هل تمارس الثقافة تزوير المعاني وقلبها لمصلحة القوي حسب كلمة أفلاطون بأن العدالة والحرية للأقوى؟، وهل حقاً هي للأقوى؟، لا بمعنى التسلط والعنف فحسب، ولكن أيضاً بمعنى الحيلة الثقافية في تحويل المعنى إلى نقيضه، وهذا ما سنكتشفه عبر ما حدث لمصطلح التعددية الثقافية، وكيف جرى تحويل معناه لنقيضه.
تقع التعددية الثقافية في مأزقٍ إشكالي مع مفهوم المساواة.

وإن كانت المساواة تعني التساوي في الحقوق والفرص بين كل المكونات، لكنها تجنح لمعنى نقيض، وهو إلغاء الاختلاف مما يجعل المساواة حالةَ إلغاء مستمر، إذ لا تعطي الاختلافات حقها في تمثل صفاتها، التي هو جوهر حقيقتها، ففكرة التساوي تعني فرض نموذج ينصهر الكل فيه. ومنها جاء مصطلح الاندماج، الذي ظهر مع ظهور المهاجرين من بلدان الشرق إلى بلدان الغرب، ومن ذلك تعبير البوتقة الصاهرة لوصف ما يجب على كل مهاجر لأميركا لكي يذوب في المجتمع الأميركي، الذي يتفوق فيه الرجل الأبيض، وتولَّد عنه مصطلح جوزة الهند وهي ذات اللون الأسمر ولكن باطنها أبيض، ومن ثمَّ على كل مهاجر أن يكون بهويةٍ بيضاء تنغرس في داخله، حتى وإن ظل ظاهره غير أبيض، وكذلك ظهرت في فرنسا دعوات تبتكر مصطلحاً عنصرياً بعنوان (ما الفرنسي)، وجرى تحميل المصطلح بصفات هي في أصلها صفات الرجل الأبيض. وكل من تمثَّل هذه الصفات فهو إذن فرنسي مهما يكن لونه وفكره وشعوره، بحيث يمتنع عن لباسه القومي وعلاماته الدينية وأعرافه الثقافية وهوياته الجذرية، وهذه هي ما يقتل في النهاية مصطلح (التعددية الثقافية)، ويجعل هذا المصطلح مجرد خيالٍ ثقافي. على أن الأصل الثقافي للبشر هو التعدد، وفي البدء كان آدم واحداً ثم تعددت ذريته من وهلتها المبكرة، وكان هابيل وقابيل أخوين يبرز فيهما التماثل التام، ولكنهما وقعا في شراك سردية (الخير/ الشر) فأصبح أحدهما قاتلاً والآخر مقتولاً، وجاءت الصيغة الثقافية اللازمة للجنس البشري، من حيث القتل الحسي كالحروب والوأد والسبي، كصبغٍ تصدر عن رغبات تدمير الآخر حسيّاً ومعنوياً، وكذلك فالعدالة تضمر نقيضها باستمرار من حيث لعبة المحاماة، التي توظف قدرات المحامي في تبرئة المجرم، وتحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، وكذلك في أمثلة الوأد للمرأة قديماً ووأدها المعنوي حديثاً، وكونها نصف رجل عند أفلاطون، أو رجلاً ناقصاً كما ورد عن فرويد.
وزاد أفلاطون من قبل بأن أوجب على النساء تعلم فنون الحرب مثل الرجال، ليكنّ مواطناتٍ كالرجال، كما حثَّ الرجال على أخذهن في الحروب ليخدمن مثل اصطحاب كلاب الصيد حسب تعبيره، وأمعن في قتل التعددية الثقافية حين طرح فكرة المساواة والحرية شرّاً مؤكداً لأنها تساوي بين العبد والسيد.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: هل العقل وطن د. عبدالله الغذامي يكتب: أن تسافر عنك إليك

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي التعددیة الثقافیة

إقرأ أيضاً:

إيداع ملف المسارات الثقافية للأضرحة الجنائزية والقبور النوميدية لدى “اليونيسكو”

أكد وزير الثقافة والفنون زهير بللو، اليوم الاثنين بعين تموشنت، أنه تم إيداع لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”، ملف المسارات الثقافية الخاصة بالأضرحة الجنائزية والقبور النوميدية المتواجدة على المستوى الوطني من أجل التصنيف.

وأبرز الوزير خلال زيارة عمل وتفقد إلى المنطقة أن “ولاية عين تموشنت معنية بملف المسارات الثقافية الخاصة بالأضرحة الجنائزية والقبور النوميدية الذي تم إيداعه لدى منظمة اليونيسكو من خلال ضريح الملك سيفاكس”. مشيرا إلى أن الولاية تتوفر على مقومات تراثية وأثرية تجعلها وجهة لعلماء الآثار.

