في مطلع عام 1961 كان الزعيم الخالد جمال عبد الناصر فى زيارة للمغرب، و اِصطحبه الملك محمد الخامس فى جولة بشوارع الرباط، فاصطف المواطنون للترحيب بالزعيم الراحل ، وإذا فجأة يعترض موكبهما رجل مغربي تبدو عليه البساطة، فطلب الرئيس عبد الناصر من السائق أن يتوقف لتحية الرجل فصافحه الرجل، وفاجئه بسؤاله عن موعد عودته للقاهرة وسط دهشة الملك محمد الخامس ،فأجابه عبد الناصر ليفاجئه بطلب آخر أغرب من سؤاله وهو إبلاغ تحياته وإعجابه للفنان إسماعيل ياسين.
واقعة أخرى في عام 1956، وأثناء زيارة عمل للقاهرة لرئيس أركان الجيش الأردنى لواء راضى عناب فى ذلك الوقت، صادف زيارته حفل لكوكب الشرق أم كلثوم فطلب أن يحضرها ،وكان للمذيع بالإذاعة المصرية التى كانت تنقل الحفل لقاء معه، تحدث فيه رئيس أركان الجيش الأردنى منبهرا عن السيدة أم كلثوم وعن مدى شغفه بالإذاعة المصرية، وقوة تأثيرها وانتشارها في المملكة الأردنية، بل إنه كان يعرف اسم محدثه المذيع المصري قبل أن يجرى الحوار ،فأي مجد كان هذا للفن المصرى وللإذاعة المصرية.
واقعة مشابهة رواها أحد الصحفيين التونسيين عام 1969 ،عندما غنت كوكب الشرق فى الحى الأولمبي بتونس كان أقل سعرا لتذكرة الحفل 20 دينارا تونسيا ، فحكي له والده أنه باع نصف أثاث البيت لشراء تذكرة لحفل الست كما كان يحب أن يطلق عليها ولم يكن وحده من فعل ذلك بل المئات من التونسيين.
هكذا كانت تلك قوة مصر الناعمة، اِمتدادا سياسيا وجغرافيا وظهيرا ومساندا للدولة، وكانت سلاح مصر الأَثير في الخمسينيات والستينات من القرن الماضى ، وظلت أحد أهم أدوات التأثير والنفوذ فى الإقليم لسنوات عديدة ،فكان الفن مكملا للقوة الضاربة المصرية، بل اِستطاع أن ينجز ما عجزت عنه السياسة في أوقات كثيرة ، فيكفى أنه في سنوات المقاطعة مع مصر فى السبعينات أعقاب اِتفاقية السلام ، كان تلاميذ المدارس العراقية ينشدون فى طابور الصباح بالعامية المصرية النشيد الوطنى والله زمان يا سلاحى، وكان تلاميذ المدارس الليبية ينشدون النشيد الوطنى الله أكبر فوق كيد المعتدين ، وحتي بعد إنقسام الفرقاء في ليبيا لم يجمعهم سوى النشيد الوطنى الليبى الحالي يا بلادى من ألحان المبدع محمد عبد الوهاب.
لكن ما الذي حدث، لماذا توارت وخفتت قوة مصر الناعمة، هل نضب الإبداع والمبدعون ، ماذا حدث لهذه الصناعة ، للأسف فقدنا الكثير بافتقادنا للفن الراقي بعناصره وأدواته، فمصر الآن أحوج ما يكون لقوة ناعمة فاعلة فهل من مجيب .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القوة الناعمة جمال عبد الناصر قوة مصر الناعمة المزيد
إقرأ أيضاً:
هند عصام تكتب: الملك منحوتب الثاني
ما زلنا على تواصل مع قصص وحكاوي ملوك وملكات مصر الفرعونية القديمة ولكن فاجاة وبدون سابق إنذار قررنا نوجه السرد هذا الأسبوع نحو السيرة الذاتية لملك وليس ملكة حتى لا نُتهم بالتحيز للنساء ملكات مصر الفرعونية ،ووقع الأختيار علي الملك منتوحتب الثانى واتضح أننا لم نتحدث عنه حتي الأن بالرغم إنه من أهم ملوك مصر الفرعونية لأنه هو أول ملك مصري في الدولة الوسطى ومؤسس الأسرة الحادية عشر، وهو ابن الملك "انتف الثالث" والملكة ياه .
