قال أستاذ العلاقات الدولية، حامد عارف، إنه بغض النظر عن تعقيدات المشهد السياسي السوداني وارتباطها بالأوضاع الميدانية وتوزع مناطق النفوذ، فإن كثيرا من المراقبين يعتقدون بأن ما تشهده البلاد منذ عدّة أعوام هو نتيجة طبيعية للتدخلات الخارجية وتعدد الأطراف الدولية المتداخلة في الصراع وارتهان بعض القوى السياسية في السودان للخارج.

مجموعة السبع تندد بهجمات ميليشيات الدعم السريع ضد المدنيين في السودانلتوعية الشباب بأضرار الإدمان.. محافظ الجيزة يشهد فعالية صندوق مكافحة الإدمان بمساكن روضة السودان

وأضاف، أن تشكيل التحالف السياسي الجديد برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، ألقى بظلاله على الأوساط السياسية والمدنية في السودان في فبراير الماضي، فـ بعد إعلان قوى سياسية وشخصيات سودانية عن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود، بعد إعلان تنسيقية تقدم حل نفسها توجهت الأنظار نحو تحالف السودان التأسيسي الجديد، وبدأت التساؤلات والانتقادات تتوالى من ممثلي الأحزاب والمراقبين والكتاب حول أسباب تشكيل هذا التحالف والداعمين له وأهداف تشكله.

وتابع أنه ما بين "صمود" و"التأسيسي" ومخرجاتهم يأتي مؤتمر لندن ليثبت بأن هناك قوى خارجية تتحكم بالوضع السياسي السوداني، وأن صمود والتأسيسي وغيرها ما هي إلا ممثل لتلك القوى الغربية وبعيدة عن مصالح الشعب السوداني.

وأوضح عارف أنه كان قد عقد مؤتمر دولي في العاصمة البريطانية لندن حول السودان في 16 أبريل الماضي، بدعوة من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحادين الأفريقي والأوروبي، إذ شارك في المؤتمر وزراء من 14 دولة، بالإضافة إلى ممثلين عن هيئات دولية والأمم المتحدة وسط غياب الحكومة السودانية عن المؤتمر ما طرح إشارات استفهام كبيرة حول سبب عدم دعوتها.

واستطرد : "يأتي هذا المؤتمر بالتزامن مع الذكرى الثانية للحرب الدائرة في السودان، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 14 مليوناً"، موضحا أنه نشبت خلافات بين عدة دول عربية وقوى سياسية سودانية خلال الاجتماع بشأن قضايا تتعلق بحكم السودان، في الوقت الذي عول كل من الجيش السوداني والدعم السريع شبه العسكرية على دعم دول المنطقة، لإنهاء الصراع.

وأكد أن الدبلوماسية الإماراتية، لانا نسيبة، أوضحت أن بلادها تشعر بخيبة أمل بسبب عدم التوصل إلى توافق في مؤتمر لندن حول إنهاء الحرب الدائرة في السودان، وهي تلقي باللوم على خلافات الدول المشاركة، مشيرا إلى أن الواقع يُؤكد أنه ليس من مصلحة الغرب التوصل لحل سياسي في السودان، لذا فإن مؤتمر لندن ما هو إلا مسرحية ضمن سلسلة من المسرحيات التي تنفذها القوى الغربية إعلامياً للتظاهر بدعم السودان والرغبة في إنهاء الصراع.

وأكد عارف أنه في الوقت الذي تغذي فيه الدول الغربية الصراع من تحت الطاولة ومن وراء الكواليس، إذ يجري ذلك بالتواطؤ مع قوى سياسية سودانية محلية وعلى رأسها حمدوك في الحقل السياسي، ومحمد حمدان دقلو حميدتي في الحقل العسكري عبر دعم الغرب لقوات الدعم السريع بالسلاح والتكنولوجيا الغربية والمرتزقة الأوكران والأجانب، حيث تم تأكيد ذلك باعتراف مسؤولين رسميين أوكرانيين بمشاركة قوات أوكرانية في القتال بالسودان، إلى عشرات التقارير الإعلامية التي تؤكد الدعم الغربي لقوات حميدتي.

