لماذا تتردد بريطانيا في الاعتراف بدولة فلسطينية؟
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
لندن- منذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداد بلاده للاعتراف قريبا بدولة فلسطينية مستقلة، عاد الجدل في الساحة السياسية البريطانية بشأن قدرة الحكومة البريطانية على التحلي بجرأة سياسية مماثلة، وتبني موقف مشابه يقتفي أثر حليفتها الأوروبية يدعم حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم.
فقد سلطت الخطوة الفرنسية الضوء على مزاج برلماني غاضب، يتصاعد حنقه في الأسابيع الأخيرة، على سياسات حكومة حزب العمال البريطاني اتجاه إسرائيل، في ظل ارتفاع شراسة حرب الإبادة في قطاع غزة، وعجز الحكومة عن اتخاذ موقف يتناسب مع حجم الانتهاكات ضد أهالي القطاع.
ودعا نواب من حزب العمال، وآخرون عن الحزب الوطني الأسكتلندي والحزب الليبرالي الديمقراطي حكومة ستارمر إلى الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على خطى الجارة فرنسا، وتحمل بريطانيا عبء المسؤولية الأخلاقية والأخطاء التاريخية في تدبير الصراع في الأراضي المحتلة.
حراك برلمانيكشفت صحيفة الغارديان محاولات عدد من النواب في حزب العمال إقناع رئيس الوزراء كير ستارمر بالانضمام إلى مشروع الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يعتزم في مؤتمر مرتقب بالأمم المتحدة في يونيو/حزيران المقبل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في سياق مبادرة إحياء عملية السلام في المنطقة برعاية سعودية فرنسية.
إعلانوحذرت رئيسة اللجنة الخارجية في حزب العمال إيميلي ثورنبوري من "عدم امتلاك الحكومة البريطانية ترف الوقت لتأجيل قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، مشيرة إلى أنه "لن تتبقى هناك فلسطين للاعتراف بها دولةً مستقلة" إذا لم تبادر بريطانيا ومعها دول أخرى إلى وقف الخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
من جهته قال المتحدث باسم الشرق الأوسط في الحزب الوطني الأسكتلندي بريدان أوهارا إن "تماهي مواقف الإدارة الأميركية مع السياسات المتطرفة للحكومة الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، يؤشر على أن القضية الفلسطينية دخلت منعطفا خطِرا يجب على بريطانيا وشركائها الأوروبيين وقف انحداره إلى الأسوأ".
وكانت دول أوروبية في مقدمتها إسبانيا والنرويج وأيرلندا قد أعلنت، العام الماضي، الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، في خطوة طالبت نخب سياسية بريطانية الحكومة باقتفاء أثرها.
تبدو القضية الفلسطينية أحد خطوط الصدع الواضحة بين قيادة حزب العمال الحريصة على تجنب أي صدام مع تل أبيب، وبين نوابه -خاصة المحسوبين على أقصى اليسار- وقواعدهم الشعبية من الأقليات المسلمة ومناصري حقوق الفلسطينيين الناقمة على سياساته الداعمة لإسرائيل وتساهلها مع مخططات الإبادة والتهجير.
وبينما تتعالى الأصوات داخل البرلمان البريطاني محذرة من نفاد الوقت لإنقاذ مشروع حل الدولتين، تصر الحكومة البريطانية على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيبقى خيارا ممكنا، لكن حين تحين اللحظة السياسية المناسبة لاتخاذه.
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قد تعهد في حملته الانتخابية التي قادها الصيف الماضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية عند وصوله إلى السلطة، ولكنه يصر على أن "أي قرار مماثل يجب أن لا يقفز على ما سيقرره الفلسطينيون والإسرائيليون خلال أي مفاوضات سلام محتملة، ولا يدعم التطرف والإرهاب".
إعلانورغم ظهور وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أكثر سخطا في البرلمان من الممارسات الإسرائيلية في القطاع مقارنة برئيس حكومته، وتكراره حث إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية ووقف استهداف المدنيين، تتجنب السياسة الخارجية البريطانية اتخاذ أي موقف تصعيدي يغضب الحليف الإسرائيلي.
فقد اكتفى وزراء في الحكومة ونواب من حزب العمال بالتضامن مع برلمانيتين عن الحزب منعتهما السلطات الإسرائيلية من دخول الأراضي المحتلة، بينما لم تترجم الحكومة تنديدها -بما وصفه البرلمانيون محاولات لترهيبهم- بتصعيد دبلوماسي ضد تل أبيب.
لكن ما ينظر إليه على أنه فتور في أروقة الحكومة يقابله حراك برلماني، يقوده منذ أسابيع زعيم حزب العمال السابق والبرلماني المستقل جيرمي كوربن، لحشد الدعم لإقناع الحكومة البريطانية بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، تكشف طبيعة الانخراط البريطاني في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أهالي القطاع.
