جاء البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، ليسدل الستار على فصلٍ استثنائي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، شهد للمرة الأولى منذ أكثر من ستة قرون وجود باباوين على قيد الحياة، وبدأت هذه الحالة النادرة عام 2013، عندما استقال البابا بندكتوس السادس عشر لـ"أسباب صحية"، محتفظًا بلقب "البابا الفخري" حتى وفاته عام 2022.



منذ عام 2013، شهدت الكنيسة الكاثوليكية وضعًا غير مسبوق بوجود البابا الفعلي فرنسيس والبابا الفخري بندكتوس السادس عشر، الذي استقال  واعتزل الحياة العامة.

ولم يتدخل البابا بندكتوس في شؤون الكنيسة، مما أثار نقاشًا لاهوتيًا ومؤسساتيًا حول مفهوم البابوية، ودفع الكنيسة للتعامل مع وضع لم تعرفه منذ العصور الوسطى، حين كان هناك أكثر من بابا بسبب الانقسامات السياسية والكنسية.

البابا المستقيل
تخلى البابا بندكتوس (يقال بندكت أيضا، واسمه الحقيقي جوزيف راتزينغر) في 11 شباط/ فبراير 2013 عن منصبه، في خطوة غير مسبوقة في العصر الحديث للكنيسة الكاثوليكية، وكانت الأسباب التي أعلنها رسميًا تتعلق بتقدمه في السن وتراجع قدراته الجسدية والعقلية، إلا أن قد تكون هناك العديد من الأسباب غير المعلنة.

وقال بندكتوس في خطاب الاستقالة: "بعد أن فحصت ضميري أمام الله، أدركت أنني لم أعد أملك القوة الكافية للوفاء بمهام الخدمة البطرسية"، مشيرا إلى أن الضعف الجسدي والذهني وأن صحته لم تعد تسمح له بإدارة مهام الكرسي الرسولي.


وتحدث أيضا عن الحاجة إلى قيادة أكثر نشاطًا، وأن الظروف العالمية المتغيرة تتطلب بابا يتمتع بطاقة أكبر.

ورغم أن السبب الرسمي هو التقدم في السن، إلا أن هناك تكهنات وتحليلات متعددة بشأن خلفيات أعمق لاستقالته تتعلق بفضائح الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة خلال ولايته، والانتقادات الواسعة حول كيفية تعامل الفاتيكان معها.

ويذكر أنه في عام 2022، اتُهم البابا المتقاعد، بناءً على تقريرٍ كُلِّف بإعداده أبرشية ميونيخ، بسوء التعامل مع أربع قضايا اعتداء جنسي على الأقل ارتكبها كهنة عندما كان رئيس أساقفة هناك، وهو ما أنكره بنديكت وأكد عدم ارتكاب أي مخالفات في هذه القضايا، لكنه طلب العفو عن سوء تعامله معها.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وخلال فترة ولايته، جرى الكشف عن صراعات داخل الكوريا الفاتيكانية (الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري للبابا)، وذلك ذمن تسريبات عُرفت بـ"فضيحة فاتيليكس".

وكشفت هذه التسريبات عن صراعات داخلية وفساد محتمل داخل إدارة الفاتيكان، إضافة إلى تحقيق داخلي كشف بشكل مزعوم عن ابتزاز أفراد من خارج الكنيسة لرجال دين ذو توجه جنسي مثلي.

ونتيجة لذلك، جرى الترجيح أن البابا المستقيل أراد أن يفسح المجال لشخصية أكثر قدرة على إدارة الإصلاحات المطلوبة، وهو ما حصل عندما اختار البابا فرانسيس هذا الاسم عند تنصيبه (اسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرجوليو).

باختيار اسم فرنسيس، كان البابا الراحل أول حبر منذ عهد البابا لاندو عام 913 ميلادية لا يختار اسمًا استعمله أحد أسلافه، كما كان أول بابا يتسمى باسم فرنسيس، الذي يأتي على اسم القديس فرنسيس الأسيزي، وهو الذي لعب دورًا هامًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية".

وجاء في تقرير لصحيفة "التلغراف" حينها أن "اختيار البابا لهذا الاسم بالذات يكشف عن الخلفية التي جاء منها، وطريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة، إذ يعرف القديس فرنسيس، الذي بزغ اسمه في القرن الثالث عشر بأنه كان من أتباع التيار الإصلاحي في الكنيسة، وقد ترك حياة الترف واختار حياة الزهد تاركًا عائلته وأصدقاءه، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء ونادى بإعادة بناء الكنيسة". 

وقد أشار الأب غيليرمو ماركو أقرب مساعدي البابا، أنه اختار "هذا الاسم من أجل محاربة الفقر، فلطالما كان من كبار المعجبين بفرنسيس الأسيزي". 
وتعد استقالة بندكتوس أول استقالة لبابا منذ ستة قرون تقريبًا، وتحديدًا منذ البابا غريغوريوس الثاني عشر عام 1415.

