سودانايل:
2025-07-07@05:01:45 GMT

رفع أنقاض الماضي

تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT

حتى بعد دخول الحرب عامها الثالث لا يزال السودانيون يخوضون حروبا كلامية على جبهات جدلٍ عقيم بحثاً عمّا يُكسِبها عقلانيةً ، مشروعيةً أو على الأقل تبريرًا سياسيًا. على غير مظهرها هي حربٌ معقّدة . من ذلك أنها ليست بين أعداء - كما هي الحروب - بقدر ماهي حرب حلفاء داخل معسكر واحد . مع ذلك هي حربٌ تستهدف خصما خارج جبهات الاقتتال تفوق خسائر ه الفردية والجمعية كلفة خسائر المتقاتلين .

هي كذلك حربٌ خارج القاموس السياسي التقليدي إذ لا تستهدف إعادة رسم الجغرافية السياسية، بدوافع فكرية أو سياسية. بل منطلقها وغايتها فقط احتكار السلطة وغنائمها .كذلك هي لا تستهدف تثبيت السلم الاجتماعي بين ثقافات وأعراق متنازعة بل تُمعن في تحطيم المعمار الاجتماعي . لذلك لن تبدأ مهام السلام برفع أنقاض المباني بل من عند كنس الماضي السياسي والاجتماعي برمته تكريسا لسلام مستدام
*****
نعم توجد تناقضات تأخذ طابعَ الصراعات داخل المجتمع السوداني. أحيانًا تبلغ السطح .لكنها ظلت دائما تحت مظلة الدولة ،ليس فقط بتفعيل هيمنة السلطة .بل بفعل هيبتها كذلك خوفاً من خروج الصدام عن سيطرة الفرقاء أو توريط الدولة فيه. فالقبائل المتنازعة ظلت تنظر إلى الدولة كيانا فوقياً محايدا لا ترغب في كسر حياديته. لذلك ظل مألوفا إسكات تلك الصدامات القبلية فئ بداياتها بجهود سلمية (الجودية) .في ظل فقدان الجنجويد مشروعا سياسيا لجأ (متفذلكون )إلى محاولة تلبيس تورط الميليشيا في الحرب الرعناء رداءً قبلياً بغية اكساب تلك الحماقة مشروعية زائفة. أكثر فذلكات خطابهم السياسي السابق لقاء نيروبي بلاغة استهدفت تأكيد امتشاقهم السلاح اضطرارا للدفاع عن حقوق مهدرة .
*****
اجتماع نيروبي محاولة باهتة من الجنجويد وحلفاء لتصميم مشروع سياسي للخروج من كنف القبيلة إلى رحاب الوطنية. لكن جوهره تبرير التورط في الحرب أكثر من تأطيره مشروعًا سياسيا. لذلك اخفق الميثاق رغم فصاحته السياسية عن تخليق آلية تحويله مشروعا فسقط في مهده كسيحًا . مما زاده بؤسًا ارتداد صانعيه بالدولة من الوحدة إلى التجزئة. .هذا الانسلاخ القسري عن الدولة الموحدة لا يُحدِث صدىً إيجابياً في دوائر الفكر السياسي او الصعيد الشعبي.من مفارقات الردة المحزنة إعداد هذا المشروع بأيد كتبةٍ عاقين جاحدين . فأكثر طهاة طبخة نيروبي بريقاً ليسوا فقط من ثمار (دولة ٥٦). بل هم من قطاف الفاكهة المحرّمة على شعب ( ٥٦) نفسه ! لكنهم يستبدلون العقوق بالامتنان أو على الأقل الاعتداد ! صورة شائهة أخرى لمحاولات الاستثمار في الأزمة !

