واشنطن وطهران إلى التفاوض.. في غضون أسابيع
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
7 أبريل، 2025
بغداد/المسلة:
محمد صالح صدقيان
أثارت الحشود العسكرية الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط الكثير من اللغط علی خلفية التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران والتي عبّرت عنها الرسالة التي أرسلها للقيادة الإيرانية ويبدي فيها رغبة بلاده بفتح باب المفاوضات بشأن قضايا تهم الجانبين، وهي رسالة لم تستبعد الخيارات الأخری في حال فشل الخيار التفاوضي.
تعامل الإيرانيون بواقعية مع الرسالة الأمريكية، فيما كانت بعض عواصم المنطقة تأخذ مهلة الشهرين للتوصل لاتفاق مع إيران في غير محلها لأسباب تتعلق بالنوايا وليس بالوقائع، وذلك لسبب بسيط هو أن رسالة ترامب لم تكن تحمل مهلة شهرين، وثانياً، صحيح أن الرسالة تضمنت “لغة تهديدية”، كما عبّر عنها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لكنها كانت تحمل أيضاً روحية إيجابية من خلال مفردات التعاون والإستقرار والأمن والسلام إضافة إلی التلميح بإزالة العقوبات الإقتصادية.
من هذه الزاوية تحديداً؛ قرّرت طهران التعامل بإيجابية مع هذه الرسالة وذلك علی خلاف تعاملها مع رسالة ترامب التي بعث بها خلال ولايته الأولی مع رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي والتي رفضت القيادة الإيرانية استلامها وبالتالي الرد عليها؛ أما هذه المرة، فقد قرّرت طهران الرد بشكل “متزن” ومناقشة كافة القضايا التي وردت في رسالة ترامب.
ووفق المعلومات الإيرانية، تعامل ترامب وفريقه المفاوض مع رد طهران بارتياح وهو الذي قال “إنّه سعيدٌ لقبول الجانب الإيراني بحث المسألة النووية”، وترجم ايجابيته بالطلب من فريقه اطلاق آلية لبدء المفاوضات بين الجانبين، وعندما سُئل عن الرد الإيراني وهو علی متن طائرته، قال للصحافيين “اتركوا مضمون هذه الرسائل وفكّروا بما هو أهم”!
وفي هذا السياق، تتحدث مصادر إيرانية غير رسمية عن اتفاق تم بين طهران وواشنطن على بدء مفاوضات “غير مباشرة” بين الطرفين في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة في سلطنة عمان. وسيضم الوفد الإيراني معاون وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، إضافة إلی معاون وزير الخارجية للشؤون القانونية كاظم غريب أبادي، على أن يكون الملف النووي هو الملف الأول على جدول أعمال المفاوضات.
وتقول المصادر إنه اذا ما تقدمت المفاوضات غير المباشرة ولمس الطرفان جدية متبادلة عندها تصبح المفاوضات مباشرة. والملاحظ أن الجانب الأمريكي وافق علی مقترحات طهران لبدء المفاوضات غير المباشرة حيث كان لافتاً للانتباه تعليق المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف علی تغريدة كتبها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي علی منصة X باللغة الانكليزية دعا فيها إلی اعتماد الخيارات السياسية والدبلوماسية للتوصل لاتفاق كالذي حصل في العام 2015 بدلاً من استخدام خيارات الحرب والتوتر التي لن يكتب لها النجاح. ويتكوف علّق علی هذه التغريدة بكلمة “Great” (رائع)، وهو ما أعطی انطباعاً بشأن ارتياح الجانب الأمريكي لنتائج المباحثات التمهيدية التي توصل إليها مندوبو البلدين الذين اجتمعوا بشكل غير مباشر- كما نقلت مصادر- في باريس ومسقط، وربما في نيويورك.
وتقول مصادر إيرانية مطلعة “ثمة نقاط إطارية ستحكم المسار التفاوضي في المرحلة المقبلة وتتضمن الآتي:
أولاً؛ إن إيران لا يمكن أن تجلس علی طاولة المفاوضات تحت طائلة “التهديد” و”الضغوط القصوی” وإن مثل هذه العوامل يجب وضع حد لها من أجل نجاح المفاوضات.
ثانياً؛ يتعهد الجانبان بتعزيز مناخ الثقة من خلال ممارسات أو اجراءات معينة تخدم هذا الهدف علی أن تبدأ هذه الإجراءات فوراً قبل الدخول في المفاوضات.
ثالثاً؛ أن تبدأ المفاوضات بالملف النووي الإيراني من أجل ازالة القلق عند المجتمع الدولي بشأن عسكرة البرنامج النووي الإيراني.
رابعاً؛ استبعاد المنظومة الصاروخية والطائرات المُسيرة من المباحثات لأنها تدخل في صلب الأمن القومي الدفاعي الإيراني وكونها مسألة سيادية بالدرجة الأولى.
خامساً؛ أن تحاط المفاوضات بسرية عالية في كافة مراحلها حتی يتم التوصل بشكل كامل لاتفاق بشأن كافة المواضيع المطروحة.
سادساً؛ عدم دمج الملفات موضوع البحث وتفكيك هذه الملفات من أجل تسهيل عملية التوصل إلى اتفاق.
سابعاً؛ في ما يخص الأمن الإقليمي، أعربت إيران عن استعدادها للمساهمة في خفض التوتر في المنطقة.
