مصادر للجزيرة نت: البرهان يعتزم مباشرة مهامه من بورتسودان وزيارة مصر والسعودية
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
قال مراسل الجزيرة نت في السودان إن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان سيزور مصر والسعودية منتصف الأسبوع المقبل لبحث تسريع وقف الحرب وتسوية الأزمة في بلاده، في أول زيارة له إلى خارج البلاد منذ اندلاع القتال في الخرطوم.
ونقل النور أحمد النور عن مصادر موثوقة أن البرهان سيتخذ من بورتسودان (عاصمة ولاية البحر الأحمر) مقرا له لمباشرة مهامه السيادية، كما يعتزم تشكيل حكومة طوارئ لإدارة شؤون البلاد برئاسة نائبه مالك عقار، ويتجه لتسمية بورتسودان عاصمة إدارية للبلاد، وود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد) عاصمة اقتصادية.
وقالت مصادر قريبة من مجلس السيادة في الخرطوم للجزيرة نت إن البرهان -الذي تفقّد اليوم الخميس مناطق عسكرية في أم درمان لأول مرة منذ بداية القتال بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل/نيسان الماضي- توجه برا من أم درمان إلى عطبرة بولاية نهر النيل وتفقّد مقر سلاح المدفعية.
وذكرت المصادر ذاتها أن البرهان سينتقل إلى بورتسودان لإدارة اجتماع لمجلس الوزراء المكلف، وسيغادر منتصف الأسبوع المقبل إلى القاهرة لإجراء مشاورات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تقود بلاده مبادرة دول الجوار السوداني لحل الأزمة السودانية.
من القاهرة إلى الرياض
وأوضحت المصادر أن البرهان سينتقل من القاهرة إلى الرياض لإجراء مباحثات مع القيادة السعودية التي ترعى مع الولايات المتحدة منبر جدة للتفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وستركز المحادثات على إنعاش المنبر بعد توقف المفاوضات خلال الأسابيع الماضية. ولفتت إلى أن برنامج البرهان يشمل زيارة دول أخرى -لم تسمها- خلال الفترة المقبلة.
وأضافت المصادر المقربة من مجلس السيادة أن البرهان سيقيم في بورتسودان -عاصمة ولاية البحر الأحمر- بعد جولته الخارجية، لمباشرة مهامه السيادية. ورجحت أن يسمي نائبه في مجلس السيادة مالك عقار رئيس وزراء لحكومة طوارئ يعتزم تشكيلها لإدارة شؤون البلاد إلى حين توصل الفرقاء السودانيين إلى اتفاق سياسي يؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود البلاد إلى انتخابات عامة.
وحسب المصادر ذاتها، تبين أن الشهور الماضية كشفت عن ضعف الإدارة المدنية في البلاد وأداء الحكومة المكلفة، مما أدى إلى تدهور الخدمات وغياب الخطاب السياسي والإعلامي، الأمر الذي استدعى مطالبة القيادات العسكرية التي تدير العمليات العسكرية بتشكيل حكومة طوارئ إلى حين توقف الحرب واستئناف العملية السياسية.
وكان البرهان تفقد مدينة أم درمان (غربي العاصمة الخرطوم)، وتجول بين جنود الجيش المتمركزين في المنطقة. ونشر الجيش مقاطع فيديو للبرهان وهو يحمل سلاحا خلال تفقده الجنود في عدد من المناطق العسكرية بالمدينة ولقائه مع مواطنين.
ويرجع آخر ظهور للبرهان إلى 18 يوليو/تموز الماضي، حين ظهر حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية وهو يترأس اجتماعا عسكريا بمركز قيادة الجيش (وسط الخرطوم).
تطورات ميدانيةميدانيا، قالت مصادر محلية بمنطقة شرق النيل -للجزيرة- إن الجيش السوداني قصف بالمدفعية والطائرات المسيرة تجمعات لقوات الدعم السريع قرب رئاسة محلية شرق النيل، شرقي جسر المنشية، وردت قوات الدعم السريع باستخدام المضادات الأرضية.
كما أفادت مصادر أخرى -للجزيرة- بأن مواقع الدعم السريع بمحيط مقر سلاح المدرعات (جنوبي الخرطوم) تعرضت أيضا لقصف بالطائرات والمدفعية.
وفي الخرطوم بحري، أفاد مراسل الجزيرة بأن الجيش شن غارات بالمسيرات على مواقع للدعم السريع شمالي المدينة، وقد ردت قوات الدعم بالمضادات الأرضية، بينما استمر تحليق الطائرات والقصف لمواقع الدعم شرقي مدينة أم درمان.
وكان الناطق الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبد الله قال -الأربعاء في تصريحات صحفية- إن الجيش بسط سيطرته بالكامل على معسكر سلاح المدرعات، بعد محاولات متكررة من "الدعم السريع" للسيطرة عليه. ونشر الإعلام العسكري بالجيش صورا لانتشار قواته جنوبي الخرطوم، بعد 3 أيام من المعارك.
ونشر الإعلام العسكري بالجيش صورا لانتشار قواته بسلاح المدرعات جنوبي الخرطوم، وأظهرت الصور التي بثت انتشارا لجنود ومدرعات تتبع للجيش داخل سلاح المدرعات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: سلاح المدرعات مجلس السیادة الدعم السریع أن البرهان أم درمان
إقرأ أيضاً:
هل استخدم جيش السودان الأسلحة الكيميائية ضد الدعم السريع؟
أثار الإعلان الأميركي عن استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في العام 2024 موجة من الغضب الرسمي والشعبي في السودان، ليس بسبب نيّة واشنطن فرض عقوبات على السودان -فقد تعوّدنا على عقوباتهم ودعايتهم السوداء- ولكن لعدم وجود أدلة أو منطق يدعم تلك المزاعم، واستسهال إطلاق الاتهامات والأكاذيب، وبناء إستراتيجية حولها تقوم على قهر الشعوب، وسلبها الحقّ في الحياة والاستقرار.
سلق الاتهامات وتسويقها
الجيش السوداني ليس بحاجة لاستخدام أسلحة كيميائية في حربه ضد مليشيا الدعم السريع، التي انهارت مؤخرًا، وفقدت الحماس والقدرة على القتال، ولم يعد بمقدورها تعويض خساراتها أو استعادة المناطق التي فقدتها.
أما واشنطن فهي لا تمتلك دليلًا واحدًا على استخدام الجيش السوداني تلك الأسلحة المحرمة، ولا نعرف عنها سوى رواية غير مسنودة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز منتصف يناير/ كانون الثاني 2025، عن مسؤولين أميركيين، لم تسمِّهم الصحيفة، زعموا أن الجيش السوداني استخدم الأسلحة الكيميائية في مناسبتين على الأقل، ضد قوات الدعم السريع.
وفيما تم سلق تلك الاتهامات بمنطق الفتوة والخباثة، لا توجد روايات متطابقة تعزز ذلك، ما دفع المسؤولين الأميركيين للتهرب بالقول إن استخدام الأسلحة الكيميائية كان محدود النطاق، ووقع في مناطق نائية، ولم يُحقق أي فاعلية تُذكر، لتجنّب الأسئلة المحرجة، على شاكلة أين وكيف حدث ذلك، وما هي البيّنة المادية على ذلك الادّعاء الأجوف؟
إعلان
فلا يعقل أن يستخدم الجيش السوداني موادّ سامة بلا فاعلية، ثم لماذا لم تظهر آثار تلك الأسلحة على أجساد قوّات التمرّد، إذ إنّه يصعب بالمَرّة التخلّص من تبعات تلك الأسلحة على الطبيعة.
والمثير للدهشة أن الرواية اليتيمة مصدرها صحيفة غربية ليس لها مراسل على الأرض، ولم تسعَ للقيام بعمل استقصائي يسند ظهر اتهامات على ذلك النحو الخطير، والتي للغرابة أيضًا لم تتفوّه بها منصات مليشيا الدعم السريع، وهي تنفث كل ماهو مدسوس ومُختلق في حق الجيش السوداني!
