يمانيون../ لا تزال أصداءُ الفشل الأمريكي في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية لغزة، تتسعُ بعد مرور شهر كامل على بدء العدوان الذي شنته إدارة ترامب في منتصف مارس الماضي، توازيًا مع استئناف الإبادة الجماعية في غزة، حَيثُ أكّـدت تقارير أمريكية جديدة أن واشنطن لم تفشل فحسب في تحقيق أهدافها العملياتية التي تحولت إلى آمال تستنزف الموارد العسكرية بلا طائل، بل فشلت حتى في تحقيق الأهداف الاستعراضية من خلال حشد أساطيلها وقاذفاتها الشبحية؛ الأمر الذي يجعل الإخفاقَ أشدَّ تأثيرًا.

الفشل العملياتي يغذي مخاوف استنزاف الموارد:

نشرت مجلة “أمريكان كونسيرفاتيف” الأمريكية، اليوم الأربعاء، تقريرًا جديدًا سلطت فيه الضوء على المخاوف المُستمرّة من استنزاف موارد الجيش الأمريكي في العدوان على اليمن، بدون تحقيق أية نتائج، وخُصُوصًا الصواريخ والذخائر التي يصعُبُ تجديدُ مخزوناتها بسرعة؟؛ الأمر الذي يشير إلى أن استمرار العدوان بات يشكّل ضغطًا متزايدًا على واشنطن نفسها.

ووَفقًا للمجلة فقد “بات واضحًا أن الولايات المتحدة تستخدم صواريخها وتنفقها بوتيرة أسرع من قدرتها على إنتاجها” وعن المحلل الدفاعي مايكل فريدنبرغ، قوله: إنه بسَببِ ذلك فَــإنَّ “الولايات المتحدة بعيدة كُـلّ البُعد عن الاستعداد للانخراط بثقة في صراع مباشر مستدام مع منافس مثل الصين”.

وذكّرت المجلة بأن إدارة بايدن خلال محاولتها إيقافَ الحصار البحري على الملاحة الصهيونية “أنفقت من الصواريخ والذخيرة أكثر مما تم استخدامه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية”، بما في ذلك أكثر من 3 % من ترسانة صواريخ (توماهوك) الأمريكية، وَفقًا للباحث جيم فين من مؤسّسة هيريتيج البحثية.

وقال فين: “في أية حرب ضد الصين، تُعد هذه الذخائر بالغة الأهميّة” مُشيرًا إلى أن اليمنيين “أثبتوا أنهم يُشكلون مشكلة مُلحة للولايات المتحدة وحلفائها، وَإذَا تطلب الأمر مئات الصواريخ لصد هجماتهم – بنجاح محدود – فسيتطلب الأمر المزيد لمواجهة التهديد الصيني” مُشيرًا إلى أن “المشكلة ستكون أخف لو كانت الولايات المتحدة تقوم بتجديد مخزوناتها من الذخائر المكلفة في الوقت المناسب، لكنها لا تفعل ذلك” حسب قوله.

ونقلت المجلة عن دان جرازيير، مدير برنامج إصلاح الأمن القومي في مركز “ستيمسون” الأمريكي للأبحاث، قوله: إن محاربة اليمن بترسانة تبلغ قيمتها تريليون دولار يشكِّلُ “حماقةً استراتيجيةً وهدرًا للموارد” معتبرًا أن هذه المشكلة أكبر في نظره من مشكلة الاستعداد للصراع مع الصين.

وقال جرازيير: “ننفق ثروةً على بناء قوةٍ لأسوأ الاحتمالات، فنحصل على جيشٍ ضخمٍ مُنتفخٍ بكل هذه الأسلحة المتطورة التي تكلف ثروةً طائلة ولا تعمل بالكفاءة التي توقعها أحد، ولكن ينتهي بنا الأمر إلى خوض سيناريو أقل شدةً بكثير مما خططنا له.. فهناك تفاوتٌ ماليٌّ كبير، حَيثُ نرسل صاروخًا بقيمة مليونَي دولار لهزيمة طائرةٍ مُسيّرةٍ بقيمة ألف دولار، وهذا أمرٌ مُثيرٌ للسخرية”.

وخَلُصَت المجلة إلى أنه، في ظل هذه المخاوف فَــإنَّ “ما يفعلُه الجيشُ الأمريكي في البحر الأحمر الآن ليس ذكيًّا على الإطلاق”.