ونوه إلى أن حمدوك وتحالفه صمود بوصفه ممثل لمصالح القوى الغربية لعب دوراً أساسياً في فشل مؤتمر لندن وزيادة الانقسام بين القوى السياسية في السودان، مضيفا أن المعطيات الميدانية من ناحية تقدم الجيش عسكرياً في عدّة مناطق، وتراجع قوات الدعم السريع المدعومة من بعض الدول العربية والدول الغربية، بالإضافة للاتهامات الدولية التي تلاحق قوات "الدعم السريع" بارتكاب انتهاكات ضد الإنسانية، لعبت دوراً كبيراً بالانقسام السياسي الحاصل في السودان وظهور تحالف صمود الذي يترأسه حمدوك.

وأشار إلى أنه لا تزال رغبة بعض القوى السياسية في تقدم بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع- وهو السبب الأساسي وراء انقسام تقدم، الأمر الذي يعتبر دليلا واضحا على التحالف السري بين تنسيقية "تقدم" وقوات "الدعم السريع" بإشراف بعض البلدان العربية والدول الغربية، مضيفا أن  التحالف المستقبل السياسي لـ "تقدم" وسمعتها أصبح في مهب الريح، إذ يضاف إلى ذلك الخسائر العسكرية المتتالية التي تلقتها قوات "الدعم السريع" في الميدان، كل ذلك جعل من "تقدم" ورقة خاسرة حتماً بالنسبة لفرنسا وبريطانيا بالرهان السياسي، وهذا ما دفعهم للبحث عن بديل جديد "نظيف السمعة سياسياً"، ومن هنا ظهرت فكرة تحالف "صمود" التي عززت الانقسام السياسي.

ولفت إلى أنه قد أتت الأوامر من قوى غربية لحمدوك المعروف بارتباطاته بالدول الغربية لتشكيل التحالف الجديد، مضيفاً بأن الوضع السياسي في السودان ليس على ما يرام، كما أن التحالف الجديد وتوقيت تشكيله ومكوناته، تعزز الشكوك بالولاء الوطني للقوى والمكونات السياسية المنضوية تحت مظلته، وانتمائها الوطني، لأن "صمود" لم تأت بأي شيء جديد، حيث نشأ التحالف من غالبية قوى تنسيقية تقدم السياسية، مضيفا ان الوجوه ذاتها ومجموعات مهنية ونقابية دون برنامج واضح لإنهاء الحرب، كما أن مواقف التحالف، حسب بيانه، لا يعترف بالجيش وشرعية مؤسسات الدولة ويتعامل مع المؤسسة العسكرية كفصيل سياسي، وهذا ما يدفع باتجاه زيادة الفجوة والانقسام بين أبناء البلد بدلاً من تقريب وجهات النظر.

كما لفت إلى أن قوى سياسية وشخصيات سودانية أعلنت في فبراير الماضي، عن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود، برئاسة حمدوك، وذلك بعد أن أعلنت تنسيقية تقدم حل نفسها، نتيجة خلافات بين أعضائها إثر تبني فصائل الجبهة الثورية، مقترحا بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع هدفه انتزاع الشرعية عن الحكومة السودانية في بورتسودان.

واختتم بأن هذا الخلاف أتى لوجود موقفين استعصى الجمع بينهما، إذ تم إقرار فك الارتباط السياسي والتنظيمي بين الموقفين وتم الإعلان في بيان رسمي عن تشكيل تحالف صمود، حيث  في المقابل، اختارت القوى التي تؤيد تشكيل حكومة موازية، إطلاق اسم تحالف السودان التأسيسي على تنظيمها الذي يشكل الحكومة المرتقبة المعنية بوحدة السودان وإثبات عدم شرعية حكومة البرهان في بورتسودان، حسب ميثاق التحالف.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المشهد السياسي السوداني عبد الله حمدوك تشكيل التحالف المدني الديمقراطي العاصمة البريطانية لندن قوى سياسية سودانية المزيد تشکیل التحالف الدعم السریع فی السودان قوى سیاسیة مؤتمر لندن إلى أن

