تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد أن نجح الجيش السوداني في استعادة الخرطوم، بدا وكأن صفحة جديدة تُفتح في تاريخ البلاد، لكنها ليست صفحة بيضاء تمامًا، إذ ما زالت السطور مليئة بالتحديات والمخاوف من اضطرابات قد تعرقل مسيرة الاستقرار. فالنصر العسكري، مهما كان عظيمًا، لا يضمن وحدة تحقيق السلام، بل يظل نجاح المرحلة القادمة مرهونًا برؤية واضحة وإرادة سياسية قادرة على بناء دولة متماسكة.

وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف يرى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مستقبل السودان؟ وهل تكون هذه المرحلة بداية لشراكة حقيقية بين المكون العسكري والمدني، أم أن الصراعات ستواصل فرض الفوضى؟.

البرهان، الذي قاد الجيش خلال واحدة من أعقد الفترات في تاريخ السودان، يدرك أن المعركة لم تنتهِ بعد. ففي تصريحات سابقة له شدد على أن إعادة إعمار السودان تتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، مؤكدًا أن الاستقرار لن يتحقق إلا بإقامة دولة مدنية قوية قادرة على استيعاب الجميع. لكن تحقيق هذه الرؤية يظل مرتبطًا بمدى قدرة الجيش والقوى المدنية على تجاوز صراعات الماضي والبحث عن أرضية مشتركة تمهد لبناء سودان جديد.

وليس خافيًا أن تجربة السودان مع الشراكة بين المكونين العسكري والمدني لم تكن سلسة في السابق، فقد شهدت البلاد انتكاسات سياسية عدة بسبب غياب الثقة والصراع على السلطة. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية قد تدفع الجميع إلى إعادة التفكير في شكل العلاقة بين الطرفين، فالحكم العسكري وحده لن يجلب الاستقرار، كما أن القوى المدنية لا تستطيع قيادة البلاد في ظل غياب مؤسسة أمنية قوية. هذه المعادلة تجعل من التوافق بين الطرفين ضرورة وليس خيارًا، إذ أن أي محاولة لإقصاء طرف على حساب الآخر لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة من جديد.

ورغم استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم، فإن مناطق أخرى لا تزال تشكل بؤرًا قابلة للاشتعال، مما يجعل الاستقرار الشامل تحديًا معقدًا. فإقليم دارفور، الذي شهد لعقود نزاعات دامية، لا يزال مسرحًا للتوترات العرقية والصراعات المسلحة، خاصة في مدن مثل الجنينة ونيالا. أما جنوب كردفان والنيل الأزرق، فتعانيان من توترات بين الحكومة والحركات المسلحة، مدفوعةً بالتهميش السياسي والاقتصادي. وحتى شرق السودان، رغم هدوئه النسبي، يظل عرضة لاضطرابات قبلية وتنافس على الموارد قد يهدد استقراره في أي لحظة.

إن مواجهة هذه التحديات تتطلب حلولًا تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية، فالسودان بحاجة إلى رؤية تنموية شاملة تضمن توزيعًا عادلًا للثروة، وإصلاحات جذرية في القطاع الأمني تضمن إعادة هيكلة القوات المسلحة ودمج الفصائل العسكرية في جيش وطني موحد. كما أن إطلاق حوار وطني يجمع كل المكونات السياسية والقبلية بات ضرورة لا غنى عنها لصياغة رؤية وطنية متكاملة. وبينما تبدو المصالحة الوطنية خيارًا صعبًا في ظل تراكمات الماضي، فإن تجاهلها قد يؤدي إلى إعادة إنتاج النزاعات بشكل أكثر تعقيدًا.

ورغم كل التعقيدات، فإن السودان اليوم أمام فرصة قد لا تتكرر، فإما أن يكون تحرير الخرطوم خطوة أولى نحو بناء دولة مستقرة تتجاوز أزمات الماضي، أو تظل البلاد عالقة في دوامة الصراعات التي عطّلت تقدمها لعقود. 

وبينما لا تزال التحديات قائمة، يبقى الأمل معلقًا على قدرة السودانيين، مدنيين وعسكريين، على تجاوز خلافاتهم والعمل معًا من أجل مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.

رغم أن تحرير الخرطوم كان خطوة كبيرة نحو استعادة الدولة، إلا أن أول اختبار حقيقي سيواجه البرهان هو التعامل مع الوضع في إقليم دارفور، الذي لا يزال يعاني من توترات عرقية وصراعات مسلحة معقدة. فالإقليم، الذي كان ساحةً رئيسية لمعارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يشهد اليوم تناميًا في المطالبات بالانفصال، مدفوعةً بالشعور بالتهميش والدمار الواسع الذي خلفته الحرب، وإذا لم تتحرك الحكومة سريعًا لمعالجة هذه الأزمة عبر حلول تنموية وسياسية حقيقية، فقد تجد نفسها أمام سيناريو شبيه بما حدث في جنوب السودان، حيث قاد التهميش والإقصاء في النهاية إلى الانفصال. على البرهان أن يدرك أن الحسم العسكري وحده لن يكون كافيًا، بل يجب أن يكون هناك مسار سياسي واضح يدمج دارفور في مستقبل السودان بطريقة عادلة ومستدامة.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال المطروح هل انتهت ميليشيات الدعم السريع تمامًا، أم أنها لا تزال قادرة على تهديد مستقبل السودان؟ رغم الضربات القوية التي تلقتها هذه القوات خلال الحرب، وتفكك بنيتها القيادية، إلا أن خطرها لم يختفِ تمامًا، إذ لا تزال بعض وحداتها منتشرة في جيوب داخل دارفور والمناطق الحدودية، حيث قد تعيد ترتيب صفوفها أو تلجأ إلى حرب العصابات لإطالة أمد الصراع. كما أن أي دعم خارجي محتمل أو تحالفات جديدة قد يمنحها فرصة للعودة إلى المشهد، مما يعني أن الجيش السوداني لا يزال بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد للقضاء على أي تهديد محتمل، سواء عبر الحلول العسكرية أو تفكيك البيئة الحاضنة لها سياسيًا واقتصاديًا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: تحرير الخرطوم لا تزال

إقرأ أيضاً:

«العيدية».. رمز البهجة وروح العطاء

خولة علي (أبوظبي) 

أخبار ذات صلة جمعة علي يطلق «أول لقى» اليوم «اللوفر أبوظبي».. 3 معارض استثنائية تحتفي بالإرث التاريخي المشترك

«العيدية» أحد الطقوس الاجتماعية المميزة التي ترافق احتفالات العيد، وتجسد مشاعر الفرح والمحبة، خصوصاً في نفوس الأطفال، الذين ينتظرونها بشوق كبير كجزء رئيس من أجواء بهجة العيد. ورغم اختلاف طرق وأشكال تقديمها مع التطور التقني الذي نعيشه، إلا أن العيدية الورقية لا تزال تحافظ على أثرها الجميل، بوصفها رمزاً للبهجة وروح العطاء المتجذرة في المجتمع الإماراتي. 

مظاهر الوفاء
تشير مريم سلطان المزروعي، باحثة في التراث، إلى أن الطفل حين يتلقى «العيدية» من والديه أو أقاربه، يشعر بأنه جزء من فرحة جماعية أكبر، ويترسخ في وجدانه ارتباط العيد بالعطاء والمحبة. وتقول: إن اختلاف مبالغ «العيدية» لا ينقص من قيمتها الرمزية، فهي لا تزال تمثل حلقة وصل بين الأجيال ووسيلة لاستدامة التراث والعادات الأصيلة.
وترى المزروعي أن تطور وسائل تقديم «العيدية»، كالتحويلات الرقمية، لا يلغي معناها الثقافي، فما تغير هو الأداة، أما الدلالة الثقافية فهي باقية؛ لأن قيمتها لا تكمن في كونها ورقية، بل في كونها فعلاً اجتماعياً يتجاوز المظهر المادي. وقد فرضت ظروف الجائحة، واقعاً جديداً وقتها، أدى إلى الاعتماد على وسائل الدفع الإلكترونية، دون أن يلغي طقوس العيد أو أثر «العيدية» في النفوس. وتقول: ورغم التحولات الرقمية، لا تزال الكثير من العائلات الإماراتية تحتفظ بعادة تقديم «العيدية» في ظروف ورقية مزينة، خلال الزيارات العائلية، ما يُعد مظهراً من مظاهر الوفاء للعادات المتوارثة. 
وتضيف: «العيدية» تعزز اللقاءات الأسرية، وتفتح مجالاً لسرد ذكريات الأعياد القديمة، وتعريف الأطفال بقيم المجتمع الإماراتي الراسخة، ولا يزال اللقاء العائلي أول أيام العيد يظل المشهد الأهم الذي يجسد معنى التآلف. 

تقدير متبادل
تقول الدكتورة منيرة الرحماني: «العيدية» لغة غير لفظية للحب والتقدير، ووسيلة تعبر عن مشاعر الفرحة، وتؤكد قيمة الكرم المتجذر في الثقافة الإماراتية. وعادة ما ترتبط «العيدية» بالفرح والانتماء والاحتفال المشترك، وترسخ مفهوم الموسمية المباركة التي تعيد تنظيم العلاقات، وتعزز من التقدير المتبادل بين الكبار والصغار.
وتضيف: تسهم «العيدية» في تقوية الروابط الاجتماعية بين الأفراد والعائلات، وتفعّل نقطة الاتصال العاطفي، وتُعيد بناء شبكة الدعم الأسري، ما يعزز التماسك المجتمعي.

رسالة حب
تقول آمنة الكمدة، آمين سر جمعية الإمارات لأصدقاء كبار المواطنين: «العيدية» في الإمارات ليست مالاً يهدى فقط، بل هي طقوس فرح، ورسالة حب بين الأجيال، تقدم بيد دافئة وفي ظرف مزخرف، وترافقها ضحكة طفل ورائحة بخور. وفي زمن الرقمنة الذي نعيشه، تحولت إلى إشعار هاتفي أو تحويل سريع، ورغم ذلك فإنها لم تفقد أثرها وقيمتها المعنوية.

عادات رقمية
تشير الدكتورة منيرة الرحماني إلى أنه في العصر الحالي، تطورت مظاهر «العيدية»، وأصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً كبيراً في بناء عادات رقمية متجددة، مثل «العيدية الإلكترونية»، «التحويل البنكي»، ومسح «QR كود»، وهذا تطور طبيعي يواكب متطلبات العصر، لكنه في الوقت نفسه يمثل خطراً، في أن يصبح الطقس الاجتماعي مجرد إجراء رقمي بلا دفء ومشاعر. وتقول: يجب الدمج بين الحداثة والأصالة، فلا مانع من إرسال العيدية إلكترونياً، لكن يمكن إرفاقها برسالة صوتية، أو زيارة عائلية، أو مكالمة تسبقها عبارة «كل عام وأنتم بخير».

ألفة وانتماء
تؤكد التربوية موزة علي راشد أن «العيدية» تترجم مشاعر المحبة والاهتمام، وتعبر عن روابط الألفة والانتماء، وتجسّد روح العيد خصوصاً في أعين الصغار الذين ينتظرونها بشغف، ليس فقط لقيمتها المالية، بل لما تعكسه من اهتمام وتقدير. وتبين موزة أن «العيدية» لا تقتصر على قيمتها وعلى الفرح اللحظي، بل تمتد لتؤدي دوراً تربوياً بالغ الأثر في تعليم الأبناء مفاهيم العطاء والكرم والمسؤولية.

مقالات مشابهة

  • شركة كهرباء السودان: مقتل الفنيان “سيف الدين دفع الله والمنشد أحمد” أثناء محاولتهما إعادة تشغيل خط ناقل
  • تجدد المواجهات شرق مأرب تقطع الكهرباء وتغلق طريقًا دوليًا بعد ساعات من إعادة فتحه
  • «العيدية».. رمز البهجة وروح العطاء
  • رئيس الوزراء اللبناني: لا استقرار في ظل العدوان الاسرائيلي.. ونعمل على الإعمار وإعادة الأسرى
  • مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان” تدين الهجوم الذي استهدف قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: السودان.. معادلات الأمن والنفوذ
  • وزير المالية اللبناني ياسين جابر من القاهرة: مصر شريك كبير في طريق التعافي
  • قيادي بـ مستقبل وطن: الرئيس السيسي يضع خارطة طريق لتعظيم أصول الدولة وتحفيز الاستثمار
  • المركزية في المنظمات
  • صحة الدقهلية تُعلن خارطة أماكن توزيع الألبان المدعمة خلال إجازة العيد