استمرار توافد الحشود لإلقاء نظرة وداع على البابا فرنسيس
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
وفد أكثر من 60 ألف شخص لإلقاء نظرة أخيرة على جثمان البابا فرنسيس في كاتدرائية القديس بطرس في العاصمة الإيطالية روما، حيث استمر توافد الزوار، اليوم الخميس، قبل يومين من جنازته بحضور العديد من قادة العالم.
وبعد انتهاء الجنازة، سينقل نعش البابا الأرجنتيني، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عاما، إلى كنيسة "سانتا ماريا ماجوري" في وسط روما، حيث سيتمكّن الزوار من زيارة قبره "اعتبارا من صباح الأحد"، حسبما أعلن الفاتيكان.
ومنذ التاسعة صباحا بتوقيت غرينتش الأربعاء حتى التاسعة صباح الخميس، توافد على كاتدرائية القديس بطرس حوالى 61 ألف شخص لإلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا، وفق ما أفاد موقع "فاتيكان نيوز".
وبقيت الكاتدرائية مفتوحة للجمهور حتى الساعة 05,30 صباحا (03,30 ت غ) في حين كان من المقرر أن تغلق منتصف الليل، من أجل السماح لجميع الوافدين برؤية جثمان البابا.
وسيتسنّى للزوار إلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا فرنسيس الخميس حتى منتصف الليل والجمعة من الساعة 7,00 إلى الساعة 19,00، مع عدم استبعاد الفاتيكان تمديد هذه الساعات إذا لزم الأمر.
وسجي البابا في رداء أحمر وعلى رأسه تاج أسقفي أبيض وبين يديه مسبحة. ووضع النعش على المذبح الرئيسي في الكاتدرائية لكن من دون عرضه على منصة، نزولا عند طلب صريح من خورخي بيرغوليو الذي أوصى بطقوس جنائزية بسيطة ومتواضعة.
وقال ماسيمو بالو، وهو إيطالي يبلغ 63 عاما ويعيش في روما "كانت لحظة قصيرة لكنّها مؤثرة أمام نعشه".
"كان أبا للمهمشين"
من جانبه، قال أميريغو ياكوفاتشي (82 عاما)، وهو من سكان روما "كان رجلا عظيما، كان أبا للمهمشين".
وحضرت فلورنسيا سوريا، وهي أرجنتينية تبلغ 26 عاما، إلى روما لمدّة يومين. ولم تترددا في الانضمام إلى الطابور المصطف خارج الكاتدرائية، كي تعيش "اللحظة التاريخية"، خصوصا "بالنسبة إلينا لأنّنا أرجنتينيون. كنّا صغارا عندما بدأ البابا حبريته. نتذكر تلك اللحظة".
أما لور دو مولان وهي سائحة فرنسية، جفاءت إلى روما في رحلة عائلية، فأكدت أنّه "يجب أن تكون متحمّسا جدا، كي تنتظر في هذا الطابور الطويل. لكنّنا جئنا خصيصا لرؤية كاتدرائية القديس بطرس والفاتيكان". أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: البابا فرنسيس نظرة الوداع جثمان وفاة تشييع جنازة جثمان البابا
إقرأ أيضاً:
الإعجاز السعودي في إدارة مواكب الحجيج
زين أمين
يُعد الحج واحدًا من أعظم الشعائر الدينية، وأضخم التجمعات البشرية على وجه الأرض، حيث يتوافد أكثر من مليون ونصف مسلم كل عام إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لأداء مناسكهم خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز أيامًا معدودة. وتكمن عظمة هذا الحدث ليس فقط في بُعده الروحي، بل في حجم التحدي الهائل الذي يواجه الدولة السعودية في إدارة هذا الحشد الضخم على مختلف المستويات. فثمة إعجاز حقيقي في القدرة على التخطيط والتنظيم والإدارة، يتجلَّى في العمل الفني والإداري واللوجستي والتكنولوجي، الذي يجعل من موسم الحج تجربة فريدة تسير بانسيابية وأمان رغم كل التعقيدات والتحديات.
الإعجاز الفني يبدأ من البنية التحتية المتقدمة التي جُهزت خصيصًا لخدمة الحجاج. فقد طوَّرت المملكة شبكة متكاملة من الطرق والجسور والأنفاق في مكة والمشاعر بحيث تتيح حركة مرنة للحجاج بين منى ومزدلفة وعرفات، وفي محيط المسجد الحرام. ومن أبرز الإنجازات الفنية “جسر الجمرات”، الذي صُمم بطريقة هندسية دقيقة تستوعب مئات الآلاف من الحجاج في وقت واحد دون تزاحم، ويتكون من عدة طوابق مع منافذ دخول وخروج ذكية ، ولوحات إرشادية متعددة اللغات، ومراقبة بالكاميرات لتفادي أي اختناق بشري . كذلك يشكِّل “قطار المشاعر” معجزة فنية في حد ذاته حيث ينقل مئات الآلاف من الحجاج بين المشاعر الثلاث خلال دقائق قليلة، مخففًا الضغط عن الطرق التقليدية.