وكما يتضحُ من خلال تقرير المجلة الأمريكية فَــإنَّ المخاوف بشأن استنزاف موارد الجيش الأمريكي لا تتمحور فقط حول ارتفاعِ التكاليف وعدمِ القدرة على تجديد المخزونات، بل يعتبر العامل الأَسَاسي في هذه المخاوف هو عدم تحقيق أية إنجازات عملياتية؛ لأَنَّ ذلك يعني استمرارَ العدوان لفترة أطولَ، وبالتالي استهلاك المزيد من الذخائر بلا طائل.

ومن خلال استمرار التعبير بصراحة عن المخاوف، يتضح أن دعايات إدارة ترامب حول تحقيق إنجازات مزيَّفة في اليمن، لا تحظَى بأي تصديق داخلَ الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن استمرارَ العدوان سيشكِّلُ ضغطًا متزايدًا على واشنطن نفسها، بدلًا عن الضغطِ على صنعاء والقوات المسلحة اليمنية؛ لأَنَّ تزايُدَ الانتقادات وانكشاف التكاليف الهائلة (التي بلغت أكثرَ من مليار دولار في أَقَلَّ من ثلاثة أسابيعَ) سيُجبِرُ الإدارَةَ الأمريكية على تقديم إجابات، ولن تكون إجاباتٍ مقنعةً؛ لأَنَّها لا تنطوي على تحقيق الأهداف المعلَنة.

وقد عبرت تقارير أمريكية نشرتها مجلتا “ناشيونال إنترست” و”اتلانتك” الأمريكيتان مؤخّرًا عن مخاوفَ صريحة من تحول العدوان الأمريكي على اليمن إلى “فضيحة” وإلى “نكسة جديدة” تشبه ما حصل في أفغانستان؛ بسَببِ غياب الإنجازات مع تراكم التكاليف والخسائر وإنهاك القوات الأمريكية.

القاذفات الشبحية تنضمُّ إلى حاملات الطائرات في فضيحة سقوط الردع الأمريكي:

والحقيقةُ أن ملامحَ هذه “الفضيحة” وَ”النكسة” قد برزت فِعْلًا، من خلال هزيمة البحرية الأمريكية في الجولة السابقة أمام اليمن، لكنها تزايدت الآن مع محاولة إدارة ترامب ترميمَ تلك الهزيمة، حَيثُ انضمَّت قاذفاتُ الشبح (بي-2) إلى حاملات الطائرات والسفن الحربية في قصة سقوط الردع الأمريكي أمام اليمن، وفتح الفشل الجديد البابَ أمام مناقشات غير مسبوقة بشأن فعالية القاذفات الشبحية، مثلما فتح الفشلُ السابقُ بابَ الحديث عن انتهاء عصر حاملات الطائرات.

وقالت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أمس الثلاثاء: إن “إرسالَ سِتِّ قاذفات (بي -2) إلى قاعدة “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي واستخدامها في العدوان على اليمن، كاستعراض للقوة، فشل في إيصال رسائل “الردع” التي أرادت إدارةُ ترامب توجيهَها لصنعاء”، مشيرة إلى أن “الحقيقَة الثابتة هي أنه بعد أكثرَ من عام ونصف عام من التدخل البحري الأمريكي، لا يزال اليمنيون أقوياء” الأمر الذي يجعلُ وجودَ القاذفات الشبحية “مُجَـرّدَ فرصة باهظة الثمن لالتقاط الصور” حسب تعبير المجلة التي أضافت أَيْـضًا أن “الأمرَ أشبهُ بوجود هذه القاذفات في متحف؛ لأن الرسالة لم تصل”.