إقرأ أيضاً:

حكومتان وحرب واحدة

زوايا

حمّور زيادة

حكومتان وحرب واحدة

توافقت مجموعة تأسيس المتحالفة مع قوات الدعم السريع على تولّي النائب السابق لرئيس المجلس العسكري (ثمّ السيادي)، وقائد المليشيا محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منصب رئيس مجلس السيادة الموازي. وجاء ذلك بعد خلافات مع قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، عبد العزيز الحلو. ثمّ انتقلت الخلافات إلى منصب رئيس الوزراء، إذ رفضت حركتا جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي وقوى تحرير السودان ذهاب المنصب إلى جناح القائد الحلو. ورشّحت “الدعم السريع” أحد أفرادها للمنصب، ويبدو أن حظوظه أوفر حتى الآن. كما رفضت “الدعم السريع” التخلّي عن منصب حاكم إقليم دارفور.

هكذا، بعد أربعة أشهر من إعلان التحالف في نيروبي، وتأكيد قرب إعلان الحكومة الموازية، يبدو التحالف هشّاً مع السيطرة المتوقّعة والطبيعية لقوات الدعم السريع على السلطة المزمع تكوينها، كما يجد التحالف صعوبةً في العثور على عاصمة مناسبة بعد خسارة “الدعم السريع” العاصمة الخرطوم، وقبلها ولاية الجزيرة. ولم ترحّب الإدارات الأهلية في مناطق جبال النوبة بجلب العاصمة الجديدة إلى كاودا، التي ستكون هدفاً لطيران الجيش، مثلها مثل المدن الأخرى المرشّحة حالياً مثل الضعين ونيالا. كما واجه تحالف نيروبي منذ اليوم الأول تحذيرات دولية وإقليمية من خطوة تشكيل حكومة موازية، وهدّدت دول كثيرة ومهمّة بعدم الاعتراف بهذه الحكومة.

وبخلافات حادّة، وصلت إلى حدّ تهديد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بالانسحاب من التحالف، وسعت “الدعم السريع” إلى السيطرة على المناصب الأكبر. ومن دون عاصمة آمنة، وتحت تهديدات دولية، يسعى حلف نيروبي لإعلان حكومة لا تملك ما تقدّمه، يداها مضرّجتان بدماء مذابح في الجنينة وقرى الجزيرة وغيرها، وتواجه مقاومةً صلبةً داخل دارفور في مدينة الفاشر. ورغم كلّ ما تقوله الأوراق الموقّعة، إلا أن تجربة “الدعم السريع” في السلطة لم تكن إلا جحيماً من الفوضى الوحشية، فلا شيء يبشّر بخير في تجربة مقبلة.

بينما يسعى رئيس الوزراء الجديد المُعيّن كامل إدريس (من بورتسودان) إلى عودة العاصمة إلى الخرطوم المهجورة. وتتأخّر حكومته التي أدّى اليمين رئيساً لها في آخر مايو/ أيار الماضي لمحاولة إكمال المطالب شبه المستحيلة، فإنه يحتاج أن يعيّن في الوزارات السيادية من يمليهم عليه المجلس العسكري، فوزارات مثل الدفاع والداخلية لن تُترَك لاجتهادات الرجل الذي عيّنه الجيش موظفاً تنفيذياً كبيراً. وقد عرف الرجل مكانه، فأعلن أن من شروط تولّي الوزارة ألا يكون للوزير أيّ توجّه سياسي، فهو يبحث عن حكومة من دون رؤية سياسية، إنما هي حكومة تنفيذية تحت سلطة كاملة للمجلس العسكري الذي يختار ويعيّن المدنيين في مجلس السيادة، وينعم على رئيس الوزراء بالمنصب والتوجيهات. كما أن 25% من مقاعد مجلس الوزراء محجوزةٌ لمن تبقّى من حركات الكفاح المسلّح المُوقِّعة اتفاق سلام جوبا. وتظلّ وزارتا المالية والمعادن هما الغنيمة الكُبرى التي يصعب أن تتنازل عنها الحركات المسلّحة. كما أن الرجل مواجهٌ بتهديداتٍ من حلفاء الجيش في شرق السودان، الذين أغلقوا بالقوة والسلاح الميناء الرئيس للبلاد أسابيع برعاية المجلس العسكري لإجبار حكومة عبد الله حمدوك على الاستقالة. ترفض المكوّنات الأهلية في شرق السودان تكوين حكومة إلا بعد أن يكون لها فيها نصيب الوزارات التي تعتبرها أكثر أهميةً وذات نفوذ، مثل الدفاع والمالية. فلا يبدو واضحاً ماذا تبقّى للرجل من حرية الحركة والاختيار، إلا أن يعيّن نساءً في الحكومة الجديدة إرضاءً لبند التوازن الجندري الذي لا يملك سواه.