البابا الفعلي
وأحدث البابا فرنسيس، الذي تولى منصبه في 2013، تحولات بارزة في الكنيسة الكاثوليكية من خلال سلسلة من الإصلاحات التي شملت الجوانب الاجتماعية الإدارية واللاهوتية.

وجعل البابا من قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية محورًا رئيسيًا في فترة ولايته، مؤكدًا على أهمية دعم الفقراء والمهاجرين واللاجئين، وهو ما جعله مكروها في أوساط الكنيسة التقلدية بحسب ما جاء في تقرير صحيفة "التايمز"، كان بعنوان: "إرث البابا فرانسيس: محبوب من الملايين ومكروه من الحرس القديم".

وأبدى البابا مواقف أكثر تقبلا للمثليين والمطلقين، داعيًا إلى احتضانهم داخل الكنيسة، مع الحفاظ على العقيدة التقليدية، وأطلق أيضا إصلاحات داخل الفاتيكان لمحاربة الفساد المالي، وأقال عددًا من المسؤولين في إدارة الكنيسة بسبب قضايا مالية مشبوهة.

وأعلن البابا أن عقوبة الإعدام غير مقبولة في جميع الأحوال، مما يمثل تحولًا كبيرًا في تعليم الكنيسة التقليدي، وعمل على توسيع تمثيل الكرادلة، وعين 163 كاردينالًا جديدًا من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من دول لم يكن لها تمثيل سابق.

وسمح البابا أيضا للنساء بالمشاركة في التصويت داخل السينودس (هو ملتقى فكري فاتيكاني) وهو تطور وصف بالهام في تعزيز دور المرأة داخل الكنيسة.

وكان البابا واضحا بشأن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، إذ وصفها بأنه "ليس حربًا، بل إرهاب"، معبرًا عن استيائه من حجم المعاناة التي يتعرض لها المدنيون. 

View this post on Instagram A post shared by Omar khalil (@fahmaw1)
وأثناء الحرب، كان البابا يتصل يوميًا بمسيحيي غزة لتقديم الدعم الروحي والمعنوي، حيث وصفوه بأنه "قديس وقف إلى جانبهم في المحنة". 


وخلال فترة ولايته، اعترف البابا فرنسيس بدولة فلسطين ورفع علمها في الفاتيكان، وزار مدينة بيت لحم حيث صلى في كنيسة المهد وتوقف عند جدار الفصل العنصري، داعيًا إلى السلام وإنهاء الحروب.

تعدد البابوات
في أواخر القرن الرابع عشر، شهدت الكنيسة الكاثوليكية أزمة حادة تُعرف بـ"الانشقاق الغربي" أو "الانشقاق البابوي"، وذلك في الفترة ما بين 1378 حتى 1417، وفيها تنازع ثلاثة باباوات على الشرعية، مما أدى إلى انقسام عميق داخل الكنيسة.

وبدأت الأزمة عندما نقل البابا كليمنت الخامس مقر البابوية من روما إلى أفينيون في فرنسا عام 1309، تحت تأثير الملك الفرنسي فيليب الرابع، واستمر هذا الوضع حتى عام 1377، حيث عاد البابا غريغوري الحادي عشر إلى روما، منهياً فترة تُعرف بـ"بابوية أفينيون".

وبعد وفاة غريغوري الحادي عشر عام 1378، انتخب الكرادلة الإيطاليون البابا أوربان السادس في روما، لكن بسبب سلوك أوربان الصارم، انقسم الكرادلة وانتخبوا البابا كليمنت السابع، الذي أقام في أفينيون. 

وأدى هذا الانقسام إلى وجود بابا في روما وآخر في أفينيون، وكل منهما يدعي الشرعية.

وفي محاولة لحل الانقسام، عقد مجمع في بيزا عام 1409، حيث تم انتخاب البابا ألكسندر الخامس، لكن بدلاً من حل الأزمة، أصبح هناك ثلاثة باباوات متنافسين: في روما، وأفينيون، وبيزا.

وتم حل الأزمة في مجمع كونستانس، حيث تم عزل الباباوات الثلاثة وانتخاب البابا مارتن الخامس عام 1417، مما أعاد الوحدة للكنيسة الكاثوليكية.

الباباوان
وجرى توثيق الحالة الحديثة من وجود بابوين في فيلم "الباباوان - The Two Popes"، للمخرج فرناندو ميريليس وكاتب السيناريو أنتوني مكارتن، الذي يُعدّ من نواحٍ عديدة، سيرة ذاتية لبابا واحد، هو خورخي ماريو بيرغوليو، المعروف لاحقًا بالبابا فرانسيس، مع أن بنديكتوس السادس عشر يظهر أيضًا كشخصية ثانوية مهمة.

ويوثق الفيلم العديد الأحداث الحقيقية ومنها طريقة الانتخاب التي تتم في سرية داخل الفاتيكان عبر الاقتراع السري، ويُعلن عن النتيجة بدخان أبيض أو أسود.



