يمانيون/ صنعاء

نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي، التي ألقاها مساء يوم أمس الخميس 27 رمضان 1446هـ الموافق 27 مارس 2025م.

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَـاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء:4-8]. صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيم.

في العشرين من شهر رمضان المبارك، لعام 1399 للهجرة، أعلن الإمام الخميني آخر جمعةٍ من شهر رمضان المبارك، من كل عام، يوماً عالمياً للقدس، ودعا كافَّة المسلمين، في كل أرجاء العالم الإسلامي، لإحياء هذا اليوم بالمظاهرات، والتَّجمُّعات، وإقامة المحافل، وأن يكون يوماً ليقظة جميع الشعوب الإسلامية، ويوماً للتعبئة العامة للمسلمين؛ من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيَّةً في نفوس المسلمين، ومشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حَيَّة في نفوس المسلمين.

العنوان (يوم القدس)، العنوان والزمان كذلك (في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك)، يُذَكِّران المسلمين بمسؤوليتهم الدينية، تجاه فلسطين والأقصى والقدس، وتجاه الشعب الفلسطيني المظلوم، وتجاه أرض فلسطين، التي هي بقعةٌ مباركةٌ من بقاع وبلدان المسلمين، تجاه المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، التي لها أكثر من قرنٍ من الزمان، منذ الاحتلال البريطاني، ثم خَلَفَهُ العدو الإسرائيلي المجرم، وله أكثر من سبعة عقود من الزمن، في عدوانٍ متواصل وإجرامٍ يوميٍ ضد الشعب الفلسطيني، إضافةً إلى العدوان والاحتلال الذي طال بلداناً عربيةً أخرى، وهو مستمرٌ كذلك على عِدَّة بلدان، وتهديدٌ حقيقيٌ لبلدانٍ أخرى.

وقـد تزامنت المناسبــة في هـذا العــام، مـع تطــوُّراتٍ غــير مسبوقــة في عِــــدَّة اتجاهـــات:

أولاً: حجم الإجرام الإسرائيلي، وبشراكةٍ أمريكيةٍ كاملةٍ على كل المستويات: عسكرياً، وسياسياً… وغير ذلك، ضد الشعب الفلسطيني:

على مدى خمسة عشر شهراً، ثم استئنافه للعدوان، والإبادة الجماعية، والتجويع المعلن المكشوف، والمنع من دخول الغذاء والدواء إلى غَزَّة بأي شكلٍ من الأشكال، لا مساعدات، ولا بضائع… ولا غير ذلك، واستباحة الدم الفلسطيني، والقتل الشامل بكل وسائل القتل، وبكل وحشية؛ بهدف كسر الإرادة، والدفع بالشعب الفلسطيني للاستسلام، ومحاولة الوصول به إلى الانهيار التام، وفي هذا الاتِّجاه المجاهرة بالإجرام بمرأى ومسمعٍ من العالم.

ثانياً: انكشاف توجُّهات العدو الإسرائيلي والأمريكي معاً؛ لأنَّها توجُّهات مشتركة، والحديث عنها صراحةً، والتحرك السياسي والإعلامي المكشوف لأجلها، وهي: السعي للتصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتوسيع الاحتلال في البلدان المحيطة بفلسطين؛ تمهيداً لمراحل لاحقة، يُسْتَكْمَل فيها المشروع الصهيوني الإسرائيلي [من النيل، إلى الفرات].

في السابق كان الأمريكي والإسرائيلي يعتمدان على الخطوات العملية، مع استخدام أسلوب الخداع، لاسيَّما للأنظمة الرسمية العربية؛ فكان الأمريكي يتحدث عن السلام، والتسوية… وغير ذلك؛ ثم في هذه المرَّة أصبح يتحدث الأمريكي- بنفسه- عن التهجير، لم يعد هناك أي طرح لمسألة التسوية السياسية، ودولة الفلسطينية… وغير ذلك.

وتزامــن مــع ذلـك:

الإبادة الجماعية، والتجويع للشعب الفلسطيني في غَزَّة.

والتدمير والتهجير أيضاً في الضِّفَّة الغربية على نحوٍ متصاعد.

والسعي المكشوف لتهويد مدينة القدس.

وتكثيف الاقتحامات والاستباحة للمسجد الأقصى، ووضع المزيد من القيود والمضايقات على الوصول إليه.

الحديث الأمريكي المُعْلَن عن التهجير يُعتبر فضيحةً كبرى للأمريكي، يكشفه لمن يريد أن يتغابى، وأن يتجاهل الصورة الحقيقية له، وهو انتقال- كما قلنا- من مراحل الخداع في الماضي تحت عنوان التسوية، إلى هذه المرحلة الجديدة من الانكشاف، والتحرَّك المحموم، للانتقال إلى المراحل الأخرى التي هي واضحة:

السعي لتصفية القضية الفلسطينية.

والتهجير للشعب الفلسطيني.

والتَّوَسُّع في البلدان المحيطة بفلسطين.

هذا الانكشاف هو أيضاً من التطوُّرات المهمة، التي تزامنت مع هذه المناسبة في هذه المرحلة.

ثالثاً: في المقابل، حجم الصمود الفلسطيني، والثبات، والاستبسال:

هذا المستوى العظيم من صمود الشعب الفلسطيني وثباته في غَزَّة، وثبات مجاهديه، هو تطوّرٌ غير مسبوقٌ أيضاً، وكانت (عملية طوفان الأقصى) نقلةً جديدةً في ارتقاء الأداء الفلسطيني، وكذلك حجم الصمود العظيم في (معركة طوفان الأقصى)، وقد تجلَّى ضعف العدو الإسرائيلي مع هذا الصمود، وهذه النقلة المهمة؛ وإنما التجأ بشكلٍ كامل إلى الأمريكي، واعتمد عليه كليّاً، وكان التَّدَخُّل الأمريكي تجاه ذلك بشكلٍ غير مسبوق، ومع دعمٍ غربي، برز فيه: البريطاني، والألماني، والفرنسي… وهناك آخرون غيرهم أيضاً قدَّموا الكثير للعدو الإسرائيلي، وإلَّا فبدون ذلك كان العدو الإسرائيلي، بعد ضربة (عملية طوفان الأقصى)، في وضعٍ مهزوزٍ ومربكٍ بشكلٍ غير مسبوق، وكذلك ما قبل العملية كانت هناك- فعلاً- تساؤلات، عن مدى إمكانية استمرار ذلك الكيان المجرم الغاصب.

الإسرائيلي مع الأمريكي، اتَّجها معاً للعدوان على التصدِّي الفلسطيني بصمود وثبات، والتعامل مع التصدِّي الفلسطيني العظيم والبطولي للعدوان الإسرائيلي، باستخدام الإبادة الجماعية، والتدمير الشامل، يعني: لم تكن المسألة أن يقابلا الموقف الفلسطيني الصامد عسكرياً، من خلال أداء المجاهدين الفعَّال والقوي والثابت، أن يواجهاه بعمل عسكري نحو المجاهدين، يتَّجه نحو المجاهدين واستهدافهم، تعاملا بطريقة مختلفة: طريقة إجرامية، وحشية، شاملة، للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة بشكلٍ عام، والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة في قطاع غَزَّة، التدمير والنسف للمباني، بالأحزمة النارية، وبكل وسائل التدمير، تدمير المدن، تدمير القرى، تدمير الأحياء والمساكن، تدمير المستشفيات، تدمير آبار المياه، تدمير المدارس والمساجد… وكل مقومات الحياة؛ بدلاً من معركة عسكرية، يواجهون فيها عسكرياً، اتَّجهوا هذا الاتِّجاه الإجرام الوحشي، يحاولون بذلك الضغط على الجانب العسكري الجهادي في فلسطين للمجاهدين؛ ليستسلم وينهار من خلال هذا الأسلوب.

رابعاً: من التطوُّرات المهمة: ثبات الحاضنة الشعبية، ومجتمع غَزَّة، في ضل وضعيةٍ صعبةٍ جدًّا، ومظلومية كبرى، ومعاناةٍ رهيبةٍ لا مثيل لها:

هذا المستوى العظيم من صمود الشعب الفلسطيني في غَزَّة، في مقابل ذلك الإجرام الرهيب، والإبادة الجماعية، والتدمير الشامل، والتجويع، والإبادة بكل أساليب الإبادة، هو تطوُّرٌ غير مسبوق حتى في تاريخ الشعب الفلسطيني، وفي تاريخ شعوب المنطقة بشكلٍ عام.

خامساً: من التطوُّرات المهمة: جبهات الإسناد، وما قدَّمته من تضحيات:

بدءاً بلبنان، التي قدَّم فيها حزب الله أكبر التضحيات، في إسناده للشعب الفلسطيني، وللمجاهدين في قطاع غَزَّة، وقدَّم إسهاماً عظيماً، كبيراً، مهماً، متميِّزاً، مؤثِّراً في المعركة والمواجهة للعدو الإسرائيلي.

وكذلك اليمن، اليمن بإسناده الشامل، وتحرُّكه على كل المستويات: في العمليات العسكرية، ومنع الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي، والقصف إلى عمق فلسطين المحتلة، بالصواريخ والمسيَّرات؛ لاستهداف العدو الإسرائيلي، والتَّحَرُّك سياسياً، وإعلامياً، وشعبياً على نحوٍ عظيم، والخروج المليوني الشعبي، والأنشطة الشعبية، التي لا مثيل لها في العالم.

وكذلك في العراق، والدور المهم والكبير لفصائل المقاومة الإسلامية في العراق.

وكذلك الدور الأساسي والمحوري للجمهورية الإسلامية في إيران، بدعمها الدائم للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزِّاء، ولاشتراكها أيضاً بعمليات الوعد الصادق، والعدو يدرك حجم هذا الدور وأهميته، ويسعى للضغط المستمر على الجمهورية الإسلامية في إيران، باستخدام أسلوب الضغوط القصوى، في العقوبات الاقتصادية، والعزل السياسي… وغير ذلك؛ بهدف التأثير على موقفها، الذي بقي ثابتاً منذ انتصار الثورة الإسلامية، وهو مستمرٌ في ثباته.

سادساً: الانكشاف، والفرز، والغربلة، لواقع الأمة، والحالة الرسمية في العالم العربي- بالدرجة الأولى- قبل بقية العالم الإسلامي:

هذا الفرز الكبير، الذي كشف واقع الأنظمة العربية الرسمية:

ما بين متخاذلٍ بشكلٍ غير مسبوق: مع أن الحالة حالة تخاذل، {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}[الأعراف:129]، يعني: منذ بداية القضية الفلسطينية، لكن في هذه المرَّة، في هذه الجولة، تخاذل غير مسبوق، من المواقف- حتى في الحد الأدنى- المواقف العملية.

وما بين متواطئ مع العدو: ما بين أيضاً من تواطؤا مع العدو بشكلٍ أو بآخر.

هذا الفرز، وهذه الغربلة، تأتي ضمن سُنَّةِ الله تعالى لواقع المسلمين، الذين ينتمون إلى الإسلام العظيم، بمبادئه العظيمة، وقيمه العظيمة، والالتزامات الإيمانية فيه، ضد الظلم والطغيان، ونصرة المظلوم، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}[التوبة:16]، اختبار في الموقف: في الجهاد، واختبار في الولاء (وَلِيجَةً)، {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}، من يتَّخذون دخلاء في ولائهم من أعداء هذه الأمة، بدلاً عن الولاء للمؤمنين، {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[التوبة:16].

سابعاً: انكشاف المؤسسات الدولية، وفي مُقدِّمتها: الأمم المُتَّحِدة، ومجلس الأمن، والمنظَّمات ذات الطابع الحقوقي والإنساني، وفضيحة الغرب:

وهذا أيضاً هو تطوُّر غير مسبوق؛ لأنهم- أصلاً- كانوا فيما سبق في وضعية مُخْزِيَّة، ومكشوفة، ومفضوحة، لكن مع حجم الإجرام الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، ضد الشعب الفلسطيني، وارتكاب الإبادة الجماعية بشكلٍ يومي، على مدى خمسة عشر شهراً، ثم استئناف ذلك في هذه الأيام، هذا كشفهم أكثر، حجم المأساة للشعب الفلسطيني بَيَّنت حقيقة أولئك، أنهم ليسوا جادِّين تجاه العناوين التي يزعمون أنهم يتحرَّكون من أجلها، وأنهم مؤسسات اُنشئت من أجلها: من أجل حقوق الإنسان، والأمن، والاستقرار العالمي… وغير ذلك، اتَّضح بشكلٍ واضحٍ جدًّا أمام هول المأساة، حتى لمن هو بليد لا يفهم، يستطيع أن يفهم؛ كذلك في التعامل في الغرب مع الصوت الإنساني في بلدانهم، في النشاط الجامعي وغيره، وسنتحدث عن هذه النقطة.

الأمم المُتَّحِدَة لم تتخذ أي خطوة عملية- عملية أكثر من مسألة تصريحات وبيانات- تجاه ما يقوم به العدو الإسرائيلي، من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وأيضاً من إجرام وعدوان كبير في الضِّفَّة الغربية، على الشعب الفلسطيني هناك.

الأمم المُتَّحِدَة، التي سبق لها أن اعترفت بالعدو الإسرائيلي على أرض فلسطين كدولة، واعترفت به عضواً فيها، وهذه جريمة كبيرة، ووزر فظيع لم تتخلص من هذا الوزر، في الحد الأدنى كان على الأمم المُتَّحِدَة أن تسحب اعترافها بالكيان الإسرائيلي؛ لأنه اعتراف باطل- أصلاً- من الأساس، أن تسحب ذلك الاعتراف، وأن تطرد العدو الإسرائيلي لا يبقى عضواً فيها، أقل ما كان يمكن أن تعمله، أن تعمل هذه الخطوة؛ لِتُخَفِّف عن نفسها هذا الوزر، وتطرح عن نفسها هذا العار.

