خروج صالح من الحكم، وتم الترويج بأن المشكلة لم تعد متعلقة بطبيعة النظام السياسي، وإنما في طبيعة الدولة نفسها. ووفقا لذلك، بدأت الكثير من الأفكار والخطط الجاهزة التي أعدتها أقلية خبيثة في الظهور بشكل تصاعدي.

وخلاصة تلك الأفكار مبنية على فكرة شديدة الخطورة ومدمرة مفادها: أن وحدة الدولة اليمنية هي مشكلة، وأن الحل في تقسيمها. وتمحور حل التقسيم بصيغتين: الصيغة الانفصالية، والصيغة الاتحادية، ورغم الاختلاف الشكلي بين الصيغتين، إلا أنهما تنطلقان من فرضيات متشابهة، كما أنهما تساندان بعضهما البعض في أكثر من موقع.

تُـشخص صيغة التقسيم الانفصالية المشكلة اليمنية بأنها ناتجة عن قيام الوحدة اليمنية عام 1990، ووفقا لذلك، فإن الحل الوحيد والمركزي للمشكلة اليمنية يتمثل في إنهاء هذه الوحدة، والعودة إلى حالة التجزئة التي كانت سائدة قبل ذلك. وأكثر المتحمسين للصيغة الانفصالية سكان منطقة المثلث، كونها ستُـعيدهم طبقة حاكمة للجنوب، بعد أن خسروها بعد حرب 94، وأقلية جنوبية من المناطق الأخرى، وبقايا الحزب الاشتراكي، الحالمين بالعودة لحكم الجنوب.

في المقابل تُــشخص صيغة التقسيم الاتحادية المشكلة اليمنية، بأنها ناتجة عن النظام المركزي، ووفقا لها؛ فإن حل مشكلة اليمن ينحصر في إعادة تشكيل الدولة وتقسيمها إلى إقليمين أو عدد من الأقاليم، ضمن نظام يشبه في مفرداته النظام الكونفدرالي. فالكثير من فقرات مشروع دستور عبدربه -الذي يتوهم الكثير من اليمنيين بأنه وثيقة الخلاص السحرية- هي فقرات لاتحاد كونفدرالي، وليس فدرالي. إضافة إلى ذلك يطالب الكثير من دعاة الدولة الاتحادية بأن تتمتع الأقاليم بالسيادة الكاملة، والسيطرة الكُلْيَة على الموارد الخاصة بالإقليم، والحق في الانفصال والاستقلال في المستقبل، وتلبية هذه المطالب لا تتم إلا في نظام كونفدرالي.

وخطورة صيغة التقسيم الاتحادية، أنها تلقى تأييدا واسعا داخل اليمن؛ فكل الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، تقريبا، ومعظم النخب الفكرية والاجتماعية ترى فيها الحل الوحيد والأمثل للمشكلة اليمنية. يضاف لهم، تأييد العالم الخارجي، وبالتحديد الدول المؤثرة في الشأن اليمني والأمم المتحدة، والمنظمات التي تنشط تحت لافتة السلام. وقد أصبحت هذه الصيغة معتمدة في أكثر من قرار لمجلس الأمن، واستنادا إليها يتم رسم خريطة الطريق المعتمدة للسلام المزعوم في اليمن.

ولجعل مشاريع التقسيم شرعية ومقبولة، داخليا وخارجيا، تم إنتاج أدب ضخم، بميزانيات هائلة، وتحت عناوين جذابة من قبيل: مظلومية الجنوب، وبعض المناطق، وتهميش بعض الفئات. وتم إيهام اليمنيين بأن مشاريع التقسيم المختلفة ستحقق العدالة والازدهار في حال تنفيذها. ولهذا أيد الكثير من السذج هذه الفكرة الخبيثة وتحمسوا لها.

