سيادة أوروبا التكنولوجية تتطلب أكثر من مجرد القدرة التنافسية
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
مارييتجي شاك
ماكس فون ثون
كجزء من موقفه التصادمي تجاه أوروبا، قد تنتهي الحال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استخدام التكنولوجيات الـحَـرِجة كسلاح. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقدّر الطبيعة الحقيقية لهذا التهديد وأن يتجاوز نهجه الحالي المتمثل في التنافس مع الولايات المتحدة كحليف اقتصادي. لتحقيق السيادة التكنولوجية الحقيقية، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتخطى تركيزه الضيق على القدرة التنافسية وإلغاء الضوابط التنظيمية وأن يتبنى استراتيجية أكثر طموحا.
بعد إقرار عدد كبير من مشاريع القوانين التكنولوجية البارزة في السنوات الأخيرة، يسعى الاتحاد الأوروبي الآن إلى تعزيز الإبداع وتحسين القدرة التنافسية. استنادا إلى تقرير مؤثر صادر في عام 2024 عن رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، نشرت المفوضية الأوروبية مؤخرا بوصلة التنافسية -خريطة الطريق لتنفيذ توصيات دراجي. الواقع أن قلق أوروبا المتنامي بشأن القدرة التنافسية يتغذى على عجزها عن تحدي عمالقة التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها في المكان الأكثر أهمية: السوق. وكما يشير تقرير دراجي، تعكس فجوة الإنتاجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى حد كبير ضعف قطاع التكنولوجيا في أوروبا نسبيا.
تشير تصريحات صادرة مؤخرا عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومفوضة التكنولوجيا هينا فيركونن إلى أن صناع السياسات أخذوا رسالة دراجي على محمل الجد، وهذا يجعل القدرة التنافسية محور التركيز الرئيسي لسياسة الاتحاد الأوروبي التكنولوجية. لكن هذا التركيز الأحادي غير كاف وربما يكون هَـدّاما في وقت يتسم بالاضطرابات التكنولوجية والجيوسياسية. وفي حين قد يتسبب السعي وراء تعظيم القدرة التنافسية في إضعاف نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى على الاقتصاد والمؤسسات الديمقراطية في أوروبا، فإنه قد يعمل بذات القدر من السهولة على ترسيخها.
إن التركيز الـمَـرَضي الحالي على إلغاء الضوابط التنظيمية من جانب القادة الأوروبيين -الذي عززه تقرير دراجي- يجعل عملية صنع السياسات في الاتحاد الأوروبي عُـرضة على نحو متزايد للضغوط من جانب مصالح الشركات القوية ويهدد بإضفاء الشرعية على سياسات لا تتوافق مع القيم الأوروبية الأساسية. نتيجة لهذا، فإن التدابير التي اتخذتها المفوضية الأوروبية لإلغاء الضوابط التنظيمية -بما في ذلك قرارها الأخير بإرجاء مسودة قواعد الذكاء الاصطناعي والخصوصية، و«تبسيط» التشريعات التكنولوجية المرتقب بما في ذلك النظام الأوروبي العام لحماية البيانات- ستعود في الأرجح بالفائدة على عمالقة التكنولوجيا الراسخة بما يتجاوز كثيرا قدرتها على دعم الشركات البادئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
من ناحية أخرى، يهدد اندفاع أوروبا المتسرع وغير المدروس نحو اكتساب «القدرة التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي» بتعزيز القبضة المتزايدة الإحكام من جانب شركات التكنولوجيا الكبرى على مجموعة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. ليس من المستغرب إذن أن تُـسـتَـقـبَـل أجندة إلغاء الضوابط التنظيمية في تقرير دراجي بكل حرارة في وادي السيليكون، حتى من قِـبَـل إيلون ماسك نفسه. لكن طموحات بعض قادة التكنولوجيا تتجاوز مجرد الحد من الروتين. إن استخدام ماسك لشركتي إكس (تويتر سابقا) و Starlink للتدخل في الانتخابات الوطنية والحرب في أوكرانيا، فضلا عن الهجمات من جانب إدارة ترامب على الضوابط التنظيمية التي تحكم التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، يُظهر أن سعي شركات التكنولوجيا الكبرى إلى السلطة يشكل تهديدا خطيرا للسيادة الأوروبية.