يومٌ لا يُشبه سواه، تتفتح فيه الزهور وتمتلئ الطرقات بروائح الفسيخ والبصل، الأطفال يركضون وبأيديهم بيض ملوّن بألوان زاهية تعكس أحلامهم، ويمرحون تحت سماءٍ صافية كقلوبهم، والضحكات تطير كالفراشات فوق رؤوسهم، وكأن مصر كلها تجلس في حضن الطبيعة لتحتفل، فحين يُزهر الربيع وتغرد العصافير فوق الأغصان، تنبض مصر بيومٍ خاص اسمه «شم النسيم»، يوم تُفتح فيه نوافذ الروح للهواء العليل، وتُغسل الأحزان بنسمةٍ من الماضي الجميل تحمل طقوس الفرح المقدّس.

ونستعرض خلال السطور التالية جذور الاحتفال بشم النسيم منذ الحضارة الفرعونية.

أصل تسمية شم النسيم

شهدت مصر القديمة أعياداً دينية واجتماعية وزراعية، اختلطت شعائرها الاحتفالية بطقوس خاصة ميزتها عن سائر حضارات الشرق القديم، منها أعياد اندثرت لأسباب تاريخية ودينية، وأخرى كُتبت لها الحياة في ذاكرة المصريين حتى الآن كعيد «شم النسيم»، الذي يحتفل به المصريون منذ نحو 4700 عام.

يأتي عيد شم النسيم على قائمة الأعياد الزراعية في مصر القديمة، واصطبغ بمرور الوقت بصبغة اجتماعية ذات صلة بالطبيعة، كما يتضح من اسمه «شمو» في اللغة المصرية القديمة، بالكتابة الهيروغليفية، وهي نفس الكلمة التي أطلقها المصريون القدماء على فصل الصيف، وتحمل أيضا معنى «الحصاد»، ثم تحولت الكلمة إلى «شم» في اللغة القبطية، التي تعد مرحلة متأخرة من الكتابة المصرية القديمة، لكن بأحرف يونانية.

ويرى بعض المتخصصين في اللغة المصرية القديمة أن تسمية «شم النسيم» تنطوي على تركيب لغوي كامل في اللغة المصرية القديمة هو «شمو» وتعني الحصاد، - إن «ال»- سم «نبات»»، في دلالة واضحة على عدم تحريف الاسم المصري الأصلي بإدخال كلمة «نسيم» العربية، التي يعرّفها المعجم بأنها «ريح لينة لا تحرك شجرا»، للإشارة إلى اعتدال الجو وقدوم فصل الربيع.

شم النسيم بداية الاحتفال بعيد شم النسيم في مصر القديمة

واختلف العلماء في تحديد بداية واضحة ودقيقة لاحتفال المصريين بعيد «شم النسيم»، فمنهم من رأى أن الاحتفال بدأ في عصور ما قبل الأسرات، بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم، ورأى آخرون أنه يرجع إلى عام 4000 قبل الميلاد، واستقر أغلب الرأي على اعتبار الاحتفال الرسمي بعيد «شم النسيم» في مصر قد بدأ عام 2700 قبل الميلاد، مع نهاية عصر الأسرة الثالثة وبداية عصر الأسرة الرابعة، وإن كانت هذه الآراء لا تنفي ظهوره في فترة سابقة ولو في شكل احتفالات غير رسمية.

وقسّم المصري القديم فصول السنة، التي أطلق عليها كلمة «رنبت»، إلى ثلاثة فصول فقط، ارتبطت بالدورة الزراعية التي اعتمدت عليها حياته بالكامل وهي: فصل الفيضان الذي أطلق عليه «آخت»، وهو يبدأ من شهر يوليو، وفصل بذر البذور «برت»، ويبدأ في شهر نوفمبر، وفصل الحصاد «شمو» الذي يبدأ في شهر مارس.

لم تكن حياة المصري قديما مقصورة على إقامة الشعائر الدينية، مجرّدة من اي استمتاع بمباهج الحياة ونشر روح البهجة، فقد حرص في أكثر من مناسبة على تأكيد مفهوم البهجة في نقوشه ونصوصه الأدبية، كهذا المقتطف الذي يُطلق عليه «أناشيد الضارب على الجنك». يُظهر هذا المقتطف، الذي قدمته العالمة الفرنسية كلير لالويت، للنص المصري القديم، في دراستها «نصوص مقدسة ونصوص دنيوية»، قدر تمسك المصري بكل ما يشع بهجة للإنسان في حياته وفي محيط أسرته، إذ يقول: «اقض يوما سعيداً، وضع البخور والزيت الفاخر معاً من أجل أنفك، وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، بينما زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك»،

ويضيف النص: «فلتكن الأغاني والرقص أمامك، واطرح الهموم خلفك. لا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يحلّ يوم الرسو في الأرض التي تحب الصمت».