ووثق أيضا "الكونكلاف" (المجمع المغلق لاختيار البابا) عام 2005، بعد وفاة يوحنا بولس الثاني، وشارك فيه 115 كاردينالاً، من بينهم برغوليو وراتزينغر، التسريبات تشير إلى فوز راتزينغر بـ84 صوتًا مقابل 26 لبرغوليو.

وأظهر الفيلم رفض البابا فرنسيس للأحذية الحمراء، وهو أمر حقيقي، ويمثل تواضعه ورغبته في كسر التقاليد البابوية المترفة، بحسب ما جاء في تقرير لمجلة "سلايت".


وطرح الفيلم أيضا فضيحة "فاتيليكس" التي كشفت عن فساد داخلي في الفاتيكان، وأدت إلى اعتقال كبير خدم البابا بندكت، وعرضت أيضا الألبوم الموسيقي الخاص بالبابا المستقيل، لكنه لم يلقَ تقييمًا جيدًا.

وطرح الفيلم بعض الأحداث الخيالية التي لم تحدث على أرض الواقع، ومنها اللقاء السري في 2012 بين الباباوين، وهو ما لم يحدث فعليًا، إذ أن اللقاء المؤكد الوحيد كان بعد استقالة بندكت في 2013.
وابكتر الفيلم حدث خياليا حول نقاش الباباوين حول العقيدة أثناء تناول البيتزا وشرب الفانتا، وهو مشهد متخيل بالكامل، رغم حب بندكت الحقيقي لهذا المشروب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية البابا البابا بندكتوس الفاتيكان البابا فرانسيس الفاتيكان البابا البابا فرانسيس البابا بندكتوس وفاة البابا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکنیسة الکاثولیکیة البابا فرنسیس داخل الکنیسة وهو ما

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يقرر تعيين رئيس جديد للإدارة المركزية للامتحانات وآخر لشئون الوافدين

قرر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، تعيين الشيخ حميد أبو عريضة، رئيسا للإدارة المركزية الامتحانات بقطاع المعاهد الأزهرية.

كما قرر الإمام الأكبر شيخ الأزهر، تعيين الأستاذ عصام القاضي، في منصب رئيس الإدارة المركزية لشئون الطلاب الوافدين.

وفي وقت سابق، أصدر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، القرار رقم 9 لسنة 2023، بتعيين وظائف قيادية جديدة بالأزهر الشريف.

قطاع المعاهد الأزهرية: لا شكاوى من أسئلة امتحان الصرف بالقسم الأدبيلا شكاوى من الأسئلة.. المعاهد الأزهرية يكثف المتابعة على امتحان الصرف

وشمل قرار شيخ الأزهر، بناء على ما توصلت إليه لجنة الوظائف القيادية، تعيين كلا من:

الدكتور محمد كامل محمد، مدير عام الإدارة العامة لمكتب رئيس قطاع المعاهد الأزهرية
الدكتور مكرم محمد المرسي النبراوي، مدير عام الإدارة العامة للخطة والمنهج للتعليم بقطاع المعاهد الأزهرية
الشيخ أبو اليزيد سلامة، مدير عام الإدارة العامة لشئون القرآن بقطاع المعاهد الأزهرية
الدكتور أسامة الحديدي، مدير عام الإدارة العامة لمجلة الأزهر بمجمع البحوث الإسلامية
محمد فتحي علي عفيفي، مدير عام الإدارة العامة للإعلام بقطاع مكتب شيخ الأزهر
 

طباعة شارك الأزهر الشريف شيخ الأزهر الإمام الأكبر الطلاب الوافدين المعاهد الأزهرية الامتحانات

مقالات مشابهة

  • كلمة مرتقبة لقائد الثورة بذكرى الهجرة النبوية وآخر التطورات والمستجدات
  • كلمة مرتقبة للسيد القائد بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وآخر التطورات والمستجدات
  • طاهر أبو زيد: مشاركة العرب في مونديال الأندية كشفت الفوارق الكبيرة.. وحان وقت التغيير
  • أورنج الأردن تعلن أسماء الرياديات الفائزات بـ جائزة “ملهمة التغيير” 2025
  • الكنيسة تحيي تذكار القديس لاتصون البهنساوي وعودة رفات القديس مار مرقس
  • شيخ الأزهر يقرر تعيين رئيس جديد للإدارة المركزية للامتحانات وآخر لشئون الوافدين
  • قرارات النيابة في مصرع شاب أثناء فض مشاجرة بين نجل عمه وآخر
  • البابا خلال افتتاحه فصلا للتعليم الفني بالكاتدرائية: بناء الإنسان وتمكين الشباب من أولويات الكنيسة
  • مصر تشارك في إطلاق مبادرة “أبطال NBA من أجل التغيير”
  • الأنبا عمانوئيل يترأس قداس المناولة الاحتفالية برعية القديس فرنسيس الآسيزي بالرزيقات