مجلس الأمن كذلك، بيَّن أنه ليس من حساباته أمن الشعب الفلسطيني المظلوم، أمن شعوب المنطقة: الشعوب العربية، والشعوب الإسلامية، والشعوب المستضعفة في العالم، وأنه لا يحسب إلا حساب أمن الطغاة المستكبرين في هذا العالم، والظالمين المجرمين فقط، أمنهم في مقابل أن يضطهدوا بقية الشعوب، أن يظلموها، أن يجعلوها شعوباً لا تحظى لا بأمنٍ، ولا باستقرارٍ، ولا باستقلالٍ، ولا بِحُرِّيَّةٍ، وأن تكون شعوباً مظلومةً مضطهدة، مجلس الأمن كذلك ليس له أي موقف جادّ تجاه ذلك.

المُنَظَّمات الأخرى كذلك، ليست لديها مواقف جادَّة من العدو الإسرائيلي. وهكذا الحالة مكشوفة بالنسبة لهم.

ثامناً: الموقف الحُرُّ للأحرار في العالم:

هناك بعض الدول كان لها موقف حُرّ، مثل ما هو الحال بالنسبة لـ: فِنْزويلَّا، لجنوب أفريقيا، لكولومبيا… لدول وبلدان أخرى اتَّخذت خطوات عملية، تميَّز موقفها بأنه موقف جادّ، ليس مجرَّد بيانات، أو تصريحات، اتَّخذت خطوات عملية:

قطعت علاقاتها مع العدو الإسرائيلي: على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي.

وكذلك بيّنت عن موقفها هذا: أنه نُصرةً للشعب الفلسطيني، وضد الإجرام الصهيوني الإسرائيلي والأمريكي.

فكانت خطواتها خطوات عملية، هناك عدَّة بلدان في العالم- من غير البلدان الإسلامية والعربية- كان موقفها بهذا المستوى: قطع للعلاقات السياسية، والعلاقات الاقتصادية، بل وتحريك القضاء للمحاكمة، محاكمة حتى أي (مجرم إسرائيلي) يتَّجه إلى بلدانهم.

فتلك البلدان، اتَّخذت حكوماتها، ورؤساؤها، والأنظمة الرسمية فيها، مواقف عملية أكثر من البلدان العربية، من الأنظمة الرسمية العربية، وأكثر من أكثر الأنظمة الإسلامية في العالم الإسلامي.

كذلك الصوت الإنساني للأحرار، وللذين بقي لديهم ضمير إنساني حتى في الشعوب الغربية، المظاهرات والأنشطة التي تحرَّكت في أمريكا، في الجامعات الأمريكية، وفي الأوساط الشعبية في أمريكا، من خلال الجاليات، ومن غير الجاليات أيضاً، وبالرغم مما واجهته من اضطهاد، وقمع، وإذلال؛ كشف حقيقة الأنظمة الغربية- بنفسها- حتى في نفس البلدان الغربية، كيف تعاملت مع هذا الصوت الإنساني، بالرغم من أنه كان في إطار النشاط الذي هو مكفولٌ في دساتيرهم وقوانينهم، يعني: مظاهرات، احتجاجات، خروج للجامعات بشكل اعتصامات، يُعَبِّرون فيه عن موقفهم، المتضامن مع الشعب الفلسطيني، يطالبون فيه بوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني؛ فاتَّجهت تلك الأنظمة لتتعامل مع ذلك بكل عدوانية.

الأجهزة البوليسية تعاملت بشكلٍ قمعيٍ ومُذِّل، تعاملت مع الطلاب، مع أساتذة الجامعات الذين شاركوا في تلك الأنشطة، بطريقة عنيفة، مُذِلَّة، وظالمة، تعاملت أيضاً مع المظاهرات بشكلٍ وحشي، والمشاهد واضحة في أمريكا، المشاهد التلفزيونية التي وثَّقت تلك الممارسات القمعية والعدوانية: في أمريكا، في بريطانيا، في ألمانيا، في فرنسا… في عِدَّة بلدان أوروبية، في أستراليا أيضاً في غير أوروبا.

وهكذا كانوا مفضوحين، أنَّهم ليسوا لا حول حُرِّيَّة تعبير، ولا حقوق إنسان، ولا حقوق مكفولة للشعوب، عندما تتعلق المسألة بمعارضة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والاحتجاج ضد العدوان الهمجي، الإجرامي، الوحشي، الإسرائيلي؛ بيّنت مدى سيطرة ونفوذ الصهيونية في العالم الغربي، السيطرة الرسمية لها على التَّوجُّهات والسياسات.

وحرّكوا عنوان (معادات السامية)؛ ليجعلوا منه مبرراً لقمع أي احتجاج ضد إبادة الشعب الفلسطيني، ضد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، فأصبحوا يسوغون كل أنواع الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، ويمنعون أي انتقاد لها حتى بالكلمة، ومسارهم في ذلك يزداد تشدداً، مع الإجراءات الأخيرة التي أعلنها المجرم الكافر [ترامب] ضد الجامعات، التي كان فيها أنشطة متضامنة مع مظلومية الشعب الفلسطيني، ومحتجَّة ضد الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، إجراءات متشدِّدة، وإجراءات تهدف إلى: منع أي صوتٍ إنساني يتضامن مع هذه المظلومية للشعب الفلسطيني.

هذا فيما يتعلق بالتطوَّرات، التي هي بارزة ومتزامنة مع ما يحدث.

فيمــا يتعلـق بالوضــع الراهـــن:

العدو الإسرائيلي اتَّجه بشكلٍ مكشوف لنكث الاتِّفاق، الاتِّفاق الذي كان عليه ضمناء، والأمريكي منهم (من الضمناء) ضمين على العدو الإسرائيلي، الأمريكي شارك مع الإسرائيلي- كلاهما عدوان مجرمان ظالمان- في النكث بالاتِّفاق، والتَّنَكُّر له، والالتفاف عليه، وتجاه ضمانته، الأمريكي يُخِلّ بشكلٍ مكشوفٍ ووقح بضمانه والتزامه، ويتنكَّر لتلك الالتزامات وكأنها لا شيء؛ وهناك عِدَّة تطوُّرات فيما يتعلق بالوضع الراهن.

من المعلوم أن الاتِّفاق لوقف العدوان على غَزَّة، أتى نتيجةً للفشل الواضح للعدو الإسرائيلي، في تحقيق الأهداف المعلنة لعدوانه، فقد:

فشل في استعادة الأسرى من دون صفقة تبادل.

وفشل في إنهاء المقاومة في غَزَّة والقضاء على المجاهدين.

وفشل في إرغام الشعب الفلسطيني في غَزَّة على الاستسلام.

بالرغم من فظاعة الإجرام الهمجي، الذي لا مثيل له، والشراكة الأمريكية معه في ذلك، وبالرغم من الدور الغربي المساند، لكنه فشل.

وبناءً على ذلك، تم الاتِّفاق على وقف العدوان بصيغة واضحة، والتزامات محدَّدة وواضحة، وعلى مرحلتين، الاتِّفاق كان واضحاً، ما يتعلق منه بالشعب الفلسطيني، هي- أصلاً- استحقاقات، استحقاقات إنسانية، ومشروعة، ومكفولة في الحقوق المعترف بها عالمياً، يعني: ليست شروطاً مجحفة، أو شروطاً سياسيةً بعيدةً عن الجانب الإنساني، أو عن الحقوق المشروعة، وليست شروطاً تعجيزية، هي كما أنها التزامات ضمن اتِّفاق، هي في الأساس- ما قبل أن تكون ضمن هذا الاتِّفاق- استحقاقات إنسانية، مشروعة، مُعْتَرفٌ بها عالمياً، بأنها من الحقوق المكفولة لكل الشعوب، وهي:

إدخال المساعدات إلى قطاع غَزَّة، إدخال الغذاء، والدواء، والاحتياجات الإنسانية، والمتطلبات الضرورية لحياة الناس، وهذا شيءٌ مكفول، واستحقاق إنساني وقانوني في كل العالم، ومعترفٌ به عند كل الدول.

وقف الإبادة الجماعية، وقف العدوان والقتل ضد الشعب الفلسطيني، ومن حق الشعب الفلسطيني ذلك، العدوان عليه عدوان ظالم، وإجرامي، ووحشي، وحالة عدوان بكل ما تعنيه الكلمة.

أيضاً فيما يتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غَزَّة، ومن المناطق التي توغّل فيها، وهذا حقٌّ مشروع للشعب الفلسطيني، ومن الحقوق المعترف بها عالمياً.

ومسألة تبادل الأسرى.

وصولاً إلى إعادة الإعمار، ضمن استحقاقات المرحلة الثانية.

فكل البنود المتعلقة بالشعب الفلسطيني في صيغة الاتِّفاق:

هي التزامات ضمن الاتِّفاق من جهة.

وهي استحقاقات إنسانية مشروعة، مكفولة للشعب الفلسطيني، معترفٌ بها عالمياً من جهة ثانية، هي حق ثابت للشعب الفلسطيني.

وحركة المقاومة الإسلامية، في سبيل إنجاح هذا الاتِّفاق، قدَّمت الكثير من التنازلات، تحت السقف الممكن والمتاح، بما لا يُفَرِّط بالقضية الفلسطينية من أساسها، أو بهذه الحقوق التي هي حقوق إنسانية، وحقوق معترفٌ بها عالمياً، من ضمن تلك التنازلات أنَّها:

قبلت أن يكون هناك إدارة فلسطينية عبر لجنة فلسطينية، إدارة مُؤَقَّتة للقطاع، حتى يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.

قدَّمت تنازلات أيضاً في جوانب أخرى.

كانت حريصةً جدًّا على نجاح الاتِّفاق، وأوفت بكل ما عليها في الاتِّفاق في مرحلته الأولى، يعني: التزمت بما عليها، ونفَّذته كاملاً، ضمن بنود المرحلة الأولى؛ فلم يكن هناك من جانب (حركة المقاومة الإسلامية حماس) لم يكن من جانبها أي تَنَصُّل عن بند من البنود، أو امتناع عن تنفيذه، أو تنفيذه ناقصاً دون الوفاء به؛ أوفت بشكلٍ كامل بما عليها من بنود المرحلة الأولى.

في المقابل، العدو الإسرائيلي لم يفِ بما عليه ضمن التزامات المرحلة الأولى:

لا في نوعية وكمية المساعدات الإنسانية، المُتَّفَق على دخولها في صيغة واضحة، وأرقام محددة، ضمن المرحلة الأولى إلى قطاع غَزَّة:

نَقَّص الكثير جدًّا من المواد الغذائية.

منع الكثير أيضاً من الخيام، والشعب الفلسطيني في أمسِّ الحاجة إليها في قطاع غَزَّة؛ لأنه بدون مأوى.

منع دخول الكرفانات والبيوت المتنقلة.

منع خروج العدد المُتَّفَق عليه كاملاً من الجرحى والمرضى للعلاج.

كذلك في جوانب أخرى كثيرة، التفاصيل كثيرة، وهم يتحدثون عنها عادةً في البيانات، بالنسبة للإخوة الفلسطينيين:

لم يُكْمِل انسحاباته المُتَّفَق عليها ضمن المرحلة الأولى؛ فهو مُخِلّ من جوانب متعددة.

لم يلتزم بالوقف التام لإطلاق النار، لا يزال يَقْتُل، يعتدي؛ بالطائرات المسيَّرة، بالقصف أحياناً، بالمدفعية، بإطلاق النار من جنوده المجرمين… وهكذا، اعتداءات متكررة ومستمرة، وهناك عدد كبير من الشهداء.

هذا في مقابل أن الطرف الفلسطيني أوفى بما عليه كاملاً.

ما بعد ذلك، اتَّجه العدو الإسرائيلي لِلتَّهَرُّب بشكلٍ كامل من الدخول في المرحلة الثانية من الاتِّفاق، وهي ضمن الاتِّفاق، مرحلة ثانية عليها ضمناء أيضاً، الأمريكي ضمين عليها، وشَجَّعَهُ الأمريكي على هذا التَّهَرُّب، والتَّنَصُّل، والالتفاف، والتَّنَكُّر للاتِّفاق، والنكث للاتِّفاق والالتزامات، وشارك في دعمه، وأيَّدَهُ لأن يستأنف عدوانه من جديد؛ فقام من جديد باستئناف عدوانه، بارتكاب جرائم إبادة جماعية من اليوم الأول، يعني: في يومٍ واحد (مائة وثمانين طفلاً) قتلهم العدو الإسرائيلي في قطاع غَزَّة، هذه جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية، ووصمة عار على المجتمع الدولي، وعلى أمريكا نفسها، التي شَجَّعَت العدو الإسرائيلي!

الأمريكي كان واضحاً، في أنه يَتَبَنَّى بشكلٍ كامل ما يقوم به العدو الإسرائيلي:

من نكثٍ للاتِّفاق.

ومن استئناف للعدوان والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

من منع لدخول المساعدات، قد مضت أسابيع كثيرة، وهو يمنع دخول الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة.

الأمريكي يقول: [ما تَمَّ، هو بمشورةٍ معه، هو يدعمه كاملاً، هو يتبنَّاه، هو يُشَجِّع عليه]، المسؤولون الأمريكيون، يقولون للإسرائيليين: [أبيدوهم جميعاً]، بهذا المنطق: [أبيدوهم جميعاً]، يعني: لا مشكلة عند الأمريكي أن يباد الشعب الفلسطيني.

الأمريكي بنفسه، المجرم [ترامب] من يومه الأول يتحدث بشكلٍ واضح ومكشوف، عن مسألة تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، وهو ضامن على تنفيذ اتِّفاق، اتِّفاق واضح، بانسحاب العدو الإسرائيلي من قطاع غَزَّة، بوقف عدوانه على قطاع غَزَّة، بدخول المساعدات إلى قطاع غَزَّة؛ ثم يتنكَّر لالتزاماته بكل وضوح.

