لجريدة عمان:
2025-06-06@20:32:17 GMT

ترامب ومسمار جديد في نعش حرية الإعلام

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

لا يكف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مفاجأة العالم بسلسلة من السياسات والأوامر التنفيذية التي تستهدف، بشكل مباشر وغير مباشر، تقليص الحريات بشكل عام وحرية الإعلام على وجه الخصوص الذي ظلت الولايات المتحدة تتباهى به لسنوات طويلة. في أحدث حلقات مسلسل انقلابه الناعم على الإعلام، وجّه ترامب منذ أيام قليلة ضربة جديدة إلى حرية الإنترنت العالمي من خلال قراره بوقف تمويل صندوق التكنولوجيا المفتوحة، وهو القرار الذي وصفه مراقبون ومشرّعون أمريكيون ومنظمات حقوقية وإعلامية بأنه مقلق، وخطير، وسوف يكون له تداعيات سلبية واسعة على حرية التعبير في العالم كله، خاصة في دول مثل الصين، وروسيا، ويمثل مسمارا جديدا يدقه ترامب بعنف في نعش حرية الإعلام.

صندوق التكنولوجيا المفتوحة الذي ضربه ترامب في مقتل، كان قد أنشئ في عام 2012 لكي يكون حائط صد أمام محاولات الأنظمة القمعية في حجب الإنترنت داخل دولها والسيطرة على تدفق المعلومات، وقد لعب الصندوق دورًا محوريًا في دعم أدوات تتيح للشعوب في هذه الدول اختراق «جدران الحماية الرقمية» وتجاوز الحظر الذي تفرضه الحكومات على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وكان بمثابة «شريان حياة للنشطاء والصحفيين والمواطنين في أماكن مثل الصين وروسيا وكوبا وفنزويلا وميانمار، وغيرها، وجاء قرار ترامب ليقطع هذا الشريان الذي كان يربط الولايات المتحدة بتقاليدها الراسخة وخطابها التاريخي التقليدي حول حرية التعبير وحرية الصحافة.

إذا أضفنا قرار ترامب سحب تمويل هذا الصندوق، إلى سياساته الرامية إلى تقييد صلاحيات الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، المسؤولة عن وسائل ومنصات الإعلام الأمريكية الموجهة للخارج، يمكن القول إن الولايات المتحدة قد تخلت عن أبرز أدواتها في دعم الحريات عالميا، وهو ما يضعف دورها الأخلاقي والدبلوماسي، ويمنح الأنظمة الاستبدادية فرصة سانحة لتضييق الخناق على شعوبها.

لم يكتفِ ترامب بمحاربة حرية الإنترنت، بل واصل هجماته المتكررة على الإعلام، المحلي والدولي، انطلاقا من قناعته الراسخة بأن الإعلام المعارض عدو للشعب. منذ توليه الرئاسة في الفترة الأولى وحتى اليوم، تبدو معارك ترامب مع الصحافة شرسة، مليئة بالتشكيك والتخوين والإقصاء. ومؤخرًا، تصاعدت حدة هذه المعركة مع محاولاته تحجيم المؤسسات الإعلامية الأمريكية المستقلة والتضييق على وكالات إعلامية دولية، مما يشير إلى استراتيجية واضحة تسعى إلى إسكات كل صوت لا يتماشى مع رؤيته الخاصة للعالم.

ضمن حربه المستمرة على الإعلام، لم يكتفِ ترامب بمعاداة الصحافة الأمريكية المحلية ووصفها بـ«عدو الشعب»، وامتدت عداوته إلى المؤسسات الإعلامية الأمريكية الموجهة للعالم الخارجي، وعلى رأسها الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، التي تمثل الذراع الإعلامية للدبلوماسية الأمريكية.

هذه الوكالة التي يعود تاريخها إلى عام 1942 عندما تأسست إذاعة صوت أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت أول وسيلة إعلام أمريكية موجهة للجمهور الدولي، هي الهيئة الفيدرالية التي تشرف على جميع وسائل الإعلام الدولية الممولة من الحكومة الأمريكية، وتُعتبر الذراع الإعلامية للدبلوماسية الأمريكية، وتلعب دورًا محوريًا في تصدير «الرواية الأمريكية» الرسمية في الأحداث العالمية إلى الجماهير في معظم مناطق العالم، ويُنظر لها على أنها أداة للقوة الناعمة للولايات المتحدة، تُستخدم لتعزيز الديمقراطية وحرية التعبير حول العالم.