*****
إذ يصدق مصطلح الانسلاخ في متن حروب الكلام فهو انسلاخ حميدتي عن معسكر دولة الانقاذ. ذلك هو المبرر المنطقي ليس لاشعال الحرب فقط بل من أجل توسيع جبهاتها. الحرب اشتعلت في سياق الصراع المسلح على السلطة . هذه ظاهرة شاخصة في العالم الثالث. لذلك تسقط محاولات تلبيس الحرب أقنعة جاذبة. فوراء هذه الحرب تبقى شاخصة الدوافع الأربعة الوارده في كتاب ريشارد ليبو (لماذا تتحارب الأمم)وهي الخوف، المصلحة،المكانة والانتقام. فهاجس الخوف ظل حمىً تسكن أجنحة الانقاذ مثلما تسري بينها .كل شهود العيان من الداخل يتحدثون عن تربص الفرقاء قبيل الانفجار. تسريبات حديثة تفضح اصرار المتطرفين على استرداد السلطة كاملة إبقاءً على المصالح . العمليات العسكرية المتصاعدة تكشف اصرار كل طرف على تركيع الآخر .مع ذلك لا تستبعد مصادر نافذة عبور المتقاتلين فوق كل هذا الدم و الركام إلى التصالح مجددًا( إذا جنح الجنجويد إلى السلام ).لذلك عند اعمال النقد الفكري تنتفي عن هذه الحرب أي عناصر سياسية تبرر العديد من الحروب الأهلية ،مثل التناحر الطبقي أو الديني. رفع شعار التهميش يبقى مثل التلويح بالقتال من أجل الديمقراطية هراءٌ فاضح.
*****
على وقع هذه المؤشرات يمكن بسهولة فهم الحرب الراهنة فصلا ًمتوحشا في سيرة الانقاذ المتوحشة. فدوافع الحرب وغاياتها احتفاظ أجنحة الإنقاذيين بامتيازات السلطة .ذلك هدفٌ مشرّبٌ بالدم و عنف مألوف منذ سطوهم على الدولة في ٨٩ ١٩. هناك فاصل إعدام الضباط الجماعي، فصل محرقة التقتيل في الجنوب ثم فصل التخلي عنه .فصول الاغتصاب والإبادة في دارفور. فاصل المفاصلة السياسية بين الأجنحة .فصل انقلاب اكتوبر على الثورة . كل تلك الفصول الدامية ليس فيها ما يجعلها مشروعًا اصلاحيا للدولة . فجميع محاورها الصراع على غنائم السلطة. الحرب الراهنة حلقة اكثر توغلاً في الدم تفضح جنون الافتنان باحتكار السلطة ولو على ركامات الجثث و البنى التحتية. وَسمُها بحرب الكرامة تزييف متعمد لصراعات الانقاذ الدموية. فثمة بونٌ فاضح بين كرامة الشعب وأجندة مصالح أقطاب الانقاذ.
*****
إن استوجبت حرب فرقاء الانقاذ أولوية إعادة البنى التحتية في الوطن فإن حروب الكلام تقتضي حتمية إعادة تأهيل البنى الفوقية للشعب ؛النخب السودانية عامةً والسياسية خاصة. ربما هذه أولوية تستبق مهمة البنى التحتية . الشعب يحتاج إلى رفع أنقاض الماضي بأسره في ضوء دليل سلوك اجتماعي يجعله أكثر صرامة تجاه الشارع العام،الحق العام والمال العام. النخب تحتاج إلى إعادة بناء أدمغتها وأفئدتها على نسق أخلاقي مغاير يجردها من الأنانية ، الذاتية والانتماءات الضيقة، ويكرس إعلاء مصالح الوطن و الشعب. تلك مهام تبدأ من اعادة البناء المعرفي ،بل إعادة هيكلة البناء نفسه بغية التخلص من كل التشوهات السائدة وسط النخب .تلك مهمة حتمية من أجل إعادة تشييد معمار اجتماعي حداثي .بناء وفق مشروع قومي تتكامل فيه جميع الاثنيات والقوميات ،فترفع أنقاض العداوات والتنافر المتراكمة .هذه أجندة يتصدرها اصلاح العملية التعليمية أولا وبرمتها.

aloomar@gmail.com

نقلا عن العربي الجديد  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بوتين يشكر الشعب الروسي على جمع 45 مليار روبل لدعم الحرب ضد أوكرانيا

شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الملايين من الشعب الروسي الذين دعموا الدولة الروسية عندما أطلقت العملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا.

وعبر بوتين، عن امتنانه خلال حديثه بمنتدى من أجل النصر.

وعن جمع الشعب الروسي 45 مليار روبل لدعم المجهود العسكري بمواجهة أوكرانيا ، مُضيفا بإن الروس قوة لا تُقهر عندما تجتمع. 

وإندلعت العملية الروسية الخاصة بفبراير عام 2022، عندما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن احتمالية إنضمام أوكرانيا لحلف الناتو العسكري، عقب نصيحة من الرئيس الأمريكي السابق جوبايدن، وهو ما رفضه بوتين وأعلن بأن إنضمام كييف للحلف العسكري خط أحمر بسبب تهديد العاصمة الروسية موسكو ، عندما تنتشر صواريخ حلف الناتو العسكري على أراضي الدولة الأوكرانية.

طباعة شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 45 مليار روبل أجل النصر أوكرانيا عام 2022

مقالات مشابهة

  • على أنقاض السابع من أكتوبر.. القسام تقصف موقعاً يُعاد ترميمه في مستوطنة “نيريم”
  • بوتين يشكر الشعب الروسي على جمع 45 مليار روبل لدعم الحرب ضد أوكرانيا
  • ملاحظات عامة بشأن مغالطات تتكرر في الخطاب العام عن الحرب وسبل ايقافها
  • القضاء البوسني يُلغي مذكرة توقيف زعيم صرب البوسنة بعد مثوله أمام النيابة
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب بصفقة شاملة: "أعيدوا المخطوفين وأنهوا الحرب"
  • سوريا إلى الحضن الصهيوأمريكي .. التطبيع على أنقاض السيادة
  • 5 أسماك تتمكن من العيش خارج الماء.. ما دافعها لذلك؟
  • أحمد ياسر يكتب: غزة بين أنقاض الجوع والكرامة
  • الصحة العالمية: سنبقى في غزة ونعمل على إعادة تأهيل النظام الطبي بعد الحرب
  • «الموافقة قانون الإيجار القديم».. حصاد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي