الخطة الصهيونية المُعلنة لإبادة غزة أمام القضاء الدولي
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
الإرهاب الأمريكي جعل الدول الأعضاء في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية تتردد في مواصلة المعركة القانونية ومحاربة الإفلات من العقاب الذي قررته واشنطن ونفذته إسرائيل؛ حيث إن واشنطن شريك كامل لإسرائيل في أعمال الإبادة، وتمد إسرائيل بالسلاح الفعَّال في إبادة الشعب الفلسطيني، وتُغطِّي جرائم إسرائيل دبلوماسيًا وتشجعها على ارتكاب الجرائم، كما تمد إسرائيل بالمال، والأهم من ذلك أنها تُلجِم المنظمات الدولية الإنسانية ومُنظمات حقوق الإنسان، وقد فرض الكونجرس عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لأنها تحدت إسرائيل وأمريكا وأصدرت أوامر الاعتقال لرئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق المُقال.
والطريف أن محكمة العدل الدولية لا تزال تبحث عن أدلة تثبت أن إسرائيل تتعمد الإبادة. ولعلم المحكمة أن الخطة الأمريكية التي تنفذها إسرائيل تحت حراسة أمريكا وتدخلها المباشر تتكون من خمسة عناصر.
وتقضي خطة الإبادة الإجرامية إلى ارتكاب الجرائم الآتية:
1- العودة إلى الإبادة انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار.
2- تشديد الحصار على القطاع واستخدام التجويع سلاحًا للإبادة.
3- القضاء على المقاومة ونزع سلاحها ومغادرة غزة لتأمين جرائم إسرائيل.
4- تكثيف الهجمات الجوية على المخيمات وسط خرائب غزة في الإغلاق والحصار؛ وذلك انتقاما من سكان غزة على تحديهم ترامب ورفض التهجير القسري.
ترامب يرى أن من يخاف من الإبادة المباشرة عليه أن يرحل إلى خارج غزة وإفراغ فلسطين من أهلها، بحيث يمكن للصهاينة أن يحلوا محلهم تحت ستار "لحين إعمار غزة". ويرى ترامب أن نزوح الأهالي في هذه الحالة هو فرار من الموت، وهي هجرة وليس تهجيرًا، علمًا بأنَّ إجبار السكان على النزوح هو تهجير قسري.
صحيحٌ أن التهجير القسري معناه تجميع السكان رغمًا عنهم وشحنهم إلى الخارج دون عودة، وإرغام للسكان عن طريق الإبادة ودفعهم إلى الفرار من الموت. ويرى ترامب أنها هجرة طوعية وهذا وَهْمٌ كبير. وهكذا قررت واشنطن أن فلسطين ملك كلها للصوص الصهاينة يتقدمهم ترامب. ويريد ترامب تأمين إسرائيل في فلسطين فلا تؤرقها مقاومة أو سيف القانون الدولي وسط بيئة عربية وإسلامية ساكنة، مع إفلات إسرائيل وأمريكا من العقاب وإهدار هيبة القانون الدولي. وأخيرًا الجريمة المُركَّبة وهي القضاء على المقاومة وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه: الحق في مقاومة الاحتلال والإبادة والطرد من الوطن، وحق العودة، إضافة إلى الحقوق السياسية، وأهمها احترام سيادة الدولة الفلسطينية والانسحاب من أراضيها.
فكيف تعلن أمريكا وإسرائيل علناً خطة الإبادة بقصد التهجير ولم يتحرك أحد في الوسط العربي والإسلامي والدولي، وماذا ينتظرون بعد حصد الإبادة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، إضافة إلى اغتيال قيادات المقاومة وترديد الأكاذيب الصهيونية وهي أن إسرائيل تقوم بالإبادة لأن المقاومة تهدف إلى القضاء على إسرائيل، لكن الحقيقة أن الإبادة انتقام من أهل غزة عقابًا لهم على تمسكهم بالأرض وعدم تحميل المقاومة مأساتهم. وأهم الأكاذيب أن حركة حماس هي التي جلبت الانتقام الصهيوني بهجومها يوم 7 أكتوبر 2023، كما لو كان إسرائيل قبلها حملًا وديعًا ولم تتحد الأمم المتحدة وتنسحب من أراضي الدولة الفلسطينية؛ بل وأخذ المقاومة معها خلال الهجوم رهائن من المدنيين والعسكريين أسرى.