ثامناً؛ أن تكون الجولة الأولی من المفاوضات بشكل “غير مباشر” علی أن تكون بشكل “مباشر” إذا حصل تقدم في الجولة الأولی.
تاسعاً؛ أن يلتزم الجانب الأمريكي بهدف هذه المفاوضات وهو إزالة العقوبات المفروضة على الإقتصاد الإيراني.
عاشراً؛ لا تريد إيران حروباً ومواجهات في المنطقة، وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة بالسلام الإقليمي فلتعمل على حل مشاكل المنطقة وفي مقدمها القضية الفلسطينية”.
واستناداً لهذا الإطار التفاوضي، ليس متوقعاً أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق خلال ليلة وضحاها أو خلال شهر أو شهرين أو.. ذلك أننا فعلياً أمام مشهد تفاوضي معقد وصعب ويرتبط بعوامل كثيرة لا تخص الجانبين وحدهما. وحسب المعلومات المتواترة عن اجتماعات المندوبين، تبدو مسألة إزالة العقوبات الأمريكية مسألة معقدة، اللهم إلا إذا اتخذ الرئيس الأمريكي قراراً شجاعاً واستخدم صلاحياته في ازالة العقوبات وبعد ذلك يتم استحصال قرار من الكونغرس وهي الخطوات التي لم يجرؤ الرئيسان الأمريكيان السابقان باراك أوباما وجو بايدن علی الاقدام عليها. أما بالنسبة لإيران، فإن عدم الثقة الموجودة لدی الإيرانيين من الرئيس ترامب تجعل طهران غير مستعجلة لاتخاذ قرارات سريعة وهذا يعني اتباع الحذر الشديد وفق قاعدة “المؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين”.
وحسب مصادر مواكبة فان إيران ستُوقت ساعتها التفاوضية علی سلوك الجانب الأمريكي، فإذا خطت إدارة ترامب خطوة ايجابية إلى الأمام، فإن طهران ستخطو خطوتين مثلهما بكل حسن نية، وسيكون العكس صحيحاً في أي مرحلة من المراحل ودائماً على قاعدة حفظ أمنها القومي ومستقبل هذا الأمن.
وتبقی قضية “الاحترام المتبادل” التي تنشدها طهران، فإنها وإن كانت غير أساسية في هكذا مفاوضات، لكن القيادة الإيرانية لا تريد لنفسها أن تكون قيادة أوكرانيا، ولا يريد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن يجلس محل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي! ويبدو أن المندوبين تحدثوا في هذه النقطة أيضاً.
وبمعزل عن سؤال هل قدّمت طهران تنازلات ما أو أنها ستُقدم تنازلات معينة لاحقاً، ينبغي التركيز علی مساهمة إيران في تحديد أبعاد طاولة المفاوضات، وهذا شيء مهم يدل علی أنها تريد من خلال الخطوة الأولی انتزاع احترام الجانب الآخر بما ينسجم مع كبرياء المفاوض الإيراني الذي يريد التوصل إلی اتفاق وفق قاعدة “رابح/ رابح” لكن ليس علی حساب المبادىء والقيم والتاريخ.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الجانب الأمریکی وزیر الخارجیة
إقرأ أيضاً:
الدعم الأمريكي لإسرائيل| تورط مباشر وأبعاد استراتيجية في المواجهة مع إيران.. ماذا يحدث؟
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، برزت مؤشرات قوية على تغير طبيعة الدعم الأمريكي لإسرائيل، من دعم تقليدي إلى شراكة عسكرية مباشرة، خاصة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران.
وأثار هذا التصعيد المفاجئ تساؤلات حول دوافعه وتوقيته، لا سيما في ظل وجود مسارات تفاوضية بين واشنطن وطهران.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إن الولايات المتحدة تجاوزت أدوار الدعم المعتادة لإسرائيل، وشاركت بشكل مباشر في العملية العسكرية الأخيرة ضد إيران، عبر تزويدها بمعلومات استخباراتية دقيقة كانت حاسمة في عنصر المفاجأة.
وأضاف الرقب- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن طهران كانت تعيش حالة من الاطمئنان النسبي، لا سيما في ظل استمرار المفاوضات النووية غير المباشرة مع واشنطن، التي كانت تتم بوساطة سلطنة عمان.
وأشار الرقب، إلى أنه في هذا السياق التفاوضي خلق مناخا يوحي بالتهدئة، وهو ما جعل الضربة الإسرائيلية تبدو وكأنها "خديعة استراتيجية" كبرى لم تكن متوقعة، مؤكدا أن إصابة أهداف حساسة داخل إيران لم تكن ممكنة دون التنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وتابع: "كلا من واشنطن وتل أبيب تعيشان أزمات داخلية خانقة، دفعت قادتهما إلى تصدير الأزمة إلى الخارج عبر تصعيد عسكري، ففي إسرائيل تبرز أزمة تجنيد في الجيش، وتوترات متصاعدة داخل الحكومة، إضافة إلى الاحتجاجات المستمرة لعائلات الأسرى، مما جعل حكومة نتنياهو تسعى إلى إشعال مواجهة إقليمية بهدف صرف الأنظار عن الوضع الداخلي المتأزم، وإعادة ترتيب صفوف الجبهة الداخلية المنهكة".
وجدير بالذكر، أن يظهر هذا التصعيد الإسرائيلي–الأمريكي ضد إيران كيف يمكن للسياسة الخارجية أن تتحول إلى أداة لمعالجة أزمات داخلية، ولكن بأساليب قد توتر إقليمي أوسع.