صور- البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة المجيد في الكاتدرائية بالعباسية
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
كتب- أحمد السعداوي:
صلَّى قداسة البابا تواضروس الثاني، قداس عيد قيامة السيد المسيح في الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس بالعباسية، اليوم الأحد، بمشاركة سبعة من الآباء الأساقفة، ووكيل البطريركية بالقاهرة، والآباء كهنة كنائس منطقة الأنبا رويس، وعدد من الآباء الكهنة والرهبان، ورهبان من الكنيستَين الإثيوبية والإريترية، وخورس شمامسة الكلية الإكليريكية اللاهوتية بالأنبا رويس.
وبدأت صلوات القداس، مساء أمس السبت، وانتهت في الساعات الأولى من صباح اليوم.
ودخل موكب قداسة البابا إلى الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية، ومعه الآباء الأساقفة؛ يتقدمهم خورس الشمامسة، وهم يرتلون ألحان استقبال الأب البطريرك، وتفاعل أبناء الكنيسة، الذين امتلأت جنبات الكاتدرائية بهم مع قداسة البابا لدى دخوله إلى صحن الكنيسة، وكذلك أثناء دورة القيامة.
وشهد القداس مشاركة العديد من المهنئين؛ على رأسهم اللواء أركان حرب أحمد علي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، مندوبًا عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووكلاء مجلسَي النواب والشيوخ، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مندوبًا عن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ووفد من قادة القوات المسلحة، ووفد من قيادات وزارة الداخلية، والمستشار بولس فهمي، رئيس المحكمة الدستورية العليا.
وحضر القداس للتهنئة وزراء البيئة، والشباب والرياضة، والتموين، والتنمية المحلية، والشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والطيران المدني، والزراعة، وقطاع الأعمال العام، والعمل، والتربية والتعليم والتعليم الفني، والبترول والثروة المعدنية، ومحافظ القاهرة، إلى جانب ممثلي العديد من المؤسسات والهيئات والأجهزة الرسمية بالدولة، وعدد من أعضاء المجالس النيابية، ورؤساء وممثلي بعض الأحزاب السياسية، ومندوبي عدد من النقابات والجامعات وقيادات الإعلام والصحافة، وسفراء بعض الدول الأجنبية، والشخصيات العامة.
وتم بث الصلوات مباشرةً عبر التلفزيون المصري والفضائيات القبطية وقناة COC التابعة للمركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على شبكة الإنترنت، وعدد من القنوات الفضائية العامة، بينما بثت بعض القنوات أجزاء من القداس.
وقدم نيافة الأنبا مكاري الأسقف العام لكنائس قطاع شبرا الجنوبية، الشكر إلى المهنئين باسم قداسة البابا والمجمع المقدس والهيئات القبطية؛ حيث هنَّأ الكنائس القبطية في مصر والخارج، وكل أبناء الكنيسة الشباب والكبار والأطفال.
وشكر نيافته الرئيسَ عبد الفتاح السيسي؛ لإرساله برقية تهنئة رقيقة بالعيد عبَّر فيها عن صدق مشاعر الود والمحبة التي تربط أبناء الوطن الواحد، متمنيًا موفور الصحة والسعادة لقداسة البابا، ولمصرنا الغالية مزيدًا من التقدم والرخاء، كما أرسل الرئيس برقيةً مماثلةً إلى المصريين المسيحيين المقيمين بالخارج.
ووجَّه نيافة الأنبا مكاري الشكر إلى مستشاري رئيس الجمهورية، ومندوبي رئيسَي مجلسَي النواب والشيوخ ورئيس مجلس الوزراء، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والوزراء الذين حضروا القداس، وكذلك الذين أرسلوا مندوبين عنهم لحضور القداس وتقديم التهنئة.
وبدأ قداسة البابا عظته بالقداس بتوجيه تحية القيامة "خريستوس آنيستي" (أي المسيح قام)، على أبناء الكنيسة الحاضرين، وأجابوه برد التحية "آليثوس آنيستي" (أي بالحقيقة قام)، ثم هنأ الكنائس والإبراشيات خارج مصر في كل قارات العالم وفي مصر والآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل أبناء الكنيسة في مصر وبلاد المهجر بعيد القيامة، وتناول قداسته في عظة القداس "مفاعيل القيامة وأهميتها في حياة الإنسان"؛ من خلال أحد مشاهد القيامة، وهو عندما جاءت المريمات لوضع الحنوط والأطياب على جسد السيد المسيح في فجر الأحد (يوم القيامة)، وسألن في ما بينهن "مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ" (مر ١٦: ٣).