ويشكِّلُ هذا التناولُ نتيجةً عكسيةً مهمةً للعدوان الأمريكي الجديد الذي كان من أهدافه إعادةُ ترميم سُمعة البحرية الأمريكية وحاملات الطائرات التي انهارت سُمعتها خلال العام الماضي، وهو ما يعني أن إدارةَ ترامب لم تستطع فعلًا الخروجَ من المأزِق الذي عاشته سابقتها بل إنها تساهمُ في توسيعِ ذلك المأزِق وتداعياته بشكل أكبر، حَيثُ يشكّل سقوطُ هيبة القاذفات الشبحية ضربةً مهمةً لن يمر وقتٌ طويلٌ قبل أن يبدأ المحللون الأمريكيون بالحديث بصراحة عن خطر استفادة خصومِ الولايات المتحدة منها؛ الأمر الذي يؤكّـد أن العدوانَ على اليمن يتحول بالفعل إلى “فضيحة” و”نكسة” تأريخيةٍ لأمريكا.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمر الذی على الیمن من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

جيش بلا نصر.. كيف دمرت حرب غزة منظومة الردع الإسرائيلية؟

منذ ما يقرب من عامين، يخوض الجيش الإسرائيلي حربا مفتوحة في قطاع غزة بلا نصر ولا أفق، حيث بدأت العملية تحت شعار "تدمير حركة حماس" و"إعادة المختطفين"، لتتحول اليوم إلى أطول حملة استنزاف في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وأكثرها كلفة ميدانيا ومعنويا.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن المجلس السياسي الأمني المصغر "الكابينت" قد وافق صباح الجمعة 8 أغسطس/آب على اقتراح للتحضير للسيطرة على كامل قطاع غزة.

وجاء المقترح -الذي قلص إلى السيطرة على مدينة غزة فقط- بعد انتهاء حملة "عربات جدعون" من دون تحقيق اختراق في أهدافها المعلنة، وسط تزايد حالات انتحار الجنود، وارتفاع أصوات نخبة أمنية إسرائيلية واسعة تطالب بوقف فوري للحرب وإعادة المختطفين.

رئيس الأركان إيال زامير يلتقي قادة القيادة الجنوبية بعد مصادقة الكابينت على احتلال غزة (الجيش الإسرائيلي)معركة من دون حسم

في 18 مارس/آذار 2025، أطلقت إسرائيل حملة برية موسعة أطلقت عليها اسم "عربات جدعون"، ضمن حربها المستمرة منذ ما يقارب العامين على غزة.

وقال المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، يؤاف زيتون، في 6 أغسطس/آب الجاري، إن الجيش تعرض لانتقادات لموافقته على خوض عملية عسكرية برية أصبحت بلا جدوى في الأشهر الأخيرة، من دون الاقتراب من هزيمة حماس أو تحرير الرهائن، ومع استمرار استنزاف قواته.

ونقل زيتون عن قائد سرية برتبة رائد احتياط في الهندسة القتالية -التي تنتمي إلى لواء مدرع نظامي عملت حتى وقت قريب في أحياء الشجاعية والزيتون"- أنه أرسل رسالة داخلية في الأيام الأخيرة مع انتقادات حادة لأداء القوات ومهامها في القطاع.

وجاء في الرسالة "إن عمل فرقة بأكملها بلواء واحد فقط أمرٌ غير منطقي من أي منطق عملياتي، والنتيجة على الأرض: قوات تتحرك من دون سياق، من دون استمرارية، ومن دون هدف واضح. ويشعر الجنود بهذا الشعور جيدا، ليس فقط من خلال العبء الزائد، بل أيضا من خلال الشعور بالتخلي التام".

إعلان

وأضاف أن "هناك غياب للهدف ومفهوم قتالي ضعيف، والشعور السائد على الأرض هو أن الجيش ليس هنا لتحقيق النصر، بل لتسجيل النصر للإعلام والسياسة"، مشيرا إلى أن حماس وفصائل المقاومة "أدركوا ضعفنا ببساطة: فالقيادة غائبة، وكتيبة الدفاع الجوي تترنح، والمناورات عبثية، والردود مرتبكة، وحماس تدرك الفرص وتستغلها، فهي لا تتهاون، بل تهاجم وتقترب وتضرب".

وفي 3 أغسطس/آب وجه 80 مسؤولا أمنيا -بينهم رؤساء سابقون في الموساد والشاباك ورؤساء أركان- تحذيرا شديد اللهجة للحكومة والجمهور ومنظومة الأمن، وجاء في بيانهم "حرب بلا هدف سياسي ستقود إلى الهزيمة، والحرب الحالية هي حرب تضليل"، بحسب موقع "والا".

وأشار المسؤولون إلى أن عملية عربات جدعون لم تُحقق تقريبا أي تقدم، "وأننا دفعنا ثمنا باهظا من الضحايا والقتلى، وإنجازاتنا محدودة، والأضرار الدولية جسيمة".