وكل ذلك تم برعاية من قبل الرئيس الكارثة هادي، ومن خلفه، وتماهي كل الأحزاب اليمنية مع الفكرة، بما فيها تلك التي كانت ترفضها، كحزب الإصلاح، وبعض أجنحة حزب المؤتمر. ونتيجة لذلك؛ تم خلق إجماع زائف لفكرة (التقسيم هو الحل) وأصبحت هي الحل الوحيد والمعتمد من الجميع تقريبا، ولم يعد من المقبول الحديث عن الدولة الواحدة المركزية، بعد أن تم شيطنتها.

كان من الممكن رفض فكرة التقسيم بقليل من الدراية، والخيال السياسي، والحس الوطني العادي، حين تم الترويج لها قبل وأثناء "مؤتمر موفنبيك"؛ فهشاشة الدولة اليمنية الناتج عن لا مركزيتها السياسية، وقوة المشاريع الطائفية وما تحت الدولة، وكثافة التدخلات الخارجية، تستدعي زيادة السيطرة المركزية، وليس العكس.

حتى الآن لا زال الناس واقعين تحت وهم فكرة التقسيم هو الحل، على الرغْم من المعاناة التي يعيشونها نتيجة التنفيذ الفعلي للفكرة؛ ومرد ذلك، نابع من الضخ الإعلامي الهائل والرعاية الرسمية والحزبية والخارجية لهذه الفكرة الخبيثة، حيث يتم إيهام اليمنيين بأن معاناتهم ستنتهي حين يتم التقسيم الرسمي. فالانفصاليين الجنوبيين يوهمون سكان المحافظات الجنوبية بأن معاناتهم ستنتهي حين يحدث الانفصال بشكل رسمي؛ فيما الانعزاليين الجهويين يوهمون اليمنيون بأن مشاكلهم ستنتهي حين يتم تقسيم اليمن إلى أقاليم. والحقيقة التي يجب أن يدركها جميع اليمنيين، أن ما يعانونه وسيعانونه في المستقبل هو ناتج عن تطبيق فكرة التقسيم، لأن هذا التقسيم سلبهم حقهم الأساسي في أن يكون لهم دولة ذات سيادة؛ فيما التقسيم الفعلي والرسمي، سيلغي الدولة وسيسلمها للأجانب ليديروا الكيانات المتكاثرة الناتجة عنه.

وما جعل فكرة التقسيم تزدهر وتنمو بالشكل الذي أصبحت عليه، غياب أي فكرة مناهضة لها، فليس هناك من دولة خارجية، أو قوة سياسية محلية، أو منظمة أجنبية تدعم مشروع بقاء الدولة اليمنية بحكومة مركزية واحدة، فهذه الفكرة أصبحت مشيطنة ومنبوذة، ويتم تصويرها بأنها خروج عن الإجماع الوطني ورؤية العالم الخارجي للحل. ولهذا تراجع المعارضين العلنيين لفكرة التقسيم، وأصبحوا أقلية نادرة وفي تناقص مستمر. فلم يعد من المسموح ، لشخص أو تنظيم، رفض فكرة التقسيم، لأن مصيره سيصبح الفصل من الوظيفة العامة، كما حدث مع السفير علي العمراني، أو العزلة والنبذ، من الجميع، كما يحدث مع كاتب هذه السطور.

فكرة (التقسيم هو الحل) هي الفكرة المركزية التي أنتجت الكارثة الحوثية والحرب والتدخل الخارجي، فلولاها لتم احتوى الحوثيين في رقعة جغرافية صغيرة، وربما القضاء عليهم، ومن ثم لم تكن هناك من مبررات للحرب والتدخل الخارجي. ولهذا فأن الخطوة الأولى لإنهاء الجائحة الحوثية وتحقيق السلام والاستقرار في اليمن لن يتم إلا بتجريم فكرة (التقسيم هو الحل) وتجريم كل من يطالب بتنفيذها أو يروجها، وهذا التجريم هو الفعل المعتاد الذي تمارسه كل الدول الطبيعية، ولا سيما تلك الشبيهة بوضع اليمن. فأي دولة عربية، كبيرة أو صغيرة، ستنهار لو تم اعتبار أن وحدتها هي مشكلة وأن الحل في تقسيمها.