عيد شم النسيم عند المصريين القدماء

اعتبر المصريون القدماء عيد شم النسيم بعثاً جديداً للحياة كل عام، تتجدد فيه الكائنات وتزدهر الطبيعة بكل ما فيها، كما اعتبروه بداية سنة جديدة «مدنية»، غير زراعية، يستهلون به نشاطهم لعام جديد، وكانت الزهور وانتشار الخضرة بشيراً ببداية موسم الحصاد، فكانوا يملأون مخازن الغلال بحصاده، ويقدمون للإله الخالق، خلال طقوس احتفالية، سنابل القمح الخضراء، في دلالة رمزية على «الخلق الجديد» الدال على الخير والسلام.

وحمل عيد «شم النسيم» طابع الاحتفال الشعبي منذ عصور قديمة للغاية، سجلها المصري في نقوشه على جدران مقابره، ليخلّد ذكرى نشاطه في ذلك اليوم، فكان الناس يخرجون في جماعات إلى الحدائق والحقول للتريض، والاستمتاع بالزهور والأخضر على الأرض، حاملين صنوف الطعام والشراب التي ارتبطت بهذه المناسبة دون غيرها، وحافظ المصريون على هذه الطقوس آلاف السنين حتى الآن، في مشهد موروث ومستنسخ كل عام لعادات مصرية قديمة غالبت الزمن.

إجازة شم النسيم 2025 النقوش المصرية تجسد الاحتفال بعيد شم النسيم

دأبت النقوش المصرية على تصوير مناظر تبرز موائد وأطعمة كثيرة، تتسم بالبذخ أحياناً من نصيب الطبقات العليا في المجتمع المصري، أمثال الوزراء والكهنة وكبار الموظفين وأصحاب الأراضي، أما عامة الشعب فكانوا ينتظرون الأعياد والمناسبات الاحتفالية لتناول كل ما لذ وطاب لهم من مأكل ومشرب في حدود الإمكانات.

وحرص المصري القديم على أن تضم قائمة طعامه في «شم النسيم» عدداً من الأطعمة التي لم يكن اختيارها محض عشوائية أو صدفة بحتة، بل كانت تحمل مدلولاً دينياً وفكرياً ارتبط بعقيدته خلال احتفاله بالمناسبة، من بينها أطعمة أساسية كالبيض، والسمك المملح «الفسيخ»، والبصل، والخس، والحُمص الأخضر «الملانة».

وترمز البيضة إلى «التجدد وبداية خلق جديد» في العقيدة الدينية المصرية، فهي منشأ الحياة، وقناة خروج أجيال من الكائنات، وأصل كل خلق، ورمز كل بعث، أطلق المصري على البيضة كلمة «سوحت»، وذكرها في برديات الأدب الديني القديم عندما اعتقد أن الإله «خلق الأرض من صلصال في هيئة بيضة، ودب فيها الروح، فبدأت فيها الحياة»، لذا كانوا يقدمون البيض على موائد القرابين لدلالته الرمزية والدينية على حد سواء.

كما نُسب إلى الإله «بتاح» أنه خالق البيضة التي أخرجت الشمس، بحسب العقيدة المصرية القديمة، فكانت البيضة رمزاً للشمس المتجددة كل يوم ومبعث الحياة كلها، وكان المصري ينقش على البيضة أمنياته الخاصة، ويضعها في سلة مصنوعة من سعف النخيل، ليحظى بإطلالة نور الإله عند إشراقه متجسداً في نور الشمس في يوم العيد كل عام.

إجازة شم النسيم 2025 تناول الفسيخ في شم النسيم في الحضارة القديمة

وحرص المصري القديم على تناول السمك المملح «المعروف حاليا بالفسيخ» في هذه المناسبة مع بداية تقديسه نهر النيل، الذي أطلق عليه «حعبي» بدءاً من عصر الأسرة الخامسة، فضلا عن ارتباط تناوله بأسباب عقائدية تنطوي على أن الحياة خُلقت من محيط مائي أزلي لا حدود له، خرجت منه جميع الكائنات، أعقبه بعث للحياة ووضع قوانين الكون.