وأعلن بللو، في تصريح إعلامي أنه بالنظر إلى المقومات الثقافية والتراثية التي تزخر بها الولاية، سيتم “قبل نهاية السنة الجارية” تنظيم ورشة وطنية من أجل تثمين كل المواد الثقافية وجعلها موارد تعود بالفائدة على الولاية وتساهم في التنمية الثقافية والسياحية.

كما أكد التزام وزارة الثقافة والفنون بدعم التظاهرات التي تنظم بعين تموشنت. والمتمثلة في المهرجان الوطني لعرائس القراقوز ومهرجان لتطوير الآلات الموسيقية النحاسية المعروفة بها المنطقة. وكذلك أيام مسرح الشباب التي ستقام قبل نهاية السنة الجارية.

وزار الوزير مقر بلدية عين تموشنت، حيث وجه تعليمات بإيفاد خبراء من المتحف الوطني للفنون الجميلة لتشخيص الحالة المعمارية لهذا المرفق. ودراسة إمكانية تسجيل عملية لتأهيله.

وبالمتحف العمومي “قادة برحو” بالمدينة ذاتها، زار بللو معرضا استحضر مختلف المحطات التاريخية للأمير عبد القادر. وعاين مختلف أجنحة المتحف الذي يتوفر على لقى أثرية تعود إلى الفترات الجيولوجية القديمة ومرورا بفترة ما قبل التاريخ.

كما أشرف بالمناسبة على عملية توزيع 3600 كتاب على ثلاث بلديات. وثلاث مؤسسات استشفائية عمومية، ومؤسسات لإعادة التربية والتأهيل. ومؤسسات تابعة لقطاع النشاط الاجتماعي.

وكانت قاعة سينما “فلاوسن” بعين تموشنت محل تدشين من طرف الوزير بعدما شهدت عملية ترميم واعادة تأهيل. وأشرف بها على انطلاق فعاليات أيام “سيفاكس” للفيلم الوثائقي المنظمة على مدار يومين. وتتضمن تقديم 12 فيلما وثائقيا بحضور كوكبة من المخرجين الجزائريين.

وصرّح الوزير بالمناسبة أن افتتاح هذه القاعة للسينما المزودة بأحدث التجهيزات، والتي تعد الثانية من نوعها بالولاية. تدخل في إطار توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لخلق صناعة سينمائية.

كما عاين زهير بللو، أيضا أشغال تهيئة ملحقة دار الثقافة “عيسى مسعودي”. وطاف بعدد من الورشات الفنية لهذا المرفق.

كما أشرف على التوقيع على اتفاقيات لمشاريع الدعم العمومي للوزارة والولاية للسنة الجارية. تم بموجبها دعم 11 مشروعا ثقافيا جمعويا في إطار تنشيط المحيط الثقافي خلال الفترة الصيفية.

وببلدية الأمير عبد القادر، زار الوزير النصب التذكاري المخلد لمعاهدة “تافنة”، وتلقى عرضا حول مشروع تهيئة هذا الموقع المتربع على مساحة 7500 متر مربع بخلق فضاءات استجمام وقطب تجاري يتم التكفل بإنجازه ضمن ميزانية البلدية.

ومن جهة ثانية، قدمت للوزير بالموقع الأثري “سيفاكس” (بلدية الامير عبد القادر) دراسة مخطط حماية الموقعين الأثريين الضريح الملكي “سيفاكس” و”سيقا” من طرف مكتب دراسات متخصص.

مقالات مشابهة

  • النهدي: التعددية السياسية درعا ضد الاستبداد ومنع للهيمنة
  • انتخابات القضاة بالمكسيك.. بدعة ديمقراطية أم خدعة سياسية؟
  • تكريم عمان الاهلية بحفل الأولمبياد العالمي لجمعية المواهب العلمية الثقافية
  • د.حماد عبدالله يكتب: بشأن قانون المحليات المزمع (1) !!
  • إيداع ملف المسارات الثقافية للأضرحة الجنائزية والقبور النوميدية لدى “اليونيسكو”
  • التعددية القطبية الحضارية في عالم ما بعد أمريكا
  • مدير مشروع تلال الفسطاط: المنطقة الثقافية تضم 6 مطاعم و3 نوافير وبوابة بارتفاع 17 مترًا
  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر "قميص " ناقص "كم" !!
  • إعلان الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية بدورتها الـ19
  • د.حماد عبدالله يكتب: " كوميديا " المحليات !!