ولإدراكي لخطورة هذه الفكرة، تصديت لها منذ أن بدأت ملامحها تلوح في الأفق. حيث صنفت مشاريع الفدرالية والانفصال بأنها مشاريع فوضى مكتملة الأركان. وقد قمت بهذا الجهد، دون إي دعم من أي جهة، وعلى العكس من ذلك، عانيت وأعاني من العزلة والنبذ، وما هو أكثر من ذلك. وما يجعلني مستمرا في هذه الجهود يقيني بأنها ستثمر ولو بعد حين، لسبب بسيط جدا، وهو صدقها وضرورتها، وزيف مشاريع التفكيك وخطورتها.

إن كل اليمنيين، باستثناء القوى الانعزالية، وتجار الحروب وتجار السلام والأزمات، سيدركون بعد أن يدفعوا أثمان باهظة بأن فكرة التقسيم هي فكرة خبيثة شيطانية، وأن حل مشكلة اليمن في وحدتها وليس في تقسيمها.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: مشکلة الیمن هذه الفکرة الکثیر من

إقرأ أيضاً:

تقسيم المُقسّم.. هل يتكرر قرار 181 الأممي في الضفة وغزة؟

مرت 78 سنة على تصويت الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، وتشكّلت لجنة دولية لتسليم الإدارة من حكومة الانتداب في فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة.

ولم تتوقف توجهات التقسيم إلى هذا الحد، بل عمل الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك الحين على "تقسيم المُقسَّم" ومصادرة الأراضي أو السيطرة الأمنية عليها سواء في الضفة الغربية والقدس طوال العقود الماضية، أو في قطاع غزة بعد خطة فك الارتباط عام 2005، وحرب الإبادة الحالية.

قرار التقسيم
يُقسّم القرار الأممي 181 فلسطين إلى دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي 11 ألف كيلومتر مربع، ما يمثل 42.3 بالمئة من مجمل مساحتها، على أن تقع على الجليل الغربي ومدينة عكا والضفة الغربية والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبًا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.


ويضم القرار "دولة يهودية" تبلغ مساحتها حوالي 15 ألف كيلومتر مربع، ما يمثل 57.7 بالمئة من فلسطين، وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يُعرف بـ"إيلات" حاليًا.

ويتكون القسم الثالث حينها من مدينتي القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، على أن تكون تحت وصاية دولية. وكان هذا القرار من أول محاولات الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية.
وجاءت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين مع تحديد منطقة دولية حول القدس في تقرير "لجنة بيل" من 1937 وتقرير "لجنة وودهد" من 1938، وصدر هذان التقريران عن لجنتين شكّلتهما الحكومة البريطانية لبحث قضية فلسطين إثر الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت بين السنوات 1933 و1939.

بعد الحرب العالمية الثانية وإقامة هيئة الأمم المتحدة بديلًا لعصبة الأمم، طالبت الأمم المتحدة بإعادة النظر في صكوك الانتداب التي منحتها عصبة الأمم للإمبراطوريات الأوروبية، واعتبرت حالة الانتداب البريطاني على فلسطين من أكثر القضايا تعقيدًا وأهمية.

واقترح التقسيم بحسب اللجنتين نقل السكّان العرب، طوعًا أو كرهًا، من مناطق "الدولة اليهودية" إلى المنطقة العربية الملحقة بالأردن إضافةً إلى الدول العربية المجاورة، أي إنه يضمن التهجير بشكل فعلي.

أعطى قرار التقسيم 55 بالمئة من أرض فلسطين لـ"إسرائيل"، بما في ذلك الأراضي على وسط الشريط البحري من إسدود إلى حيفا تقريبًا، ما عدا مدينة يافا، وأغلبية مساحة صحراء النقب باستثناء مدينة بئر السبع وشريط على الحدود المصرية.