وأضافوا أن قضية الأسرى لم تشهد أي تقدم، وأن الحرب لم تعد من أجل إعادتهم، بل أصبحت تُقاد نحو أهداف مسيانية (عقيدة المخلّص اليهودية) ومتطرفة.

وقال البيان "لدينا الآن حكومة جرّتها الجماعات المسيانية نحو مسار غير عقلاني.. المشكلة أن هذه الأقلية هي التي تتحكم بالسياسة".

استنزاف القدرات والدافعية

وبعدما يقرب من عامين على اندلاع الحرب المستمرة في قطاع غزة، تواجه منظومة الأمن الإسرائيلية أزمة عميقة ومتعددة الأبعاد، فقد أدى طول الحرب على غزة إلى تآكل حاد في القدرات العسكرية، وتأثر الاقتصاد، وتعميق الانقسامات الاجتماعية، مع تفاقم الوضع الإستراتيجي وغياب أفق سياسي واضح للحل.

كما تُظهر الحرب المستمرة على غزة واقع أزمة شاملة تشمل نقصا حادا في الموارد البشرية والمعدات، وارتفاعا متزايدا في الضغوط النفسية والجسدية بين القوات، إذ تراجعت الروح المعنوية للجنود والدافعية القتالية بشكل واضح، والتقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرئيلية والتي تحدثت مع الجنود تشير إلى حالة من الإرهاق والاستنزاف الشديد.

ونقل المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، رونين برجمان، في 8 أغسطس/آب الجاري، عن اجتماعات داخلية للجيش الإسرائيلي، حيث تم إطلاع القادة على الوضع المزري لقوات الجيش، والتي تشير البيانات إلى أنها تشهد معدل استنزاف مرتفع للغاية، سواء في قوات الاحتياط أو في القوات النظامية.

وأضاف برجمان "أدت الحرب الطويلة إلى فرض إدارة اقتصاد الذخيرة وقطع الغيار، والمتفجرات ومعدات الدبابات وناقلات الجند المدرعة، بما في ذلك الذخيرة التي تراجعت مخزوناتها في الحرب مع إيران، وسط خشية داخل الجيش من أن المقاطعة المتزايدة في أنحاء العالم قد تضر بالجيش الإسرائيلي في جميع الأمور المتعلقة بشراء الأسلحة والمواد الخام الأساسية للإنتاج المحلي للمعدات العسكرية".

وقال المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب، في حديثه للجزيرة نت: "لم يعد خافيا على أحد أن الإعلام الإسرائيلي رصد فقدان ثقة الجمهور، إذ تُظهر الفجوة بين التصريحات الرسمية والواقع الميداني تباينا واضحا، مما يضعف ثقة الجمهور بمنظومة الأمن ويزيد من شعور الإحباط، لا سيما في ملف تدمير أنفاق حماس التي لا تزال تشكل تهديدا قائما".

إعلان

وأشار إلى أن استمرار الحرب وسقوط القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي أدى إلى تعميق الانقسام الاجتماعي والأزمة المجتمعية بين فئات المجتمع المشاركة في الخدمة العسكرية وتلك غير المشاركة، مما يضعف الوحدة الوطنية ويعرقل التعبئة الجماعية للمهام الوطنية، في ظل تدهور الثقة وتصاعد الاستقطاب الاجتماعي.

هآرتس: على الأقل 17 جنديا في الجيش الإسرائيلي انتحروا منذ بداية عام 2025 (الجيش الإسرائيلي)انتحار الجنود

وزادت حالات الانتحار بين الجنود، وبحسب تقرير لصحيفة هآرتس، فمنذ بداية الحرب ازداد عدد الجنود الذين انتحروا أثناء الخدمة الفعلية مقارنة بالسنوات السابقة. ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023 انتحر 7 جنود، وفي عام 2024 انتحر 21 جنديا، بينما انتحر 17 جنديا على الأقل منذ بداية عام 2025 الجاري.

وبينما يرفض الجيش الإسرائيلي الإدلاء برقم رسمي لعدد حالات الانتحار منذ بداية العام، مؤكدا أنه لن ينشره إلا في نهاية العام، فإنه يعزو ارتفاع أعداد الانتحار إلى الزيادة الكبيرة في عدد أفراد الخدمة من قوات الاحتياط، لكن ما يفند ذلك في الواقع أن معظم هذه الحالات كانت لأفراد في الخدمة الفعلية، وليس الاحتياط، بحسب المصدر نفسه.

