إنكسار المليشيا في وسط السودان والعاصمة هو إنتصار كبير ما زلنا بحوجة إلى وقت طويل لإدراك حجمه .

داخلياً ، سيشارك الآن في الحرب مجتمعات معينة ، و هي أصلا منقسمة و منهكة بالحرب ، بينما كان بإمكانهم في بداية تجنيد مجتمعات حزام المدن الكبيرة لحمل السلاح معهم كما حدث في سنجة و مدني و الخرطوم ، و بالتالي الحصول على زخم عددي هائل من المقاتلين.


هذه المجتمعات التي تحمس بعض شبابها لحرب اختيارية طلباً للغنيمة و الشفشفة في المدن المزدحمة دون اقتناع بأي دوافع أيدولوجية و لا أطماع المحاور الإقليمية ، ترتد عليهم الحرب الآن بمواجهات إجبارية في أرضهم و على حساب الأهل و آمان طرق التجارة و الرعي التي كان بإمكانهم المحافظة عليها سابقاً مفتوحة. الآن لن يقابل المستنفر إلا جنوداً غاضبين و مدرّبين و ليس سكان الحضر الخائفين. و أول ملمح لحرب الريف القادمة هي مواجهة شباب الجموعية لآلة المليشيا و تحدي جنودها الهاربين المستسهلين للمواجهة مع أهل القري.
هذا الشاب القبلي قد فقد راتبه الذي وعدته به المليشيا الثرية سابقاً ، و فقد الغنيمة التي كان بإمكانه جمعها من المدن و بيوت السكان بديلاً للراتب. و بعد الخروج من الخرطوم ، فقد العناية الطبية و عمليات تأهيل المقاتلين للعودة للميدان ، و صار الجرحى و فاقدي الأطراف أعباءً جديدة على القبائل فضلاً عن مئات الأسر التي فقدت عائلها و الأطفال التي لم يقبلوا أباءهم في غياب أي مؤسسة تحتضن “أسر الشهداء” و ترعاهم أسوة بالقوات المسلحة و القوات المساندة.

هذه الحرب التي كانت كريهة على غيرهم في السابق ، عادت لتكون كريهة عليهم. و الآن سيقوى صوت العقل بينهم الداعي إلى رمي السلاح و العودة إلى حضن الدولة ، هذا إذا لم يرفع أعداء المليشيا بين القبائل السلاح ضدها عند إقتراب الجيش كما فعل أبناء المسيرية في بابنوسة ، لذلك ربما نرى السلاح القبلي الموالي للجيش في الضعين و نيالا و زالنجي قريباً.
لقد رأى الجندي الهارب من الخرطوم بطش الآلة العسكرية للجيش و هرب تاركاً قتلاه على الطرقات دون دفن ، و الجرحى دون تمكن من إخلائهم ، كما خبِر سهولة التخلي من قيادة المليشيا عن أفرادها و راى فوضى الخطط العسكرية التي تكلف الجنود حياتهم و اشتكى من مرّ التفرقة العنصرية التي ترتبهم حسب “رفعة نسب القبائل” حيث يتم إهمالك حسب إقترابك في السلّم القبلي من مرتزقة جنوب السودان الذين تم التخلي عنهم بشكل كامل ليلقوا مصيرهم المحتوم ، و هم الذين يعتبرهم الماهرية “أسوأ درجات الأنبايات ؛ جمع أنباي أي عبد أسود” ، و لإقناعه بحمل السلاح مرة أخرى ، يجب على المليشيا مسح شريط الذكريات المر الذي رآه في الخرطوم و ضجّت به “لايفاتهم” هذه الأيام.

سيطرة الجيش على الخرطوم هي نهاية تهديد الدولة لذلك اعتبرها المجتمع الإقليمي إنتصاراً حاسماً للجيش و بنى تحالفاته على ذلك ، كما رأينا في لقاء مكة و سنرى في الأيام القادمة.
من أهم ملامح الحرب القادمة هي إستمرار ضغط الجيش على الدول الداعمة كالجنوب و تشاد لإيقاف تدفق السلاح.

التمدد وراء الحدود لحماية مصالح السودان في جنوب السودان و تشاد هو عنوان المرحلة القادمة و حسناً فعل موسيفيني و بوتو لإحضارهما جنود يوغنديين و كينيين للمستنقع الجنوب سوداني حيث يمكننا اصطيادهم و هزيمتهم في أرض نعرفها جيداً و لدينا فيها كثير من الحلفاء.
د. عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!

حادث دموي يفتح أخطر ملف في البلاد.. وسؤال واحد يفرض نفسه: تفكيك السلاح أم الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية؟

الانفجار الذي هزّ الجنوب

في بلد يختزن الأزمات كما تختزن الأرض حمم بركان خامد، جاء انفجار مخزن سلاح قرب مدينة صور في الجنوب اللبناني ليهزّ المشهد برمته. لم يكن الأمر مجرد حادث عرضي، بل جاء كجرس إنذار مدوٍّ في لحظة سياسية وأمنية شديدة الهشاشة. التقارير الأولية أشارت إلى أنّ المخزن يتبع لحزب الله، وأنّ الانفجار وقع أثناء محاولة تفكيك أو نقل محتوياته، ما أسفر عن سقوط ضحايا بينهم ستة من عناصر الجيش اللبناني، إلى جانب إصابات بين مدنيين.

-- معضلة السلاح خارج الدولة

هذا الحادث لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه لبنان، فالبلد الغارق في أزمات اقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة، يواجه منذ سنوات معضلة سلاح الفصائل، وفي مقدمتها سلاح حزب الله، الذي يُعَدّ بالنسبة لخصومه سلاحًا خارج الشرعية، وبالنسبة لمؤيديه "ضمانة ردع" أمام إسرائيل. انفجار صور جاء في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب، مع تصاعد العمليات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وارتفاع نبرة المطالبة بتطبيق القرار 1701 بحذافيره، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة. خلفية تاريخية: الجنوب وسلاح الظل

منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، ظل الجنوب اللبناني منطقة حساسة عسكريًا وأمنيًا، وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، تعزز نفوذ حزب الله في تلك المنطقة، ليس فقط كقوة مقاومة، بل كسلطة فعلية تمتلك شبكة مخازن وأنفاق ومنصات صاروخية موزعة بين القرى والبلدات. وقد شهدت السنوات الماضية عدة حوادث مشابهة لانفجار صور، أبرزها انفجار مخزن في بلدة خربة سلم عام 2009، وحوادث متفرقة في أعوام لاحقة، كانت غالبًا تُبرَّر بأنها عرضية أو بسبب خلل فني. هذه المخازن كانت دائمًا موضع جدل داخلي ودولي، إذ يرى خصوم الحزب أنها تُعرّض المدنيين لخطر دائم وتضع الجنوب في قلب المواجهة مع إسرائيل، فيما يعتبرها الحزب جزءًا من معادلة الردع التي منعت تل أبيب من شن حرب جديدة شاملة منذ 2006. ومع كل حادث، يتجدد السؤال الكبير: هل يمكن للبنان أن يحسم معضلة السلاح خارج الدولة من دون أن ينفجر داخليًا؟

-- سيناريوهات ما بعد الانفجار

المشهد الآن مفتوح على احتمالات خطيرة: تصعيد داخلي قد يُستغل فيه الحادث سياسيًا من قبل قوى لبنانية معارضة للحزب لفتح ملف سلاحه في الشارع والبرلمان، ما قد يجر البلاد إلى مواجهة سياسية وربما أمنية، أو تسخين جبهة الجنوب إذا تسارعت ردود فعل الحزب على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ما يزيد احتمالية انزلاق لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت عمليات استهداف المخازن والبنية التحتية العسكرية، أو حرب أهلية مقنّعة في ظل الانقسام الطائفي والسياسي الحاد، حيث أي شرارة قد تشعل اشتباكات متنقلة بين مناطق محسوبة على أطراف متنازعة، في تكرار شبيه بمشاهد 1975 لكن بأدوات وأجندات جديدة.الدور الفرنسي والحسابات الدولية

منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تحاول فرنسا لعب دور الوسيط بين القوى اللبنانية المتصارعة، واضعة ملف السلاح على طاولة النقاش وإن بشكل غير مباشر، تجنبًا لنسف أي تفاهمات. باريس، المدعومة أوروبيًا، تطرح مبادرات لحصر السلاح بيد الدولة مقابل دعم اقتصادي وسياسي للبنان، لكن هذه الجهود تصطدم برفض قاطع من الحزب وحلفائه، وبواقع إقليمي يجعل أي تفكيك للسلاح جزءًا من معادلة أكبر تشمل إيران وسوريا. إلى جانب فرنسا، تتحرك الولايات المتحدة وبعض دول الخليج بضغط سياسي واقتصادي متدرج، بينما تتعامل إسرائيل مع الملف بأسلوب الضربات الموضعية لفرض أمر واقع أمني في الجنوب.

-- لبنان على فوهة البركان

لبنان اليوم يقف على فوهة بركان، حيث تتقاطع نيران الخارج مع حسابات الداخل، وتتحرك الملفات الملغّمة من السلاح إلى الاقتصاد بلا أي غطاء وطني جامع. انفجار صور ليس مجرد حادث، بل قد يكون بداية فصل أكثر سخونة في تاريخ بلد اعتاد أن يعيش بين حافة الحرب وهاوية الانهيار، ويبقى السؤال: هل تنجح الجهود الدولية في تفكيك السلاح وضبطه تحت سلطة الدولة، أم أن لبنان يسير بخطى سريعة نحو جحيم حرب أهلية جديدة؟ إنّ رائحة البارود التي ملأت سماء صور قد تكون مقدمة لعاصفة لا تبقي ولا تذر، وحين يشتعل البركان، لن يملك أحد ترف السيطرة على مساره أو حجم دمارِه.. .، !!

-- محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، ، !!

مقالات مشابهة

  • عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية اليوم 12 أغسطس 2025
  • من داخل القاهرة.. كنت أحب عبد الناصر
  • توجيه عاجل من “المركزي” إلى كل البنوك السودانية
  • الوجه الآخر لحرب السودان.. مرتزقة وراء البحار
  • إلى أين وصل قرار البرهان بإخلاء الخرطوم من التشكيلات العسكرية؟ تابع المستجدات..
  • مقابر الحرب العشوائية.. مأساة وحكايات لم تُروَ في قلب الخرطوم
  • تم احتواء الكوليرا في الخرطوم والوفيات صفر
  • عناوين الصحف السودانية الصادرة اليوم الأحد
  • انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!
  • السودان.. تخطيط جديد للعاصمة وشارع النيل بمعايير عالمية