من دعم القرار؟
بلغ عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقت القرار 57 دولة فقط، حيث كانت دول مثل ألمانيا واليابان وحلفائها خاضعة لسلطات الاحتلال أو ممنوعة من الانضمام إلى المنظمة الدولية، أما أغلبية دول القارة الإفريقية وآسيا الجنوبية الشرقية فكانت ما تزال خاضعة للسلطات الاستعمارية ولم تكن مستقلة.

وشارك في التصويت 56 دولة، باستثناء مملكة سيام (تايلاند حاليًا)، ووافقت الدول الكبرى حينها مثل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على خطة التقسيم، باستثناء بريطانيا التي مارست الانتداب فقد امتنعت عن التصويت.

وضغطت الحركة الصهيونية على الدول المترددة واستعانت بالدبلوماسيين الداعمين للخطة داخل الأمم المتحدة من أجل تأجيل التصويت من 26 إلى 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، مما أعطاهم الفرصة لإقناع دول مثل ليبيريا والفلبين وهايتي للتصويت لتأييد القرار والحصول على نسبة الثلثين من الدول الأعضاء، وهي النسبة التي كانت لازمة لإقرار خطة التقسيم.

حاولت الدول العربية منع هذا التأجيل فتنازل مندوبيها عن إلقاء خطاباتهم توفيرًا للوقت، ولكن البعثة الأمريكية المؤيدة لخطة التقسيم أصرت على تأجيل جلسة التصويت إلى ما بعد عيد الشكر في 27 من الشهر ذاته، وذلك بحسب بيانات وأرشيف الأمم المتحدة.

وقررت الخارجية الأمريكية عدم ممارسة الضغوط على الدول لزيادة الدعم، بينما مارس بعض السياسيين ورجال الأعمال الأمريكيين الضغوط على الدول المترددة التي كانت متعلقة اقتصاديًا بالولايات المتحدة الأمريكية، وضغط المليونير الأمريكي المشهور هارفي صامويل فايرستون على ليبيريا، وهو صاحب مزارع المطاط في البلاد ومالك مصانع الإطارات المشهورة "فايرستون – Firestone".

وعند إجراء التصويت وافقت كل من أستراليا، والنرويج، وأيسلندا، وفرنسا، وفنلندا، والولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد السوفيتي، والجمهورية الأوكرانية السوفيتية الاشتراكية، وجمهورية بيلاروس السوفيتية الاشتراكية على القرار، وذلك إلى جانب الدنمارك والسويد ونيوزيلندا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وليبيريا والفلبين وجنوب أفريقيا وباراغواي، إضافة إلى فنزويلا وأوروغواي وبيرو وبنما وكوستاريكا والبرازيل وجمهورية الدومينيكان والإكوادور وغواتيمالا وهايتي ونيكاراغوا وبيرو وهولندا ولوكسمبورغ.

ورفضت كل من أفغانستان وإيران وتركيا وباكستان والسعودية وسوريا والعراق وكوبا ولبنان ومصر والهند واليمن واليونان القرار، بينما امتنعت الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وإلسلفادور وهندوراس والمكسيك وجمهورية الصين وإثيوبيا والمملكة المتحدة ويوغوسلافيا، وغابت عن التصويت تايلاند.

وبعد إعلان نتيجة التصويت، انسحب المندوبون العرب من الاجتماع وأعلنوا في بيان جماعي رفضهم للخطة واستنكارهم لها، وقال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس فورستال، في مذكراته تعليقًا على هذا الموضوع: إن "الطرق المستخدمة للضغط ولإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة".

الانقلاب على القرار
رغم تفضيل القرار لفكرة الاحتلال الإسرائيلي ومنح اليهود 57 بالمئة من أرض فلسطين، حيث كانوا يسيطرون على 7 بالمئة منها قبل ذلك، فقد أعلن دافيد بن غوريون في حزيران/ يونيو 1938، في كلام أمام قيادة الوكالة اليهودية التي كان يرأسها (أصبح لاحقًا أول رئيس وزراء)، بشأن اقتراح آخر لتقسيم فلسطين، عن نيّته في إزالة التقسيم العربي اليهودي والاستيلاء على كلّ فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم.

