حل أزمة الودائع يبدأ من السراي.. لا من واشنطن
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
كتب عماد شدياق في" نداء الوطن": تستعجل الحكومة الذهاب إلى صندوق النقد الدولي خالية الوفاض. متأبطة (على طريقة الرئيس نواف سلام) قانوناً يتيماً وفارغاً عنوانه "قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها"، لا يأتي صراحة على ذكر تحديد المسؤوليات وكيفية توزيع الخسائر، التي تعني تحديد النسب المئوية التي يُفترض أن تتحملها 4 جهات: مصرف لبنان، المصارف، الدولة والمودعون.
لا مبالغة في القول إنّ ما يعطّل إقرار هذا القانون هو عبارة تمسكت بها الحكومات المتعاقبة كما الحكومة الحالية، وهي أساس تعطيل أيّ حلّ منظور، وتلك العبارة هي: "قدسية الودائع"، وذلك من باب "بيع" المواقف الشعبوية للمودعين وتمييع الحلّ.
وحينما نقول "مودعون" فليس المقصود المودعون الكبار حصراً، وإنّما كل المودعين (كباراً وصغاراً)، كل مودع استفاد من الفوائد المرتفعة، أو حصل على قرض ثم ردّ قيمته خلال الأزمة على سعر صرف وهميّ (1500 ليرة) ويطالب اليوم بكامل وديعته، وكل مودع حوّل وديعته بالليرة اللبنانية إلى دولار خلال الأزمة ويطالب المصرف بها اليوم بالدولار الأميركي... وقسّ على ذلك الكثير من الأمثلة.
هذا السيناريو، يعيدنا إلى المربّع الأول. أي إلى مصرف لبنان بوصفه الجهة القادرة على إحصاء الحسابات المصرفية عدداً، ومقارنتها من أجل معرفة "المشروع" منها من "غير المشروع". وبالتالي "تشريحها" من أجل معرفة حجمها الفعلي، وفصل تلك الحقيقية من تلك غير المشروعة أو الوهمية... ويُقال إنّ حجم الودائع بعد عملية التصفية وحسم الفوائد واسترداد الفروقات من القروض المسددة على 1500 ليرة، ربّما ينحدر إلى أكثر من النصف بقليل (بين 50 و 60 مليار دولار).
بعد تجرّع كأس السمّ، والحصول على رقم الودائع الحقيقي، تستطيع الحكومة معرفة حجم "الفجوة المالية"، ثم يعلن مصرف لبنان، بعد أن يعترف بأموال المصارف، عن كيفية ردّ أموال المصارف التجارية... وإن كان هناك فرق بين المتوجب على المصارف من ودائع وبين ما تطالب به المصارف، تعمد الحكومة على تحمّله من خلال إعادة رسملة مصرف لبنان، خصوصاً أنّ جزءاً من هذه الخسائر تسبّبت به حكومات ما بعد الأزمة (الإصرار على الدعم، وسعر صرف 1500 ليرة، و"سعدنات" منصة صيرفة...).
عندها تستطيع الحكومة توزيع المسؤوليات، وبالتالي توزيع الخسائر. قبل هذا السيناريو، فإنّ كل ما نسمعه عن حلول وانتظار قوانين هو مضيعة وقت ولن يقود إلى أي حلّ.
وعليه، فإن مطلب الهيكلة قبل الإقرار بأموال المصارف لدى مصرف لبنان وقبل معرفة كيفية تسديدها، سيبقينا في حال المراوحة نفسها، طالما أنّ السلطة السياسية ترفض الاعتراف بهذه الحقائق.
أمّا التعويل على "عصا" صندوق النقد الدولي السحرية، فهو الآخر وهم يضاف فوق الوهم الموجود، الذي تغرق فيه السلطة وتظنّ أنّ "حفنة" من القوانين (حبر على ورق) تستطيع من خلال حملها إلى واشنطن، إعادة الاقتصاد والقطاع المصرفي لعافيتهما، هذا هو حقاً الوهم بعينه... لأنّ حل أزمة الودائع، وبالتالي الأزمة الاقتصادية برمتها يبدأ من السراي وليس من واشنطن.
مواضيع ذات صلة الرفاعي: تحقيق النهوض في لبنان يبدأ برد الودائع وتصحيح الأجور Lebanon 24 الرفاعي: تحقيق النهوض في لبنان يبدأ برد الودائع وتصحيح الأجور
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مصرف لبنان فی لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
خطة ترامب للسلام.. سحب البساط
ليس أخطر على الأمة من زيف الكلام حين يُلبَس ثوب الحقيقة- طلعت حرب.
يواصل الساسة الأمريكيون التأكيد على أن وقف العمليات العسكرية في غزة لم يكن ليتحقق دون تدخل الرئيس ترامب المباشر، مشيرين إلى أنه الفاعل الوحيد في إنهاء الصراع، بل ويذهبون أبعد من ذلك، بالقول إن النزاع برمته ما كان ليندلع أساسًا لو كان يشغل منصب الرئاسة في تلك الفترة الحرجة.