وعلى هذا فإن مهمة أوروبا الأكثر إلحاحا تتمثل في الدفاع عن حقوق مواطنيها، وسيادتها، وقيمها الأساسية ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة المتزايدة وحلفائها في واشنطن. إن اعتماد القارة العميق على بنية أساسية رقمية تسيطر عليها الولايات المتحدة -من أشباه الموصلات والحوسبة السحابية إلى الكابلات البحرية- لا يقوض قدرتها التنافسية من خلال إقصاء البدائل المحلية فحسب بل يعمل أيضا على تمكين أصحاب تلك البنية الأساسية من استغلالها لتحقيق الربح.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عدم استقلالية أوروبا في مجال التكنولوجيا يمنح حفنة من الشركات وحكومة الولايات المتحدة قدرا ضخما من السلطة على تطورها التكنولوجي وعملية صنع القرار الديمقراطي. وقد تُـسـتَـخـدَم هذه السلطة لخنق نمو قطاع التكنولوجيا في أوروبا عن طريق تقييد القدرة على الوصول إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، أو عن طريق جعل الوصول إلى الحوسبة السحابية مشروطا بتنظيم خفيف لشركات التكنولوجيا الأمريكية. إن حماية أوروبا من مثل هذا القهر من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز قدرتها التنافسية. على سبيل المثال، من الممكن أن يُـفـضي تطبيق قانون المنافسة وقانون الأسواق الرقمية بقوة إلى الحد من نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى في حين يخلق الحيز للشركات الأوروبية البادئة والمنافسين الأوروبيين لتحقيق الازدهار. بالمثل، سيؤدي تطبيق قانون الخدمات الرقمية وقانون الذكاء الاصطناعي إلى حماية المواطنين من المحتوى الضار وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخطرة، بما يمكّن أوروبا من تقديم بديل حقيقي لنماذج الأعمال التي تعتمد على المراقبة في وادي السيليكون. على هذه الخلفية، تكتسب الجهود المبذولة لتطوير بدائل أوروبية محلية للبنية الأساسية الرقمية التابعة لشركات التكنولوجيا الكبرى زخما متزايدا. من الأمثلة البارزة على ذلك ما يسمى بمبادرة «Eurostack»، التي ينبغي لنا أن ننظر إليها على أنها خطوة رئيسية في الدفاع عن قدرة أوروبا على العمل بشكل مستقل. في مشهد جيوسياسي متقلب على نحو متزايد، تتعلق السيادة بما يزيد كثيرا على مجرد القدرة التنافسية؛ إنها ترتبط بالأمن، والقدرة على الصمود، وتقرير المصير. لهذا، يتعين على صناع السياسات الأوروبية أن يوازنوا بين القدرة التنافسية وأهداف أخرى أكثر أهمية غالبا. لا قيمة للاقتصاد «التنافسي» إذا كان على حساب الأمن، والبيئة الرقمية العادلة والآمنة، والحريات المدنية، والقيم الديمقراطية. ما يدعو إلى التفاؤل أن أوروبا ليس عليها أن تختار. فمن خلال التصدي لتبعياتها التكنولوجية، وحماية الحكم الديمقراطي، والتمسك بالحقوق الأساسية، يصبح بوسعها أن تعزز ذلك النوع من القدرة التنافسية الذي تحتاج إليه حقا.
مارييتجي شاك عضو سابق في البرلمان الأوروبي، وهي مديرة السياسة الدولية في مركز السياسة السيبرانية بجامعة ستانفورد، وزميلة السياسة الدولية في معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان.
ماكس فون ثون مدير أوروبا والشراكات عبر الأطلسي في معهد الأسواق المفتوحة.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شرکات التکنولوجیا الکبرى الضوابط التنظیمیة القدرة التنافسیة الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی الذکاء الاصطناعی من جانب
إقرأ أيضاً:
كيف تكافح أكثر مدن أوروبا سخونة موجات الحر وتستعد لاستقبال ملايين السياح؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لطالما اعتُبِر تسلق قمة "أكروبوليس أثينا" إنجازًا يتطلّب الشجاعة. ولعلّه أصبح أكثر صعوبة ممّا كان عليه الحال خلال فصول الصيف الأخيرة، عندما شهدت المدينة موجات حرّ طويلة وخطيرة.
خلال العامين الماضيين، وخلال ذروة موسم السياحة، أجبرت الحرارة الشديدة السلطات مرارًا وتكرارًا على إغلاق أكثر المواقع زيارةً في اليونان خلال ساعات النهار الأكثر حرارةً لحماية الزوار والموظفين من درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية.
ولا يقتصر الأمر على الـ"أكروبوليس".
لطالما كانت أثينا شديدة الحرارة صيفًا، ولكن لم تصل درجات الحرارة إلى هذا المستوى من قبل.