ويتذكر الجمهور العربي جيدًا أبرز وسائل الإعلام التي تديرها الوكالة، وأهمها إذاعة صوت أمريكا التي تنقل الأخبار والمعلومات بـ40 لغة مختلفة، وتعد واحدة من أقدم وأكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الوكالة، وإذاعة سوا التي تأسست في عام 2002، كبديل لـ«صوت أمريكا» باللغة العربية، وقناة الحرة بهدف مخاطبة الجمهور العربي، وإذاعة أوروبا الحرة الذي يركّز على دول أوروبا الشرقية، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، بالإضافة إلى إذاعة آسيا الحرة الذي يستهدف الصين، وكوريا الشمالية، وفيتنام، وغيرها من الدول الآسيوية، و«إذاعة وتلفزيون مارتي»، الموجّه إلى الجمهور الكوبي. وبسبب أوامر ترامب التنفيذية الأخيرة تقليص البيروقراطية الحكومية، و«إعادة هيكلة» المؤسسات الفيدرالية، أصبحت الوكالة في مهب الريح، خاصة مع توقعات تقليص التمويل، وتسريح الموظفين.

الخطير في الأمر أن إدارة ترامب قوّضت حرية الإعلام الخارجي الأمريكي، الذي كان يتمتع تقليديًا بهامش من الاستقلال عن السلطة التنفيذية، لضمان مصداقيته. هذا الاستقلال كان سببًا في نجاح هذه المؤسسات على مدى عقود، حيث كانت مصدرًا مهما من مصادر المعلومات للملايين خاصة في الدول القمعية، لكن ترامب عمل على تحويل هذه المنصات إلى أدوات دعاية للبيت الأبيض، وهو ما أثار استياء الصحفيين العاملين فيها، لضياع دور أمريكا كمدافع عن حرية التعبير والصحافة.

ما فعله ترامب بالإعلام الخارجي الأمريكي لا يمكن وصفه إلا بأنه انقلاب ناعم على الدور التاريخي لهذه المؤسسات، التي لطالما اعتُبرت واحدة من أدوات «القوة الناعمة» الأمريكية. ففي الوقت الذي تتوسع فيه الصين وروسيا في بثّ دعاياتها الموجهة عبر شبكات إعلامية ضخمة، كان يُنتظر من واشنطن تعزيز صوتها الحر، لا أن تسكته. ولكن إدارة ترامب، بدلًا من ذلك تقوم بخنقه من الداخل، عبر قرارات بيروقراطية لها هدف سياسي واضح، وهي إسكات كل صوت لا يخضع للرقابة.

في اعتقادي أن هذا النهج الأمريكي الجديد، الذي يقوّض حرية الإعلام من الداخل باسم «إعادة التنظيم» لا يختلف كثيرًا -في الجوهر- عن الممارسات التي طالما انتقدتها الولايات المتحدة في الدول الاستبدادية. وهنا يكمن التناقض المتمثل في إصدار قرارات تشبه في منطقها تلك التي استخدمتها الأنظمة الديكتاتورية وما زالت في الشرق والغرب لقمع الصحافة.

قد يتساءل البعض: ما علاقتنا -كعرب- بكل ذلك؟ الإجابة: إن السياسات الأمريكية، خاصة تلك المتعلقة بالإعلام والإنترنت، لا تقف عند حدود واشنطن، لكونها يمكن أن تُشكّل مناخًا دوليًا عامًا يمنح الحصانة للأنظمة القمعية لتوسيع سلطاتها وتقنين قمعها. فإذا كانت واشنطن تُغلق برامج تدعم حرية الإنترنت، فماذا ننتظر من دول لا تؤمن أنظمتها من الأصل بحرية التعبير كقيمة وحق إنساني؟

المشكلة التي نواجهها أن الدول العربية تعتمد بشكل مباشر على البنية التحتية الرقمية والتمويلات والبرامج الأمريكية في مجالات التكنولوجيا والإعلام، وبالتالي فإن وقف البرامج الأمريكية التي تمكن المواطنين من تجاوز حظر الحكومات للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، من شأنه أن يترك فراغًا يمكن أن يُستغل بسهولة من قبل السلطات لفرض مزيد من القيود على المواطنين، بدعوى «مكافحة الإرهاب» أو «حماية الأمن القومي»، وهي المصطلحات التي تحولت في كثير من الحالات إلى ذرائع للقمع السياسي.

