صحار وروتردام.. شراكة اقتصادية
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
محمد بن رامس الرواس
خلال الزيارة الكريمة التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى مملكة هولندا الصديقة، مثلت الجوانب الاقتصادية واحدة من أهم أهداف هذه الزيارة، بجانب توطيد العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين البلدين.
وعند الحديث عن الجوانب الاقتصادية، لا يمكننا أن نتجاهل ميناء صحار وميناء روتردام الهولندي اللذين يلعبان أهم الأدوار الاقتصادية في كلا البلدين، ففي عالم يشهد تحولات متسارعة في سلاسل الإمداد العالمية والتجارة البحرية، تبرز الموانئ الاستراتيجية بوصفها مفاصل اقتصادية حيوية تقود التنمية وتدعم الاستقرار.
وفي موقع استراتيجي على بحر عُمان يقع ميناء صحار ويمثل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني العُماني، وقد استطاع الميناء في سنوات قليلة أن يتحول إلى مركز صناعي ولوجستي متكامل، يستقطب الاستثمارات الأجنبية ويحتضن منطقة حرة من الأكثر تطورًا في المنطقة.
وقد ساهم الميناء في تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، كما شكّل منصة لمجالات النقل البحري، والصناعي، والخدمات اللوجستية والتبادل التجاري العالمي، بينما ميناء روتردام، فهو الأكبر في أوروبا والأكثر تطورًا من حيث التقنيات والاستدامة. يقع على الساحل الجنوبي لهولندا، ويُعرف بكونه نقطة التقاء رئيسية للبضائع القادمة من آسيا والشرق الأوسط وأمريكا، ويُدار الميناء بأعلى معايير الكفاءة البيئية والرقمية، ويُعد رائدًا في استخدام الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر، ما جعله نموذجًا عالميًا في إدارة الموانئ.
ففي عام 2002، وُلدت شراكة اقتصادية بين سلطنة عُمان ومملكة هولندا تمثلت في تأسيس "ميناء صحار والمنطقة الحرة" بشراكة استراتيجية بين الحكومة العُمانية و"ميناء روتردام"، وقد نقلت هذه الشراكة خبرات روتردام المتقدمة إلى صحار، وأسهمت في بناء منظومة تشغيلية على مستوى عالمي، الأمر الذي عزز من قدرة الميناء العُماني على استقطاب خطوط الشحن الدولية ومنافسة الموانئ الإقليمية.
وكان الهدف هو نقل خبرات أكبر موانئ أوروبا إلى الخليج العربي، والمساهمة في بناء اقتصاد لوجستي حديث ينسجم مع رؤية "عُمان 2040".
وقد نوّه عدد من الاقتصاديين الدوليين والإقليميين ان هذا التكامل، سواء من الناحية التشغيلية أو من حيث الدور الجغرافي لميناء صحار كونه بوابة بحرية بين الشرق والغرب، حيث قال البروفيسور جان فان هوفن من جامعة إيراسموس في روتردام: "ان تكامل ميناء صحار مع روتردام ليس مجرد تعاون تجاري بل هو انتقال للمعرفة الأوروبية إلى بيئة خليجية قادرة على المنافسة عالميًا".
ولقد أشار العديد من الاقتصاديين الأوربيين الى أن ميناءي صحار وروتردام يشكلان جسرًا لوجستيًا يمتد من شمال أوروبا إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، في تجربة تُعد من الأنجح عالميًا في تكامل الموانئ.
ويقول مارك فان دير فليت الخبير بإدارة الموانئ إن "ميناء صحار استفاد من النموذج الهولندي لكنه أضاف طابعًا خاصًا يتوافق مع الموقع الجغرافي والأسواق الإقليمية، وهو ما يجعل من التجربة أكثر من مجرد تقليد، بل ابتكارًا مشتركًا".
ختامًا.. في ظل المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، تظل الموانئ أكثر من مجرد محطات لنقل البضائع؛ إنها محركات تنمية، وروافد استقرار، وقنوات لتبادل الخبرات. ويبرهن التعاون بين ميناء صحار وروتردام على أن الاستثمار في البنية التحتية البحرية هو استثمار في المستقبل، وبوابة لتحقيق تنمية مستدامة تربط بين ضفتي الخليج وأوروبا.
وعليه يعكس كل ذلك تكامل ميناء صحار وروتردام نجاح الدبلوماسية الاقتصادية، وقوة الشراكة الدولية عندما تُبنى على الثقة والرؤية المستقبلية. فالموانئ لم تعد مجرد مراسٍ للبضائع؛ بل أصبحت قواعد استراتيجية للنمو، ومنصات لتبادل الخبرات وبناء جسور بين الحضارات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مسؤولون صهاينة: المرحلة الرابعة من الحصار البحري اليمني تنذر بشلل اقتصادي حقيقي
وأثار هذا الإعلان مخاوف واسعة في الأوساط السياسية والعسكرية لدى العدو، حيث تتزايد التقديرات بأن حركة الملاحة من وإلى الموانئ المحتلة ستتأثر بشكل أكبر مما كانت عليه في المراحل السابقة.
وأضاف الموقع في تقرير صادر عنه، اليوم الأربعاء، أن كيان العدو أصدر تحذيرات للشركات المشغلة للسفن من الاقتراب من مسارات البحر الأحمر والبحر العربي، خشية تعرضها لهجمات جديدة من قبل القوات المسلحة اليمنية، لا سيما بعد أن أكدت الأخيرة التزامها بدعم القضية الفلسطينية والاستمرار في عملياتها حتى رفع الحصار عن غزة ووقف العدوان.
وبحسب الموقع، فإن المرحلة الجديدة تشمل تصعيداً تقنياً في الأسلحة المستخدمة وزيادة في الرقعة الجغرافية التي يشملها الحصار البحري، حيث يضع هذا التطور الاحتلال أمام تحديات معقدة لا يمكن تجاوزها من خلال الوسائل العسكرية أو الضغط الدولي.
ولفت إلى أن الخطوة الأخيرة لليمن جاءت بالتزامن مع عجز أمريكي واضح عن فرض الأمن البحري في المنطقة، خصوصًا بعد تقليص الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر وتراجع فعالية العمليات البحرية الأوروبية.
في السياق أشار محللون صهاينة، إلى أن استمرار الحصار بهذا الشكل قد يؤدي إلى شلل اقتصادي حقيقي في الموانئ المحتلة، خاصة في ظل امتناع عدد من شركات الشحن العالمية عن تسيير رحلات بحرية باتجاه الكيان، وهو ما يُبرز التحديات الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها العدو الإسرائيلي نتيجة للحصار البحري اليمني المتصاعد.