رغم أنّها العاصمة الأكثر سخونة في أوروبا القارية، إلا أنّها شهدت ارتفاعات قياسية بدرجات الحرارة في عام 2024.
يشهد البحر الأبيض المتوسط بأسره ارتفاعًا في درجات الحرارة بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي.
وأثار هذا الوضع تساؤلاتٍ كبيرة حول اليونان وعلاقتها بالزوار الذين ساعدت قدرتهم الشرائية البلاد على تجاوز الأزمات خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة.
تعني زيادة السياحة ارتفاع الضغط على موارد المياه الشحيحة والبنية التحتية، كما أنّها تعني التضخم، بشكلٍ يدفع السكان المحليين إلى الخارج لصالح الوافدين الأثرياء.
ورأى عمدة أثينا، هاريس دوكاس، أنّ "بناء القدرة على الصمود مسألة بقاء".
وقد أصبح التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب زيادة أعداد السياح في الصيف، بمثابة أولوية كبيرة.
خزان حراري حضريعلى المدى القصير، يعني ذلك وضع أنظمة إنذار مبكر لموجات الحر، ومراقبة بيانات درجات الحرارة في الوقت الفعلي، إلى جانب إضافة نوافير الماء، ومراكز تبريد مكيفة، وحدائق صغيرة مظللة لتوفير الراحة.
قالت إيريس بلايتاكيس، وهي مرشدة سياحية تزور الـ"أكروبوليس" بانتظام: "غالبًا ما يستهين السياح بالحرارة، وخاصة القادمين من مناطق تتمتع بمناخٍ بارد".
تُعتبر الحرارة الشديدة خطيرة للغاية، إذ أوضحت خبيرة التكيف الحضري في الوكالة الأوروبية للبيئة، إين فانديكاستيل أن "موجات الحر مسؤولة عن أكثر من 80% من الوفيات الناجمة عن ظواهر الطقس والمناخ في أوروبا".
لكن على المدى البعيد، تواجه أثينا تحديًا يتمثَّل في إعادة تشكيل مدينة تحوّلت إلى خزان حراري خرساني بمساحات خضراء محدودة.
في عام 2021، أصبحت أثينا أول مدينة أوروبية تُعيّن "مسؤولاً عن الحرارة" مُخصصًا لتعزيز وتنسيق استراتيجيات التكيف.
وأكّد دوكاس: "خلال أكثر من عام بقليل، زرعنا 7 آلاف شجرة، وهو أمر صعب في مدينة مكتظة بالسكان. نريد أن يصل هذا العدد إلى 28 ألف شجرة خلال أربع سنوات. كما نعمل على إنشاء ممرات خضراء".
إزالة الخرسانةلا تشبه أثينا الحديثة الموقع الساحر الذي اختاره البشر للاستقرار منذ آلاف السنين. آنذاك، تميزت المنطقة بقربها من الجبال، والبحر، ومناخها المعتدل، ومواردها الخضراء الوفيرة، وأنهارها المتدفقة، وهي المجاري المائية ذاتها التي غُمِرت بالخرسانة خلال فترة التوسع الحضري السريع في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لبناء الطرق السريعة.
لَفَت الأستاذ المشارك في تخطيط المدن بالجامعة التقنية في فالنسيا بإسبانيا، خوانخو غالان، إلى ضرورة إزالة الخرسانة، موضحًا: "سيتعين على أثينا إزالة بعض الخرسانة، والاستثمار في البُنى التحتية الخضراء، والمواد التي تمتص الحرارة. سيستغرق الأمر بعض الوقت، ولكنه ممكن".
تطوير الساحلغالبًا ما يتوجّه سكان أثينا خارج المدينة عند الرغبة في الشعور بالانتعاش. والآن تتبع مدينتهم النهج ذاته، مع توسعها على طول الواجهة البحرية، وتجديدها لمنطقة أُطلق عليها مؤخرًا اسم "ريفييرا أثينا".
يمتد الساحل جنوبًا على بُعد 50 كيلومترًا من ميناء "بيريوس" الرئيسي، ويضم شواطئ مُنظّمة ومطاعم راقية وفنادق ومنتجعات من فئة خمس نجوم.
يُعتبر أيضًا المكان الذي يشهد أكبر تحوّل حضري أخضر على الإطلاق بالبلاد في مطار "إلينيكون" الخارج عن الخدمة والمُغلق.
في قلب المشروع، تقع حديقة "إلينيكون متروبوليتان"، ومن المتوقع أنّها ستصبح أكبر منطقة خضراء في أثينا وواحدة من أكبر الحدائق الساحلية في العالم.
حرائق ومخاوف