هكذا هي الهمجية والطغيان، لا وفاء لشيء، يتنكَّرون لما هو من الحقوق الإنسانية، لما يعتبر الالتزام به التزاماً إنسانياً وأخلاقياً، ويتنكَّرون لكل ذلك، يتنكرون للالتزامات التي هي بشكل اتِّفاقات مُوَقَّعة، والتزامات مُوَقَّعة مُتَّفَقٌ عليها، لا يكترثون لذلك؛ يعني: يتعاملون بهمجية، وطغيان، وإجرام، ووحشية، وليس فيهم أي مُسْتَمْسَك: لا قيم، لا أخلاق، لا إنسانية، لا قوانين، لا مواثيق… ولا أي شيء، يتنكَّرون لكل شيء.

الإسرائيلي، استناداً واعتماداً على الأمريكي، عاد للحصار، للتجويع، للإبادة الجماعية، بالقنابل الأمريكية- نفسها- يستهدف أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، إلى خيامهم، وفي أطلال ما قد دَمَّرَه سابقاً من منازلهم، ويُبِيدهُم بشكلٍ يومي، يقتل الأطفال والنساء، والكبار والصغار، جرائم الإبادة الجماعية من جديد، وبدون أي مُبَرِّر، ليس له أي مُبَرِّر في تَنَصُّلِه عن الاتِّفاق، يعني: لا يمكن أن نقول: أن (حركة حماس) لم تفِ بما عليها من التزامات، هي أوفت؛ لكنَّه يستمر بكل هذه العدوانية، إضافةً- كما قلنا- أنه يمنع ما هو استحقاق إنساني، إضافة إلى التزامات الاتِّفاق؛ هــذا فيمـا يتعلـق بِغَــزَّة.

في لبنـــــان أيضــــاً:

هناك اتِّفاق، والأمريكي فيه من الضمناء، والضمين الأول على الإسرائيلي، ولجنة خماسية… وغير ذلك، العدو الإسرائيلي يستمر هناك أيضاً بارتكاب خروقات جسيمة للاتِّفاق:

اعتداءات بالقصف الجوي، بالطائرات المسيّرة وغيرها، والقتل لأبناء الشعب اللبناني، ويتكرر ذلك بشكلٍ كثير، إضافةً إلى تصعيد في بعض الأيام، تصعيد بغارات كثيرة.

يحتل مراكز في الأراضي اللبنانية، لم ينسحب منها، ويخالف بذلك الاتِّفاق.

يستمر بأشكال متعددة من الاعتداءات على لبنان: يقصف بالمدفعية، يعتدي جنوده، يختطفون أحياناً… أنواع كثيرة.

فيمـــا يتعلـــق بسوريـــا:

يواصل العدو الإسرائيلي أيضاً تثبيت سيطرته على الجنوب السوري في ثلاث محافظات.

يُوَسِّع من نطاق احتلاله؛ بهدف الوصول إلى مناطق من ريف دمشق.

يستمر في غاراته- وتكون مكثفة في بعض الأيام- لتدمير قُدرات سوريا.

سيطر على (حوض اليرموك)، أهم مورد مائي في سوريا.

وكأن المسألة عادية تماماً، يعني: الموقف الدولي، الموقف العربي، الموقف من المنظمات والمؤسسات، موقف بارد جدًّا، كأن المسألة عادية، استباحة كاملة، استباحة بكل ما تعنيه الكلمة.

مع هذه الممارسات العدوانية غير المسبوقة، هناك انكشاف واضح، ومجاهرة بالأهداف المشتركة للأمريكي والإسرائيلي، يعني: هناك وضوحٌ تام في أن الأمريكي والإسرائيلي يسعيان معاً:

إلى تصفية القضية الفلسطينية، إلى إنهائها.

إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

إلى التَّوَسُّع في البلدان المحيطة.

وفي نفس الوقت السعي للوصول إلى أن يكون العدو الإسرائيلي مسيطراً على المنطقة بشكلٍ كامل، ما هو باحتلال مباشر، وما هو بسيطرة كاملة، والاستباحة، العدو الإسرائيلي يسعي إلى أن يُثَبِّت معادلة الاستباحة ضد هذه الشعوب، أن يكون لهم المجال مفتوحاً ليقتل من أراد، ليقصف متى أراد، في أي مكانٍ يشاء، لينهب ما يريد… ليعمل ما يشاء.

التخاذل العربي هو من العوامل المُشَجِّعَة للأعداء، فعلاً، العرب لم يتحرَّكوا رسمياً في الحد الأدنى من المواقف العملية، يعني: حتى على مستوى موقف فنزويلَّا، أو جنوب أفريقيا… أو غيرها من البلدان، لم يتحرَّكوا لا في المقاطعة السياسية، ولا الاقتصادية… ولا غير ذلك، مواقف عملية.

بل وصل بهم الحال- وللأسف الشديد- إلى أنَّهم ينتظرون الإذن من الأمريكي والإسرائيلي، في أن يُقَدِّموا الخبز، والغذاء، والدواء، للشعب الفلسطيني في غَزَّة، حتى على هذا المستوى الإنساني جدًّا، والذي هو- في نفس الوقت- مسؤولية كبيرة عليهم، يتركون الشعب الفلسطيني يَتَضَوَّر جوعاً، بمرأىً منهم، ومسمعٍ منهم، وعلمٍ منهم، لماذا؟ لأنَّه لم يأذن لهم الإسرائيلي أن يعطوه الخبز، أن يعطوه القمح، أن يعطوه المواد الغذائية، لم يأذن لهم بذلك، هم ينتظرون حتى يأذن الأمريكي والإسرائيلي في ذلك، هذا المستوى من التَّدَنِّي في موقفهم مؤسفٌ للغاية، ومُشَجِّعٌ للعدو الإسرائيلي، وللأمريكي.

العرب رسمياً، لم يراجعوا خياراتهم، وسياساتهم، التي قد ثبت قطعاً أنها غير مُجْدِيَة أصلاً؛ وإنما يُكَرِّرُونَها، يجتمعون في قِمة، يعلنون عن تَمَسُّكِهم بخيار السلام والمبادرة العربية، يعني: المبادرة السعودية القديمة، التي رفضها الإسرائيلي- أصلاً- ولم يقبل بها من وقته، مع ما فيها من التنازلات الكبيرة جدًّا، لكنَّه آنذاك رفضها، وأعلن [شارون] آنذاك رفضها بشكلٍ واضح.

العرب يعتمدون سياسة الاسترضاء للأمريكي، هذا على المستوى الرسمي، وهذه السياسة لم تُجْدِ شيئاً، البيانات لم تُجْدِ شيئاً، يُكَرِّرون المُكَرَّر، والذي قد ثبت أنه لا أثر له، ولا أهمية له، ولا نتيجة له، أصبح أشبه ما يكون بفعلٍ عبثي، تكرير ما ليس له قيمة، ما ليس له أهمية، ما ليس له أي فائدة، ولا يعطيه العدو أي اعتبار إطلاقاً، وليس له أي نتيجة إطلاقاً، أشبه ما يكون بأفعال عبثية.

هذه الخيارات لو كانت مجدية؛ لكانت قد أفادت حتى الآن فيما يتعلق بوضع سوريا، معلوم ما عليه التَّوَجُّه في سوريا، بالنسبة لتلك الجماعات المسيطرة في سوريا، هي: لا تتبنى العداء لإسرائيل، وتُصَرِّح بذلك، وتتبنى العداء لأعداء إسرائيل؛ لم ينفع ذلك، لم ينفع ذلك، هي لا ترد على ما يفعله العدو الإسرائيلي، بالرغم من جسيم ما يفعل: احتلال واسع للمناطق، قصف مُدَمِّر، قتل، جرح، وهي تسكت له عن كل ذلك؛ لم ينفع ذلك، لو كان خياراً مجدياً، لو كان التَّوَجُّه- بنفسه- الذي هو عليه توجُّهاً مفيداً؛ لكان الإسرائيلي قابله بطريقة مختلفة، وقال: [إذاً أنا سأتعامل معكم باحترام، سأنسحب مما كنت فيه من الجولان السوري]، وليس أن يُقْدِم على احتلال أراضٍ جديدة، [وسأتعامل معكم بِوُدّ، كما تتعاملون معي بِوُدٍّ واحترام]، لكنَّه قابل احترامهم بالهمجية والطغيان، قابل سكوتهم بالمزيد من الاعتداءات؛ ولـذلك خيارات غير مجدية.

السلطة الفلسطينية في الضِّفَّة كذلك، حالها معروف، الإسرائيلي يتنكَّر لكل اتِّفاقاته والتزاماته معها، معنى ذلك: أنَّها في اتِّجاه ليس مجدياً ولا مفيداً.

لـذلك ينبغي أن تشعر الأمة بمسؤوليتها، مسؤوليتها تجاه ذلك، نحن في شهر رمضان، شهر الصيام، وشهر الجهاد، وشهر التَّزَوُّدِ بالتقوى، وشهر نزول القرآن الكريم، وربيع القرآن، والأثر الذي هو معيارٌ للاستفادة من هذا الشهر المبارك هو:

زيادة الوعي والبصيرة من نور القرآن وهديه، مع الإقبال المُكَثَّف على تلاوته.

وكذلك منسوب الزيادة في التقوى، أن يزداد، أن يكون هناك زيادة في منسوب التقوى.

وكذلك في الشعور بالمسؤولية.

هذا مما ينبغي أن يكون من ثمار ونتائج وآثار شهر رمضان المبارك.

المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، وفي الموقف من الخطر الإسرائيلي، الذي يستهدف الأمة جميعاً، هي مسؤوليةٌ دينيةٌ على الأمة جميعاً، على الجميع، ليست على شعبٍ دون شعب، أو بلدٍ دون بلد، أو فئة دون فئة، أو مذهبٍ دون مذهب، هي مسؤولية على الجميع، وهي مسؤولية دينية، إلى جانب أنَّها مسؤولية إنسانية، ينبغي أن يقف العالم بكله معها، لكن بالنسبة للمسلمين هناك مسؤولية دينية، والتزام إيماني وأخلاقي، ومعنى ذلك: أن الالتزام تجاه هذه القضية هو جزءٌ من التزاماتنا الدينية، إلى جانب صلاتنا، وصيامنا، وأعمالنا التي هي من أعمالنا الدينية، والتي نعتبر أن الإخلال بها يترتب عليه جزاءٌ وحساب، نُسأل عنها يوم القيامة، ويجازينا الله يوم القيامة؛ لـذلك علينا أن ندرك هذه الحقيقة: أنها مسؤولية دينية، ليس التجاهل لها أمراً عادياً، أو التغاضي عنها أمراً عادياً.

العدو الإسرائيلي هو خطرٌ كبيرٌ جدًّا، على المسلمين جميعاً، خطورته عليهم شاملة، هو عدوٌ مجرم، بذلك المستوى من الإجرام والوحشية والدموية الذي تجلَّى في غَزَّة، لماذا لا يأخذ المسلمون العبرة؟ لماذا لا تترسَّخ لديهم هذه النظرة: أنه عدو بذلك المستوى من الخطورة؛ لأنه في غاية الوحشية، والإجرام، والدموية، عدوٌ يبيد الأطفال بدون أي رحمة، بدون أي ذرةٍ من الشعور الإنساني، يقتل النساء والأطفال، والكبار والصغار، بالقنابل، يُبِيدهم بكل وسائل الإبادة؛ بالتجويع، حتى بمنع وسائل التدفئة لهم؛ فيموت الأطفال، وهو يَتَلَذَّذ بذلك؟

عدو هو بذلك المستوى من الدموية والإجرام، كان يرسل الكلاب البوليسية على كبار السن والمرضى؛ لتنهشهم حتى الموت، كان يُقْدِم على الإبادة للمرضى وهم في المستشفيات، ويقوم بإعدامهم، بإطلاق الرصاص عليهم، بكل وسائل القتل والإبادة، يسفك الدماء بكل وحشية، دون أي اعتبار إنساني.

وعدوٌ طامع، لا أطمع منه، لديهم طمع رهيب جدًّا، وجشع رهيب، يسعى لاحتلال الأرض، هو يطمع في أرضكم يا أَيُّها العرب، في ثرواتكم، في بلدانكم، يسعى لاحتلال الأرض، يسعى لنهب الثروات، حتى الموارد المائية يسعى للسيطرة عليها، معروف ما يفعله الآن في سوريا، ومعروفٌ ما فعله حتى تجاه الأردن، وهو الآن يتحكَّم في مياه الشرب على الشعب الأردني، ومعلوم ما يتآمر به على العراق، وعلى مصر، في المسألة المائية بنفسها، يحاول أن يحاربكم حتى على شربة الماء، ينهب الممتلكات، ويسعى للسيطرة الكاملة على المنطقة؛ لكي يكون هو المتحكِّم بها، النافذ فيها، الذي يستبيحها ويفعل ما يشاء فيها.

يتحدث باستمرار عن التغيير لوجه الشرق الأوسط، حتى بالأمس المجرم [نتنياهو] يتحدث بهذا العنوان: التغيير لوجه الشرق الأوسط، يعني: بلدانكم أنتم، ماذا يقصد؟ هل تريدون أن ترونه يتحدث عن بلاد (واق الواق)، أو عن جزيرة وهمية في الأساطير؟! يتحدث عن بلدانكم أنتم أَيُّها العرب، وهذه الجملة واضحة في إيضاح نواياه، حينما يقول: [تغيير وجه الشرق الأوسط]، هو يواصل عمله وفق المشروع المشترك بينه وبين الأمريكي، وهو [المشروع الصهيوني]، ومشروع [إسرائيل الكبرى].

المشروع الصهيوني- للتذكير- يهــدف إلى:

أن تكون إسرائيل أكبر دولةٍ في المنطقة جغرافياً، بحيث تسيطر على الشام بكله، وأجزاء من مصر، وأجزاء من العراق، وأجزاء من السعودية، من السعودية (من الجزيرة العربية)، هذا أولاً: تكون دولة كبيرة جدًّا، أكبر دولة في المنطقة.

