كيف تعيد طالبان صياغة جهازها الأمني والعسكري؟ ولماذا؟
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
كابل- أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية خطة تقليص 30% من عناصرها في القطاع الأمني والدفاعي "بناء على أمر من زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده" يوم 12 أبريل/نيسان الجاري.
واطّلعت الجزيرة نت على خطة صدرت عن "لجنة الأمن والنزاهة" التابعة لوزارة الدفاع الأفغانية، موقّعة من وزير الدفاع الأفغاني الملا محمد يعقوب مجاهد، بشأن تقليص القطاع الأمني وإعادة هيكلته.
وعزا المراقبون إعادة هيكلة القوات الأفغانية إلى سعي الحكومة لتحسين الكفاءة، والتخلص من العناصر غير المنضبطة، وتقليل الأعباء المالية، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها أفغانستان تحت حكم طالبان.
كما أرجعه البعض إلى محاولة تعزيز الولاء الداخلي للحركة داخل الجيش، وتقليل التكاليف التشغيلية في ظل ضغوط إدارة البلاد ومواجهة تهديدات مثل "تنظيم الدولة".
ويقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت "إن تقليص الموظفين في الدوائر الحكومية أمر طبيعي". وأضاف "بدأنا بتسريح عدد من الموظفين في القطاع الأمني والعسكري وبنسبة ضئيلة جدا في المؤسسات المدنية لتحسين جودة العمل ومنع التضخم الإداري والبيروقراطية". وتوقع أن يشمل قرار التقليص "موظفين في الدوائر الأخرى أيضا إن لزم الأمر".
تتضمن الخطة 7 مراحل مفصّلة لتقليص عدد أفراد المؤسسات الأمنية ضمن فئات، كالتالي:
إعلان فصل أفراد "غير مرغوب فيهم"، وهو تعبير يُفهم منه على نطاق واسع أنه يستهدف موظفي الحكومة السابقة. فصل الذين انضموا إلى حركة طالبان بعد سيطرتها على البلاد يوم 15 أغسطس/آب 2021. فصل الأفراد الذين دعموا حركة طالبان خلال عقدين ماضيين، وتم توظيفهم لاحقا نتيجة لدعمهم. فصل أقارب مقاتلي طالبان الذين قُتلوا في المعارك، باستثناء الآباء والأبناء. إعفاء المقاتلين المتطوعين الذين يرغبون في الانضمام إلى قوات الاحتياط. فصل أفراد العائلات التي يعمل أكثر من اثنين من أفرادها في القطاع الأمني. فصل أعضاء طالبان الأكبر سنا أو الذين لديهم سنة واحدة فقط من الخبرة القتالية.ويقول المتحدث باسم "لجنة الأمن والتدقيق" في وزارة الدفاع (فضل عدم الكشف عن هويته) -للجزيرة نت- إن كل من فُصل من القطاع العسكري والأمني، باستثناء من فُصل لكونه من الفئة الأولى، سيحصل على مبلغ شهري قدره 69 دولارا أميركيا، من دون تحديد الفترة التي سيحصل فيها على هذا المبلغ.
وأضاف "باشرنا عملية التسريح لأسباب كثيرة، أهمها التضخم، واختيار عناصر يخدمون البلد بكفاءة وجدارة، ويكون ولاؤهم للنظام، وليس للأشخاص أو الجهات".
وأكد أن عملية التقليص لن تؤثر على سير الأمن في البلاد، لأنها جاءت بعد دراسة شاملة، وقال "اخترنا أشخاصا يستطيعون القيام بمهامهم الأمنية والعسكرية على أحسن وجه، ونهتم بالجودة وليس الكم".
أسس أيديولوجيةبعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان صيف 2021، وجدت نفسها أمام تحدّ جديد لم تألفه من قبل، وهو الانتقال من حركة مسلحة إلى حكومة مسؤولة عن إدارة دولة ترعى أكثر من 40 مليون نسمة.
وأحد أبرز الملفات التي واجهتها طالبان هو إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يشمل عشرات الآلاف من المقاتلين الذين شكلوا عماد الحركة خلال عقدين ماضيين، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والانقسامات الداخلية لجأت الحركة إلى تقليص عدد العناصر العسكرية.
إعلانيقول الخبير العسكري قدرة الله كريمي -للجزيرة نت- إن "الجناح العسكري لطالبان يتألف من مقاتلين ينتمون إلى تيارات متعددة، بعضها ذات ولاء لقيادة الحركة في قندهار، والبعض الآخر يتبع قادة ميدانيين مستقلين، أو حتى جماعات محلية ذات مصالح خاصة".
"وبعد وصول الحركة إلى السلطة، لم تعد هناك حاجة للمقاتلين كما كانت الحال في فترة الحرب، مما فرض إعادة دمجهم ضمن جيش أيديولوجي يكون ولاؤه للدولة فقط، وأعتقد أن زعيم طالبان يسير في هذا الاتجاه"، يقول كريمي.