في مواجهة انقلاب ترامب على الحريات، يجب على العرب -حكومات ومجتمعًا مدنيًا- أن يبادروا بوضع سياسات جديدة كفيلة بخفض مستوى التبعية للولايات المتحدة التي لم تعد مأمونة الجانب، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية والتحكم فيها وتوجيهها لما يخدم مصالحها فقط، من الضروري أن يبدأ العرب في الاستثمار في بدائل محلية حرة وآمنة، ودعم مشروعات مستقلة تؤمن بحرية الإنترنت وتحمي المستخدمين من الرقابة.

إن قرارات ترامب، من وجهة نظري، ليست مجرد نزوات شخصية، بل تعكس تحولًا خطيرًا في أولويات السياسات الأمريكية، تتحول من خلالها الولايات المتحدة من دولة تتغنى بالحريات إلى دولة تسعى إلى إغلاق كل منافذ التعبير أمام الكلمة الحرة والفكر المستقل، وهو ما يضعنا ويضع العالم أمام مفترق طرق. وعلى هذا فإن العرب مطالبون بأن يقرروا: هل ننتظر حتى يُغلق علينا الصديق الأمريكي أبواب الفضاء الرقمي الواحد تلو الآخر؟ أم نبدأ الآن ببناء شبكات بديلة تحمي حرية التعبير؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة حریة الإنترنت حریة التعبیر حریة الإعلام

إقرأ أيضاً:

تحليل لـCNN: ما الذي يميز صورة ترامب الجديدة عن صور رؤساء أمريكا السابقين؟

تحليل لكيفن ليبتاك من شبكة CNN

(CNN)--  عندما كُشف النقاب عن الصورة الرسمية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاثنين، افتقرت إلى عنصرين كانا من العناصر التي برزت في صور أسلافه التي يعود تاريخها إلى أكثر من 50 عاما: تعبير سعيد وعلم أمريكي في الخلفية.

وتُظهر الصورة، التي حلت محل صورة سابقة نُشرت مع تنصيب ترامب في يناير/ كانون الثاني، الرئيس الأمريكي مع  خلفية داكنة و جزء من وجهه محجوب بظلال.

وعُلّقت نسخ مطبوعة من الصورة في المباني الفيدرالية، وهي الآن متاحة على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض.

وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الصورة الأولى لترامب التُقطت خلال الفترة الانتقالية، وكان من المفترض دائمًا أن تكون رمزا مؤقتا، أما الصورة الجديدة فقد التُقطت مؤخرا.

وأضاف المسؤول: "الرئيس هو الشخصية الأكثر شهرة على هذا الكوكب، وهذه الصورة الجديدة التي التُقطت خلال ولايته الثانية تعكس تفاؤل أمريكا وعزيمتها، خاصة بعد 4 سنوات كارثية من إدارة (الرئيس السابق جو) بايدن".

مقالات مشابهة

  • مجلة "التايم": ما يجب أن تعرفه عن حظر السفر الجديد الذي فرضه ترامب عن 12 بلد بينها اليمن؟
  • شركة استثمار خاصة في شيكاغو على خط المساعدات في غزة.. ما الذي يحدث خلف الكواليس؟
  • هل يُعيد لقاء ميرتس وترامب تشكيل العلاقات الألمانية الأمريكية؟
  • عاجل.. ترامب: طلبت من بوتين عدم الرد على الهجوم الأخير الذي شنته كييف على المطارات الروسية
  • الملك يثمن العمل المشترك الذي يقوم به الأردن والمملكة المتحدة
  • وزير الإعلام يبحث مع اتحاد الكتاب العرب سبل إيجاد آلية مشتركة لتنظيم نشر الكتب والمخطوطات تضمن حرية النشر
  • منتدى الإعلام السوداني: تعديلات قانون الصحافة تهدد حرية الإعلام وندعو لتأسيس هيئة مستقلة
  • الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب تحافظ على دعمها للحكومة السورية
  • الذهب يرتفع مع ضعف البيانات الأمريكية التي عززت رهانات خفض أسعار الفائدة
  • تحليل لـCNN: ما الذي يميز صورة ترامب الجديدة عن صور رؤساء أمريكا السابقين؟