لا تعتبوا على أهل غزة ولا تغضبوا منهم
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
لا تعتبوا على #أهل_غزة ولا تغضبوا منهم
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
يشكو بعض الإعلاميين وأصحاب القلم والكتاب العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، الذين يتصدرون الرأي العام بصدقٍ وأمانةٍ في الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم، ويؤيدون مقاومتهم وينتصرون لقضيتهم، ويظهرون على الفضائيات العربية والدولية، يشرحون ويعلقون، ويحذرون وينبهون، ويعقبون ويوضحون، وينشرون المقالات المتعددة العناوين والمضامين، ويبدون وجهات النظر المختلفة فيما يجري في غزة ويقع عليها وعلى أهلها، ولا يقصرون في القيام بما يستطيعون القيام به، ولا يألون جهداً في الدفاع عن غزة وأهلها، وهم يجتهدون في دراسة الأوضاع ومتابعة التطورات ومعرفة تفاصيل ما يجري في غزة، ويكادون يحفظون تفاصيلها كأهلها، ويعرفون دقائقها كأنهم فيها.
يشكو هؤلاء وغيرهم من بعض الردود والتعليقات التي تصلهم من غزة، ويصفونها بأنها قاسية ومجافية للحقيقة، وتخالف الواقع وتناقض الحال، وأحياناً تكون خشنة ومؤذية، ومشككة ومتهمة، مما يجعلهم يشعرون تجاهها ببعض الحزن والأسى، والضيق والألم، مما يضطر بعضهم بسببها إلى العزوف والزهد في المشاركات الإعلامية، وعدم الظهور على الشاشات الفضائية والمساهمات الإعلامية، تجنباً للحرج أحياناً وللنقد الشديد في أحيان أخرى، إلا أنهم يبقون محافظين على حبهم وولائهم لغزة وأهلها، وتأييدهم ونصرتهم لمقاومتها وقضيتها، ولا تؤثر الآراء الناقدة التي تصلهم في ثبات مواقفهم، وصدق نواياهم، وأصالة انتماءاتهم.
مقالات ذات صلةيتهم بعض الغزيين الإعلاميين الذين يرونهم على الفضائيات العربية، ويقرأون مقالاتهم في المواقع الإليكترونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعية، بأنهم لا يقدرون معاناتهم، ولا يشعرون بحالهم، ولا يبالون بحجم تضحياتهم وعمق جراحهم، إذ يطالبونهم بالصمود والثبات، والصبر والاحتساب، وهم كذلك فعلاً، وإلا ما بقيت الحرب واستمرت، وكانت قد انتهت باستسلامهم ورفع الراية البيضاء لعدوهم، فهم درء المقاومة وسندها، وحاضنتها وبيئتها، ولولا صمودهم وصبرهم ما استطاعت المقاومة أن تستمر في مقاومتها وتتحدى عدوها وتصر على شروطها.
يتهمهم بعض الغزيين بالتنظير وحب الظهور، والحرص على الصورة والابتسامة، والمظهر والشكل، والأداء والجاذبية، وأنهم يقومون بأعمالٍ مأجورةٍ، ويتقاضون أموالاً مقابل مشاركاتهم، وهم يتحدثون عن معاناة شعب جائعٍ، واستباحة وطنٍ ممزقٍ، لا يجد أهله كسرة خبزٍ ولا شربة ماء، ويموتون في سبيل الحصول على بعض طعامٍ أو قطعة قماشٍ يسترون بها أجسادهم، أو بعض الخرق والنايلون يصنعون بها خيمةً يستظلون بها وينامون تحتها، ويسترون أنفسهم بها، ويقتل أطفالهم أمام أعينهم، ويحملون صغارهم بين أيديهم والأكفان تلفهم، ودموع الحزن والأسى تسبقهم، ويهيلون التراب على عشراتٍ من أهلهم وأبناء عائلاتهم، ضحايا القصف الإسرائيلي المجنون على المدارس والمخيمات، وأماكن اللجوء والإيواء.
قد يصعب التحامل على أهل غزة الذين يضامون كل يومٍ ويقتلون، ويعذبون ويسامون، ويجوعون ويعطشون، ويقصفون ويدمرون، وتحرق خيامهم وتتطاير في السماء أجسادهم، والغضب منهم نتيجة مواقفهم، أو على خلفية بعض تعليقاتهم، فهم معذورون في كل ما يصدر عنهم، ومغفورٌ لهم غضبهم وحدة تعليقاتهم أحياناً.
وإننا أن نقدر ظروفهم ونعرف حقيقة واقعهم، فإننا نأمل منهم أن يدركوا صدق أغلب الذين يظهرون على الفضائيات، ويكتبون ويعلقون، وألا يقسوا عليهم أو يجردوهم من صدق حسهم وحقيقة مشاعرهم، فهذا هو أقصى ما يستطيعون القيام به، بالنظر إلى الواقع الذي يعيشونه، فالحدود غير مفتوحة، والوصول إلى غزة مستحيل، والمساهمة في القتال غير ممكنة، فلا اقل من تحشيد الأمة وتنويرها، وتسليط الضوء على قضيتها المركزية وتحريضها، ودفع الشارع العربي والإسلامي للحركة في الشارع نصرةً وتضامناً مع غزة وأهلها، وضغطاً على الحكومات والأنظمة، للتوقف عن دعم الكيان الإسرائيلي، والامتناع عن نصرته وتأييده، ودفعه لوقف الحرب والعدوان على غزة وأهلها.
بالمقابل لا ينبغي على الإعلاميين الصادقين، وحملة الأقلام الغيورين، والمتضامنين الثائرين، ألا يغضبوا من أهل غزة، وألا يعتبوا عليهم، وألا تدفعهم مواقف بعض الغزيين الغاضبة، وظروفهم الصعبة، وحنقهم على العالم الظالم وحكامه المتآمرين عليهم، إلى النأي بأنفسهم عنهم، والامتناع عن القيام بالواجب الملقى على عاتقهم تجاههم، فغزة وأهلها تستحق منا كل نصرةٍ وتأييد، وفي سبيلها ووفاءً لأهلها يتسع صدر الإعلاميين لنقد أهلهم، وحدة كلماتهم، وسورة غضبهم، إلى أن يأذن الله عز وجل بنصرهم ورفع الظلم عنهم.
بيروت في 12/4/2025
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: أهل غزة غزة وأهلها أهل غزة
إقرأ أيضاً:
الغارديان: قادة الغرب الذين دعموا المذبحة لا يمكنهم صنع سلام لفلسطين
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للصحفية نسرين مالك، رأت فيه أن قادة الغرب المشاركين في قمة شرم الشيخ هم أنفسهم من "مكّنوا ورعوا المذبحة في غزة"، ولهذا بحسب قولها لا يمكنهم بناء مستقبل فلسطيني حقيقي".
وقالت مالك في مقالها إن شرم الشيخ استضافت أبرز تجمع لقادة العالم في الشرق الأوسط منذ سنوات، حيث يشارك في القمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وآخرون، تحت شعار "إنهاء الحرب في قطاع غزة وتعزيز جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبدء عهد جديد من الأمن الإقليمي".
ورأت الكاتبة أن "هذه اللغة تنذر بمستقبل خالٍ من المحاسبة أو معالجة الأسباب الجذرية للصراع"، معتبرة أن الهدنة، إن صمدت، ستؤدي إلى "تطبيع نتائج المذبحة"، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي بلا مساءلة، ويُطوى فصل آخر من انتهاكات إسرائيل سرا، ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد مَن دعموها أيضا.
وأضافت مالك أن تعبيرا عربيا يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو "حاميها حراميها"، في إشارة إلى أن الدول التي سلحت إسرائيل هي ذاتها التي تبحث الآن عن طريق لتحقيق السلام في غزة.
وتابعت أن الصور القادمة من القطاع تكشف دمارا غير مسبوق، حيث يعود السكان إلى منازلهم ليجدوا "أرضا قاحلة سوتها القنابل والجرافات بالأرض"، مؤكدة أن حتى ضوء الشمس في الصور يبدو "خارقا للطبيعة" لأن المباني التي كانت تخلق الظلال اختفت تماما. وأشارت إلى أن الناجين يعودون ليقيموا خياما جديدة بانتظار المساعدات، لكن هذه المرة "بخطر أقل للتعرض للقصف أثناء النوم".
وتساءلت الكاتبة عن مصير الحياة بعد الموت في غزة، وعن الأطفال الأيتام والمشوهين الذين فقدوا أسرهم، موضحة أن "الدمار لم يطل البنية التحتية فقط، بل محا أيضا النسيج الاجتماعي، إذ أُبيدت عائلات كاملة على مدى أجيال". ونقلت عن أحد سكان غزة قوله عن شقيقه الذي فقد عائلته في غارة واحدة: "يتجول باستمرار حول الأنقاض التي ماتوا فيها".
وقالت إن أعداد القتلى مرشحة للارتفاع مع استمرار انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن 10 بالمئة من سكان غزة قُتلوا أو جُرحوا، وهو تقدير متحفظ".
وأضافت أن تجاهل هذه الحقائق والتعامل معها كتكاليف للحرب "يشكل جريمة أخلاقية وسياسية"، مشددة على أن "الهجوم يجب أن يتوقف، لكن الأهم هو معالجة الظروف التي سمحت بوقوعه واستمراره".
وأكدت مالك أن حجم الدمار يجعل من الصعب التركيز على أي شيء سوى وقف القتل، "لكن هذا التركيز ذاته يحمل في طياته خطر التبرئة"، مشيرة إلى أن ترامب "يستعد للاحتفال بنصره في صنع السلام"، رغم أنه ساهم في تمكين ما حدث، فيما أشاد جاريد كوشنر بـ"سلوك إسرائيل"، قائلا: "بدلا من تكرار همجية العدو، اخترتم أن تكونوا استثنائيين".
وأضافت أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أثنى على ترامب لدوره في تأمين الصفقة، بينما ركز على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وذكرت أن مكتب رئيس الوزراء أعلن أنه سيشيد "بشكل خاص" بالرئيس الأمريكي في قمة شرم الشيخ.
وعلقت قائلة: "هكذا أصبح لدينا جريمة بلا مجرمين، وإبادة جماعية بلا مرتكبي إبادة جماعية، وشعب بائس يُقال إن حماس هي من أذلته، ويُتعامل معه الآن كمن يحتاج إلى الإطعام والرعاية بينما يُمحى من جديد تاريخه وهويته".
وأوضحت مالك أن هذه التبرئة ستكون هذه المرة أكثر إلحاحا، لأن مسؤولية الدول التي سلحت إسرائيل وقمعت الاحتجاجات ضدها "باتت أوضح من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن تلك الدول "ستسارع إلى شرم الشيخ لتبرئة نفسها"، لأنها زودت إسرائيل بالسلاح، ورفضت الالتزام بأحكام المحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو.
وقالت الكاتبة إن "الحديث عن السلام في غزة" تحول إلى فرصة للنسيان، ومحاولة لمحو مرحلة من الوعي الجماعي التي كشفت تواطؤ بعض الحكومات الغربية في تدمير غزة، مضيفة أن ما حدث "لن يُنسى بسهولة"، وأن "المستقبل الآمن لسكان غزة لا يمكن أن يصنعه من تلطخت أيديهم بدمائهم".
واختتمت مقالها بالتأكيد على أن وقف القتل لا يعني نهاية المأساة، مشيرة إلى أن الفلسطينيين سيظلون يواجهون القتل ومصادرة الأراضي والاعتقال دون محاكمة عادلة، وأن "ما تعلمه العالم خلال العامين الماضيين لا يمكن تجاهله".
وقالت نسرين مالك في ختام مقالها في "الغارديان": "لقد تخلى مرتكبو هذا الدمار منذ زمن طويل عن أي ولاية على الشعب الذي ساعدوا في قتله وتحطيمه"، مضيفة أن ما يُكشف الآن من أعداد القتلى والدمار في غزة يجعل إنكار الحقيقة مستحيلا، وختمت بعبارة مستوحاة من قصيدة "جيرونشين" للشاعر تي. إس. إليوت: "بعد هذه المعرفة، أي غفران؟".