أما الإعجاز الإداري، فيتجسَّد في التنسيق المحكم بين عشرات الجهات الحكومية والأمنية والخدمية التي تعمل بروح الفريق الواحد. فهناك خطة سنوية تبدأ فور انتهاء موسم الحج السابق، وتُراجع فيها البيانات، وتُحلل التجارب، وتُوضع الخطط البديلة والطوارئ. يتم توزيع الحجاج بدقة على المخيمات حسب جنسياتهم وجنسيات بعثاتهم، ويجري تنظيم الجداول الزمنية لتفويجهم بحيث لا يحدث تكدُّس في أي نقطة من المناسك. ويشارك في هذه العملية أكثر من 300 ألف موظف ومتطوع، من رجال الأمن والدفاع المدني والهلال الأحمر والنقل والصحة، جميعهم مدربون تدريبًا عاليًا على التعامل مع الحشود وإدارة الأزمات،وتقديم الخدمات بسرعة ودقة.
ويأتي التحدي اللوجستي على رأس عناصر النجاح، فالإعاشة وحدها تحتاج إلى إدارة ضخمة. يتم توفير مئات الآلاف من الوجبات يوميًا، وتوزيع ملايين قوارير المياه الباردة في ظل درجات حرارة قد تتجاوز 45 درجة مئوية. كما تتطلب عمليات الإيواء، تجهيز خيام مكيَّفة وصحية ومقاومة للحرائق، مع خدمات نظافة وصرف صحي مستمرة على مدار الساعة. وتشكِّل إدارة النفايات مهمة حيوية، إذ يتم التعامل يوميًا مع آلاف الأطنان من المخلَّفات بطريقة تضمن النظافة العامة وسلامة البيئة. يُضاف إلى ذلك النقل بالحافلات التي تعمل وفق جداول مرنة، يتم تحديثها حسب الواقع الميداني وتدفق الحشود.
وفي السنوات الأخيرة، شكّل إدخال التكنولوجيا نقلة نوعية في تسهيل وتحسين إدارة الحج، ما يمكن اعتباره إعجازًا تقنيًا حقيقيًا. فقد أطلقت وزارة الحج والعمرة بطاقة “الحج الذكية”، وهي بطاقة إلكترونية تحتوي على جميع بيانات الحاج، من معلومات شخصية وصحية إلى ترتيبات الإقامة والنقل والطعام ، ممَّا يتيح تتبعه والتواصل معه بسرعة عند الضرورة. كما توجد كاميرات ذكية عالية الدِقَّة موزَّعة في كافة المشاعر ترصد الحركة، وتوجِّه فرق الميدان في الوقت الحقيقي لاتخاذ قرارات فورية، وتُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الحشود وتحديد مناطق التكدس والتنبؤ بالأزمات قبل وقوعها.
كذلك، أتاحت التطبيقات الإلكترونية مثل “اعتمرنا” و”توكلنا” و”نسك” خدمات رقمية متكاملة، مثل: إصدار التصاريح، وتحديد مواقع المخيمات، والتوجيه إلى أقرب نقطة إسعافية، أو مركز دعم. وهذا التحول الرقمي لا يخدم فقط الحجاج، بل يسهِّل أيضًا عمل الفرق الميدانية ويزيد من كفاءة الأداء وسرعة الاستجابة. بل إن المملكة بدأت في توظيف “الروبوتات” لخدمة الحجاج في بعض النقاط ، سواء في توزيع الماء أو في تقديم الفتاوى بعدة لغات.
ويتجلَّى جانب آخر من جوانب الإعجاز في إدارة مواكب الحجيج في منظومة السلامة والإدارة الصحية العلاجية والوقائية، التي تمثل حجر الأساس في حماية أرواح الملايين خلال أيام الحج. فمع وجود هذا العدد الهائل من الحجاج من مختلف بقاع الأرض، وتنوع أعمارهم وحالاتهم الصحية، تصبح احتمالات الإصابة بالأمراض أو وقوع حوادث مفاجئة أو أزمات صحية جماعية عالية جدًا، ممَّا يستدعي جاهزية متكاملة ومنظومة صحية متطورة تعمل بأقصى طاقتها وعلى مدار الساعة.
والإعجاز في هذا المجال، يبدأ من التخطيط الوقائي حيث تُتابع الجهات الصحية السعودية أوضاع الدول التي يُفد منها الحجاج مسبقًا، وترصد الأمراض الوبائية وتُصدر اشتراطات صحية لكل دولة. مثل أخذ التطعيمات اللازمة وخاصة ضد الحمى الشوكية والإنفلونزا وكورونا. كما يتم فحص الحجاج طبيًا في بلدانهم، لضمان قدومهم وهم في حالة صحية مستقرة، ويُمنع سفر من يشكل خطرًا على نفسه أو على غيره. وعند وصولهم إلى المنافذ الجوية والبرية والبحرية، يُجرى فحص دقيق لهم للتأكد من خلوهم من الأعراض، ويتم التعامل الفوري مع أي حالة مشتبه بها.
أمّا داخل المشاعر المقدسة، فتنتشر مئات المراكز الصحية والمستشفيات الميدانية، المجهَّزة بأحدث المعدات الطبية، وتعمل على مدار اليوم بفرق طبية متخصصة تضم الآلاف من الأطباء والممرضين والفنيين. وتم تخصيص مستشفيات ضخمة في كل من عرفات ومنى ومزدلفة، تضم غرف طوارئ وعناية مركزة وعمليات ، وتستقبل جميع الحالات الحرجة، كما توجد مراكز خاصة لعلاج ضربات الشمس والإجهاد الحراري الذي يُعد من أكبر التحديات الصحية في ظل درجات الحرارة المرتفعة.
وتكمن عبقرية الإدارة الصحية أيضًا في سرعة الاستجابة، فقد زُودت فرق الإسعاف الجوي والبري بوسائل نقل متقدمة، من طائرات عمودية وسيارات إسعاف ذكية ، ترصد نداءات الطوارئ وتصل إلى مواقع المصابين في دقائق قليلة، خاصة في المواقع المكتظة. كما تُستخدم تقنيات الذكاء الإصطناعي والتطبيقات الصحية لتحديد كثافة الحشود ومناطق الخطر الصحي المحتمل، ممَّا يساعد على نشر الفرق الطبية استباقيًا قبل وقوع الأزمات.
وتُراقب الصحة العامة من خلال فرق ميدانية لرصد أي تفشٍ وبائي، ويتم عزل أي حالة مشبوهة وتقديم العلاج لها دون التأثير على انسيابية الحشود. وقد نجحت المملكة بفضل هذه المنظومة، في منع تفشي الأوبئة خلال مواسم الحج المتتالية، حتى في فترات الأوبئة العالمية، مثل: جائحة كورونا، حيث استطاعت تنظيم حج استثنائي بأعلى المعايير الصحية والوقائية.
جانب آخر من الإعجاز، يتمثل في التوعية الصحية، إذ تُوزع مطويات بأكثر من عشر لغات، وتبث رسائل صحية عبر الإذاعات الداخلية، والشاشات الرقمية ومكبرات الصوت، لتثقيف الحجاج حول الوقاية من ضربات الشمس، وأهمية النظافة، وكيفية التعامل مع الأمراض المزمنة خلال المناسك. كما تُراقب جودة الغذاء والمياه المقدمة للحجاج، وتُتخذ إجراءات صارمة ضد أي مصدر قد يتسبب في التسمم أو انتقال العدوى.
ويُعد نجاح موسم الحج سنويًا، شهادة دولية على قدرة الإنسان السعودي، بالتخطيط والإرادة ، على تنظيم أكبر التجمعات البشرية بسلام وطمأنينة. ويمثل هذا النجاح نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود قد يُدرّس في الجامعات، كما أصبح محل تقدير من المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة السياحة العالمية وغيرها.
إن تجربة إدارة مواكب الحجيج، ليست مجرد تنظيم حدث ديني، بل هي منظومة متكاملة تجمع بين الروحانية العميقة والعقلانية الدقيقة ، وبين العمل الإنساني والتقني، وبين الإبداع في التصميم والمرونة في التطبيق. إنها معجزة إدارية وفنية ولوجستية وصحية تُثبت أن المستحيل يمكن تحقيقه حين تتوفر الرؤية والإرادة والعلم.
وفي ضوء رؤية السعودية 2030، تسعى المملكة إلى تطوير منظومة الحج لتكون أكثر استدامة وابتكارًا، من خلال استخدام الطاقة النظيفة .. وتوسعة القدرات الاستيعابية للمشاعر وتحسين جودة الحياة للحجاج، ما يجعل من الحج تجربة لا تُنسى روحيًا وإنسانيًا، وتجعل من المملكة نموذجًا عالميًا في خدمة ضيوف الرحمن.