في الخامس من أيلول الماضي، أطلق مجموعة من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة نداءً عاجلاً للجمعية العامة لتفعيل قرار «الاتحاد من أجل السلام» بهدف وقف عمليات الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. ويُخوّل هذا القرار الجمعية العامة بالتدخل الفوري عندما يخفق مجلس الأمن في أداء مسؤولياته المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين نتيجة استخدام حق الفيتو؛ حيث يمنحها صلاحية إصدار توصيات تشمل إجراءات جماعية، قد تصل في الحالات القصوى إلى استخدام القوة العسكرية كخيار أخير. وبعبارة أوضح، يمثل هذا القرار آلية فعّالة لتجاوز الفيتو الأمريكي الذي مارسته واشنطن ست مرات متتالية لإحباط جهود وقف الأعمال العدائية.
من المفارقات اللافتة أن الولايات المتحدة نفسها كانت أول من لجأ إلى تطبيق هذا المبدأ خلال الحرب الكورية عام 1950، وذلك عقب شلّ الاتحاد السوفييتي لعمل مجلس الأمن عبر استخدامه لحق الفيتو، وهو السيناريو ذاته الذي تكرره واشنطن اليوم في سياق المجازر المرتكبة بغزة.
ويتيح هذا القرار للجمعية العامة صلاحيات واسعة تشمل إصدار توصيات بوقف فوري لإطلاق النار، ونشر قوات دولية لحفظ السلام، وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على الكيان الصهيوني، فضلاً عن إرسال قوات تدخل دولية لفرض السلام بالقوة إن اقتضت الضرورة. وقد شرعت دول الجنوب العالمي بالفعل في بناء تحالفات استراتيجية والترويج لعرض هذا المبدأ على الجمعية العامة تمهيدًا لاعتماده رسميًّا.
إلا أن واشنطن أدركت المخاطر الاستراتيجية المحتملة لطرح هذا القرار على تصويت الجمعية العامة؛ حيث توجست من احتمالية فقدان السيطرة على مسار الأحداث، مما قد يُلحق أضرارًا جسيمة بالكيان الصهيوني، ويفتح الباب أمام الدول النامية للمطالبة بإجراءات تصعيدية إضافية في المستقبل. ومن هذا المنطلق، بادرت الإدارة الأمريكية بتحرك استباقي سريع لإحباط هذه المبادرة. وفي توقيت محسوب بدقة، أُعلن عن «مبادرة ترامب للسلام»، لتستعيد واشنطن زمام المبادرة في قيادة جهود وقف إطلاق النار.
وفي خطوة عاجلة، تقدمت الولايات المتحدة بمشروع القرار 2803 أمام مجلس الأمن، الذي حظي بالموافقة رغم امتناع كل من الصين وروسيا عن التصويت، مما أسفر عمليًّا عن إجهاض مشروع قرار «الاتحاد من أجل السلام».
ولم يقتصر هذا التحرك الاستراتيجي على مجرد تعطيل المبادرة الأممية، بل كان جزءًا من منظومة أهداف أوسع تسعى من خلالها واشنطن إلى توفير حماية شاملة للكيان الصهيوني. فقد شهدت صورة الأخير تدهورًا دراماتيكيًا على الساحة الدولية، فيما تصاعدت الموجة العالمية من التظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية إلى درجة وضعت حكومات حليفة لواشنطن في موقف محرج.
كما سعت الإدارة الأمريكية إلى تعطيل التحركات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية، واحتواء حالة الاستقطاب والانقسام المتنامية داخل المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن محاولة إيصال رسالة للمجتمع الدولي مفادها أنها ليست طرفًا مباشرًا في جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة. وعلاوة على ذلك، هدفت واشنطن إلى كبح موجة الاعترافات الأوروبية المتزايدة بالدولة الفلسطينية، لا سيما بعد الإخفاق الواضح للكيان الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب.
ما عجزت القوة العسكرية عن إنجازه، يُفترض أن تستكمله «مبادرة ترامب للسلام» عبر الوسائل الدبلوماسية
وبهذا، نجحت الولايات المتحدة في تحقيق مآربها الاستراتيجية؛ حيث وفّرت غطاءً سياسيًّا ودبلوماسيًّا متكاملاً مكّن الكيان من مواصلة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي.
والواقع أن ما عجزت القوة العسكرية عن إنجازه، يُفترض أن تستكمله «مبادرة ترامب للسلام» عبر الوسائل الدبلوماسية. فالكيان لا يزال يبسط سيطرته على 60% من مساحة قطاع غزة، ويفرض حصارًا خانقًا يمنع دخول المساعدات الإنسانية، ويواصل تدمير المنازل بشكل ممنهج، ويستهدف المدنيين بعمليات اغتيال متواصلة، ويلوّح بشكل دائم بالعودة إلى التصعيد العسكري الشامل. وفي الوقت نفسه، يبقى معبر رفح مفتوحًا في اتجاه واحد فقط: للخروج النهائي من القطاع دون إمكانية العودة.
وحتى اللحظة الراهنة من كتابة هذا التحليل، لم يتم تشكيل مجلس السلام الموعود، ولم تُنشر قوات حفظ السلام الدولية لتوفير الحماية اللازمة لسكان غزة، كما أن المعابر الحدودية لا تزال مغلقة في وجه الإغاثة الإنسانية. وفي المحصلة النهائية، تناسى المجتمع الدولي المأساة الإنسانية في غزة وانشغل بقضايا أخرى، بينما يستمر القطاع في النزيف ويستشهد الأطفال بسبب البرد ويعيش السكان وسط برك المياه المختلطة بمياه الصرف الصحي، وتتعالى صرخات الاستغاثة من تحت الأنقاض دون مجيب.
الدستور الأردنية