وبحسب الصحفي الاستقصائي في صحيفة هآرتس، توم ليفينسون، فإن تحليل حالات الانتحار وفقا لمصادر الجيش يُظهر انخفاضا منذ بداية الحرب في عدد حالات الانتحار الناجمة عن ظروف شخصية وغير مرتبطة بالتعرض لأحداث قتالية، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من المنتحرين تعرضوا لحوادث قتالية شديدة، إضافة إلى أن إحصاءات الجيش لا تشمل الجنود الذين انتحروا خارج الخدمة، بعد خلع زيهم العسكري.

ووفقا لرصد صحيفة هآرتس، فإن ما لا يقل عن 11 مدنيا انتحروا منذ بدء الحرب بسبب مشاكل نفسية، ناجمة على ما يبدو عن خدمتهم العسكرية، وفي بعض الحالات كان هؤلاء جنودا شاركوا في الحرب، وفي حالات أخرى كانوا محاربين قدامى يعانون من مشاكل نفسية وشاركوا في عمليات أو حروب سابقة.

في حين كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن أن جناح إعادة التأهيل يُعالج أكثر من 17 ألفا من مصابي الحرب الحالية، من بينهم حوالي 9 آلاف مصاب بإصابات نفسية.

ونقلت هيئة البث الرسمية نتائج لتحقيقات الجيش الإسرائيلي، التي نُشرت نتائجها في 3 أغسطس/آب، والتي تفيد بأن حالات الانتحار بين الجنود نتجت عن مشاهد قاسية تعرض لها الجنود، وفقدان الأصدقاء، وعدم قدرتهم على مواجهة الأحداث.

الخلافات بين المستوى العسكري والسياسي

ويأتي قرار "كابينت" حكومة نتنياهو بالموافقة على احتلال قطاع غزة بعد خلافات شديدة وضغوط على رئيس الأركان إيال زامير من مكتب نتنياهو، بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي استمرت 18 يوما في الدوحة.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت أن المواجهة بين نتنياهو وزامير وصلت إلى ذروتها، عقب التسريبات الإعلامية التي صدرت من مكتب نتنياهو، والتي جاء فيها "إننا نتجه نحو احتلال كامل. إذا لم يكن هذا مناسبا لرئيس الأركان، فليستقِل".

وقالت سارة نتنياهو، وفقا لتقرير يارون أفراهام في القناة 12، "كنت أعلم أن إيال زامير لن يصمد أمام ضغط الإعلام، فقلت لزوجي إنه لا ينبغي تعيينه".

ونقل المراسل السياسي لهيئة البث الرسمية مايكل شيمش مقتطفات من المواجهة خلال النقاش الأمني حول القتال في قطاع غزة، حيث قال زامير لنتنياهو "كيف يبدو هذا؟ لماذا تهاجمني؟ لماذا لم تُطلعني على معلومات في خضم الحرب؟" ردّ نتنياهو "لا تُهدد بالاستقالة في وسائل الإعلام. لا أقبل أن تُهدد دائما بأنك ستغادر إذا لم نقبل خططك".

وكتب المحلل العسكري لصحيفة يسرائيل هيوم يوآف ليمور أن "التحركات التي يقودها رئيس الحكومة، وبعض الوزراء بتوجيه منه ضد رئيس الأركان، تفتقر إلى الذكاء، وهي تهدف لهدف مركزي واحد: تحميله المسؤولية عن نتائج خطّتهم إذا فشلت، أو عن إفشالها إذا لم تنفذ".

إعلان

ويعتقد المتخصص في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، في حديث للجزيرة نت، أن التهديد بإقالة زامير لا يأتي من فراغ، بل لتعارض المصلحة الأمنية العسكرية مع الرغبات المسيانية للوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ومع مصالح نتنياهو الشخصية والحزبية والسياسية، وقد يكون مصير زامير مشابها لمصير سلفه هرتسي هاليفي ويوآف غالانت ورونين بار وغيرهم.