موت منبر جدة
بهذا الموقف العدائي الأميركي تجاه السودان، تكون واشنطن قد تخلّت عن حياديتها المفترضة كوسيط، حين لوّحت بسيف العقوبات، ووضعت نفسها عمليًا في موضع الخصم. وقد كشف هذا الانحياز الواضح للمليشيا عن فقدانها للمصداقية، وجعلها طرفًا غير مؤهّل لدعم أي مسار تفاوضي، وغير جدير بالثقة من جانب الأطراف السودانية.
فقد تعثّرت تلك المفاوضات أكثر من مرّة، وعجزت الوساطة عن حمل قوات الدعم السريع على الالتزام بإعلان جدة في مايو/ أيار 2023 والذي قضى بخروج الدعم السريع من بيوت المواطنين والمرافق الحكومية، والدخول في هدنة مؤقتة، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، ما دفع الجيش السوداني إلى مواصلة القتال، وإخراج قوات التمرد من القرى والمدن بالقوة.
وعلى ما يبدو، ثمة قرائن كثيرة تشير إلى أن مليشيا الدعم السريع مجرد بندقية مؤجرة، وأن أميركا ليست بعيدة عن توجيه نيران الحرب، واستئناف حلقات المشروع الاستعماري القديم بتدمير السودان، وخنقه بالعقوبات، حتى يخضع لها، ودعم حركات التمرّد وحفز الهويات القاتلة، واستباحة كل ما هو موروث ووطني، عبر شعارات خادعة تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن النزعة الكولونيالية هي الغالبة على سياساتهم تجاه كل بلد حباه الله بالموارد، أو كما عبّر عن ذلك ليوناردو دي كابريو في فيلم الألماس الدموي: “نحنُ لا نتبنى الحروب، ولكن نخلق الظروف التي تجعلها تستمرّ”.
إعلان
وهنا قد تعهّدوا بذلك لوكيلهم في الشرق الأوسط، إسرائيل، ومن يقوم بخدمة مصالحهم، ومن بين ذلك دولة معروفة تناصب السودان العداء، هي التي تقف حاليًا وراء استعداء حكومة دونالد ترامب ضد السودان، وتريد أن تستنصر بها لإنقاذ فصيلها العسكري -الدعم السريع-المهزوم على الأرض.
خيبة أمل هائلة
بالعودة للعقوبات الأميركية- التي سوف تدخل حيز التنفيذ بعد فترة إخطار مدتها 15 يومًا للكونغرس، على أن تشمل قيودًا على الصادرات الأميركية إلى السودان، وحرمان المصارف الحكومية السودانية من الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية- هي بالمناسبة ليست جديدة.
فقد ظلت العقوبات الأميركية على السودان باقية بالرغم من قيام السودان بتسديد مبلغ 335 مليون دولار؛ تعويضًا لعائلات أميركية من ضحايا هجمات شنها تنظيم “القاعدة” على سفارتَي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998، مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودمج مصارف السودان في النظام المالي العالمي، وهو ما لم يحدث عمليًا.
وقد حصدت الخرطوم خيبة أمل هائلة، وظلت إلى اليوم تحت رحمة العقوبات الأميركية، وهي في الحقيقة إستراتيجية كولونيالية ثابتة تقوم على سياسة الجزرة والعصا، بينما في الحقيقة لا توجد جزرة، والبيت الأبيض -أيًا كان قاطنه- ظلّ يتعامل بنفس الأسلوب مع السودان، ما يعزز فرضية أن الحملة ضد السودان تنشط فيها مراكز نفوذ أميركية لا تتأثر بطبيعة النظام الحاكم.
الخارجية السودانية في تفنيدها تلك المزاعم أبدت استغرابها كيف أن الإدارة الأميركية تجنّبت تمامًا طرح اتهاماتها عبر الآلية الدولية المختصة والمفوضة بهذا الأمر؛ المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية بلاهاي، والتي تضم كلا البلدين في عضويتها، لا سيما أن السودان يتمتع بعضوية مجلسها التنفيذي، ورفضت تلك الإجراءات الأحادية، التي تخالف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، خاصة من طرف “لديه تاريخ في توظيف المزاعم الباطلة لتهديد سيادة الدول وأمنها وسلامة أراضيها”، على حد تعبير بيان الخارجية السودانية التي تجاهلت كذلك حقيقة خطيرة وهي وجود أسلحة أميركية عثر عليها الجيش السوداني بطرف قوات الدعم السريع، دون أن تعرضها على أروقة الأمم المتحدة، أو تتقدم بشكوى بها في مجلس الأمن والمنظمات الدولية.