وأشار قداسة البابا إلى أن خطية آدم وحواء (الإنسان الأول) امتدت إلى كل الأجيال، وصنعت حاجزًا أمام الإنسان، وصار التساؤل لدى كل البشر: مَنْ يدحرج لنا الأحجار؟ والتي تتمثّل في: المرض والجهل والفقر والحروب والعديد من المخاوف.
وشرح قداسته أثر الخطية في حياة الإنسان، كالتالي:
1- تجعل فكر الإنسان مظلمًا، كما فعل بيلاطس عندما حَكم على السيد المسيح وهو بار، وغسل يديه بالماء كشِبه مسرحية، "إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ" (لو ٢٣: ٤).
2- تجعل ضمير الإنسان ضعيفًا، كما فعل يهوذا الذي خان السيد المسيح وسلّمه بقليل من الفضة.
3- تجعل قلب الإنسان قاسيًا، كما فعل الفريسيون عندما شكّكوا في معجزة شفاء المولود أعمى، "أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ" (يو ٩: ٢٥).
وأوضح قداسة البابا أن القيامة جاءت لكي تزيل آثار الخطية من خلال ثلاثة مفاعيل، هي:
1- تعطي "استنارة" بنور الله للفكر المظلم، فيصبح فكرًا صائبًا، "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي" (مز ١١٩: ١٠٥).
2- تمنح الإنسان "استقامة" للضمير، "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز ٥١: ١٠).
3- تمنح قلب الإنسان روح "البساطة" والرحمة، فالبساطة تجعل الإنسان مرتبطًا بالسماء، بعيدًا عن هموم الأرض؛ لذلك نصلي دائمًا كيرياليسون (يا رب ارحم)، ونطلب الرحمة لنفوسنا ومن أجل أن نتعلم الرحمة لكل أحد.
وشكر قداسته الرئيسَ عبد الفتاح السيسي؛ على محبته وتهنئته ومشاركته الطيبة للمصريين المسيحيين، في مصر وكل بلاد العالم، وشكر المسؤولين الذين قدموا التهنئة بكل الطرق، داعيًا أن يديم الله المحبة بين كل المصريين، ويملأ القلوب بالسلام وسط الصراعات التي يشهدها العالم، وأن يحفظ بلادنا ويحفظ الوحدة الموجودة على أرض مصر.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
البابا تواضروس قداس عيد القيامة الكاتدرائية المرقسية عيد القيامة المجيدتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
صور- البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة المجيد في الكاتدرائية بالعباسية
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانكالمصدر: مصراوي
كلمات دلالية: سعر الفائدة الرسوم القضائية أسعار البنزين الرسوم الجمركية الحرب التجارية سكن لكل المصريين صفقة غزة مقترح ترامب لتهجير غزة البابا تواضروس قداس عيد القيامة الكاتدرائية المرقسية عيد القيامة المجيد مؤشر مصراوي عید القیامة المجید قداس عید القیامة البابا تواضروس أبناء الکنیسة صور وفیدیوهات السید المسیح قداسة البابا فی مصر بعید ا
إقرأ أيضاً:
نمو العنف في غابة الأفكار
في الآونة الأخيرة رجع الحديث عن خطاب الفتنة المذهبية في وقت يشهد الفلسطينيون إبادة ممنهجة وتدمر غزة تدميرًا شاملًا على أيدي الصهيوغربية الاستعمارية. إنَّ معاول الهدم ستظل مسنونة طالما بقي المسلمون على خطابات تأريخية تزعم أنَّها على الدين الذي جاء به النبي الخاتم رحمةً للعالمين كأن دين الرحمة يوجب عليها الغلظة اتجاه الآخرين. إنَّ أية فكرة لا يمكن أنْ يزول أثرها إلا إذا فُككت وعولجت من جذورها، وهذا أمر عميق وشائك يحتاج إلى خبير ذي نظر حصيف؛ فلرُبَّما بدت لنا فكرة ما بريئة عند نشأتها، لكنها بمرور الزمن تتفاعل مع متغيرات الأوضاع، وتتغذى بأفكار جديدة، فتنتج شؤمًا مقيتًا.