ويقال أن الملك منتوحتب الثانى ابن الملك إنتف الثالث، وربما كانت زوجة إنتف الثالث إعح هي أيضاً أخته. ويوضح هذا النسب لوحة حننو (متحف القاهرة 36346) الذي كان مسئولاً في القصر الملكي تحت ولاية إنتف الثاني، وإنتف الثالث، وإبنه الذي تعرفه اللوحة باللقب الحوري "سعنخ-إب-تاوي" أي (محيي قلب الأرضين)، وهو أول لقب حوري لمنتوحتب الثاني. أما إعح فقد حملت لقب "موت-نسوت" أي (الأم الملكية). كما تم تأكيد نسب منتوحتب الثاني أيضاً بطريقة غير مباشرة من خلال نقش موجود في منطقة شط الرجال. وكان لمنتوحتب الثاني العديد من الزوجات اللاتي تم دفنهن معه أو بجواره في معبدة الجنائزي.
و كانت الزوجة الرئيسية لمنتوحتب الثاني تحمل لقب "حمت-نسوت "أي (الزوجة الملكية)، و هي كانت الملكة
نفرو الثانية وتعني (جميلة الثانية)، وكانت تُدعى "حمت-نسوت-مريت.ف" أي (الزوجة الملكية ومحبوبته)، وربما كانت أخت منتوحتب الثاني نظراً لأنها تحمل أيضاً ألقاب مثل (سات-نسوت-سمسوت-ن-خت.ف) أي (الأخت الملكية الكبيرة المنتمية إلى جسده)، و "حموت-نبوت" أي (سيدة كل النساء). وتم دفنها في المقبرة رقم TT319 بالدير البحري.
وكانت الملكة كاويت إحدى زوجات منتوحتب الثاني الثانوية. وكانت تحمل الألقاب "حمت-نسوت-مريت.ف" أي (الزوجة الملكية ومحبوبته)، و "غكرت-نسوت" أي (المحظية الملكية). وكانت إحدى كاهنات المعبودة حتحور. ويعتقد أنها كانت نوبية. وقد تم دفنها تحت شرفة معبد منتوحتب الثاني الجنائزي، حيث كشف نافيل عن تابوتها في عام 1907.
سادة، وعاشيت، وهنهنيت، وكمسيت كلهن كانوا زوجات ثانويات لمنتوحتب الثاني. وكانوا يحملون الألقاب"حمت-نسوت-مريت.ف" أي (الزوجة الملكية ومحبوبته)، و "غكرت-نسوت-وعتت" أي (المحظية الملكية الوحيدة). وكانوا كاهنات المعبودة حتحور، وكل واحدة منهن تم دفنها في حفرة منفردة محفورة تحت شرفة معبد منتوحتب الثاني.
و كان الملك منتوحتب والد كل من الملك إنتف الأول، وإنتف الثاني حسب قائمة ملوك الكرنك. والده هو إنتف الأكبر - (أنتف بن إكو).
و يعنى الأسم الملكي لمنتوحتب الثانى هو "الإله مونتو راضٍ"، ويُعرف أيضاً بلقب التتويج "نب-حابت-رع ،ربان دفة رع".
و حكم الملك منتوحتب الثانى في الفترة (2061 - 2010 ق.م)، ويرجع إليه الفضل في إعادة توحيد البلاد بعد نهاية فترة اضطرابات عصر الاضمحلال الأول.
وتنسب بردية "تورين" إليه ولاية عهد استمرت 51 عاما.
عندما اعتلى منتوحتب الثاني عرش طيبة، كان قد ورث أراضي شاسعة قد فتحها أسلافه من الشلال الأول في الجنوب إلى أبيدوس والعتمانية -أسيوط- في الشمال. ويبدو أن أول أربعة عشر عاماً من ولاية عهد منتوحتب الثاني كانت فترة سلمية في منطقة طيبة، حيث لا توجد أي أثار صراع يرجع تاريخها إلى هذه الفترة.
صعد منتوحتب الثاني على عرش مصر في مدينة طيبة بمصر العليا خلال فترة عصر الانتقال الأول. وكانت الأسرة العاشرة -المناوئة لأسرة منتوحتب- كانت تحكم مصر السفلى من مدينة هيراكليوبوليس.