وأضاف أن من الصعب البتّ في مآل الأمور عسكريا وسياسيا، لكن التجارب المتتابعة تثير حالة من التشاؤم منبعها هو أن الثابت الوحيد رغم كل المتغيرات المحيطة هو حالة نتنياهو الذي يشعر بأنه مهدد شخصيا وسياسيا بالمحاكمة الجارية بتهم الفساد، وبإمكانية تشكل لجنة تحقيق رسمية إذا خسر ائتلافه الحكومي وشكلت حكومة جديدة من معارضيه.

نتنياهو يتوسط رئيس الأركان زامير (يمين) ووزير الدفاع كاتس (مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي)تآكل المنجزات

بناء على ما سبق، لم تعد غزة مجرد "ساحة قتال"، بل مرآة تعكس التصدّع الداخلي في إسرائيل، داخل الجيش والحكومة والمجتمع.

فرغم الإجماع السائد على أن إسرائيل حققت إنجازات ميدانية مهمة، خصوصا على الصعيدين العملياتي والتكتيكي، من خلال تدمير الأنفاق، واستعادة عدد من الأسرى، وتنفيذ عمليات هدم واسعة النطاق، يؤكد محللون أن هذه الإنجازات لم تتحول بالضرورة إلى نصر إستراتيجي شامل، فهناك فرق كبير بين النجاحات الميدانية والخسائر الإستراتيجية.

ولفت المتخصص بالشأن الإسرائيلي أبو عرقوب إلى أن الأزمة الإستراتيجية الإسرائيلية معقدة ومتعددة الأوجه، إذ إن ما يروّجه الجيش من إنجازات ميدانية كبيرة، تتجلى في عيون كل أطراف الخريطة الحزبية الإسرائيلية خسائر إستراتيجية جمة، مع تهديدات متعددة الجبهات تضغط على منظومة الأمن، وضغوط داخلية وخارجية تعرقل التوافق بين الأجهزة السياسية والعسكرية.

كما أن هناك اتفاقا على أن الوضع الحالي يؤدي إلى حالة من الجمود، حيث يستمر القتال بلا حسم ويُهمّش الحل السياسي. لكن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية، من دون تغيير سياسي جذري، ولن تحقق العمليات العسكرية فرقا جوهريا على الأرض، بحسب أبو عرقوب.

في المقابل، يرى البرغوثي أن "خسائر إسرائيل متراكمة وتتصاعد رغم الفعل العسكري لها على الأرض. فمن ناحية إستراتيجية يرون أن بقاء حكومة نتنياهو أطول فترة ممكنة مدعومة بإدارة ترامب، قد يعمّق هذه الخسائر ويوصل إسرائيل إلى هزيمتها الفعلية".

وأضاف أن إقرار زامير بعدم وجود خيارات عسكرية فعالة في القطاع، وتصاعد صدامه مع المستوى السياسي، يشيران إلى أن الاستمرار عسكريا بما يريده السياسيون رغم معارضة العسكريين يعني تحميل الجيش عبئا ومسؤولية بلا جدوى، عبر التضحية بمزيد من الجنود وربما بالمحتجزين.

يضاف إلى ذلك توريط إسرائيل نهائيا في حكم عسكري في القطاع، مع كل التبعات على المستوى الدولي والقضائي والإعلامي في الموقف الدولي تجاه إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • جيش بلا نصر.. كيف دمرت حرب غزة منظومة الردع الإسرائيلية؟
  • العزلة الأمريكية تتسع.. والبحر الأحمر يتحول إلى ساحة مواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني
  • صنعاء تنتقد إحاطة المبعوث الأممي وتهدد بإنهاء عمله في اليمن
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد حسن الشيباني يلتقي نظيره الأردني السيد أيمن الصفدي في العاصمة عمان قبيل الاجتماع الثلاثي الذي يجمعهما مع المبعوث الأمريكي إلى سوريا السيد توماس باراك
  • وزير الخارجية: اليمن لن يخضع للضغوط الأمريكية لتسييس المساعدات
  • كاتبة أمريكية: اليمن يحقق سابقة تاريخية في كسر هيبة البحرية الأمريكية
  •  المؤتمر العفاشي .. جناح العمالة وورقة العدو التخريبية في اليمن
  • المنقذ الذي لا يأتي.. هل ما زلنا ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر؟
  • مصر تقترب من الانضمام لمشروع تطوير المقاتلة الشبحية التركية قآن
  • قيادي إخواني بارز: نكبة 2011 دمّرت اليمن والقيادة كانت للسفارة الأمريكية