وبرع المصريون في صناعة السمك المملح، وكان يخصصون لصناعته أماكن أشبه بالورش كما يتضح من نقش في مقبرة الوزير «رخ-مي-رع» في عهد الأسرة 18، وتشير بردية «إيبرس» الطبية إلى أن السمك المملح كان يوصف للوقاية والعلاج من أمراض حمى الربيع وضربات الشمس.

وأولى المصريون أهمية كبيرة لتناول نبات البصل، الذي أطلقوا عليه اسم "بصر"، خلال الاحتفال بعيد "شم النسيم" اعتباراً من عصر الأسرة السادسة، لارتباطه بأسطورة قديمة تحدثت عن شفاء أمير صغير من مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وكان البصل سبباً في الشفاء بعد أن وُضع النبات تحت وسادة الأمير، واستنشقه عند شروق الشمس في يوم وافق احتفال المصريين بعيد "شم النسيم" فكُتب له الشفاء، فأصبح تقليداً حافظ عليه المصريون حتى الآن.

بقاء بلا نهاية للاحتفال بعيد شم النسيم

نقل المصريون قديما الاحتفال بعيد الحصاد، «شم النسيم»، وطقوسه إلى حضارات الشرق القديم في عهد الملك تحوتمس الثالث «1479-1425 قبل الميلاد» وفتوحاته العسكرية، التي أسهمت في توسع الإمبراطورية المصرية جغرافيا، وخروجها بعيداً عن نطاق حدود الدولة المصرية، ونشر عادات وتقاليد مصرية غريبة عن هذه الحضارات، فكُتب لها الاستمرار وإن حملت أسماء مختلفة.

وروجت مصر عقائدها واحتفالاتها بنفس الفكر العقائدي المحلي، كما حمل عيد الحصاد نفس مفهوم تجدد الحياة وبداية الخلق كل عام في حضارات الشرق القديم، واعتبرته شعوب تلك الحضارات بداية لسنة جديدة لبعث الحياة، كما حدث في الحضارات البابلية والفارسية والفينيقية.

ويعتبر عيد «شم النسيم» الاحتفال الوحيد الذي جمع المصريين بمختلف عقائدهم الدينية منذ آلاف السنين، دون أن يلبس ثوباً عقائدياً على الإطلاق، فالمشهد التاريخي في مصر يُؤْثر التصورات الذهنية التي غالبت الأيام، بعد أن ظلت أرضها المركز الأول لكل حياة، حياة الآلهة وحياة البشر، فكل شئ ينطلق انطلاقا من هذا المكان.

اقرأ أيضاًطبيب قلب يُحذر من الإسراف في الأسماك المملحة خلال شم النسيم: «ممنوع على هؤلاء»

شم النسيم 2025.. أسعار الفسيخ والرنجة اليوم الإثنين 21 أبريل 2025

«ارتدوا الكمامات في هذا التوقيت».. الأرصاد تُعلن توقعاتها لـ طقس يوم شم النسيم

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: عيد شم النسيم شم النسيم احتفالات شم النسيم إجازة شم النسيم الفسيخ والرنجة في شم النسيم موعد إجازة شم النسيم الاحتفال بشم النسيم الاحتفال بعيد شم النسيم تناول الفسيخ في شم النسيم المصریة القدیمة الاحتفال بعید المصری القدیم عید شم النسیم مصر القدیم عصر الأسرة فی اللغة کل عام فی مصر

إقرأ أيضاً:

250 جنيها.. موعد أول زيادة للإيجارات القديمة

بعد سنوات طويلة من ثبات القيم الإيجارية، تبدأ صفحة جديدة في ملف الإيجار القديم مع دخول القانون رقم 164 لسنة 2025 حيز التنفيذ، بعد موافقة البرلمان وتصديق رئيس الجمهورية في 4 أغسطس 2025.

قانون الإيجار القديم يضع إطارًا واضحًا لزيادة القيم الإيجارية فورًا، ويحدد نسب الزيادة السنوية، بالإضافة إلى جدول زمني لإنهاء العقود القديمة تدريجيًا.

متى تبدأ أول زيادة؟

تُطبَّق الزيادة الأولى لـ الإيجار القديم اعتبارًا من موعد استحقاق الإيجار الشهري التالي لتاريخ العمل بالقانون.
بمعنى آخر، إذا كان الإيجار القديم يُدفع في بداية الشهر، فإن أول زيادة ستظهر في فاتورة سبتمبر 2025.

تفاصيل الزيادة الأولى

1- الوحدات السكنية:

المناطق المتميزة: 20 ضعف القيمة الإيجارية الحالية (حد أدنى 1000 جنيه شهريًا).

