الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة
في زمن يتداخل فيه الدخان الأسود برائحة البارود، وتصدح فيه أنين الأطفال وسط خرائب المستشفيات والمدارس و محطات الكهرباء و المياه ، يبدو السودان كلوحة مأساوية رسمها الجشع البشري. لكن، يا ترى، من يمسك بالفرشاة؟ ومن يرسم خطوط التدمير الممنهج الذي يستهدف بنية تحتية سودانية كانت يومًا ما عصب الحياة: محطات الكهرباء التي كانت تضيء الدروب، والطرق التي ربطت المدن، ومحطات مياه كانت تنبض بالأمل؟ الإجابة، كما يبدو، تكمن في أجنحة الطائرات المسيرة التي تحمل في طياتها أكثر من مجرد قنابل؛ إنها تحمل مشروعًا سياسيًا وجيوسياسيًا ينفذه الجنجويد، تلك المليشيا التي فقدت زمام المبادرة في الميدان، وانكسرت أمام مقاومة الشعب السوداني و جيشه اليازخ و مقاومته الشعبية الصادقة، فاختارت أن تُدمر بدلاً من أن تبني، وتُرهب بدلاً من أن تقاتل.
هذا النهج، يا اهلي الكرام، ليس عبثًا ولا عشوائية. إنه خطة مدروسة، يقف خلفها من يدير خيوط اللعبة من الخارج. الجنجويد، التي تحولت من مجموعة مسلحة محلية إلى أداة في يد قوى إقليمية، لم تعد تعمل بمفردها. الطائرات المسيرة، التي تقصف المدارس والمستشفيات، ليست مجرد أدوات تكنولوجية؛ إنها رسول يحمل تهديدًا صامتًا: “إما أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات لننال حظنا من الثروات، وإما أن نجعل من السودان صحراء لا تحتمل الحياة”. ومن وراء هذا التهديد؟ الإجابة تلوح في الأفق، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت، بحسب الشواهد، الراعي الأول لهذه المليشيا، مستخدمةً مرتزقة من كل أنحاء العالم، وسلاحًا أمريكيًا يمر عبر شبكات معقدة تشمل دولًا مثل تشاد و جنوب السودان وكينيا وأوغندا.
لكن لماذا السودان؟ الجواب يكمن في ثرواته المنهوبة، في أرضه الخصبة، ونفطه، وذهبه، ومياهه. الإمارات، التي ترى في السودان ساحة جديدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، لم تتردد في استغلال الخلافات الداخلية. استخدمت بعض المجموعات السودانية، التي أُغريت بوعود السلطة أو خدعت بذريعة “الخلاص من الإخوان المسلمين”، كأدوات لتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن، هل هذه الذريعة الدينية أو السياسية كافية لتبرير تدمير أمة بأكملها؟ بالطبع لا. إنها مجرد ستار يخفي وراءه طمعًا لا حدود له.
الجنجويد، التي انهزمت في المعارك التقليدية، لجأت إلى استراتيجية الإرهاب المنظم. الطائرات المسيرة ليست مجرد أسلحة؛ إنها رمز لعجزها، ولكن أيضًا لدعمها الخارجي. فكل قصف يستهدف محطة كهرباء أو طريقًا أو مصدر مياه، هو رسالة موجهة إلى الحكومة السودانية: “لن نوقف حتى تجلسوا معنا”. لكن من يجلسون حقًا؟ هل هي الجنجويد وحدها، أم القوات المتعددة الجنسيات التي تجمع بين المرتزقة والمصالح الإماراتية؟ أم أن الجلسة ستكون مع الإمارات نفسها، التي باتت تتحكم في خيوط اللعبة؟ أم مع “التقدم”، ذلك الوهم الذي يبيعونه على أنه مخرج، بينما هو في الحقيقة استسلام للعدوان؟
هنا، يجب على الحكومة السودانية أن تتذكر أنها ليست مجرد ممثلة لنفسها، بل هي وكيلة عن شعب دفع ثمن أخطاء الحرية والتغيير، وأخطاء الإخوان المسلمين، وأخطاء السياسات الداخلية والخارجية. الشعب السوداني، الذي قاوم وصبر، يطالب اليوم بموقف واضح: موقف ينبع من روحه، لا من حسابات السلطة أو المصالح الضيقة. يجب على الحكومة أن تتحرى هذا الموقف، وأن تعيد بناء الثقة مع شعبها، بدلاً من الاستسلام لضغوط خارجية أو داخلية.
ورأيي الشخصي، أن الحل لا يبدأ بالجلوس مع الجنجويد أو راعيها، بل بفك حصار الفاشر، وتأمين الحدود مع تشاد، ورفع شكاوى إلى محكمة العدل الدولية. يجب أن تكون الشكوى شاملة، تضم الإمارات كراعٍ رئيسي، وتشاد كجار متورط، وأمريكا بسبب السلاح الذي وصل عبر شبكات دول مثل جنوب السودان وكينيا وأوغندا. كل هذه الدول، سواء من قريب أو بعيد، ساهمت في هذا العدوان الذي يهدد استقرار إفريقيا بأكملها.
في النهاية، السؤال المرير يبقى: مع من تجلس الحكومة إذا قررت الجلوس؟ هل مع الجنجويد التي أصبحت وجهًا للعنف، أم مع القوات المتعددة الجنسيات التي لا وجه لها، أم مع الإمارات التي تختبئ خلف ستار الدعم الاقتصادي، أم مع “صمود” التي يبدو وكأنها مجرد وهم؟ الإجابة، كما يبدو، ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالسودان ليس مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل هو تراب يستحقه اهله ليس طمع الطامعين و من عاونهم من بني جلدتنا .
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
كتر أفراحنا
«كتر أفراحنا».. ليس مجرد تعبير عابر، بل هو لسان حال مجتمع سوق المال هذه الأيام، بعد القفزة التاريخية التى حققتها مؤشرات البورصة المصرية، وصعود مؤشرها الرئيسى إلى قمة تاريخية غير مسبوقة.
أجواء من البهجة والارتياح سادت أوساط المستثمرين، بعد تصريحات محمد صبرى، نائب رئيس البورصة، التى شكّلت نقطة تحول فى المشهد الاستثمارى، وحملت سبع رسائل جوهرية أعادت الثقة وأطلقت طاقات التفاؤل داخل السوق.
رسائل صبرى لم تكن مجرد كلمات دبلوماسية، بل جاءت محملة برؤية مؤسسية عميقة، أكدت أن الإجراءات الرقابية ليست سوطًا يُرفع على المستثمرين، بل مظلة أمان لحماية أموالهم وضمان استقرار بيئة الاستثمار. كما شدد على أن البورصة ليست ناديًا للأثرياء أو ساحة مضاربة مؤقتة، بل هى شريان تمويلى حيوى للاقتصاد الوطنى، وأن الرقابة الفاعلة لا تقوم على المظاهر، بل على جوهر العدالة والشفافية والمصداقية.
هذه الكلمات التى لمست وجدان مجتمع المال، تحولت إلى وقود دفع قوى لحركة المؤشرات، التى بدت وكأنها تعزف لحنًا صاعدًا يروى قصة ثقة متجددة فى السوق المصرى. ارتفعت السيولة، تسارعت التداولات، وبدأت الأسهم تنبض بالحياة من جديد، ليعكس ذلك إصرار إدارة البورصة بقيادة الدكتور إسلام عزام ونائبه محمد صبرى على إعادة رسم خريطة السوق وتطوير المنظومة من الداخل بروح جديدة.
ولم يكن ذلك المشهد منفصلًا عن التحولات الإقليمية، فالتطورات الإيجابية الأخيرة على صعيد وقف إطلاق النار وعودة الاستقرار لقطاع غزة، بجهود دبلوماسية مصرية خالصة، أسهمت فى تهدئة التوترات، وأعادت الثقة فى المنطقة كوجهة استثمارية آمنة، وهو ما انعكس على شهية المستثمرين الأجانب ودخول سيولة جديدة إلى السوق المحلى.
لعبت الصفقات والاستحواذات الكبرى دورًا إضافيًا فى ضخ الزخم داخل السوق، لتتشابك العوامل الداخلية والخارجية فى مشهد واحد، خاصة فى ظل الموجة المتصاعدة من هذه الصفقات التى اجتاحت السوق خلال الفترة الأخيرة، لتضخ مزيدًا من الحيوية فى شرايين التداول، عكست القيمة الحقيقية للشركات المصرية وأنها ما زالت كامنة، وأسعار الأسهم الحالية لا تعبّر بعد عن ثقل أصولها ولا عن إمكاناتها التى تُقدّر بالمليارات.