أن تكون بقية البلدان العربية مُقَسَّمَةً، ومجزأةً، ومبعثرةً، إلى دويلاتٍ صغيرة، على أساسٍ عرقي، وطائفي، ومناطقي، وتكون متناحرة فيما بينها، وأمة متعادية لم يبقَ لديها أَيٌّ من الروابط التي تجمعها، ولا تمتلك أي عناصر قوة تحميها من الإسرائيلي، وتكون مستباحةً له، يفعل فيها ما يشاء ويريد: يضع له قواعد عسكرية في أي منطقة يختارها، ويرى فيها أنها تناسبه استراتيجياً لقاعدة عسكرية، ينهب أي ثروة: سواءً نفطية، أو غيرها من المعادن، أو الثروات الوطنية في أي بلد، ويكون له ذلك، ولا يعترض عليه أحد، ولا يمنعه أحد، ويكون له أيضاً أن يستفيد من الثروة البشرية؛ لِيُجَنِّد من أراد لضرب من أراد.

أن تتحول واقع أمتنا إلى هكذا: منطقة مبعثرة في دويلات صغيرة، لا تمتلك أي عناصر قوة تحميها منه، وأن تكون مستباحةً له وللأمريكي:

مستباحةً في الدم: أن تكون هذه الأمة مستباحة في دمها للإسرائيلي، يقتل من يشاء منها دون رد فعل، دون رد فعل، ويقتل كم ما أراد، يعني: من أراد، وبالمقدار الذي يريد، حتى لو ارتكب إبادة جماعية هنا أو هناك، لا أحد يعترض، ولا أحد يتكلم.

ومستباحةً في العرض: لاغتصاب النساء، وهذه من الجرائم التي يمارسها العدو الإسرائيلي؛ ولاغتصاب الرجال، وهذه أيضاً من الجرائم التي يفعلها، ويرتكبها، ويتباهى بها، وينشر الفيديوهات لها حتى من سجونه.

ومستباحة المال والأرض: مستباحة الثروة، النهب، يريدها أن تكون على هذا النحو.

وأن تكون خاضعةً لأمره: يقرِّر ما يشاء فيها ويريد، في أي مجال من المجالات: يتدخل في شؤونها السياسية، يُعَيِّن هو مسؤولين أو حكاماً، يتدخل في مختلف شؤونها: في مناهجها الدراسية، في شؤونها الثقافية… وغير ذلك.

في المشروع الصهيوني السيطرة على المقدسات: هذا جزءٌ من المشروع الصهيوني اليهودي العدواني، المُقَدَّسات فيها: القدس، المسجد الأقصى، فيها مكة والمدينة… وغيرها من المقدسات.

وتغيير هوية الأمة، وإعادة صياغة الإسلام، بطريقة محرَّفة يُدَجِّن الناس، يُدَجِّن شعوب هذه المنطقة للإسرائيلي والأمريكي، ولا يبقى للإسلام أي أثر في النفوس والحياة؛ لأن الإسرائيلي في مشروعه الصهيوني والأمريكي، يعملان على أن يُفَرِّغان أبناء هذه الأمة من المحتوى الإنساني، لا يريدان لك أن تبقى إنساناً بإنسانيتك، بضميرك الإنساني، بشرفك الإنساني، بِعِزَّتك، بكرامتك؛ يريدان أن يحوِّلان هذا الإنسان العربي، إلى شبه إنسان، شبه إنسان، صورته صورة إنسان؛ لكنَّه فُرِّغ من محتواه الإنسان؛ فلم يبقى حُرّاً، ولا شريفاً، ولا عزيزاً، ولا كريماً، ولا غيوراً؛ يتحوَّل إلى إنسان مائع، فاسد، ضال، يعبئانه- فرمتة بعد الفرمتة- يعبئانه فكرياً وثقافياً بما يُدَجِّنه للأمريكي والإسرائيلي، يتحوَّل إلى مطيع لهم، ومتولٍ لهم، وخانعٍ لهم، وذليلٍ لهم، ومستسلمٍ لهم، وعبدٍ لهم، هذا كارثة بكل المقاييس!

يحاولان الإضلال، والإفساد، والتمييع للشعوب، حتى للشباب، يريدان للشباب هذه الأمة أن يتحوَّلوا إلى: صائعين، مائعين، تافهين، فاسدين، مجرمين، مدمني مخدرات… ضائعين بكل ما تعنيه الكلمة؛ وأن يُضَيِّعا من هذه الأمة كل القيم والمبادئ التي تصون هذه الأمة، تحفظ للإنسان كرامته، وعِزَّتَه، وشرفه الإنساني.

المشروع الصهيوني هو كارثي على الأمة، هو هكذا بهذه العدوانية، بهذا السوء الذي تخسر معه الأمة دينها ودنياها، إنسانيتها، وعروبتها… وكل شيء، هو كارثي على الأمة، هو مشروع حقيقي، يعني: ليس كلاماً بادَّعاءات على الإسرائيلي، دعايات عليه، لا، هذا هو مشروع موجودٌ لديه: في فكره، في ثقافته، في مناهجه التعليمية، في خططه؛ موجودٌ في أنشطته، ويبني عليه مؤامراته.

لـذلك يجب أن تتحرَّك الأمة لمواجهة هذا المشروع الوحشي، الإجرامي، التدميري، الكارثي، العدواني، بمشروعٍ صحيح، مشروعٍ عملي صحيح وجادّ؛ لأن نجاح المشروع الصهيوني متوقف على خنوع هذه الأمة، على تَقَبُّل هذه الأمة لهذا المشروع، الذي هو كارثيٌ عليها، ويجلب عليها حتى سخط الله.

لو رضيت هذه الأمة بكل ذلك: أن تكون أمةً مستباحة للإسرائيلي، بإجرامه، بوحشيته، بعدوانه، قبلت بالاغتصاب، قبلت بنهب الثروات، قبلت بالإذلال، قبلت بالإبادة، قبلت بكل هذا السوء، الذي لا ينبغي أن يقبله أي إنسان بقي فيه ذرة من إنسانيته، وشرفه الإنساني، وجوهره الإنساني؛ لو قبلت بذلك، ليس ذلك مفيداً لها؛ تجلب على نفسها سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ولعنة الله، وجهنم في الآخرة، وجهنم في الآخرة، المسألة خطيرة جدًّا على هذه الأمة.

الأمة يجب عليها أن تتحرَّك، ولديها كل مقومات التحرُّك، ليس هناك أي مُبَرِّر إطلاقاً للأمة لتقبل بالمشروع الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي، ليس لديها أي مُبَرِّر، لماذا تقبل بذلك؟ هل تحاشيا من ماذا؟ تحاشياً من خطر؟ هذا هو الخطر بكله، قبولها بالمشروع الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي هو أكبر خطر عليها، في حياتها، ودينها، ودنياها… في كل شيء، فما هو المُبَرِّر؟ لا يوجد أي مُبَرِّر.

هذه أمة لديها كل المقومات، التي تساعدها على أن تتصدَّى لهذا المشروع، وأن تفشله، وأن تبطله، ولديها السند العظيم هو: الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إذا نهضت بمسؤوليتها، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ فهي ستنتصر، وتؤدي حتى دورها العالمي، في إنقاذ بقية الشعوب والمجتمعات، من الخطر اليهودي الصهيوني، الذي هو خطرٌ على الإنسانية بكلها، هذه الأمة لديها الثروة، لديها الجغرافي، لديها المجتمع البشري، لديها الثروة البشرية، هي مجتمع كبير، أمة كبيرة عظيمة، على المستوى العربي: (مئات الملايين)، على المستوى الإسلامي العالمي: (أكثر من ملياري مسلم)؛ فلماذا يقبلون بهذا المشروع العدواني؟

لدى هذه الأمة كل المقومات كأمة كبيرة، تساعدها على إفشال ذلك المشروع، وأن تكون في الموقف القوي؛ لإفشاله وإبطاله: الجغرافيا، الثروة البشرية، لديها الهدى والنور (القرآن الكريم)، الهدى والنور والبصائر، الذي يساعدها على أن تكون في رؤيتها، وفي خطتها العملية، وفي تُحَرِّكُها، قائمةً ومتحركةً على أساس بصيرة ووعي، وفهم صحيح، وقرارات صحيحة، وخيارات صحيحة مجدية، نافعة لهذه الأمة، تصلها بالله، بتأييده، بمعونته، وتفيدها على أرض الواقع.

لـذلك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عن القرآن الكريم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، وفعلاً الخيارات الأقوم، المواقف الأقوم، التَّوجُّهات الأقوم، التي يستقيم بها حال الأمة، وفي كل شيء.

لـذلك فتحرُّكنا في مسيرتنا القرآنية المباركة هو في إطار مسؤوليتنا الدينية، وشعبنا (يمن الإيمان والحكمة)، الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، انطلق أيضاً من منطلق انتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، بوعيٍ وبصيرةٍ، وإدراكٍ لضرورة هذا الموقف، ضد ذلك الخطر، ضد ذلك العدو المجرم، المتوحِّش، المستهتر بالدماء.

تحرُّكنا في مسيرتنا، وتحرُّك شعبنا العزيز، في إطار الاهتداء بالقرآن الكريم، في إطار الوعي والبصيرة تجاه الخيارات الصحيحة:

الله كشف لنا في القرآن الكريم خطر أعدائنا، وماذا يريدون، وكيف هم، وكيف سوؤهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، كم في القرآن الكريم من آيات! التي تكشف حقدهم، عداوتهم، سوأهم، إجرامهم، نفسياتهم، يُقَدِّم تشخيصاً كاملاً عنهم، ويرسم لنا الطريق الصحيح للتصدِّي لهم، والواقع كله مصاديق تشهد لما ورد عنهم في القرآن الكريم، كله حقائق جَلِيَّة بما ذكره الله عنهم في القرآن الكريم.

كشف لنا عن تحالف فريق الشَّرّ من أهل الكتاب (من اليهود والنصارى)، وقال عنهم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، وها نحن نرى أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وكلهما يتحرَّك في أطار المشروع الصهيوني، ويؤمن به.

حرَّم الله تولِّيهم (الموالاة لهم) أشدَّ التحريم، إلى درجة أن يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51].

بَيَّن أن ذلك يُفْضِي إلى الارتداد عن مبادئ الدين وقيمه، وعن تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفعلاً الموالاة لهم ثمنها التراجع عن مبادئ من أهم مبادئ هذا الدين، التخلِّي عن قيم من أهم قيم هذا الدين، التَّنكُّر لتعليمات الله تعالى.

رسم لنا برنامجاً كاملاً في (سورة آل عمران)، وفي (سورة المائدة)، للانتصار عليهم: وفي هذا المسار المهم، والبرنامج العظيم، بيَّن لنا أهم الخطوات والتفاصيل المتعلقة بها، وهي:

التولِّي لله تعالى، وامتداد ولايته إلى واقعنا.

والاعتصام به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101]، وبحبله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103].

والسير على هديه وتعليماته.

والتقوى لله في الالتزام الإيماني، والالتزام في النهوض بمسؤولياتنا المقدَّسة: في الجهاد في سبيل الله تعالى بكل وسيلةٍ من وسائل الجهاد، في كل مجالات الجهاد، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأمة تتحرَّك جماعياً، وتحذر التفرُّق والاختلاف في داخلها.

فالله تعالى سيتولَّى النصر لها، وستكون غالبةً بنصره وتأييده.

الأمة في هذه المرحلة بحاجة إلى الله تعالى، وإلى معونته، ونصره، وهدايته، وبحاجة إلى القيم والأخلاق، في مواجهة عدوٍ مفسدٍ مُضِلٍّ، يسعى للإضلال، للإفساد، تحتاج الأمة أن تكون مُحَصَّنةً عنه من ذلك، مُجْرِم، يعمل امتداداً للشيطان، يسعى بكل الوسائل إلى تجريد الأمة من كل عناصر قوتها، وفي مقدِّمتها: عناصر القوة المعنوية، والجانب المعنوي؛ لأنه يريد أن يسلب إرادتها، ويريد أن يُفَرِّغها من محتواها الإنساني والإيمان؛ ليسهل له السيطرة التامة عليها، ثم بعد ذلك إبادتها.

الأمريكي جرَّب، والغرب جرَّب، الإبادة لشعوب بأكملها في القارة الأمريكية، لم تكن تلك الشعوب تمتلك ما لدى المسلمين، من قيم، من مبادئ، تُرَسِّخ هذا التَّوَجُّه التَّحَرُّري والإيماني، وتصلها بالله؛ ولـذلك أبادوا، يعني: في بعض الإحصائيات أن تلك الشعوب تُقَدَّر بـ(مائة مليون إنسان أُبيدت)، أبادها الأوروبيون في القارة الأمريكية، وهم يريدون تكرار هذه التجربة في بلداننا، لكن العائق أمامهم هو الإسلام.

الإسلام هو الذي جعل الشعب الفلسطيني في ذلك المستوى من التماسك والثبات، جعل أهل غَزَّة في ذلك المستوى من الصمود، والصبر، والثبات؛ فيريدون أن يُفَرِّغُونا من المحتوى الإنساني والإيماني؛ ليبيدونا فيما بعد ذلك، بعد أن نكون أمة مائعة، تائهة، ضائعة، بكل سهولة.

نجاح العدو في فصل التَّوَجُّه في الموقف عن المبادئ، والقيم، والأخلاق الدينية، هو الذي يصنع له الكثير من العملاء؛ فتتحول الخيانة، والعمالة، والتعاون مع العدو الإسرائيلي والأمريكي، إلى وجهة نظر وخيار سياسي؛ لأن المسألة فُصِلت عن الالتزامات الإيمانية والدينية، عن القيم والأخلاق والجانب الإنساني، وهذا ما يرغب به المنافقون من أبناء هذه الأمة؛ لِيُسَهِّلوا لأنفسهم المسألة.