المناطق المتوسطة: 10 أضعاف (حد أدنى 400 جنيه شهريًا).

المناطق الاقتصادية: 10 أضعاف (حد أدنى 250 جنيهًا شهريًا).

زيادة سنوية ثابتة: 15٪.

2- الوحدات غير السكنية (للأشخاص الطبيعيين):

5 أضعاف القيمة الإيجارية الحالية.

زيادة سنوية: 15٪.

جدول إنهاء العقود تدريجيًا

غير السكني – أشخاص طبيعيون: انتهاء العقود في أغسطس 2030 (مدة انتقالية 5 سنوات).

السكني – أشخاص طبيعيون: انتهاء العقود في أغسطس 2032 (مدة انتقالية 7 سنوات).

قانون الإيجار القديم.. إجراءات لإخلاء الوحدة السكنية حال امتناع المستأجر عن التسليمقانون الإيجار القديم .. حالتان تمنحان المالك حق استعادة وحدته السكنيةتوفير بديل للمستأجرين

وينص قانون الإيجار القديم أنه يكون لكل مستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار وفقاً لأحكام القانونين رقمــــى 49 لسنة 1977 ، 136 لسنة 1981 المشار إليهما ، وقبل انقضاء المدة المحددة لانتهاء العقـود في المادة (2) من هذا القانون ، أحقية في تخصيص وحدة سكنية أو غيــر ســكنية ، إيجارًا أو تمليكا ، من الوحدات المتاحة لدى الدولة، وذلك بطلب يقدمه المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار مرفقا به إقرار بإخلاء وتسليم العين المستأجرة فـور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة.

ويُصدر مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير المختص بشئون الإسكان خلال شهر من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون قرارًا بالقواعد والشروط والإجراءات اللازمة لتلقى الطلبات والبت فيها ، وترتيب أولويات التخصيص وجهات الدولـــة المنوط بها تخصيص الوحدات المتاحة، وتلتزم الجهات المشار إليها بعرض الوحدات المتاحة لديها ونتيجة ترتيب الأولويات على مجلس الوزراء لاعتمادها ، على أن يتم الالتزام بتخصيص الوحدات السكنية للمستأجر الأصلي للوحدة السكنية الذي تحرر لــه عقد إيجار من المالك أو المؤجر ابتداءً وكذلك زوجه الذي امتد إليه العقد قبل العمل بأحكام هذا القانون ، وذلك قبل عام كحد أقصى من انقضاء المدة المحددة بالمادة (2) من هذا القانون.

وحال إعلان الدولة عن وحدات تابعة لها سكنية أو غير سكنية ، إيجارًا أو تمليكا . إيجارًا أو تمليكا ، يكون للمستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار الأولوية في تخصيص وحـــدة، بمجرد تقدمه بطلب مرفقا به إقرار إخلاء الوحدة المستأجرة المشار إليه بالفقرة الأولــى مــن هذه المادة، على أن يُراعى فى الأولوية حال التزاء راحم طبيعة المنطقة التي بها الوحـــدة المستأجرة ، ويُحدد الإعلان الضوابط والقواعد والإجراءات اللازمة للتخصيص.

طباعة شارك الإيجار القديم قانون الإيجار القديم الإيجار القديم 2025 الإيجارات القديمة الايجار القديم زيادة الايجار القديم موعد زيادة الايجار القديم

مقالات مشابهة

  • حياة خطاب: الدولة المصرية تقف شامخة بفضل الله ثم بجهود الرئيس السيسي ورؤيته الإستراتيجية
  • بعيدًا عن حشود السياح.. هذه 6 من أفضل الجزر الأمريكية لزيارتها
  • محمد الغبارى: ما تدعيه إسرائيل هو بعيد تماما عن الحق التاريخى
  • تكريم مؤسسة «مشوار» في ورشة عمل لزيادة الوعي الأثري بالحضارة المصرية القديمة
  • الصواريخ الصامتة سلاح بعيد المدى غيّر موازين القتال الجوي
  • برج الحمل .. حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025: احتفل بكل انتصار
  • سامح حسين يهنئ ابنته بعيد ميلادها: «حبيبة القلب»
  • جيهان زكي: حياتنا اليومية تحمل بصمات الحضارة المصرية القديمة
  • 250 جنيها.. موعد أول زيادة للإيجارات القديمة
  • ليلى عز العرب: أعشق الحضارة المصرية القديمة ونفرتاري أيقونة رومانسية |فيديو