وفي تلك الفترة أيضًا، وخلال بث إذاعي جرى في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بعد أيام من صدور القرار الأممي بالتقسيم، أكد مناحيم بيغن، الذي كان في ذلك الحين أحد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية (أصبح رئيسًا للوزراء ما بين 1977 و1983)، بطلان شرعية التقسيم، وأن كل "أرض الميعاد" والتي تشمل كامل فلسطين الانتدابية بما في ذلك شرق الأردن ملك لليهود وستبقى كذلك إلى الأبد، بحسب موقع "دات" العبري.

وتكررت هذه المواقف الإسرائيلية بعد عقود من الزمن، وعادت مع تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في لقاء مع مؤيدين لـ"إسرائيل" في باريس في آذار/ مارس 2023، التي قال فيها إنه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني".

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن سموتريتش قوله حينها؛ إن "الشعب الفلسطيني اختراع لم يتجاوز عمره 100 عام"، على حد زعمه. وخلال كلمته، عرض سموتريتش خريطة مزعومة لـ"إسرائيل" تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية المحتلة.

كشف وثائقي نشر مؤخرا، بثته قناة "arte" الفرنسية، عن رؤية وزير مالية الاحتـ ـلال بتسيئيل سموتريتش، لحدود ما بات يعرف بـ"إسرائيل الكبرى"، والتي تشمل وفق سموتريتش أراضي في #الأردن و #سوريا و #لبنان و #العراق و #مصر وحتى في المملكة العربية #السعودية ، إلى جانب الاستيطان الواسع في… pic.twitter.com/FIwdMIedgL — عربي21 (@Arabi21News) October 10, 2024

وتعقيبًا على ذلك، اكتفت الخارجية الإسرائيلية بالقول في بيان مقتضب عبر تويتر: "إسرائيل ملتزمة باتفاقية السلام مع الأردن منذ 1994"، إلا أن الوزارة الإسرائيلية لم تستنكر أو تنتقد بشكل واضح تصريحات سموتريتش بشأن إنكار وجود الشعب الفلسطيني أو حتى التعدي على الأراضي الأردنية.

ويُكمل نتنياهو خلال الشهور الماضية بإعلانه رؤية "إسرائيل الكبرى" مشروعًا توراتيًا يستحضر الموروث التلمودي لتبرير سياساته التوسعية، خاصة وأنه توعّد قبل أعوام بقيادة "إسرائيل" إلى ما سماه "قرنها المئوي"، وفاجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول/ سبتمبر 2023 بعرضه "خريطة إسرائيل الكبرى".

والمشروع يتبناه اليمين الإسرائيلي المتطرف المتحالف مع نتنياهو، طرحه زعيم سموتريتش عام 2016، وكان حينها عضوًا في الكنيست، مشيرًا إلى أن "حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافةً إلى أراضي 6 دول عربية هي: سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات".

وطرح حزب "الليكود" مشروع "إسرائيل الكبرى" منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل عام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي بُني على أفكار وُلدت قبل ذلك بكثير، وتبعته التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية "يهودا والسامرة" والترويج للاستيطان اليهودي.

يستند داعمو اليمين المتطرف، الذين يتبنون هذه المعتقدات التوراتية، إلى نصوص أهمها ما ورد في سفر التكوين، إضافةً إلى أصوات داخل الحركة الصهيونية تدعو إلى توسيع حدود "إسرائيل" لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط.

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار #بن_غفير في مؤتمر لـ"إعادة الاستيـطان":"يجب إعادة بناء المستــوطنات في غــزة، وتشجيع هجرة الفلسطينيين إلى دول أخرى، هذا هو الحل الأكثر أخلاقية"#عربي21 pic.twitter.com/ay4eAQQ8Ed — عربي21 (@Arabi21News) October 21, 2024
وكان أحدث ما حصل في هذا المخطط، هو تأكيد نتنياهو بشكل صريح في مقابلة مع قناة "i24" أنه "مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى"، وذلك ردًا على سؤال عن شعوره بأنه في "مهمة نيابة عن الشعب اليهودي".

الضفة والقدس
في آب/ أغسطس 2025، جرى إحياء مخطط "إي 1 – E1" الإسرائيلي، الذي يقع بين مستوطنتي "معاليه أدوميم" و"بسغات زئيف" ضمن مناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ويمتد على مساحة نحو 12 كيلومترًا مربعًا بين بلدات عناتا والعيساوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس في القدس، بهدف تغيير الأوضاع بشكل كامل ونهائي لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.

ويُعد المخطط جزءًا من استراتيجية التوسع الاستيطاني الإسرائيلي التي تهدف إلى فرض السيطرة على القدس ومنع تأسيس دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.

وجاء القرار بعد أيام قليلة من اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، رفقة مجموعة ضخمة من 4000 مستوطن، للمسجد الأقصى، وإقامة صلاة وطقوس دينية يهودية كاملة داخله، وهو أمر غير مسبوق. ويُعد ذلك بمثابة الكسر الرسمي لاتفاقية "الوضع الراهن" المستمرة منذ العهد العثماني، التي تنص على أن المسجد الأقصى حكر على المسلمين فقط.

ويمتد المشروع على حدود بلدات عناتا والعيساوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس، وهي المناطق التي تُشكّل الإطار الحيوي لشرق مدينة القدس، وتبلغ مساحته نحو 12 كيلومترًا مربعا، ويربط بين مستوطنة "معاليه أدوميم" ومدينة القدس المحتلة.

منذ احتلال الضفة الغربية 1967، مارست "إسرائيل" خططًا متدرجة ومتعددة المسارات على الأرض الفلسطينية، من ضمنها الاستيطان؛ فقد شجعت سياسة الاستيطان بهدف تفكيك الجغرافيا الفلسطينية، وتحييد إمكانات قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وتحوّل الاستيطان منذ ذلك الحين إلى آلية هيمنة فعلية على الأرض.

غول الاستـيطان ينهش الضفة المحـتلة.. وجنود الاحتلال يحرسون البؤر الاستـيطانيّة الزراعيّة ويساعدون على إقامتها???? pic.twitter.com/qpKtOgFH0C — عربي21 (@Arabi21News) October 23, 2024
ويتبع الاحتلال سياسة مصادرة الأراضي تحت الغطاء القانوني والعسكري، وتستخدم أدوات قانونية من حقبة الانتداب، وأوامر عسكرية ومبررات "الأمن القومي" للاستيلاء الممنهج على الأراضي الفلسطينية، ووضعها تحت اسم "أراضي دولة" لتسليمها للمستوطنين.

وتعمل "إسرائيل" حاليًا على التوسع في بناء بؤر عشوائية استيطانية غير قانونية، تعمل الحكومة الإسرائيلية على ربطها بالبنى التحتية، وإمدادها بالخدمات والمساعدات اللازمة، وتلي هذا الاستيلاء سياسات محاولة شرعنة والاعتراف بها بشكل رسمي، ضمن ما يسمونه "مخططات التوسيع".

وتستغل "إسرائيل" الطريق الاستراتيجي والربط الجغرافي، فقد أنشأت شبكات طرق التفافية لفصل الفلسطيني عن أرضه، وربطت المستوطنات ببعضها البعض ومع الداخل الفلسطيني المحتل.


وأفاد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان بأن مساحة الأراضي الفلسطينية التي يسيطر عليها الاحتلال وتخضع للعديد من الإجراءات الإسرائيلية تبلغ 2380 كيلومترًا مربعًا، بما يعادل 42 بالمئة من مجمل أراضي الضفة الغربية، و68.7 بالمئة من مجمل المناطق المصنفة "ج"، وهي المناطق التي تخضع للحكم العسكري الإسرائيلي، وتبلغ مساحتها ما مجموعه 61 بالمئة من مجمل مساحة الضفة الفلسطينية.

وتبلغ مساحة المناطق المصنفة (أ) حوالي 1,000 كيلومتر، أي ما نسبته 17.6 بالمئة فقط من مساحة الضفة الغربية، فيما بلغت نسبة المناطق المصنفة (ب) ما نسبته 18.4 بالمئة من المساحة الإجمالية للضفة الغربية.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2025، صوّت الكنيست لصالح مناقشة مشروعي قانونين يمهّدان لتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، بعد أيام من نجاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رعاية اتفاق لوقف إطلاق النار يهدف إلى إنهاء عامين من الحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس في قطاع غزة المدمّر والمحاصر.

أعلن وزير مالية دولة الاحتــلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مصادرة 23 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة، في أكبر خطوة بهذا الحجم منذ اتفاقات أوسلو في العام 1993 لصالح تعزيز سياسة الاســتيـطان وسيطرة إسرائيل على #الضفة.
وعلقت حمــاس بأن إعلان #سموتريتش مصادرة أراض في الضفة… pic.twitter.com/qa9OAmN6zi — عربي21 (@Arabi21News) December 6, 2024
وعقب ذلك كشفت تقارير أن نتنياهو وجّه بعدم المضي قدمًا في مشاريع قوانين "فرض السيادة" على الضفة الغربية. وقالت القناة 12: "في الائتلاف الحاكم أُعلن أن قوانين السيادة في الضفة الغربية ستُعلَّق حتى إشعار آخر".

كما نقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن رئيس الائتلاف أوفير كاتس قوله: "نتنياهو وجّهني بعدم المضي في الترويج لمزيد من مشاريع القوانين المتعلقة بالسيادة في الضفة الغربية".

ورغم ذلك، صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، على السماح للمستوطنين بشراء أراض في الضفة الغربية، وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن بوعاز بيسموت، في بيان، إن "المشروع المقترح يعزز السيادة الإسرائيلية، ولا يوجد سبب يمنع اليهودي من شراء أرض في الضفة الغربية".

غزة
في عام 2005، نفّذ الاحتلال الإسرائيلي خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية، وبموجبها أُخليت المستوطنات الإسرائيلية ومعسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، فضلًا عن أربع مستوطنات أخرى متفرقة في شمال الضفة الغربية، وكان ذلك نتيجة لمعركة "أيام الغضب" التي فشلت فيها "إسرائيل" في تحقيق أهدافها بمنع إطلاق الصواريخ من غزة.

وقبل تنفيذ خطة فك الارتباط، كانت غزة مقسّمة فعليًا إلى شبكة معقدة من مناطق سيطرة، إذ تداخلت المدن والمخيمات الفلسطينية مع جيوب استيطانية إسرائيلية محصّنة، أبرزها كتلة "غوش قطيف" جنوبًا، ومستوطنة "نيتساريم" جنوب مدينة غزة، و"كفار داروم" في الوسط، و"دوغيت" شمالًا، هذا التداخل خلق خريطة غير متواصلة جعلت التجمعات الفلسطينية منفصلة بحكم الواقع.

واعتمدت "إسرائيل" على محاور عسكرية مغلقة للتحكم بالحركة وتثبيت الفصل الداخلي، كان محور فيلادلفيا على طول الحدود المصرية–الفلسطينية خطًا عسكريًا ثابتًا لمنع "التهريب"، أما محور "كيسوفيم" فكان أهم خطوط السيطرة، إذ ربط المستوطنات ببعضها وقطع غزة فعليًا إلى قسمين: وسط وشمال من جهة، وجنوب من جهة أخرى.

إلى جانب ذلك، شكّل محور كارني–نتساريم–كيسوفيم حاجزًا إضافيًا يفصل شرق غزة عن غربها، حيث ارتبط بمعبر كارني التجاري ثم استدار جنوبًا ليخدم مستوطنة نيتساريم، ما جعل أي حركة فلسطينية تمر عبر سلسلة من الإغلاقات. كما كان الطريق الساحلي قرب غوش قطيف مغلقًا غالبًا أمام الفلسطينيين، ما زاد من عزل جنوب القطاع.

????كشفت القناة 12 العبرية أن مجموعة من النواب الإسرائيليين طلبت من وزير الحرب يسرائيل كاتس السماح لهم بتنظيم جولة داخل قطاع غزة تمهيدًا لبحث استئناف الاستيطان

وبحسب القناة، فإن الطلب قُدّم من جماعة ضغط استيطانية تقودها النائبة ليمور سون هار-ميليخ من حزب "القوة اليهودية" والنائب… pic.twitter.com/MXSnm1lwnV — عربي21 (@Arabi21News) November 27, 2025
هذه المحاور العسكرية أدت إلى خلق ثلاث مناطق حركة منفصلة: شمال القطاع تحت تأثير حاجز نتساريم، الوسط مقطوع بحاجز كيسوفيم، والجنوب مفصول بحاجز المطاحن قرب منطقة موراج، ومع وجود الطوق العسكري حول المستوطنات، تحوّلت غزة قبل 2005 إلى فضاء مُجزّأ تتحرك داخله القوات الإسرائيلية بحرية، بينما تخضع حركة الفلسطينيين لسيطرة دقيقة عبر نقاط التفتيش.

وتكررت هذه التقسيمات وعاد تداول أسماء هذه المحاور بشكل كبير خلال حرب الإبادة الحالية وبعد وقف إطلاق النار، وجرت إضافة مصطلحات أخرى مثل "الخط الأصفر" الذي يبين الأماكن التي انسحب منها الاحتلال والتي ما زال يسيطر عليها.


وتدفع الولايات المتحدة باتجاه إقامة مناطق خالية من حركة حماس في غزة، وذلك عبر خطة لتقسيم غزة القطاع إلى مناطق تسيطر عليها الحركة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وبناء "مجتمعات مؤقتة" للنازحين الفلسطينيين في الجنوب، بدءًا من رفح.

أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن الولايات المتحدة تُقدم بهدوء خطة لتقسيم قطاع غزة إلى مناطق سيطرة، والبدء في بناء "مساكن مؤقتة" للفلسطينيين في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وذكرت الصحيفة "تُمثل هذه المبادرة المُعلن عنها تحولاً في التوقعات بشأن تفكيك حركة حماس، وهو أمر مُدرج رسمياً كهدف للمرحلة الثانية ضمن خطة السلام المُقترحة من 20 نقطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن من غير المُتوقع حدوثه قريباً".



وأضاف "ستُحدد الخطة الأمريكية المناطق الخاضعة لسيطرة حماس باللون الأحمر، بينما ستُحدد المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي باللون الأخضر. وداخل هذه المناطق الخضراء - المُحددة كمناطق تقع خلف "الخط الأصفر" الذي يُحدد نفوذ حماس، تُروج واشنطن، بحسب التقارير، لبناء ما يُسمى "مجتمعات آمنة بديلة" للفلسطينيين النازحين".

مقالات مشابهة

  • البابا ليو: الدولة الفلسطينية الحل الوحيد للصراع مع إسرائيل
  • كيف حوّل شكري نعمان أمن الحوبان إلى شركة جباية داخل مصنع “كميكو”؟ومن هي الشبكة التي تحميه من التغيير ؟
  • ندوة فكرية في المخا تؤكد: الثورة اليمنية مسار واحد متجدد عبر الأجيال
  • العليمي في ذكر 30 نوفمبر: اليمن الآمن والمستقر بات أقرب من أي وقت
  • اليمنية تلغي اشتراط حجز تذاكر ذهاب وعودة للمسافرين من اليمن إلى السعودية
  • تكتل الأحزاب اليمنية: استعادة الدولة هدف مركزي لا مساومة عليه
  • تقسيم المُقسّم.. هل يتكرر قرار 181 الأممي في الضفة وغزة؟
  • عربستان… الدولة التي أُطفئ نورها غدرًا: مئة عام على جريمة سياسية غيّرت وجه الخليج
  • كلاوت الإطار التي لا تنتهي..الإطار يدين استهداف حقل كورمور الغازي من قبل ميليشياته
  • علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية