«نونية» ابن ماجد وخزائن عُمان المتخمة بالمعرفة
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
لا يحتاج المنجز الثقافي والمعرفي العماني إلى شهادة إيداع دولية؛ فخزائن دار المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وخزائن هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية وأضاميم البيوت العمانية ومكتباتها إضافة إلى المتاحف العمانية والعالمية متخمة جميعها بالكنوز التي تكشف عظم المنجز، لكن الإدراجات العالمية في اليونسكو وغيرها مهمة أيضا في بناء السياق الرمزي، والاحتكام له في لحظات الوهم التاريخي.
ومخطوطة «النونية الكبرى» للملاح العماني أحمد بن ماجد التي أدرجتها اليونسكو مؤخرا في برنامج «ذاكرة العالم» مهمة جدا في السياق الرمزي. فإذا البحار وعلماء الملاحة قبل أحمد بن ماجد قد قسموا الأرض إلى سبع مناطق محصورة في شمال الكرة الأرضية فإن أحمد بن ماجد قد أضاف وحده سبع مناطق أخرى في جنوب الكرة الأرضية وهذا في حد ذاته يكشف حجم الإضافة المعرفية العمانية للمعرفة الإنسانية في هذا المجال. أما من حيث رمزية التوقيت فإنها تأتي في لحظة يحتاج فيها العالم إلى معرفة طريق الشواطئ العمانية وطريق موانئها. و«النونية الكبرى» هي المخطوطة الثانية للملاح العماني أحمد بن ماجد التي تدخل برنامج «ذاكرة العالم» بعد مخطوطة «معدن الأسرار في علم البحار» ما يعني أن التقدير العالمي للمنجز الحضاري العماني ما زال مستمرا، وفي الإمكان أكثر بكثير مما كان ففي خزائن وزارة الثقافة والرياضة والشباب كنوز ضخمة يمكن أن تثري «ذاكرة العالم».
وليست خزائن المؤسسات الحكومية وحدها المتخمة بالمنجز العماني ولكن أضاميم البيوت العمانية ملأى بها وبالحكايات التي دوَّنها علماء وفقهاء وشعراء عمانيون كتبوا ملاحظاتهم على هامش التاريخ ثم تركوها أمانة بيدي الأجيال الآتية.
وهذا الفيض الضخم لا يشي فقط بعراقة ثقافة الكتاب؛ بل يشي بمنظومة اجتماعيّة كانت -وما تزال- ترى المعرفة امتدادا طبيعيا للحياة اليومية، مثلها مثل الماء والهواء.
لكن قيمة المخطوطات لا تُقاس بالعدد وحده، فـ«النونية الكبرى» مثلا تُجسّد ثُلاثية العلم والإبحار واللغة؛ فهي إضافة إلى كونها دليلا ملاحيا، ونصّا أدبيا بمعنى من المعاني، هي، أيضا، شهادة أنثروبولوجيّة على تفاعل المجتمع الساحلي مع بيئته ومع الآخر البعيد، وعدم الاكتفاء، في سياقها العلمي، مع ما كان سائدا من طرح حول مناطق تقسيم الأرض. وفي هذا ما يدل على ملامح الشخصية العمانية القادرة على التأثير والإقناع والإضافة المعرفية العميقة، فهي بذلك تؤمن بأن المعارف تتقاطع كما تتقاطع خطوط الطول والعرض، وكما يتقاطع البشر ويلتقون على قيم إنسانية رفيعة تجمع بينهم.
لكن لا بد أن يكون هذا الإدراج الدولي نقطة أخرى من نقاط انطلاقنا في حفظ ذاكرتنا، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مشروع وزارة الثقافة والرياضة والشباب والذي أنجزت خلاله رقمنة آلاف المخطوطات وحفظها وإتاحتها للباحثين رقميًّا. لكن هذه المخطوطات هي جزء يسير من آلاف غيرها ما زالت تحتاج إلى رقمنة وإلى ترميم وهذه مناسبة مهمة للمواطنين الذين يملكون مخطوطات نادرة للمبادرة بفتح تعاون مع الجهات المعنية لترميمها إن كانت تحتاج إلى ترميم ورقمنتها وحفظ نسخ رقمية منها أقدر على البقاء ومقاومة عوامل التغير المناخي.
وإذا كانت «النونية الكبرى» قد وضعت دبوسا يربط عُمان على الخريطة بذاكرة العالم فإننا نستطيع أن نقول للعالم في سياقات أخرى إن عُمان مكتبة عظيمة، تضم آلاف الأسفار التي يمكنها أن تساهم في بناء وعي هذا العالم وكتابة فصول مستقبله.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أحمد بن ماجد
إقرأ أيضاً:
«البيئة العمانية».. مبادرات وجهود مكثّفة ترسم مستقبلا بيئيا مستداما
تبذل جمعية البيئة العمانية جهودا كبيرة في صون الإرث البيئي وتعزز السلوكيات البيئية المستدامة من خلال مبادرات لنشر الوعي والتعليم والتثقيف، وتشمل أولوياتها على المدى البعيد إقامة شراكات مثمرة، وتأمين التمويل، وتعزيز القدرات البشرية والثقافية في هذا الاتجاه، وفي إطار هذه الجهود، استعرضت الجمعية أبرز إنجازاتها المتمثلة حيث تم تنفيذ أربع مسوحات ميدانية شملت أنواعًا مختلفة من السلاحف البحرية والأشجار النادرة كما تعاونت الجمعية مع 36 منظمة دولية، ونجحت في إنقاذ 20 سلحفاة ريماني، وإنتاج 5 مواد توعوية، وإقامة 3 حلقات عمل حول صون الأشجار وتأثير التلوث الضوئي، إلى جانب ذلك، قامت الجمعية بإزالة 60 طنًا من المعدات البحرية المهملة، ليصل إجمالي ما تمت إزالته حتى الآن إلى 825 طنًا. كما تم تجهيز 6 منازل ومساجد بإضاءة معتمدة للحياة البرية في جزيرة مصيرة، وتنظيف 78 كيلومترًا من الشواطئ.
المسوحات الميدانية
وتواصل الجمعية للسنة السادسة عشرة على التوالي تنفيذ مسوحات ميدانية لرصد سلاحف «الريماني» في جزيرة مصيرة، بدعم يمتد لخمس سنوات من صندوق صون السلاحف البحرية التابع للإدارة الأمريكية لخدمات الثروة السمكية والحياة الفطرية. كما يراقب الفريق الميداني سلاحف الخضر من مايو حتى نوفمبر، بالإضافة إلى سلاحف الشرفاف وريدلي الزيتونية، وتستمر الجمعية في دعم العمل الميداني لضمان نجاح الفقس الذي ينفذه مشروع «بحار المستقبل العالمية»، بالتعاون مع هيئة البيئة وشبكة المحيطات البيئية، وتم تحديد تعزيز التوالد لسلاحف الريماني كأحد الأهداف الرئيسية لحماية هذا النوع، وذلك لمواجهة تراجع أعدادها في الجزيرة.
وأطلقت الجمعية مشروع «حلول الإضاءة» للتصدي لمشكلة تراجع تعشيش السلاحف بسبب الإزعاج الناتج عن الضوء الاصطناعي، وبدأ المشروع في عام 2021 من خلال تحديد المناطق المتأثرة بتلوث الضوء والتواصل مع السلطات المحلية في الجزيرة، وبعد تقييم المشروع ومشاركة المجتمع، تم تعديل الإضاءة في 12 منزلا ومسجدًا بأنظمة إضاءة صديقة للسلاحف في عامي 2023 و2024.
وتستكشف الجمعية حاليا إمكانية تعديل الإضاءة في الممتلكات التجارية والحكومية، مثل منتجع جزيرة مصيرة وقرية الصيادين، وقد أسفرت الجهود المستمرة للجمعية عن قرار بإيقاف تشغيل بعض مصابيح الشوارع القريبة من الشواطئ خلال موسم تعشيش سلاحف الريماني بعد الساعة العاشرة مساءً. وهذا العام هو الثاني لتنفيذ هذا القرار، ويعتبر إنجازًا ملحوظًا في مجال الصون، كما يتم حاليًا دراسة خيارات إضاءة صديقة للسلاحف في مناطق بلدية أخرى، مع تطوير إرشادات لتصميم الإضاءة والمتطلبات الفنية من قبل شركة «بندولي البيئية وبحار المستقبل العالمية».
الشباك المهجورة
يعتبر التشابك مع الشباك المهجورة تهديدًا بالغ الأهمية لجميع الكائنات البحرية، بما في ذلك السلاحف البحرية، التي لم تعد بمنأى عن هذه المخاطر، وقد رصد الفريق الميداني للجمعية العديد من الحالات التي تتعرض فيها إناث السلاحف للتشابك، مما يؤدي إلى فقدان أطرافها الأمامية أو الخلفية بسبب الإصابات الناتجة عن هذه الحوادث، وتعكس هذه الحوادث مرونة السلاحف في التعافي على الرغم من فقدان الأطراف، لكن هذه الإصابات تؤدي إلى تقليل متوسط عمر السلاحف، مما يجعلها أكثر عرضة للتشابك مرة أخرى في حوادث مماثلة. وعلى الرغم من أن الجمعية قد رصدت هذه الحوادث على شواطئ مصيرة، إلا أن الدراسات لم تتناول تأثيراتها، وتهدف جهود الجمعية إلى جمع وإعادة تدوير هذه الشباك المهجورة للحد من حالات التشابك مع الحياة البحرية على جزيرة مصيرة.
وبين يناير وفبراير 2024، نفذت الجمعية حملة تنظيف شاملة استمرت 13 يومًا، حيث تم تنظيف 78 كيلومترًا من شواطئ التعشيش من الشباك المهجورة، أسفرت عن جمع حوالي 60 طنًا من المعدات البحرية المهملة أو المفقودة أو المهجورة، بالإضافة إلى نفايات متنوعة مثل السلاسل البلاستيكية، والصناديق، والإطارات، والأحذية، ومعدات التخيييم، والأثاث، والأجهزة الإلكترونية. وساهمت الحملة في تحسين نظافة الشواطئ وزيادة الوعي المجتمعي حول أهمية التخلص المسؤول من معدات الصيد، وتعزيز فهم أعمق لضرورة إدارة النفايات بشكل مناسب لحماية البيئة البحرية.
مسوحات الطيور الجارحة
تواصل جمعية البيئة العمانية جهودها البحثية على نوعين من النسور المهددة عالميًا، وهما الرخمة المصرية والنسور الأذنية، التي تعيش في سلطنة عمان، ففي عام 2012، كشفت الاستطلاعات الميدانية في جزيرة مصيرة عن 53 منطقة تعشيش للرخمة المصرية، مما جعلها واحدة من أعلى الكثافات في العالم. وقد كانت 85% من تلك المناطق تقع في النصف الشمالي من الجزيرة، حيث يوجد المردم البلدي الرئيسي، وعلى مدار 18 يومًا وفي فبراير ويونيو 2024، تم مسح 70 منطقة تعشيش للرخمة المصرية، وبلغ عدد المناطق المأهولة 58، كما تمت متابعة نجاح التكاثر لـ 41 زوجًا، وسجلت 18 فرخًا ناتجًا عن هذه الأزواج، وبالمقارنة مع عام 2012 يبدو أن إجمالي عدد الطيور مستقر، رغم إغلاق المردم الرئيسي في الجزيرة عام 2015، كما لوحظت زيادة كبيرة في نسبة التزاوج الناجحة في الجزء الجنوبي من الجزيرة، مع تسجيل حالات عالية من التزاوج الثلاثي.
وحسب ما جاء في التقرير السنوي للجمعية عام 2024، أنها لم تتمكن في عام 2024 من تأمين تمويل لاستكمال مسوحات النسور الأذنية، ومع ذلك، تلقت معلومات من مراقبين خارجيين بشأن 7 أعشاش في أربع محافظات، وعلى الرغم من عدم إجراء المسوحات الميدانية، تحولت الجهود نحو تحليل البيانات وإدارتها. وطيلة العام، قام الفريق بإعداد قائمة مصورة لتحديد أعشاش النسور الأذنية، وتم الإبلاغ عن أكثر من 40 عشا نشطا عبر ثماني محافظات، إضافةً إلى ذلك، تم إعداد سجل حول سلوكيات الطيور، بناءً على الصور الملتقطة من الكاميرات الفخية خلال الفترة من 2020 إلى 2023. وتمت مشاهدة وتصنيف ما مجموعه 8805 صور و2806 مقاطع فيديو من ثمانية أعشاش للنسور الأذنية، و15,530 صورة و1,809 مقاطع فيديو من ثلاثة أعشاش للرخمة المصرية، وذلك بناءً على السلوك والمراحل الحياتية، وتعتبر هذه المبادرة خطوة أولى نحو فهم أعمق لسلوك النسور من خلال لقطات الكاميرات الفخية وتحليلها المحتمل.
حيتان بحر العرب الحدباء
تتطلب حماية حيتان بحر العرب الحدباء والأنواع البحرية الأخرى في سلطنة عُمان اتخاذ إجراءات عاجلة على مستوى الحكومات لمواجهة التهديدات التي تواجهها، مثل الاصطدامات مع السفن، والتلوث الصوتي، والسياحة غير المستدامة، وتأثيراتها على شبكات الصيد.
في نوفمبر 2022، نظمت هيئة البيئة بالتعاون مع الجمعية البيئية العمانية حلقة عمل لدراسة تطوير خطة تدابير الصون لحيتان بحر العرب الحدباء، بمشاركة أكثر من 60 مشاركًا يمثلون 30 منظمة محلية ودولية.
في عامي 2023 و2024، واصلت الجمعية التعاون مع هيئة البيئة لتفعيل هذه الخطة واعتمادها وتنفيذها.