إن من نعمة الله تعالى هو التوفيق لأن نكون في الموقف الصحيح ضد ذلك العدو:

هذا مهم لإنسانيتنا؛ لنبقى فعلاً بشراً، ويبقى الإنسان إنساناً؛ ولشرفنا، ولقيمنا، ولأخلاقنا، من نعمة الله أن نكون ضد العدو الإسرائيلي، ضد إجرامه، ضد وحشيته، ضد سوئه، ضد طغيانه؛ وكذلك الأمريكي معه.

مهمٌ أيضاً لعِزَّتنا الإيمانية، لرشدنا، لبصيرتنا، لحكمتنا.

ومهمٌ أيضاً لأنه الخيار الصحيح في الواقع، الذي له نتيجة تبني الأمة، وتحمي الأمة، وتحمي شرفها.

أمَّا التضحية في هذا السبيل، فهي أقل بكثير من كلفة الخيارات الأخرى، في الخيانة والاستسلام، الاستسلام والخيانة كلاهما يمكنان العدو، ثم يفعل ما هو أكثر من الإبادة العامة للأمة.

لـذلك الخيار الإيماني هو خيارٌ صحيح، يُعَبِّر عن الثقة بالله تعالى، خيارٌ فعَّال له أفُقٌ حقيقي، وعليه ضمانة من الله تعالى، عليه ضمانة، الضمين لنا في هذا الخيار الذي نحن فيه هو من؟ هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونحن نثق به، ونثق بوعده، فالعدو الإسرائيلي مهما بلغ إجرامه وطغيانه، مهما كان حجم الدعم الأمريكي له والغربي؛ هو إلى الزوال، هذا وعد الله المحتوم، وأتى مقروناً حتى بخبر تمكُّنه، حينما قال الله: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:4]، أتى أيضاً بخبر نهايتهم وزوالهم، على يد عبادٍ لله أولي بأسٍ شديد، عُلُو العدو الإسرائيلي هو إفساد، إفساد في الأرض غير قابل للبقاء، تكبر وظلم وإجرام غير قابل للبقاء، الله يقول: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء:7]، هو القائل: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]، فالله يعود، يعود لقلع فسادهم.

العدو الإسرائيلي هو كيانٌ مجرمٌ فاسد، موبوء، مُصَدِّرٌ لِلشَّرّ ومفسد، وواقعه عند هزَّة (طوفان الأقصى) وما قبلها يكشف ما هو عليه من الاهتزاز، ليس له جذور ثابتة، لديه هاجس النهاية بشكلٍ دائم، وبشكلٍ مستمر؛ ولـذلك هو يعتمد على العدوان، والإجرام، والإبادة، والشَّرّ كأساس لبقائه مُؤَقَّتاً، وهو يدرك أن بقاءه ليس سوى بقاء مُؤَقَّت، يعتمد على تخاذل الأمة، وعلى الدعم الغربي، لا يمتلك مقومات ذاتية للبقاء، هو في حالة احتلال ونهب، يعرف أنه على أرض غيره، وفي غير بلده؛ ولـذلك فالموقف الصحيح هو نعمة وشرف، ويجب الثبات عليه.

فيمــا يتعلــق بالعــدوان الأمريــكي على بلدنـــا:

هو عدوانٌ واضح، ليس له أي مبرر؛ لأن المنطق الأمريكي أحياناً يُسَمِّي عدوانه على بلدنا بـ[الدفاع]، أيُّ دفاع؟ متى اعتدينا على الأمريكي؟ الأمريكي هو الذي ابتدأ عدوانه علينا:

أولاً: خلال (معركة طوفان الأقصى)، قام هو بالابتداء بالعدوان علينا؛ إسناداً منه للعدو الإسرائيلي، كان موقفنا واضحاً وحصرياً ضد العدو الإسرائيلي، فقام هو بالعدوان علينا؛ ثم نحن نَتَصَدَّى لعدوانه ونرد عليه.

وفي هذه المَرَّة، أعلن عن جولة تصعيدية في العدوان علينا من جديد، وابتدأنا بعدوانه؛ ونحن نرد عليه ونتصدَّى لعدوانه.

فهو في موقف عدواني، ليس له أي مستند، لا قانوني، حتى في القوانين الأمريكية والدستور الأمريكي هو مخالفٌ له، مخالفٌ أيضاً للإنسانية، للضمير، هو في حالة عدوان؛ إسناداً منه للعدو الإسرائيلي.

عدوانه علينا؛ بهدف التأثير على موقفنا، وموقف شعبنا، وهذا هو المستحيل، عدوانه علينا مهما كان، مهما بلغ؛ لن يؤثِّر أبداً على موقفنا، ولن يُغَيِّر من موقفنا، ولا من موقف شعبنا العزيز، ولن يكسر إرادة شعبنا، ولن يؤثِّر على قدراتنا؛ بل سيسهم- كما أَكَّدْتُ ذلك- في تطويرها أكثر وأكثر، وهناك بشارات قادمة في هذا الأمر.

بحمد الله، بقوة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بعونه ونصره، هناك تصدٍ قوي للعدوان الأمريكي، واستهداف مستمر لقطعه البحرية في البحر، وهي تهرب باستمرار إلى أقصى شمال البحر الأحمر، وإعلانه عن استقدام حاملة طائرات أخرى هو يُثْبِت فشله، وعدم نجاحه؛ لأنه يقول: أن عدوانه ناجح؛ هو غير ناجح أصلاً.

فيمــا يتعلـق بيـوم الصمـــود الوطنــي:

أتى هذا العام على مقربة من مناسبة (يوم القدس العالمي)؛ ولأن الموضوع مترابط- العدوان على بلدنا؛ لموقفه مع القدس، مع فلسطين- بقي الخروج الشعبي لـ(يوم القدس)؛ حتى لا يكون هناك خروج قريب في يوم، ولفارق يوم آخر، ثم خروج في يومٍ ثالث.

وفيما يتعلق بهذا الموضوع، أنا أكتفي بكلمة الأخ الرئيس “حَفِظَهُ اللَّه”، قد ضَمَّنها ما يكفي ويفي بشأن هذا الموضوع.

العدوان على بلدنا من بدايته هو أمريكي، أُعْلِن آنذاك من واشنطن، وكان بأدوات إقليمية، والهدف منه: خدمة إسرائيل؛ ولـذلك نصيحتنا لتلك القوى الإقليمية: أن تحذر من التوريط الأمريكي لها، وأن تدرك أن هَمَّ الأمريكي هو الاستغلال لها، ولا يريد إلا السعي لتمكين الإسرائيلي.

في الختــــام، نُؤَكِّد على الثبات على موقفنا المناصر للشعب الفلسطيني، وإسناد غَزَّة، والسعي لتحرير فلسطين كُلِّ فلسطين، واستعادة المُقَدَّسات، وعلى رأسها (المسجد الأقصى الشريف).

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني العظيم، في (يوم القدس العالمي)، عصر غد الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات.

هذا الخروج في هذه المرحلة، في هذا التوقيت، في طار الموقف العظيم لشعبنا العزيز، هو جزءٌ من الجهاد في سبيل الله تعالى.

شعبنا العزيز، هذا الخروج هو من أعظم ما تتقرَّبون به إلى الله في شهر الصيام، في هذا الشهر الكريم، هذا الخروج يُعَبِّر عن وفائكم، عن ثباتكم، عن شجاعتكم، وهو غيظٌ وقهرٌ للأعداء الأمريكان والصهاينة.

آمل- إن شاء الله- أن يكون الخروج واسعاً، وكبيراً، وعظيماً، كما هو المعتاد منكم، يا من تكثرون تحت الرايات، أنتم الأنصار، كما كان آباءكم وأجدادكم الذين حملوا راية الإسلام في مواجهة التحديات.

أَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمریکی والإسرائیلی الصهیونی الإسرائیلی الفلسطینی فی قطاع غ للشعب الفلسطینی فی الشعب الفلسطینی فی ضد الشعب الفلسطینی ه العدو الإسرائیلی القضیة الفلسطینیة یوم القدس العالمی شهر رمضان المبارک الإبادة الجماعیة المشروع الصهیونی للعدو الإسرائیلی فی القرآن الکریم الفلسطینی فی غ ز المرحلة الأولى ذلک المستوى من ة طوفان الأقصى الإسرائیلی ا شعبنا العزیز الإسلامیة فی هذا المشروع الأمریکی هو هذا المستوى على المستوى هذه المرحلة الأمم الم ت فیما یتعلق الله تعالى لیس له أی م بها عالمیا فی قطاع غ ز فی العالم غیر مسبوق فی أمریکا بکل وسائل هذه الأمة فی الموقف ع ل ى آل ت ع ال ى س ب ح ان ه وأن تکون بما علیه آل عمران ینبغی أن ما علیها مع العدو وغیر ذلک فی سوریا ما یتعلق هذا الات التی هی ذلک الم کذلک فی الذی هو أن یکون ما یشاء أن تکون أی م ب ر أکثر من ما علیه من أراد من جدید فی إطار غیر ذلک هذه الم کل شیء ة الله ذلک فی فی ذلک حتى فی فی هذا ما کان ة التی بکل ما ة بشکل من الت دون أی تکون م هو الم من الم ما بین ار الم فی هذه

إقرأ أيضاً:

نص كلمة قائد الثورة حول مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

 

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

 

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

في تطورات العدوان الإسرائيلي الهمجي، الإجرامي، الوحشي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وما يرتكبه من إبادةٍ جماعية على مدى عشرين شهراً، في هذا الأسبوع كان هناك الكثير من الجرائم، التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في هذا السياق، وكانت حصيلة جرائمه في هذا الأسبوع نفسه: أكثر من (ألفين وأربعمائة) من الشهداء والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء، وبذلك ترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، منذ بداية العدوان والى اليوم، واستمراره على مدى أكثر من ستمائة وخمسة عشر يوماً، إلى: أكثر من (مائة واثنين وتسعين ألفاً) ما بين شهيدٍ، ومفقودٍ، وجريحٍ، من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، في نطاقٍ جغرافيٍ محدود، وبذلك تصل نسبة الإبادة من السكان في قطاع غزَّة قُرابة 9%، وهي نسبة عالية جداً، ربما لا سابقة لها فيما قد جرى من الحروب، ولاسيَّما في هذا العصر الحديث، في هذا النطاق الجغرافي المحدود.

العـــدو الإسرائيـــلي، مع جرائمه بالغارات، والقنابل الأمريكية، والقصف المدفعي، وكل ما يستخدمه من أصناف وأنواع الجرائم، في القتل لأبناء الشعب الفلسطيني، والاستهداف الشامل لهم، هو أيضاً هنَّدس عملية الإبادة بالتجويع مع الإبادة بالقتل، من خلال مصائد الموت، ومراكز الإعدام، التي حاول- ومعه الأمريكي- أن يلتف من خلالها على مسألة توزيع المساعدات الإنسانية، على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وسعى لأن يجعل منها وسيلةً للإبادة، وأن يُهَنِّدس من خلالها عملية التجويع، في جريمةٍ كبيرةٍ جداً، تتنافى مع كل القيم والأخلاق، وفي تنكُّرٍ لكل القوانين، ولكل الأعراف الدولية، وفي تجاوزٍ لها، العدو الإسرائيلي حاول أن يجعل من مسألة توزيع المساعدات مصائد للموت، ومراكز للإعدام بكل ما تعنيه الكلمة، من خلال ما أنشأه من مراكز، ويتحكَّم هو بعملية التوزيع، ما إن يجتمع الجائعون من أبناء الشعب الفلسطيني، جائعون بأنفسهم، والذين يريدون الغذاء أيضاً لأهاليهم وأُسَرِهم بالآلاف للحصول على تلك المساعدات، حتى يقوم بإطلاق النار عليهم بشكلٍ جماعي، والمشاهد لعمليات إطلاق النار بشكلٍ عشوائيٍ وجماعي، والاستهداف الشامل لهم أثناء تجَّمعهم، مشاهد مأساوية جداً، تكشف عن فظاعة هذه الجريمة، وهذا الأسلوب الإجرامي، الذي يستخدمه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

العدو الإسرائيلي من خلال ذلك، هو يتعامل مع الشعب الفلسطيني، ليجعل أبناء الشعب الفلسطيني بين حالةٍ من حالتين:

- إمَّا الموت جوعاً.

- وإمَّا أن يذهب إلى مراكز ما يسميِّها هو بمراكز توزيع المساعدات؛ فيعمل على قتلهم وإبادتهم.

وقد تصاعدت عمليات الجرائم والاستهداف، للذين يتجمَّعون بهدف الحصول على تلك المساعدات، وهي من أبشع الجرائم، ومن أسوأ أشكال الاستغلال، الهادف إلى تحقيق هذا الهدف السيء جداً في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

العدو الإسرائيلي، منذ مائة يوم، أو أكثر من مائة يوم، وهو يمنع دخول المساعدات، وتوزيعها عبر الأمم المتَّحدة، والمنظمات الدولية، التي كانت تقوم بعملية التوزيع، وعبر (الأونروا)، وسعى إلى أن يجعل منها- كما ذكرنا- مصائد للإبادة والقتل، ومراكز للإعدام، والمشاهد التي نُشِرت تكشف هذه الحقيقة لكل الناس، وتُجَلِّي هذه الحقيقة.

فيمــا يتعلَّـق بالقــدس والمسجــد الأقصـى:

- يستمر الأعداء الصهاينة اليهود في الاقتحامات شبه اليومية للمسجد الأقصى، وأداء طقوسهم التلمودية، ورقصاتهم الساخرة، وعباراتهم المعبِّرة عن عدائهم للإسلام والمسلمين، وعن توجُّهاتهم العدائية ضد المسجد الأقصى.

- أيضاً يوسِّعون من أعمالهم العدوانية الهادفة إلى تهويد مدينة القدس:

o من إنشاء مغتصبات استيطانية في مناطق متفرقة من مدينة القدس.

o ومن توسيع أيضاً للمغتصبات السابقة بشكلٍ أكبر.

 

o وكذلك بالاستيلاء على أراضٍ فلسطينية في القدس.

 

o كذلك عمليات هدم وإخلاء تستهدف ممتلكات الشعب الفلسطيني ومنازله.

وهناك أحياء ومناطق عليها تركيز كبير في القدس، مثلما هو حي الشيخ جراح، وكذلك منطقة سلوان، وجبل المُكَبِّر، والعيسوية... وغيرها، وهي من أهم المناطق في مدينة القدس.

العدو الإسرائيلي أيضاً- في غير مدينة القدس- في الخليل، يكثِّف أعماله ومساعيه الهادفة إلى الاستيلاء التام على المسجد الإبراهيم، بقدسيته المهمة للمسلمين، هو يحاول أن يحوِّله إلى كنيسٍ يهودي، ما يُنَفِّذه من قيود كبيرة على المسلمين في دخولهم إلى المسجد الإبراهيمي، وما يفتحه من مجال لليهود، وغير ذلك من البرامج الهادفة إلى تحقيق هدفه ذلك.

فيمــا يتعلَّـق بالضِّفَّـــة الغربيـــة: العدو الإسرائيلي مستمرٌ في:

- كل أشكال الانتهاكات والاعتداءات بشكلٍ يومي: من قتلٍ، واختطافٍ، وهدمٍ، وتجريفٍ، ومصادرة أراضٍ واغتصابها.

- والاعتداء من قبل قطعان المغتصبين المستوطنين ضد أبناء الشعب الفلسطيني بكل أشكال الاعتداءات: الاعتداءات على منازلهم، على مواشيهم، على مزارعهم... كل أشكال الاعتداءات التي ينفِّذونها.

- كذلك عمليات التهجير من عِدَّة مخيمات في الضِّفَّة الغربية.

- المحاصرة أيضاً للمدن والبلدات في الضِّفَّة الغربية، إنشاء أعداد كبيرة جداً من الحواجز العسكرية التي تفصل فيما بينها.

- ووضع القيود الكثيرة على حركة أبناء الشعب الفلسطيني من تلك المدن والبلدات.

هم يعملون على تقطيع أوصال تلك المدن والبلدات، قرار العدو الإسرائيلي بإنشاء (اثنين وعشرين) مغتصبةً جديدة في الضِّفَّة، يعني: مصادرة مساحة كبيرة من الضِّفَّة الغربية، والمزيد أيضاً من الحصار والعزل للبعض من المدن والبلدات في الضِّفَّة الغربية، وهذا أيضاً على المستوى العملي، هو إنهاء فعلي لفكرة حل الدولتين، وفق الرؤية التي تتبناها الأمم المتَّحدة، وتتبناها بعض الدول الغربية، والأنظمة الرسمية العربية.

العدو الإسرائيلي هو واضحٌ في أنه أنهى هذه الفكرة تماماً؛ لأنه لم يكن يريدها من الأساس؛ إنما كان يستخدم تعاطيه مع هذا العنوان لفترة زمنيَّة معيَّنة كأسلوب مخادع للشعب الفلسطيني، ومخادع للأنظمة العربية، مخادع للمسلمين، ولكنه واضحٌ تماماً من خلال ما يقول، وما يفعل، وما يتَّخذه من قرارات وإجراءات، في أنه لا يريد ذلك بتاتاً، وأنه يسعى لإحكام سيطرته الكاملة على كل فلسطين، وأنه مُتَّجهٌ إلى ما وراء ذلك، في إطار مخططه الصهيوني العدواني المعروف؛ بل حتى التصنيفات التي كانت في (اتِّفاقيات أوسلو)، وفي (طابا)، في ما يتعلَّق بمناطق (أ)، و(ب)، و(ج) في الضِّفَّة الغربية، هذه انتهت عملياً منذ العام ألفين، وتجاوزها العدو الإسرائيلي بشكلٍ تام.

ولـذلك يظهر بشكلٍ واضح أنه لا مبرر للسلطة الفلسطينية، في سياساتها السلبية تجاه الإخوة المجاهدين في الضِّفَّة الغربية، وتجاه فصائل المقاومة بشكلٍ عام في فلسطين، ومن واجبها أن تُغَيّر سياستها السلبية؛ لأنها تتبنى اتِّجاهاً ليس له أي مؤشرات ولا دلائل على نجاحه، المدى الزمني الطويل لهذا المسار، وما نتج عنه في أرض الواقع، يثبت أنه مسارٌ فاشل، العدو الإسرائيلي لا يريد السلام، لا يريد أن يُسَلِّم الشعب الفلسطيني شيئاً من أرضه، هو يتَّجه عملياً إلى حسم المسألة بشكلٍ كامل؛ ولـذلك، الخيار الصحيح، الخيار الفعال، الخيار الوحيد، هو: خيار المقاومة، ما عداه ليس هناك إلى الاستسلام، والضياع، والخسارة لكل شيء. لابدَّ من الجهاد في سبيل الله، لابدَّ من المقاومة، لابدَّ من التحرك العملي لردع العدو الإسرائيلي، والسعي لإبطال آماله تلك وأهدافه تلك.

في مقابل كل الهجمة والوحشية والإجرام، الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة، ومن بين الدمار والحصار والجوع، يواصل الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة تصدِّيهم بكل بسالةٍ وفاعليةٍ للعدو الإسرائيلي، ويلحقون بعصاباته الإجرامية- التي يسميِّها بالجيش- الخسائر المباشرة، من قتلى وجرحى، وتدمير وإعطاب الآليات العسكرية:

- ونفَّذت كتائب القسام أكثر من (ستة عشرة) عملية متنوعة:

 

o من استهدافٍ لآليات.

 

o من قنصٍ لأولئك الجنود المجرمين.

 

o من عمليات استهداف بقذائف الهاون.

 

o بالاشتباك المباشر مع العدو في كمائن نوعية، وناجحة، ومحكمة.

وحصيلة خسائر العدو الإسرائيلي خلال هذا الاسبوع هي تشهد- فعلاً- على الفاعلية العالية لهذه العمليات، ومدى تأثيرها، الحصيلة هذا الأسبوع هي حصيلة مهمة في خسائر العدو، وهي تبيِّن تأثير هذه العمليات، والبسالة والتماسك، والجرأة والثبات العظيم للإخوة المجاهدين في كتائب القسام.

- وكذلك سرايا القدس، نفَّذت عدداً من العمليات البطولية والمهمة، ومن ضمنها: الاستهداف للعدو إلى (عسقلان) برشقة صاروخية.

- بقيَّة الفصائل كذلك لها دورها، ومشاركتها، وإسهامها، في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة.

العدو الإسرائيلي لفشله الواضح في عدوانه، على مستوى العمليات البرية على قطاع غزَّة، لجأ إلى الاستعانة بمجموعاتٍ إجرامية، من المجرمين الخونة، الذين خانوا الشعب الفلسطيني، وقاموا بالتعاون مع العدو الإسرائيلي؛ ولكنَّ هذا بمثل ما يدل على فشله، هو أيضاً خيارٌ فاشل، لن يُحَقِّق له أهدافه التي يُؤَمِّلُهَا.

 

فيمــا يتعلَّـق بلبنـــان:

 

صعَّد العدو الإسرائيلي من اعتداءاته، من خلال عدوانه الكبير على الضاحية الجنوبية ليلة عيد الأضحى، في أكبر تصعيد منذ اتِّفاق وقف إطلاق النار بين (الدولة اللبنانية، والجهات الدولية الضامنة، والعدو).

والعدو الإسرائيلي أيضاً يُصَعِّد ويواصل عدوانه على لبنان بكل أشكال الاعتداءات، من: جرائم القتل، والاختطاف، والتجريف، والهدم للمنازل، الاختطاف حتى للصيادين وللرعاة، وهي جرائم متنوعة، واعتداءات مستمرَّة، تكشف أنه لا يُعتمد عليه، ولا يُوثَق به، ولا حتى بالضامنين عليه في مسألة الاتِّفاقيات، وأن خيار المقاومة هو خيارٌ حتمي؛ ولـذلك يفترض بكل اللبنانيين أن يلتفوا أكثر وأكثر حول المقاومة في لبنان، وحول حزب الله في لبنان؛ باعتباره- فعلاً- الضمانة الحقيقية لدفع الخطر الإسرائيلي عن لبنان.

 

في ســوريـــا:

- نَفَّذ العدو الإسرائيلي غارات جوية.

- وكذلك استهدف بعض المناطق بالقصف المدفعي.

 

- نَفَّذ أيضاً عمليات توغُّل، وإنشاء حواجز.

- وعمليات دهم للمنازل، وتفتيش.

- عمليات تجريف لبعض الأماكن الزراعية، ولبعض الغابات والأحراش.

- وحتى مصادرة للمواشي، العدو الإسرائيلي صادر ونهب قطيعاً من الأغنام، يُقَدَّر بحوالي (مائتي رأس).

العدو الإسرائيلي، في هذه الجرائم الرهيبة والاعتداءات الكبيرة: بالإبادة الجماعية في قطاع غزَّة، باعتداءاته على المسجد الأقصى، واستهدافه للمسجد الأقصى ومدينة القدس، وفي الضِّفَّة الغربية، بسائر اعتداءاته، بإصراره على مصادرة الحق الفلسطيني، ومساعيه الدائمة لتصفية القضية الفلسطينية بكلها، وبكل ما يتعلَّق بها، باعتداءاته المستمرَّة على لبنان وعلى سوريا، بهذا النهج العدواني والإجرامي، هو يكشف عن تَنَصُّلِهِ عن كل خياراتٍ أخرى للتسوية، أو لما يراهن عليه البعض في الأنظمة العربية من حلول، يقدِّم فيها العرب التنازلات؛ بهدف تحقيق السلام.

وهو يواصل مساره الإجرامي معتمداً بشكلٍ أساسيٍ على الدعم الأمريكي، والشراكة الأمريكية من جانب، هذا من أكبر ما يحفِّزه على ما هو فيه من تصعيد، واعتداءات، وتجاوز لكل شيء: تجاوز للقوانين والأنظمة والأعراف، وتنكُّر لكل الدعوات العالمية لوقف جرائمه، هو يعتمد بشكلٍ أساسي على الدعم الأمريكي والشراكة الأمريكية من جانب.

ومن جانبٍ آخر: من أكبر ما شجَّعه على مواصلة ما يقوم به من جرائم، واعتداءات، وعدوان، هو التخاذل العربي، ومن حوله الإسلامي في معظمه، معظم الأنظمة العربية وفي العالم الإسلامي بشكلٍ عام، هي متخاذلة بشكلٍ كبير جداً، هم لا يقدِّمون ولا أقل القليل للشعب الفلسطيني، ولمجاهديه الأَعِزَّاء، ولا يتَّخذون أي مواقف عملية، في مقابل استمرار العدو في الإبادة الجماعية، استمراره في كل أشكال الانتهاكات والاعتداءات، وفي أبشع الجرائم وأفظعها، وهذا يشجِّعه، مهما أقدم عليه من تصعيد، مهما ارتكبه من جرائم، مهما أقدم عليه من خطوات عدائية، حتى تجاه مقدَّس من أهم مقدَّسات المسلمين (المسجد الأقصى)، هو يجد أنَّ الموقف هو الموقف، أنَّ الحال هو الحال لمعظم الأنظمة العربية، ومن حولها أيضاً معظم الأنظمة الإسلامية، في أنها لم تتحرك عملياً بشكلٍ جاد ضد ما يقوم به العدو الإسرائيلي، وهذا هو تفريطٌ عظيم في مسؤولية إنسانية، ودينية، وأخلاقية، وتفريط في قضايا تهم هذه الأُمَّة، هناك ما يهدد هذه الأُمَّة في أمنها، في دينها، في دنياها، في مصالحها، ما يشكِّل خطورةً كبيرةً وحقيقيةً عليها، وتتعاظم هذه الخطورة نتيجةً لهذا التخاذل، وهذا التجاهل غير المبرر، غير المبرر إطلاقاً؛ لأن بوسع هذه الأُمَّة أن تفعل الشيء الكثير.

باتت حالة الأنظمة العربية، ومن حولها معظم الأنظمة الإسلامية، أنها وصلت إلى مستوى لا يرقى إلى موقف الكثير من البلدان والدول غير الإسلامية، التي اتَّخذت خطوات عملية في المقاطعة الاقتصادية للعدو الإسرائيلي، في المقاطعة الدبلوماسية للعدو الإسرائيلي، في مواقف سياسية متقدِّمة على الكثير من الأنظمة العربية، والكثير من الأنظمة الإسلامية، وهذا معيبٌ من جهة، وفي نفس الوقت تفريطٌ وإخلالٌ واضح بالالتزامات الإيمانية، والدينية، والإنسانية، والأخلاقية، ويشكِّل خطورة كبيرة على هذه الأُمَّة؛ لأنها حينما تصل إلى هذا المستوى من التخاذل، وعدم الالتفات ولا الاهتمام إطلاقاً بقضايا ذات أهمية كبيرة جداً، في وزنها الديني والإيماني والأخلاقي، ومستوى أهميتها الإنسانية، وكذلك مستوى أهميتها فيما يتعلَّق بأمن هذه الأُمَّة، فيما يتعلَّق أيضاً بدين ودنيا هذه الأُمَّة.

تفريط بهذا المستوى له عواقبه المحتومة، في وعيد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" فيما توعَّد به في القرآن الكريم، وفي سُننه في عباده، وفي سننه في عباده؛ لأن هذه الحالة من التخاذل والتفريط العظيم، الذي وصل إلى هذا المستوى من التَّفرُّج، وكأنَّ هذه الأُمَّة غير معنية- أصلاً- بما يحصل على الشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ منها، وبلده جزءٌ من البلاد الإسلامية والعربية، والمسجد الأقصى من أهم مقدَّسات هذه الأُمَّة، ثم هم لا يفعلون ولا أقل القليل، ولا يقدِّمون ولا أقل القليل للشعب الفلسطيني، معظم الأنظمة العربية والإسلامية، ماذا تُقدِّم للإخوة المجاهدين في فلسطين، لحركات المقاومة في فلسطين؟! بل البعض من الأنظمة متواطئ مع العدو، ويصنِّف تلك الحركات المجاهدة في فلسطين بالإرهاب! وهذه الحالة خطيرة جداً.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" حينما قال في القرآن الكريم، في وعيده للمتربصين المتخاذلين، الذين اتَّجهت كل اهتماماتهم نحو حسابات المصالح بالمفهوم الخاطئ، الذي- في نهاية المطاف- سيخسرون حتى تلك المصالح التي آثروها، ومن أجلها تنصَّلوا عن مهامهم ومسؤولياتهم المقدَّسة:

- {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24].

- {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة:39].

- حينما يقول: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب:16]، {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب:16].

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في وعيده الحق، وهو على كل شيء قدير، يأتي بالمتغيرات، والتي تتضمن تنفيذ وعيده، هو على كل شيء قدير، هو لا يعجز ولا يعيا في تدبيره وفي قدرته عن تنفيذ ما توعَّد به؛ ولـذلك فالمسألة مسألة وقت، إذا لم يعي أبناء هذه الأُمَّة، ولم يتَّجهوا بِجِدِّيَّة إلى النهوض بمسؤولياتهم وواجباتهم، التي عليهم القيام بها تجاه ما يحدث على الشعب الفلسطيني، ما يحدث ليس بالشيء الهين ولا البسيط، شاهدوا التلفاز، شاهدوا المشاهد المأساوية، والمؤلمة، والمحزنة جداً لمظلومية الشعب الفلسطيني، حتى في أيام عيد الأضحى، شاهدوا كيف كان العيد في قطاع غزَّة، كيف كانت حالة النازحين، الذين يستهدفهم العدو الإسرائيلي بالقنابل الأمريكية الحارقة والمدمِّرة إلى خيامهم؛ فيشويهم بها، ويشوي بها الأطفال والنساء، شاهدوا حالة الجوع، والبؤس، والحرمان، والمعاناة الكبيرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.

هذه الأُمَّة بوسعها- على مستوى أنظمتها وبلدانها- أن تقدِّم الشيء الكثير للشعب الفلسطيني، بدلاً من تقديم تريليونات الدولارات للأمريكي، الذي يقدِّم كل الدعم الكامل من قنابل وكل أنواع السلاح للعدو الإسرائيلي، ويقدِّم له أيضاً المال، المبالغ المالية التي قدَّمها للعدو الإسرائيلي خلال عام تُقَدَّر بـ(عشرين مليار دولار)، خلال عامٍ واحد! فما بالك بما يقدِّمه له بشكلٍ مستمر!

المسألة خطيرة جداً، فالله آتٍ بأمره، والله منجزٌ ما توعَّد به، والمسألة خطيرة جداً في حالة التخاذل، والتفريط في المسؤوليات الكبيرة والعظيمة؛ لأن هذا التفريط له دوره الكبير في تشجيع العدو الإسرائيلي، كلما رأى الأُمَّة متخاذلةً أكثر؛ كلما تجرَّأ على أن يستمر ويواصل أكثر وأكثر في إبادته الجماعية للشعب الفلسطيني، في تجويعه للشعب الفلسطيني، في التعطيش... في كل أنواع الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني.

ثم هذا المستوى من التخاذل، هو مما يكشف الحالة المؤسفة جداً لمعظم الأنظمة، وهي حالة أيضاً متفشِّية في أوساط الشعوب، حالة الإفلاس الإنساني والأخلاقي، وهي حالة خطيرة جداً في واقع أُمَّتنا.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعل شعائره وفرائضه الدينية، وحتى المناسبات الدينية، مما له أهميته في أثره التربوي، وفي الارتقاء الإيماني والأخلاقي لأبناء هذه الأُمَّة؛ لأن أبناء هذه الأُمَّة هم بحاجة ماسَّة إلى هذه التربية، التي ترتقي بهم على المستوى النفسي والأخلاقي والإيماني، وفي تعزيز الثقة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مما له أهميته في ميدان العمل، ولكن حينما لا يكون هناك التفات جاد للاستفادة من هذه المناسبات الدينية؛ فهذا يجعل الأُمَّة ضائعة، مهما كان هناك من مناسبات، من شعائر، من فرائض، هي تؤدِّيها بشكلٍ منفصلٍ تماماً عن أهدافها التربوية، وعن أثرها العظيم على المستوى النفسي، ثم على المستوى العملي.

أتى موسم الحج، والحجاج يُتِمُّون فريضة الحج، فريضة الحج هي من أعظم الفرائض الدينية، فريضة الحج هي من أهم الشعائر الإسلامية، ولها أهدافها التربوية، ولها أيضاً أهداف واسعة ومهمة في دين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

في أول حجٍ إسلاميٍ ما بعد فتح مكة، أعلن الرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" البراءة من المشركين، وأرسل علياً "عَلَيْهِ السَّلَامُ" لتبليغ البراءة في الحج، في أول حجٍ إسلامي، وأصبح للحج الإسلامي ميزته وفق تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ووفق شرعه:

- فيما له من أثرٍ تربويٍ في التربية على تقوى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفي الارتقاء الإيماني.

- وفيما له أيضاً من أهمية في ترسيخ الوحدة بين المسلمين، الوحدة القائمة على الاعتصام بحبل الله جميعاً، الوحدة القائمة على النهوض بمسؤولياتهم الجماعية، والاهتمام بقضاياهم وتوجُّهاتهم في إطار تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ولـذلك كان للحج أهميته وفاعليته في حيوية الأُمَّة، في قوتها، في عزتها، في توحدها، في تعاونها.

الآن تؤدَّى هذه الفريضة بكل برودة، بشكلٍ منفصل عن غاياتها، عن أهدافها، عن آثارها، وبشكل مجمَّد، يفقدها الكثير، ويفرِّغها من مضمونها المهم؛ فتبقى أشبه ما يكون بطقوس مُعَيَّنة لها أثر محدود في مستوى معيَّن، في الوقت الذي نرى الأُمَّة في أمسِّ الحاجة إلى الاستفادة من هذه الفريضة، ليكون لها أثرها في الواقع التربوي للأُمَّة، وفي إحياء هذه الأُمَّة من جديد، أن تحيا من جديد، كما أحياها الله بالإسلام في صدر الإسلام.

كذلك فيما يتعلَّق بعيد الأضحى، وهو مناسبة دينية عظيمة، ويقدِّم لنا الدروس المهمة في التسليم لأمر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" فوق كل شيء، وهذا ما تحتاج إليه الأُمَّة، هناك فجوة كبيرة جداً في مسألة الالتزام بتعليمات الله وتوجيهات الله في واقع الأُمَّة، وهذه الفجوة لها أثرها السلبي جداً على الأُمَّة في واقعها، وفي حياتها؛ لأن أوامر الله وتوجيهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كلها حكيمة، فيها الخير لنا، فيها العِزَّة لنا، فيها الحُرِّيَّة والكرامة، فيها كل الخير في الدنيا والآخرة، فكل إخلال بهذه التوجيهات والتعليمات، التي أمرنا الله بها ووجَّهنا إليها، له نتائجه، له آثاره السيئة في واقع الحياة، وهذه المشكلة خطيرة علينا كأمةٍ مسلمة، نحتاج إلى الالتفاتة الجادّة والواعية، وإصلاح العلاقة بهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وبتعليماته، وإصلاح النظرة إليها، حتى تكون نظرةً صحيحة، وهذا ما يمكن أن يرتقي بنا.

هذه المناسبات التي تُرَبِّينا على تقوى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والله قال عن الحج نفسه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:197]، من أهم آثارها التربوية والإيمانية: أنَّها ترفع- في من يتأثر بها، ويستفيد منها، وينتفع بها- مستوى الشعور بالمسؤولية، يشعر بمسؤوليته أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويدرك خطورة التفريط في هذه المسؤولية، ونحن أُمَّة عليها مسؤوليات كبيرة، ومسؤوليات مهمة، ومسؤوليات مقدَّسة: مسؤولية الجهاد في سبيل الله تعالى، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... هذه مسؤوليات عظيمة ومهمة جداً، والأُمَّة في إخلالها بها تركت فراغاً في الساحة العالمية لصالح قوى الشر والإجرام والظلم، ثم تحوَّلت الأُمَّة إلى ضحية بنفسها، فلم يبق لها دورها على المستوى العالمي، لتكون هي الأُمَّة التي تنشر الخير في العالم، وتواجه الشر، وتتصدَّى للشر، لتكون هي الأُمَّة التي تنشر النور في العالم، وتتصدَّى لظلمات الطاغوت، لتكون هي الأُمَّة التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؛ فأصبحت ساحتها- هي- ساحة للظلم، وللمنكرات، ولحركة قوى الظلام والضلال والباطل، من أعداء هذه الأُمَّة وأعداء الإنسانية.

ولـذلك هذه الحالة هي مؤسفة جداً، وينبغي لكل من يتحركون في إطار النشاط التوعوي والتبليغي في أوساط الأُمَّة، أن يعيدوا هذه الأُمَّة، ومن خلال القرآن الكريم، إلى الاهتداء بهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وإلى التعامل مع هذه المناسبات الدينية لتكون محطات تتزود منها الأُمَّة تربوياً وأخلاقياً، وترتقي إيمانياً، وتعالج هذه الحالة التي تنعكس على واقعها بكله، ثم يكون لها أضرارها الكبيرة في واقع الأُمَّة.

عندما يكون أهل الباطل، أهل الشر، أهل الإجرام، أهل الطغيان والعدوان؛ أكثر اهتماماً، أكثر جداً، أكثر حرصاً، أكثر مثابرةً، وأكثر اهتماماً من هذه الأُمَّة في قضاياها العادلة، في مظلوميتها، في مسؤولياتها المقدَّسة... وغير ذلك، هذه المفارقات مؤسفة جداً، ولا تليق أبداً، وتدل على مدى الخلل الكبير في واقع الأُمَّة، والذي يشكِّل خطراً عليها ليس فقط في الدنيا؛ وإنما في الآخرة أيضاً.

كذلك فيما يتعلَّق بالاستفادة من التاريخ، والأحداث التاريخية، واقتباس الدروس منها، في الأيام الماضية مرَّت بنا ذكرى ما يسمَّى بـ[النكسة]، (ذكرى النكسة) هزيمة حزيران 1967م، حينما تمكَّن العدو الإسرائيلي- آنذاك- من إلحاق الهزيمة بثلاثة جيوش عربية، مسنودة عربياً، واحتل- آنذاك- بقية فلسطين، وأجزاء من دول عربية أخرى خلال ستة أيام فقط، خلال معركة ستة أيام فقط، الجيوش العربية- آنذاك- لم تكن تنقصها العُدَّة، ولا العتاد، كانت متمكِّنة، وكانت تمتلك بأكثر مما يمتلكه العدو الإسرائيلي، فيما يتعلَّق بالعدَّة والعتاد.

تلك الهزيمة كان لها تأثيرها السيء جداً على المستوى النفسي والمعنوي، وبشكل غير مبرر، على الأنظمة العربية، بل وحتى فيما يتعلَّق بالجانب السياسي، والخيارات السياسية والمواقف، بالرغم من أنَّ العرب اجتمعوا فيما بعد ذلك- بعد تلك النكسة والهزيمة- في السودان، وأعلنوا لاءاتهم الثلاث: [لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف]، إلَّا أنهم عملياً اتَّجهوا عكس ذلك تماماً، لم يعالجوا وضعهم، ولم يشخِّصوا بِدِقَّة الأسباب التي كانت وراء هزيمتهم، ولم يعملوا على معالجة تلك المشكلة، بل اتَّجه أكثرهم الاتِّجاهات الخاطئة التي تخدم العدو الإسرائيلي.

لو أنهم اتَّجهوا فقط لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته بشكلٍ جاد، وتسليحه، وتدريبه، وتأهيله، ودعمه اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، بالشكل المطلوب؛ كان هذا الخيار لوحده فعَّال، ومؤثِّر، ومهم جداً، لكان خياراً فعَّالاً ومؤثراً ومفيداً، لكنهم- حتى مع الوقت، حتى مع المتغيرات التي حدثت فيما بعد- لم يستفيدوا من نموذج المقاومة الناجح، المقاومة الفلسطينية للإخوة المجاهدين في الحركات الجهادية الفلسطينية، ولا المقاومة اللبنانية، التي حققت أيضاً في ما بعد نجاحات وانتصارات كبيرة وعظيمة ومهمة، في الوقت الذي ثبت نجاح ذلك النموذج، وألحق الهزائم تلو الهزائم بالعدو الإسرائيلي، لم يبادروا إلى احتضانه، إلى دعمه، إلى مساندته، إلى الاهتمام به؛ بل على العكس من ذلك: معظم الأنظمة العربية كانت مواقفها سلبية تجاه حركات المقاومة والجهاد في فلسطين وفي لبنان، ونظرتها سلبية، وتعاملها سلبي إلى حدٍ كبير، البعض صنَّفها- في نهاية المطاف- بالإرهاب، صنَّفوا الحركات المجاهدة في فلسطين بالإرهاب، وصنَّفوا حزب الله في لبنان بالإرهاب.

الــدرس الآن ماثـــلٌ أمــام الجميـع، وواضــحٌ بشكــلٍ جـلي:

- هناك في ذلك النموذج للجيوش العربية، الذي انهزم خلال ستة أيام فقط هزيمةً مدوية، مع أنَّه كان في وضع مريح، ليس محاصراً، ليست وضعية حصار مطبق، كالحالة التي هي قائمة الآن في قطاع غزَّة، كذلك على مستوى العدة والعتاد، وإمكانات التسليح، إمكانات التلافي للوضع، إمكانات الترميم، والبناء، والتأهيل، كل شيءٍ متاح بالنسبة للأنظمة العربية في تلك المرحلة.

- والحالة القائمة الآن، بالنسبة للنموذج القائم في قطاع غزَّة لإخوتنا المجاهدين في حركات المقاومة، الذي صمد بكل بسالةٍ وثبات في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولا يزال يصمد، ولأكثر من ستمائة يوم، ولأكثر من ستمائة يوم، مع المفارقات الواضحة فيما يتعلق بوضع إخوتنا المجاهدين في فلسطين في قطاع غزَّة، بإمكاناتهم العسكرية المحدودة جداً، فيما يتعلق بالتسليح، فيما يتعلق بالإمكانات المادية، وكذلك فيما يتعلق بالفارق الكبير بين وضع العدو الإسرائيلي آنذاك، في نوعية إمكاناته وقدراته العسكرية، وما بحوزته الآن من إمكانات وقدرات، وما يقدِّمه له الأمريكي في هذه المرحلة من إمكانات وقدرات عسكرية متطوِّرة، وذات قوة كبيرة في التدمير... وغير ذلك، إمكانات الرصد، والاستهداف، الإمكانات المعلوماتية والعملياتية، الفارق كبير جداً.

العدو الإسرائيلي، وهو أضعف مما عليه الآن بكثير، تمكَّن آنذاك من هزيمة ثلاثة جيوش عربية- وذلك في وضعية ممتازة من حيث الإمكانات والعتاد والعُدَّة- خلال ستة أيام؛ وفشل في القضاء على المقاومة والإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة، وعلى مدى أكثر من ستمائة يوم، وفشل في تحقيق أهدافه المعلنة لعدوانه، من مسألة استعادة أسراه من دون صفقة تبادل، من مسألة القضاء على الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة.

هذه المفارقات الواضحة، بالرغم من الفوارق في الإمكانات:

- سواءً بالنسبة للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة، ووضعهم المختلف تماماً عمَّا كان عليه حال الجيوش العربية.

- أو بالنسبة للعدو، في المفارقة الكبيرة بين حجم إمكاناته وقدراته- آنذاك- يوم هزم الجيوش العربية، وفي هذه المرحلة، مع ما يحظى به من دعمٍ مفتوح من الجانب الأمريكي، ومتقدِّم، ومتطوِّر، وبإمكانات وقدرات كبيرة.

لماذا لا يأخذ العرب العبرة من هذا الدرس؛ ليقدِّموا الدعم الصادق والكبير والمتاح، الذي بإمكانهم أن يقدِّموه للإخوة المجاهدين في فلسطين، وللشعب الفلسطيني؟!

هناك تخاذل كبير جداً، هناك تجاهل وعمى، وعدم استفادة لا من دروس التاريخ، ولا من الحقائق والوقائع الواضحة، وإلَّا فهذا درسٌ كبيرٌ جداً، درسٌ يوضِّح- فعلاً- أنَّ هناك نموذج ناجح، هناك أسباب لنجاحه، وهو جديرٌ بتقديم كل أشكال الدعم له، وتقديم الدعم الكامل له كفيلٌ بأن يكون له أثره الكبير في ميدان الصراع مع العدو الإسرائيلي.

فيمــا يتعلَّـق بالأنشطـــة المتضامنـــة مـع فلسطـــين:

- كان هناك أيضاً من مجريات الأسبوع السفينة (مادلين)، وهي خطوة رمزية لكسر الحصار، نفذها اثنا عشر شخصاً من بلدان متعددة، مع مساعدات رمزية غذائية وطِبِّيَّة، سطا عليها العدو الإسرائيلي في المياه الدولية، وأخذها، واختطف الناشطين الإنسانيين.

- فيمــا يتعلَّـق بالمظاهــرات:

o خرجت مظاهرات في المغرب، والأردن، وتونس.

o كذلك خرجت مظاهرات كبيرة في فرنسا، قرابة مائتي مظاهرة، ومظاهرات كبيرة، شارك فيها مئات الآلاف، منها: مظاهرة في باريس، بعشرات الآلاف في باريس خرجت.

o كذلك مظاهرات في أمريكا، بالرغم من القمع والاعتقالات.

o ومظاهرات في: إسبانيا، وكندا، وهولندا، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، وبلجيكا.

- هناك أيضاً إجراءات أعلنت عنها بعض الدول الأوروبية، ضد البعض من المجرمين الصهاينة، هي إجراءات محدودة ورمزية.

ولكن الإجراء الصحيح- إذا كان لدى تلك الدول حرص على سمعتها الإنسانية، وعلى قيمها الليبرالية؛ لأنها تفتضح، ما يحدث في فلسطين، وما يرتكبه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، فيه فضيحة كبيرة جداً للغرب، أنه لا يلتزم بأي قيم، لا إنسانية، ولا ليبرالية... ولا غير ذلك، هو يعكس حالة التوحش والإجرام، والغرب شريك للعدو الإسرائيلي فيما يرتكبه من جرائم، والبعض من الأنظمة الغربية محرج، محرج تجاه هذا المستوى من الانكشاف، من الفضيحة والوضوح؛ فيحاولون أن يُغَطُّوا على وضعهم وعلى سمعتهم ببعض من الإجراءات المحدودة، كما هو حال بريطانيا، بريطانيا التي لها الدور الأول، والوزر الأكبر في كل ما جرى ويجري على الشعب الفلسطيني، منذ أن قامت هي باحتلال فلسطين، ثم قامت هي باحتضان العصابات الصهيونية الإجرامية، وتمكينها من الاحتلال لفلسطين بعدها، تقوم ببعض الإجراءات الشكلية والمحدودة- الإجراءات الحقيقية، التي يمكن أن تكون معبِّرة عن توجُّه جاد، ضد ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من إبادة جماعية وإجرام في فلسطين ضد الشعب الفلسطيني، هي واضحة، من مثل:

- الإيقاف لأي تعاون عسكري مع العدو الإسرائيلي، بما في ذلك بيع السلاح، أو هبة السلاح للعدو الإسرائيلي.

- خطوات عملية في المقاطعة الاقتصادية، في المقاطعة السياسية، في إجراءات عملية واضحة وحقيقية.

فيمــا يتعلَّـق بجبهــة الإسنــاد من يمـن الإيمـان والجهــاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس):

تستمر العمليات العسكرية بالقصف الصاروخي وبالمسيَّرات إلى عمق فلسطين المحتلة، ضد العدو الإسرائيلي، وإسناداً للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأَعِزَّاء.

في هذا الأسبوع نُفِّذت العمليات بـ(أحد عشر صاروخاً بالِسْتِّياً، وفرط صوتي، وطائرة مسيَّرة)، استهدفت أهدافاً تابعة للعدو الإسرائيلي في (حيفا، ويافا، وأسدود) في فلسطين المحتلة، منها: خمسة صواريخ كانت باتجاه (مطار اللد)، الذي يسمِّيه العدو الإسرائيلي باسم المجرم [بن غوريون] في يافا المحتلة.

وكان من أبرز هذه العمليات في هذا الأسبوع: عملية مساء الثلاثاء، كانت عملية قوية، ومؤثِّرة، وناجحة بفضل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكان مـن نتائجهــا:

- إحداث إرباك وتخبُّط واضح في المنظومة الدفاعية للعدو الإسرائيلي، حيث أطلقوا العديد من الصواريخ الاعتراضية، بعضها تزامن مع إقلاع إحدى الطائرات من (مطار اللد).

- كذلك شوهدت أعمدة الدخان من محيط المطار، متصاعدة من محيط المطار، مما يعني وصول الصاروخ إلى هدفه.

- وكذلك أيضاً أجبرت هذه العمليات الملايين من المغتصبين الصهاينة اليهود على الهروب إلى الملاجئ، وتفعيل صافرات الإنذار في المئات من المدن والبلدات المغتصبة في فلسطين.

تأتي هذه العمليات في إطار العمل المستمر، الهادف لفرض حصارٍ جوي على العدو الإسرائيلي، وهذا ما تسعى إليه قواتنا لتحقيق هذا الهدف المهم؛ رداً على تصعيد العدو الإسرائيلي، وارتكابه جرائم الإبادة.

فيمــا يتعلَّــق بالحصــار البحــري، في (البحر الأحمر، وخليج عدن، وباب المندب): هو مستمر، الملاحة ممنوعة على العدو الإسرائيلي، وهو متوقِّف عن الملاحة في مسرح العمليات، ولكن- كما قلنا- هناك أنظمة عربية وأنظمة إسلامية، وعبر البحر الأبيض المتوسط، توصل إليه من خلال السفن البضائع، وتنقل كذلك البضائع لصالح العدو الإسرائيلي، وهذا شيء مؤسف جداً!

فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة: كان هناك مئات الوقفات في عيد الأضحى في معظم مصليات العيد، والأنشطة بكلها- بإذن الله وتوفيقه- سيواصلها شعبنا العزيز، من: وقفات، وفعاليات، وندوات... ومختلف الأنشطة، وكذلك أنشطة التعبئة العامة، وكذلك المسيرات والخروج المليوني؛ لأن هذا جهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأعمال متاحة، وفي إطار المسؤولية الإيمانية والأخلاقية والدينية، الاستمرار فيها هو جهاد، هو أداء لفريضة مقدَّسة، الاستمرار فيها أيضاً هو من الوفاء، من القيم الإنسانية والإيمانية والأخلاقية، من الشهامة والمعروف، وشعبنا شعب الإيمان، يمن الإيمان والحكمة، يمن الوفاء، والقيم، والأخلاق؛ ولـذلك سيواصل- بإذن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"- كل هذه الأنشطة، ويستمر في موقفه المتكامل (رسمياً، وشعبياً)، وعلى كل المستويات، وفي كل المجالات، متقرِّباً إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بذلك، مؤدِّياً واجبه الإيماني والأخلاقي والإنساني، مدركاً أهمية ذلك، سواءً في القربة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وما يترتب على ذلك من نتائج في تدبير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ما يكتبه من الخير لمن استجاب له، وهو القائل عن الجهاد في سبيله: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الصف:11]، وفعلاً من هذا الخير: العِزَّة الإيمانية، والسَّلامة من الخزي؛ لأن حالة الاستسلام، والخضوع، والخنوع لأعداء الله، وأعداء الإنسانية، هي تزيد من يتَّجهون ذلك الاتِّجاه ذُلّاً، وهواناً، وانحطاطاً، ويطبع الله على قلوبهم، ويزدادون رعباً، وخوفاً، وهلعاً، وجزعاً، وخنوعاً، واستسلاماً، وعواقب ذلك خطيرة عليهم في الدنيا والآخرة.

من نعمة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومن توفيقه، ومن فضله العظيم، وهو القائل عن الجهاد في سبيله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة:54]، من نعمة الله، من فضله، من توفيقه: أن يتحرك شعبنا في إطار هذا الموقف العظيم والمتكامل، ومن الشكر لهذه النعمة: هو الاستمرار، هو الاستقامة، هو الثبات، هو الجد في الاستمرارية بدون كلل، ولا ملل، ولا فتور، ولا تهاون، هو الوعي الدائم بعظمة وأهمية أن نقف هذا الموقف، الذي يرضي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي فيه الشرف والفضل في الدنيا والآخرة، الذي له نتائجه المهمة على المستوى التربوي والنفسي والعملي، وفي بناء واقعنا كشعبٍ وبلدٍ قوي، يسعى للارتقاء على المستوى المعنوي، وعلى المستوى العملي، وعلى مستوى تطوير قدراته وإمكاناته، وهذا ما لاحظنا أهميته وآثاره خلال كل هذه المُدَّة الزمنية، على مدى عشرين شهراً، كل النتائج والآثار هي مباركة، ولصالح شعبنا العزيز، قدَّمنا التضحيات. صحيح، تضحيات في سبيل الله تعالى، فيما يستحق منَّا أن نُقدِّم فيه التضحيات، وتضحيات مثمرة، لها نتيجتها وأهميتها.

أدعو شعبنا العزيز بدعوة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بدعوة المسجد الأقصى، بدعوة القرآن الكريم، إلى الخروج المليوني يوم الغد إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء في ميدان السبعين، وفي بقية المحافظات والمديريات والساحات، وحسب الترتيبات والإجراءات المعتادة.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.

نأمل- إن شاء الله- أن يكون الخروج يوم الغد خروجاً واسعاً، هذا من الوفاء لله، وللشعب الفلسطيني، وللإسلام، وللقرآن، الشعب الفلسطيني في مرحلة صعبة جداً، لابدَّ أن تكون كل الأنشطة مستمرَّة، أن يكون الصوت عالياً، أن يكون الحضور كبيراً.

الاستمرار والثبات هو خيارنا؛ لأن هذا أساسٌ في مسؤولياتنا الإيمانية والدينية.

 

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • (نص) كلمة السيد القائد حول آخر التطورات والمستجدات 16 ذو الحجة 1446هـ
  • نص كلمة قائد الثورة حول مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية
  • شاهد| كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 16 ذو الحجة 1446هـ
  • السيد القائد: العدوان الإسرائيلي مستمر منذ 20 شهراً ومجازره تكشف فشل الرهانات وتسقط أوهام التسوية
  • السيد القائد : عملية مساء الثلاثاء أربكت العدو وكانت قوية ومؤثرة وناجحة
  • السيد القائد ينتقد تواطئ بعض الانظمة مع العدو الصهيوني
  • السيد القائد يحذر من خطورة مساعي صهيونية لتحويل الأقصى لكنيس يهودي
  • السيد القائد ..خيارالمقاومة حتمي لردع العدوان الصهيوني على لبنان وسوريا
  • السيد القائد :حصيلة جرائم العدو الإسرائيلي في غزة هذا الأسبوع أكثر من 2400شهيد وجريح
  • قيادي مقرب من عبدالملك الحوثي يعمل جاسوسا رفيعا لإسرائيل ويقدم خدماته الجاسوسية لتل أبيب من جنوب لبنان