وبعد أن قام ملوك هيراكليوبوليس بتدنيس الجبانة الملكية المقدسة الموجودة في منطقة أبيدوس بمصر العليا في العام الرابع عشر من حكم منتوحتب الثاني، قام بإرسال جيوشه شمالاً لاحتلال مصر السفلى.
واستمراراً لحملات أبيه، نجح منتوحتب في توحيد بلاده. ويرجح أن ذلك تم قبل نهاية عامه التاسع والثلاثين من جلوسه على العرش. بعدها، قام بتغيير لقبه إلى "سما-ناوي/ موحد الأرضين". ويرجح أن "مري-كا-رع" -حاكم مصر السفلى في ذلك الوقت ربما قد توفى خلال هذا الصراع- مما زاد من ضعف مملكته وأعطى منتوحتب الثاني الفرصة لإعادة توحيد مصر.
وتظهر الأدلة أن عملية التوحيد قد استغرقت وقتا طويلا، ربما نتيجة انعدام الأمن بشكل عام في البلاد في ذلك الوقت. حيث أن العامة قد تم دفنهم بالأسلحة، وأظهرت اللوحات الجنائزية المسئولين يحملون الأسلحة بدلاً من الشعارات الملكية المعتادة.
قام منتوحتب الثاني بعمل إصلاحات في النظام الحكومي فور الانتهاء من توحيد البلاد، فألغى عدم مركزية السلطة -التي ساهمت في انهيار الدولة القديمة وكانت علامة مميزة للفترة الانتقالية الأولى- وذلك عن طريق تجريد حكام الأقاليم من بعض سلطتهم وتركيز الحكم في طيبة.
كما ابتكر الملك الموحد أيضاً مناصب حكومية جديدة ليشغلها رجال طيبة المخلصين له، ما أضاف مزيداً من السلطة على بلاده. كما سافر رجاله عبر البلاد بصفة منتظمة لمراقبة حكام الأقاليم.
لقد شن منتوحتب الثاني حملات عسكرية في العام التاسع والعشرين والواحد والثلاثين من ولايته تحت قيادة وزيره ختي في إتجاه الجنوب إلى النوبة، التي قد حصلت على إستقلالها خلال عصرالإنتقال الأول. وهي المرة الأولى التي يظهر فيها مصطلح كوش بشكل موثق لمنطقة النوبة في السجلات المصرية. ونجد على وجه التحديد أن منتوحتب الثاني قد وضع حامية عسكرية في قلعة جزيرة الفنتين حتى يتمكن من نشر قواته العسكرية بسرعة في إتجاه الجنوب. كما توجد شواهد على أعمال عسكرية ضد الكنعانيين. وتم العثور على نقش يحمل اسم الملك في جبل العوينات القريب من الحدود مع ليبيا والسودان وتشاد يشهد بحد أدنى على وجود اتصالات تجارية في هذه المنطقة.
تم دفن الملك منتوحتب الثاني في جبانة طيبة بالدير البحري. وكان معبده الجنائزي من أكثر المشاريع المعمارية الطموحة، حيث ضم العديد من الابتكارات المعمارية والدينية. فاحتوى على شرفات وممرات مغطاة حول المبنى المركزي.
وكان أول معبد جنائزي يتم تمثيل الملك فيه على هيئة المعبود أوزير. وألهم معبده المعابد التي جاءت من بعده مثل معبد حتشبسوت ومعبد تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشر. كما أن بقايا معبده بالدير البحري لا زالت موجودة بجوار معبد حتشبسوت.
أما تمثاله الأشهر، فقد عثر عليه هوارد كارتر -مكتشف مقبرة توت عنخ آمون- عام 1900 مصادفة، عندما تعثر حصانه في الفناء الخارجي للمعبد الجنائزي للملك بالدير البحري بغرب الأقصر. حيث وجد كارتر بئرا تؤدى إلى حجرة صغيرة وُجد بها هذا التمثال ملفوفا بالكتان.
في التمثال، يرتدى الملك التاج الأحمر، ورداء حابك خاص بعيد اليوبيل "الحب سد" الذي كان يحتفل به بعد مرور ثلاثين عاما على حكم الملك. جسم التمثال ملون باللون الأسود وذراعيه متقاطعان على الصدر لربطه بالإله أوزيريس رب الموت والخصوبة والبعث.