من قام بتزويد الجنجويد بأسلحة أميركية؟
القوات المسلحة السودانية ضبطت مؤخرًا صواريخ جافلين في مخازن الدعم السريع بمنطقة صالحة غرب أم درمان، يبلغ سعر الصاروخ ومنصة الإطلاق، اللذين تصنعهما مجموعتا “رايثيون” و”لوكهيد مارتن” الأميركيتان، 178 ألف دولار بحسب ميزانية البنتاغون لعام 2021، علاوة على تسليح جنود المليشيا ببنادق آلية أميركية الصنع من طراز (إيه آر- 15) استخدمتها في استهداف مواقع مدنية بالعاصمة الخرطوم ومدينة الفاشر المحاصرة.
فمن هي الجهة التي زودت الدعم السريع بتلك الأسلحة الأميركية، دون أن تأبه بقرار مجلس الأمن بحظر الأسلحة في دارفور، ولماذا صمتت الولايات المتحدة عن انتهاكات قوات الجنجويد وجرائمها الموثقة في السودان؟
على شاكلة تغطية فضيحة كلينتون
سيناريو وجود أسلحة كيميائية في السودان ليس جديدًا، وقد انطلت الكذبة على الرأي العام الأميركي إبان فترة حكم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، في أعقاب فضيحة المتدربة مونيكا لوينسكي، ساعتها قام كلينتون بقصف مصنع الشفاء شمال الخرطوم في 20 أغسطس/ آب 1998؛ بسبب مزاعم ارتباطه بإنتاج أسلحة كيميائية، ليتضح لاحقًا أن المصنع يعمل في إنتاج الأدوية والعقاقير الطبية.
لكن الولايات المتحدة لم تُقدِم على الاعتراف بخطأها أو تقديم اعتذار رسمي للسودان بشأن قصف مصنع الشفاء، رغم أن التحقيقات اللاحقة أثبتت أن المنشأة كانت مخصصة للأدوية وليس لها صلة بإنتاج الأسلحة الكيميائية. كما لم تُظهر إدارة الرئيس بيل كلينتون في حينها اهتمامًا يُذكر بالآثار الإنسانية والصحية المترتبة على هذا القصف، والذي اعتبره كثيرون محاولة لصرف الأنظار عن أزمات داخلية، في سياق سياسي دقيق وملتبس.
لا شك أن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية يمهّد لسيناريو التدخل العسكري الدولي في السودان، ومن غير المستبعد أن تغزو أميركا الأراضي السودانية بهذه الفرية المضحكة، كما فعلت مع العراق من قبل، والهدف من وراء ذلك إيقاف انتصارات الجيش السوداني، والسيطرة على الموارد الطبيعية والمعدنية وساحل البحر الأحمر، فأميركا لديها مطامع قديمة في هذه المنطقة، أو بالأحرى لدى إسرائيل أحلام توسعية في النيل والبحر الأحمر.
وهو عين ما أشار إليه السفير التركي لدى السودان فاتح يلدز في تدوينة على منصة “إكس” عندما سخر من الادعاءات الأميركية باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية، وقال: “إنهم فقدوا مصداقيتهم منذ سنوات عندما شنوا حربًا بناءً على ادعاءات كاذبة بوجود أسلحة دمار شامل في العراق”.
وهذا بالضرورة يتطلب الحذر واليقظة، وتكوين فريق سوداني مُتمرّس من الشخصيات الدبلوماسية والعسكرية للتعامل مع هذه المزاعم الأميركية الخطيرة، وما يمكن أن تفضي إليه.
عزمي عبد الرازق
كاتب وصحفي سوداني
الجزيرة.
إنضم لقناة النيلين على واتساب