لا نعلم متى بدأ الصراع بالأفكار، ولكن الإنسان عندما وجد في الفكرة مصدرًا للقوة استعملها ضد أخيه الإنسان، وقد درست ذلك في مقال «في جذور العلاقة بين الدين والسياسة» [«عمان»، 15/ 7/ 2025]، ومما قلته: (إنَّ الإنسان حصلت لديه مع السلطة المادية سلطة معنوية، وذلك عندما وجد أخاه الإنسان ينافسه على السلطة المادية، ويتغلب عليه في امتلاكها لجأ هو إلى السلطة المعنوية؛ لأنَّها سلطة ترجع إلى النفس). اكتشاف الإنسان أنَّه يملك سلطة معنوية كان مبكرًا، ولكي يظل بقاؤها وتأثيرها قوياً ألبسها لبوس الإيديولوجيا؛ فالسياسي ربطها بالولاء للوطن، والمتدين ربطها بالولاء لله.
لقد أدرك جيلنا نار الماركسية التي لا تنزل أرضًا إلا أتت على أخضرها ويابسها، وهي تدعي امتلاك الحقيقة، وأنَّها جاءت خلاصًا للبشرية من جحيم الرأسمالية، فإذا الرأسمالية مع توحشها جنة أمامها. ما السبب؟ السبب تطور الأفكار، ونموها في حقل التاريخ.
لقد قامت الشيوعية على فكر كارل ماركس (ت:1883م) الذي لم يكن يتصور مقدار العنف المتولّد بسبب أطروحته بين مادية شيوعية تتنكر للدين، ومادية رأسمالية تستغل الدين. لقد أراد ماركس الموجوع من الرأسمالية أن يطيح بها في عقر دارها، وإذا به يزيدها توحشًا عالميًا. إنَّ أطروحته ما هي إلا تطوير لفلسفة جورج هيجل (ت:1831م) التي أسست لصراع الأفكار بالتنظير للفكرة أنَّها تحمل نقيضها، وتدخل مع نفسها في «جدل» لتنتج فكرة ثالثة. كان تنظيرًا ناعمًا، إلا أنَّه أسس لعنف لم تشهد البشرية له مثيلًا.
هكذا تتحول بعض المنظومات الفكرية وفلسفاتها إلى عنف مدمّر، وهذا ما حصل في الفكر الإسلامي؛ حيث تحول قديمًا وحديثًا بعض منظوماته وأفكاره إلى عنف. والحال أنَّ الأمة كلها تقريبًا ابتليت بالعنف بدرجة أو أخرى بدءاً من الإقصاء والتكفير، وانتهاءً بالقتل والتفجير. إنَّ العنف عَرَض وليس مرضًا، والمرض يكمن في المقولات التي تقف خلفه، وهي حلقات من سلسلة طويلة، كل حلقة منها تحتاج إلى فحص ونظر. ولا ينبغي الاستهانة بأي نوع من مقولات العنف، وإنْ كان ظاهرها انتصارًا للدين؛ فحقيقةُ الدين أنَّه رحمة، ولا يمكن أنْ يؤسس للكراهية. فقد ثبت أنَّ العنف يترعرع تحت السطح الاجتماعي لنتفاجأ بنتائجه الخطيرة فوق السطح، ولا يكفي أنْ نرفع شعار التسامح؛ فهذا خطاب -مع أهميته- لا يصمد أمام قارعة الفتنة عندما تحل، فكل أحد ينحاز لطائفته. إذًا؛ لابد من إخراج العنف من تلافيف العقل، وأقصد تلك السلسلة المتشابكة من الأفكار المؤدية إلى العنف، والتي قد يبدو بعضها بعيدًا عنه، وبالتتبع نجده حلقة من سلسلته العتيدة.
الكثيرون يقصرون نظرهم في واقعة العنف، أو دعوة الكراهية على أسبابها المباشرة، فيردون على من صدرت عنه، وقد يكون ردهم بنفس المنطق، أو استجداءً للتسامح، وقد يحلل البعض الحادثة وفقًا لمؤثرات قريبة، أو علل نفسية لمن صدرت عنه، وقليل من يمد بصره إلى جذور المشكلة، ويفحص شبكة المنظومات الفكرية المؤسسة لخطاب الكراهية. فإذا ما وقعت حادثة عنف رددناها إلى اختراق عقول المنفذين من قِبَل أعداء الدين، وقد نبحث عن التحولات الفكرية والعقدية التي أوقعت مرتكبيها في حبائل العنف، ورُبّما ارتفعنا قليلًا فألقينا باللوم على المتطرفين، وأتبعناه بتأكيد أنَّ هذه الجريمة حصلت بمؤامرة ضد المسلمين. ومع الإقرار بأنَّ مثل هذا قد يحدث، إلا أنَّ الأمر أعمق من ذلك بكثير.
العنف لا ينبت فجأة، أو يهطل من السماء، وإنَّما ينمو في غابة من الأفكار تمتد جذورها إلى مئات السنين، وهي ليست أفكارًا بريئة ليعبّر عنها صاحبها بحرية، بل أفكار متحركة على أرض الواقع ذات ثمار مرة تجري في عروق آكلها نسغًا للتطرف غابة حافلة بما لا يحصى من الأفكار بعضها منظور، وأغلبها خفي عن البصر، منها ما يتشكل حديثًا، وأخطرها قادم من فجاج التاريخ. وهي قد تؤثر مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة، وعلى كل الأحوال هي لا تعمل منفردة، وإنَّما تنتظم في منظومات متماسكة من الأفكار؛ كل فكرة تأخذ بحجزة فكرة أخرى.
الشجرة الأولى التي يُلقى ببذورها في غابة العنف هي المسلّمات، وفي مقدمتها المعتقدات الدينية الغائرة في النفس؛ بحيث ترى الإنسان هادئاً بعيداً عن الصراعات المذهبية، إلا أنَّ البذرة القابعة في قعر نفسه تتغذى باستمرار من الأفكار التي تعبر عليها من مثل: فتوى تتشدد في أمر مباح شرعًا، أو رأي يتحول إلى دين يكفر من يخالفه، ومن أخطرها تلك التي تدّعي التسامح، ثم فجأة تفسر تلك البذرة عنفًا وكراهية. وفكرنا الإسلامي غارق في بحر الخصومات المذهبية تضليلًا وتفسيقًا وتكفيرًا، ومليء بالمناوشات التي اتخذتها المذاهب قربةً لله، كما أنَّ أطروحاتنا المعاصرة لديها فاعلية نافذة بالدوران في طاحونة التاريخ. إنَّ في التاريخ الديني جذورًا سامة تغذي أشجار العنف التي تأبى الموت.
ليس لازمًا أنْ يكون هناك توجيه ظاهر للعنف؛ فقد يكون خفيًا، فعندما يُفتى بجواز قتل المرتد، فهذا يؤسس للعنف، وأما التفاصيل فيحددها المحتسب في تطبيق الحكم بحسب نظرته لمخالفه عقديًا، أو فقهيًا، أو سياسيًا. وهذا التنظير العام من أخطر ما أنتجته آلة الفقه التي يجب مراجعتها.
السياسة لا تقل شأنًا في إذكاء العنف في الإنسان؛ لاسيما إنْ استغلت معتقداته الدينية، وصادفت لدى المهيئين للعنف مقدمات تؤسس له. ومسار التأريخ يكشف أنَّ السياسة تسوس الناس بالدين، وتعمل على استغلال الفوارق المذهبية؛ حتى تتمكن من الهيمنة على الناس، ولكن كثيرًا ما ينقلب السحر على الساحر، فتتحول المعتقدات إلى مصدر تهديد للأنظمة الحاكمة، وقد يصل الأمر إلى سقوطها، والوقائع القريبة تشهد عليه.
ليست السياسة الداخلية وحدها التي ترتع في غابة الأفكار المغذية للعنف، وإنَّما كذلك السياسة الخارجية؛ فالدول الكبرى حتى تهيمن على العالم تستعمل الدين؛ لإثارة الصراع في المناطق التي تشهد تباينات دينية أو مذهبية أو عرقية. وقد ابتليت منطقتنا بالتدخلات الدولية، وإثارتها للنعرات بشتى أنواعها.
صفوة القول إنَّ العنف غابة واسعة مشتبكة الجذور متشابكة الأغصان تتفاعل فيما بينها لتدمير الإنسان والمجتمعات والدول، وفيروساتها شديدة العدوى والانتشار بين الناس، ومن عسف التحليل النظر إلى سبب دون آخر. ولذلك؛ يحتاج الأمر إلى دراسة واعية، وصبر على التتبع والاستقصاء، ثم إيجاد الحلول السليمة والعملية. ولنكن حذرين في دراستنا غير منحازين عاطفيًا لفكر دون آخر، فالجميع ينبغي أن يوضع على طاولة التشريح، وهذا لا يعني القطيعة مع تراثنا الإسلامي؛ فهو من مكوناتنا الحضارية، ومؤثر في حركة واقعنا، وإنَّما ينبغي نقده؛ ليظل رافد خير لنا، ولأجيالنا القادمة.
ختامًا؛ إنَّ من يؤمن بالله ربًا للعالمين، وأنَّ كلامه جاء رحمة للناس أجمعين فلا ينبغي أنْ يصدر منه العنف والإقصاء؛ فهذا من الإفساد في الأرض، وصدق الله القائل: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) «الشعراء:182».