وهكذا، بأشخاص بلا توجّه سياسي، وحكومة يسيطر الجيش وحركات الكفاح المسلّح والإدارات الأهلية على أغلبها، يسعى إدريس إلى إعلان وزارته من الخرطوم. وزارة في وقت حرب، لا تسيطر على الجيش، ولا تقرّر في شأن الحرب، أو في تعيين قائد للجيش أو أي قرار عسكري أو أمني، إنما هي مجرّد واجهة شبه مدنية لسلطة عسكرية سعت منذ 11 إبريل/ نيسان 2019 إلى هذا الشكل من الحكم، عاندت في سبيله الجماهير منذ إبريل حتى يونيو/ حزيران 2019، ثمّ ارتكبت مذبحةً كُبرى لفرض هذا الواقع، لكنّ المقاومة الشعبية أفشلته، فعادت (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) لتحاول فعل الأمر نفسه. وفشلت حتى في تعيين إدريس وقتها، إذ رفضت الجماهير أن يسيطر المجلس العسكري على الحكومة. لكن حرب 15 إبريل أعادت إلى المجلس العسكري السلطة كلّها، والتأييد الذي كان يفتقده، وغسلت حربه مع حليفه السابق الدماءَ عن يديه، وشرع في كتابة تاريخ جديد يحمّل حليفه السابق مع الأحزاب السياسية خطاياه كلّها. والآن أصبح في إمكانه تعيين حكومة تنفيذية مدنية يسيطر عليها (مع حلفائه) حملةُ السلاح من دون اعتراض أو طموح في سلطة مدنية، بينما تستمرّ حربه في الخلفية.

* نقلا عن العربي الجديد

الوسومالحركة الشعبية الدعم السريع السودان الضعين العربي الجديد بورتسودان تحالف تأسيس حمور زيادة رئيس الوزراء كامل إدريس كاودا محمد حمدان دقلو (حميدتي) نيالا نيروبي

مقالات مشابهة

  • حزب طالباني:غياب التوافق السياسي وراء تأخير تشكيل حكومة الإقليم
  • انقلاب ميداني في إقليم كردفان: الجيش السوداني يعلن التقدم والسيطرة على مناطق جديدة وهروب قوات الدعم السريع
  • تحالف «صمود» يواصل تحركاته الأفريقية لوقف الحرب بالسودان
  • حكومتان وحرب واحدة
  • تركوا جثثهم وهربوا.. درموت يسرد تفاصيل معركة الجيش السوداني ضد الدعم السريع
  • وراء الحدث
  • إعتقال صحفي سوداني في معبر أرقين بتهمة التعاون مع الدعم السريع
  • وفد صمود برئاسة حمدوك يبحث مع رامافوزا في بريتوريا إنهاء الحرب السودانية
  • هل تحمل رؤية صمود لسلام السودان تحولا في موقف التحالف؟
  • السوق السياسي الليبي أمام اختبار برلين: هل يغيّر اجتماع الجمعة قواعد اللعبة؟