وردًا على كذبة إسرائيل الكبرى أن هجمة حماس على إسرائيل 7 أكتوبر 2023 هي عدوان على إسرائيل استوجب انتقام إسرائيل من العرق الفلسطيني بسبب عملية المقاومة. وقد تطاول نتنياهو على المحكمة العالمية التي قررت أن إسرائيل دولة محتلة بأن فلسطين كلها ملك لإسرائيل وأن القانون الإسرائيلي يحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين، لأنَّ إسرائيل تستحوذ على كل فلسطين.
ولم يقل لنا نتنياهو منذ متى فلسطين ملكاً لإسرائيل وليس دولة محتلة، هل بعد السابع من أكتوبر 2023 فقط؟
وسبق للمحكمة أن قررت أن علاقة إسرائيل بفلسطين أنها سلطة احتلال، وقررت ذلك في الرأي الاستشاري في قضية الجدار العازل عام 2004، ومن قبله، قرار مجلس الأمن 242/ 1967.
وفي الملاحظات الآتية نردُ على الفرية الصهيونية حول السابع من أكتوبر:
أولًا: أن إسرائيل منذ القرن التاسع عشر حتى قبل قيام إسرائيل كانت تجسيدا للمشروع الصهيوني وخدعت العالم كله.
ويقضى المشروع الصهيوني بالانفراد بفلسطين كلها ولذلك رفضت إسرائيل قرار تقسيم فلسطين وعندما رفضه العرب اتهمتهم بأنهم لا يريدون السلام. والسلام عند إسرائيل يعنى الاستسلام لمخططها وإفراغ فلسطين من أهلها، فضلًا عن التمسح باليهودية واسرائيل في الواقع سكانها هم أنصار المشروع الصهيوني فليسوا مدنيين. والحق أن مقاومة الفلسطينيين بدأت منذ وصول الهجرات الأولى للمستعمرين الصهاينة، حتى نجحت المؤامرة وقامت إسرائيل كراس حربة لتنفيذ المشروع،
ثانيًا: أن سلوك إسرائيل منذ قيامها هو الإرهاب والمذابح وطرد السكان أصحاب الأرض. ولم تتوقف المذابح والابعاد وحصار غزة يومًا ولذلك فإن عملية أكتوبر كشفت إسرائيل وبدا سلوكها الإجرامي بعدها صريحًا.
ثالثًا: أن المقاومة مشروعة مادام الاحتلال مستمرًا؛ فالاحتلال عدوان دائم خاصة أن المشروع الصهيوني يقضى بإبادة أهل فلسطين ثم جلب صهاينة العالم تحت ستار حق العودة المزعوم. وقد فشلت كل محاولات المجتمع الدولي والقضاء الدولي في ردع إسرائيل ومكنتها واشنطن من إهدار هيبة القانون الدولي والتباهي بجرائمها.
رابعًا: يُباح للمقاومة استخدام أي سلاح كما يُباح لها أخذ الرهائن قدر المُستطاع بموجب اتفاقية نيويورك 1979 خاصة المادة 12، كما إن أخذ الرهائن مشروع وله دافع أخلاقي وهو إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن والإعدام، علمًا بأن القضاء الإسرائيلي ليس له سلطة محاكمتهم أو تطبيق القانون الإسرائيلي عليهم. وقد قارنتُ في مقال سابق بين السلوك الحضاري للمقاومة والسلوك البربري لإسرائيل في السجون الصهيونية.
وهذا الواقع الصحيح يفهمه العالم لأول مرة ويمثل مسمارًا في نعش إسرائيل التي أُصيبت بحالة من الهياج الناجم عن استشعار الخطر بالنهاية للظاهرة الإسرائيلية؛ فسلوك إسرائيل الهمجي هو تنفيذ للمشروع الصهيوني ولا علاقة له بهجوم حماس، لكن هذا الهجوم كشف الجيش الذي لا يُهزم وعوار الأجهزة الأمنية التي تدَّعي الكمال.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رؤى حول الإصلاح العدلي في السودان إثر الحرب
أولا : المحكمة الدستورية
مقدمة
على الرغم من أن خطاب البروفسير كامل إدريس رئيس مجلس الوزراء لم يتناول الإصلاح العدلي بشكل مباشر ومفصل كقسم منفصل إلا أنه يمكن استخلاص عدة رؤى ومبادئ أساسية، وردت في الخطاب، تتقاطع مع مفهوم الإصلاح العدلي :
1 : دولة القانون:
يذكر الخطاب صراحة مبدأ العدل : يرسي دولة القانون ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) وهذا المبدأ هو جوهر أي إصلاح عدلي ويدل على التزام الحكومة المقترحة بتعزيز سيادة حكم القانون .
2 : القيم الجوهرية: يحدد الخطاب خمس قيم جوهرية لحكومة الأمل المدنية وهي الصدق والأمانة والعدل والشفافية والتسامح، وهذه القيم أساسية لبناء نظام عدلي نزيه وفعال وموثوق به .