يرى خبراء في الشأن الأفغاني أن حكومة طالبان تعاني من أزمة اقتصادية حادة نتيجة توقف المساعدات الدولية وتجميد الأصول الأفغانية في واشنطن، مما أدى إلى شلل كبير في القطاعات الإنتاجية والخدمية.
ونتيجة هذا الواقع اضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، أبرزها تقليص أعداد الموظفين الحكوميين لتخفيف العبء على الميزانية العامة، إذ تخطط الحكومة لتسريح آلاف الموظفين من المؤسسات الحكومية، وفق مصادر للجزيرة نت.
يقول خبير الشؤون الاقتصادية تميم جلالي -للجزيرة نت- إن تسريح الموظفين الحكوميين لا يحل المشكلة، بل يفاقم الأوضاع الاقتصادية، مما يستدعي من الحكومة الإسراع في وضع برامج فعالة للحد من البطالة.
ودعا جلالي إلى منح الأولوية لتوفير بدائل مناسبة للذين يُفصلون من الجيش لضمان عدم تفاقم الأزمة الاجتماعية، وحتى لا يُستغل هذا الأمر من جهات أجنبية ومناوئة للحكومة الحالية.
وتساءل "كيف تستغني عن الذي قاتل مع طالبان طوال فترة الحرب في أفغانستان من دون أن تقدم له البديل؟"، وقال "سيكون هذا مثل قنبلة موقوتة".
خيبة وإهمالوفي حديث للجزيرة نت، عبّر أفغانيون فقدوا وظائفهم في القطاع العسكري والأمني عن شعورهم بالخيبة والإهمال، خاصة أولئك الذين شاركوا في القتال قبيل الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
إعلانوتظهر شهادات من خسروا وظائفهم أن الأزمة لن تكون اقتصادية أو إدارية فحسب، بل نفسية ومعنوية أيضا، إذ يشعر هؤلاء بأن النظام الذي خدموه تخلى عنهم لحساب فئة أخرى من المنتسبين الجدد أو أصحاب النفوذ، حسب شكوى بعضهم.
وفي هذا الصدد، يقول عبد المنان (اسم مستعار) للجزيرة نت "قاتلت 17 عاما في ولاية هلمند بصفوف حركة طالبان، واليوم وجدت نفسي بلا وظيفة، ولا راتب، لقد تعرضت للظلم".
وفُصل عبد المنان وفقا للبند الثالث في خطة التقليص (فئة الذين وُظّفوا لدعمهم الحركة في العقدين الأخيرين). وقال "رغم مشاركتي الفعالة في القتال ضد القوات الأجنبية، وخلال هذه السنوات كنت مقربا للقيادة بسبب مهارتي في زرع الألغام ونصب الكمائن، فإنني اليوم فُصلت بجرة قلم". وشدد على أن "آلية فصل المقاتلين تحتاج إلى نزاهة وشفافية".
أما مقاتل مصطفى (اسم مستعار أيضا)، وهو الذي قاتل القوات الأميركية والأفغانية السابقة في ولاية كونر شرقي أفغانستان، فيتهم القيادة الحالية بأنها لا تقدّر عمل وتضحيات مقاتلي طالبان في أثناء مشاركتهم في قتال ومكافحة القوات الأجنبية.
ويقول للجزيرة نت "انضممت إلى حركة طالبان عام 2016، وحصلت على شهادة لجنة التقييم المخولة بالتدقيق والنظر في خلفية المقاتل، وبعد 3 سنوات من العمل فُصلت". وأضاف "الذين يصدرون هذه القرارات لا يعرفون حجم التضحية والتكاليف التي تحملتها في صفوف طالبان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدفاع الأفغانیة القطاع الأمنی حرکة طالبان للجزیرة نت فی القطاع
إقرأ أيضاً:
شحاتة السيد يكتب: لماذا تُستهدف مصر؟ ولماذا تُنفق المليارات لتشويه صورتها؟
ما يجري حول مصر اليوم لا يمكن قراءته كضجيج عابر، أو شغب سياسي مؤقت؛ بل هو نتاج ترتيب طويل، هندسة مقصودة ومستمرة، تستند إلى خبرة عميقة في الحروب الرمادية، وتُدار بأدوات ناعمة لا تُطلق رصاصة واحدة، لكنها تُصيب بعمق، وتُحدث ارتباكًا داخليًا طويل الأمد.
نحن أمام حملة ليست وليدة لحظة، بل خلاصة خطط تمتد على مدار سنوات، تتكئ على فهم دقيق لطبيعة هذا البلد، لتاريخه، لمزاجه الشعبي، ولحساسيته تجاه صورته وذاته ومصيره.
وحين تتحرك مصر نحو بناء ذاتها، لا تتحرك في فراغ؛ كل خطوة تقطعها إلى الأمام، تقترب بها من لحظة لا تروق للكثيرين: لحظة التوازن. اللحظة التي لا تصبح فيها مصر عبئًا على المنطقة، بل رقمًا حاسمًا في معادلاتها.
هذه اللحظة تحديدًا، هي ما تخشاه أطراف عدة؛ دول مجاورة كانت، طويلاً، تنعم بترف التحرك في ظل غياب الدور المصري أو انكفائه. أجهزة إقليمية تعودت أن تعمل في فراغات القوة، لا تجد في صعود مصر سوى تهديد مباشر لامتداداتها، ومصالحها، ونفوذها.
هؤلاء لا يعلنون القلق، لا يصرخون من على منصات السياسة؛ بل يتحركون بصمت، بدقة، وبميزانيات ضخمة لا يُعلَن عنها. يختارون التوقيتات الحساسة، والمفاصل الانتقالية، واللحظات التي يكون فيها المزاج العام مرهقًا أو مشوشًا، ليضربوا؛ ليس عبر الجيوش، ولا حتى بالتحركات الدبلوماسية، بل عبر شيء أكثر خطرًا: وعي المواطن.
لا أحد يوجّه لك ضربة مباشرة اليوم؛ ما يُصاغ الآن هو حرب على الإدراك، على الصورة، على المعنى. يُعاد تشكيل الوعي الجمعي للمصري عبر جرعات منظمة من التشكيك؛ ليس في حدث بعينه، ولا سياسة بعينها، ولكن في قيمة الدولة نفسها، في مشروعها، في حقها في أن تنهض.
هنا لا تُستخدم اللغة السياسية التقليدية، بل تُعاد كتابة الرواية بلسان يشبه لسانك، بلكنة مألوفة، بإيقاع قريب من الشارع، لكنه مسموم. تبدأ القصة من مشهد يومي بسيط، من شكوى مشروعة، من خطأ عابر، ثم تُضخَّم، وتُنسج حولها شبكة من التفسيرات، والاتهامات، والاستنتاجات؛ لتتحوّل إلى سردية مكتملة تُبنى في العقول، وتُتداول كأنها "الحقيقة الوحيدة الممكنة".
يُقال أن الإعلام الجديد منح الشعوب صوتًا؛ لكن في حالتنا، أصبح هذا الصوت هدفًا لمن يريد أن يزرع بداخله صدىً غريبًا، نشازًا، لا يعرف له مصدرًا. يكفي أن تنتشر آلاف الحسابات، أن تُنتج مئات المقاطع المصورة، أن تُضَخ تقارير مكتوبة في غرف مغلقة، وتُوزّع على منصات يبدو ظاهرها محليًا، لكنها مملوكة فعليًا لعواصم وأجهزة معروفة، لتتحوّل الحملة إلى ظاهرة، ثم إلى "رأي عام"، ثم إلى قناعة مسمومة تسري في الجسد الوطني.
المنصات الإعلامية التي تدّعي الحياد، والتقارير التي تصدر تحت عناوين كبيرة عن الحقوق والحريات، ليست دائمًا بريئة؛ هناك من يحترف خلط الأوراق، والتلاعب بالمفاهيم، وتقديم نصف الحقيقة على أنها كل الحقيقة. وهناك من يتقن صناعة الالتباس، وإشعال الشك، وفتح الثغرات في الجدار الداخلي؛ لا ليُصلح، ولكن ليُهدم من الداخل.
هذه ليست معركة على قرار، أو سياسة، أو شخص؛ هذه معركة على الجوهر، معركة على الصورة الذهنية التي تُرسم لمصر في أذهان أهلها أولًا، قبل أن تُرسم في الإعلام الدولي أو المؤتمرات. هذا لأن الخطر الحقيقي ليس في الحدث الذي يُشوَّه، بل في تراكم التشويه نفسه، حتى يفقد الناس ثقتهم في الواقع.
ولأن من يدير هذه الحرب يعرف تمامًا أن مصر لا تُهزم خارجيًا، فإنه يراهن على الداخل: على الإرباك، على التآكل التدريجي، على تآكل المعنى. يرمي إلى أن يتعوّد الناس على أن يُشككوا في كل شيء، حتى في أنفسهم، في قدرتهم على الفهم، على التمييز، على الصبر، على الأمل.
لكن هذا الرهان، رغم خطورته، يفتقد إلى أمر جوهري: أن مصر، رغم ما تمر به، ليست هشّة كما يتوهم البعض. صحيح أن الضغوط قاسية، وأن الطريق طويل؛ لكن المزاج المصري – الذي يبدو أحيانًا متقلبًا – يحمل بداخله وعيًا عميقًا تشكّل على مدى قرون.
المصري يُجيد الإصغاء، لكنه أيضًا يُجيد التفرقة؛ وقد يتأثر، لكنه لا يُسلّم وعيه بسهولة.
ولعلهم لم يستوعبوا الدرس في كل محاولة لهز صورة مصر، كانت ترتد في النهاية إلى صاحبها؛ وكل حملة تُبذَر بالتمويل، تُقابلها في الداخل ذاكرة جمعية تعرف من يزرع ولماذا. لأن هذا الشعب، الذي عانى كثيرًا، لم ينسَ كيف تُبنى الدول، ولم ينسَ أثمان الفوضى، ولا ثمن الفراغ.
الذين يصرفون الملايين ليهدموا المعنى، لم يدركوا بعد أن مصر – حين تقرر أن تصمد – لا تقف وحدها، بل يقف خلفها شعب لا يُباع، ولا يُشترى، ولا يُدار من الخارج.