يرى رئيس مركز التفاهم العربي البريطاني كريس دويل، في حديث للجزيرة نت، أن التحاق رئيس الوزراء البريطاني بالمبادرة الفرنسية سيؤكد التزاما أوروبيا بدعم صمود الفلسطينيين على أرضهم، وتمسكا بخيار دبلوماسي بديل من سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية.
ويضيف الناشط البريطاني، المقرب من حزب العمال، أن "اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية ليس اصطفافا إلى طرف دون آخر، بل وضع خطوط حمر تجاوزتها الحكومة الإسرائيلية، التي تتبنى الإبادة نهجا للتعامل مع القضية الفلسطينية".
إرضاء الحليف الأميركيومع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض للمرة الثانية، يصر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على تجنب المواجهة مع الإدارة الأميركية الجديدة، ويفضل استرضاءها وفتح قنوات خاصة للتفاوض معها بشأن التغييرات الجيوسياسية الجارية في أكثر من ملف.
إعلانويرى الصحفي الفلسطيني محمد أمين، في حديث للجزيرة نت، أن "العلاقة مع الولايات المتحدة هي المُحرك الأساسي لأي خطوة بريطانية باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة"، وأن الحكومات البريطانية اختارت أن تتماهى في السياسات الأميركية والإسرائيلية في محطات كثيرة.
وأضاف المتحدث الذي يشغل أيضا منصب رئيس تحرير موقع عرب لندن، أن تعثر بريطانيا في انتزاع أي امتيازات خاصة في مسألة الرسوم الجمركية أو بشأن مآلات الحرب في أوكرانيا، قد يدفع البريطانيين إلى الاصطفاف إلى جانب الشركاء الأوروبيين الغاضبين من سياسات ترامب ونتنياهو.
لكن رئيس رابطة الجالية الفلسطينية في بريطانيا، نهاد خنفر، قلّل في حديث للجزيرة نت، من احتمال اندفاع بريطانيا لأي اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية، حيث تحاول لندن الإمساك بالعصا من الوسط، بين عدم الصدام مع واشنطن التي تلقي بكل ثقلها خلف قرارات الحليف الإسرائيلي، وعدم الابتعاد عن الموقف الأوروبي القلق من نسف مشروع حل الدولتين.
وأضاف المتحدث، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، أن قرار الاعتراف مرتبط أيضا بديناميات دولية أخرى، أبرزها التفاهمات التي سيخرج بها اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي ترامب والقيادة السعودية والفرنسية الراعية لمؤتمر السلام في الشرق الأوسط في يونيو/حزيران المقبل.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، أن أطرافا عدة منها الأوروبيون معنيون بإعادة الزخم للمسار السياسي، الذي تحاول إسرائيل استبداله بحرب إبادة لأهالي القطاع، ولكنه استبعد أن تتخذ القيادة البريطانية أي قرار متقدم بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قبل أن تنضج رؤية دولية وإقليمية متوافق عليها بشأن مستقبل قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاعتراف بالدولة الفلسطینیة رئیس الوزراء البریطانی الحکومة البریطانیة کیر ستارمر حزب العمال على أن
إقرأ أيضاً:
مؤذن علي.. مرشح مسلم لمنصب نائب رئيس الخضر يدافع عن بريطانيا المهمّشة
أعلن السياسي البريطاني من أصول جنوب آسيوية وعضو مجلس مدينة ليدز، مؤذّن علي، ترشحه رسميًا لمنصب نائب زعيم حزب الخضر، في خطوة وصفتها صحيفة "الغارديان" بأنها "تحدٍّ مباشر لصورة الحزب كنادٍ للنخبة البيضاء من الطبقة المتوسطة"، وسعيٌ لتوسيع تمثيله الاجتماعي والعرقي في المشهد السياسي البريطاني.
وقال علي، البالغ من العمر 43 عامًا، في تصريحات له خلال إطلاق حملته: "علينا معالجة تغيّر المناخ، ومعالجة الفقر، ونقص الفرص، وصعوبة الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.. هذه ليست مشاكل أقليات فقط، ولا مشاكل الطبقة العاملة فقط. هذه مشاكل هيكلية في مجتمعنا، ويجب أن نرعاها جميعًا."
يأتي ترشحه خلفًا لـ زاك بولانسكي، ويعكس بحسب متابعين رغبة متنامية داخل حزب الخضر للتقارب مع القاعدة الشعبية متعددة الأعراق، وتوسيع نفوذه خارج نطاق الطبقة الوسطى الحضرية، التي طالما شكّلت نواته الانتخابية التقليدية.
من "جيبتون" إلى المشهد الوطني
يمثل علي دائرة جيبتون وهير هيلز في ليدز، وهي منطقة ذات تاريخ طويل من التحديات الاجتماعية والانقسامات العرقية. وتحوّلت في السنوات الأخيرة إلى ساحة اختبار لرؤية علي السياسية، التي تمزج بين العدالة الاجتماعية والعمل المناخي والتنظيم المجتمعي القاعدي.
وأشار إلى أن نجاحه الانتخابي وسط مجتمع "الطبقة العاملة البيضاء" في جيبتون، والسكان المتنوعين في هارهيلز، يعكس إيمانه بأن العمل السياسي لا يجب أن يُختزل في "سياسات الهوية".
"نحن لا نمارس سياسة الهويات. المشاكل التي نواجهها – الفقر، غلاء المعيشة، أزمة المناخ – توحّدنا أكثر مما تفرّقنا"، يقول علي.
"سياسة الانتماء" بدل الصراع
في يوليو 2024، بعد اضطرابات في هارهيلز، أطلق علي فعالية "مدينة الانتماء" التي هدفت إلى رأب الصدع المجتمعي. وبدلًا من تأجيج الخطاب، ركّز على تنظيم المجتمع وتفعيل طاقات السكان المحليين.
يقول: "نحتاج إلى نقل نموذج ليدز إلى أماكن أخرى… بناء حركة شعبية تحترم الكرامة وتواجه الكراهية."
لكن تحركه هذا لم يمر دون ثمن؛ فقد اتُهم من قبل الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون بالمشاركة في أعمال الشغب، وتعرض لاحقًا لتهديدات بالقتل بسبب دعمه الصريح لغزة.
دعم غزة و"الاعتذار الصادق"
رغم تعرضه لهجمة إعلامية بعد خطابه المؤيد لغزة في الانتخابات المحلية العام الماضي، قال علي إنه "لا يشعر بأي ندم على دعمه العلني لغزة"، مؤكدًا أنه يقف مع العدالة دائمًا. لكنه أقر بأنه كان ينبغي أن يكون "أكثر دقة" في بعض تعبيراته على منصة X بعد أحداث 7 أكتوبر، وقدّم اعتذارًا لاحقًا.
مواجهة اليمين المتطرف
يرى علي أن تحرك نافذة أوفرتون نحو اليمين يشكل تهديدًا وجوديًا، ليس فقط للأقليات، بل لفكرة التعايش الاجتماعي في المملكة المتحدة.
وقال في ختام تصريحهاته التي نشرتها "الغارديان" اليوم: "الناس في المناطق الفقيرة مثل دائرتي يهتمون ببعضهم البعض.. الخوف المتصاعد لا يُواجه بالسكوت، بل بالعمل، والتنظيم، والعدالة."
مسلم في القيادة
في حال انتخابه، سيكون علي أول مسلم يشغل منصب زعيم أو نائب زعيم في أحد الأحزاب السياسية الكبرى في إنجلترا وويلز. وتتركز حملته على رفض سياسات التقشف، ومجابهة خطاب حزب الإصلاح اليميني، وتوسيع إشراك الطبقات المهمشة، خصوصًا في شمال إنجلترا، في معركة المناخ والعدالة الاجتماعية.
وتمثّل دائرته الانتخابية، جيبتون وهير هيلز، مزيجًا من مجتمعات الطبقة العاملة البيضاء والسكان ذوي الأصول العرقية المتنوعة، نحو 40% منهم مسلمون. يقول علي إن المنطقة "محرومة للغاية" وإن السياسيين تجاهلوها "لأنهم اعتبروا فوز العمال فيها مضمونًا".
وحزب الخضر في إنجلترا وويلز هو حزب سياسي تقدمي يركز على العدالة البيئية والاجتماعية، ويُعرّف نفسه كصوت للمهمّشين والمجتمعات التي لا تجد تمثيلًا في الأحزاب التقليدية. يناضل الحزب من أجل مواجهة أزمة المناخ، وتقليص الفجوة الطبقية، والدفاع عن حقوق الإنسان، ويُقدّم نفسه كبديل جذري يربط بين قضايا البيئة والمساواة، رافضًا حصر السياسات في مصالح النخبة أو الطبقة الوسطى فقط.
بعد الانتخابات العامة الأخيرة في يوليو 2024، أصبح لحزب الخضر المقاعد التالية في السلطة في إنجلترا وويلز: أربعة أعضاء في البرلمان، عضوان في مجلس اللوردات (ناتالي بينيت وجيني جونز)، ثلاثة أعضاء في جمعية لندن (زوي غاربيت، زاك بولانسكي، وكارولين راسل)، ويشغل الخضر أكثر من 800 مقعد في أكثر من 170 مجلسًا مختلفًا.