والعدل هو القيمة المحورية للإصلاح العدلي وتركيز الخطاب عليها يؤكد على أهميتها .
والشفافية ضرورية لضمان المساءلة ومنع الفساد في الجهاز العدلي .
الأمانة والصدق قيم أساسية لضمان نزاهة القضاة والعاملين في الجهاز العدلي .
الحكومة التكنوقراطية واللاحزبية:
يشير الخطاب إلى أن حكومة الأمل ستكون تكنوقراطية (حكم الناس من خلال وكالة خادمهم العلماء بناء على خبرتهم وخلفيتهم التقنية) ولا حزبية (لا ينتمي منسوبوها للأحزاب السياسية) وهذا النموذج يمكن أن يساهم في تجريد الجهاز العدلي من التأثيرات السياسية والحزبية بما يعزز استقلاليته وحياديته .
مكافحة الفساد: بما أن الفساد يعد أحد المشكلات الرئيسية فإن أي جهود لمكافحته سينعكس إيجابا على النظام العدلي حيث إن الفساد يقوض العدالة ويزعزع الثقة في المؤسسات.
التركيز على الأمن القومي
ويذكر الخطاب أن الأمن القومي هو الأساس فالأمن والاستقرار هما شرطان أساسيان لعمل أي نظام عدلي فعال ولا يمكن تحقيق العدالة في ظل الفوضى وغياب الأمن .
فالمعلوم أن النظام العدلي في السودان قد تعرض أثرا لهذه الحرب إلى تعطله كلية وفقد مبناه ومضمونه وفقد الباحثون عن العدالة أدلتهم كما انتشر العاملون من قضاة ومستشارين ونيابة في أنحاء الأرض وضاع من العمر زمن مقدر ، إلا أنه يحدونا الأمل أيضاُ في أن تنجح الدولة في بناء نظام عدلي يحتفظ بالوجه المشرق لما أرساه أهل القضاء والقانون ويزيل السلبيات التي علقت به مستعيناً بالتقنية والذكاء الاصطناعي وقبل كل ذلك وجود تشريعات لتحقيق كل الرؤى ومستفيدا من كل تجارب الدول المتحضرة، وللسودانيين تجربتهم ومساهماتهم في تلك التجارب، مراعياً أن تكون الرؤية واقعية تأخذ في الاعتبار التحديات الأساسية والأمنية والإنسانية ، وتعمل على بناء الثقة في النظام العدلي بما يتطلب معالجة شاملة للمشكلات التي تؤثر على حياة المواطنين بشكل مباشر بما في ذلك آثار الحرب والنزوح .
وأرجو أن أبدأ هذه الرؤى بالحديث عن إصلاح المحكمة الدستورية.
المحاكم الدستورية المستقلة الثلاث
المحكمة الدستورية الأولى : 1998 إلى 2005
لم يعرف السودان دستوراً قبل الاستقلال، بل كانت هنالك بعض الاتفاقيات والتشريعات تعتمد عليها الدولة في تسيير وتنظيم أعمالها وأول مرة يذكر فيها الدستور وحراسة وحماية المحاكم له هو ما نص عليه في قانون الحكم الذاتي لسنة 1953 والذي تلته عدة دساتير بعد ذلك في 1956 و 1964 ومشروع دستور 1969 و1973 و1985 ، وقد نصت كل هذه الدساتير على تشكيل المحكمة العليا وخصصت فيها دائرة دستورية وصدرت عدة قوانين لتنظيم الهيئة القضائية نص فيها على اختصاصات المحاكم وخاصة المحكمة العليا والدائرة الدستورية فيها. وكل ما جاءت به الدساتير المشار إليها وما صدر منها من قوانين تنظيما لأعمال الهيئة القضائية يؤكد وجود المحكمة الدستورية كدائرة في المحكمة العليا.
وترسيخاً لمبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين وحماية الحريات والحقوق فقد رأى المشرع في السودان بعد صدور دستور 1998 أن يفصل الدائرة الدستورية من المحكمة العليا ويجعلها محكمة مستقلة بعد منحها العديد من السلطات ولم يترك اختصاصاتها قاصرة على النص القديم في الدساتير السابقة وزيادة على ما تصدره المحكمة من أحكام وقرارات لفض النزاعات فإنها تقوم أيضا بتفسير النصوص الدستورية والقانونية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الدستور والقانون .
أصدرت المحكمة الدستورية في الفترة من إنشائها بما نشر في مجلتها أحكاما بين 1998 وحتى 2003 حوالي 140 حكما ومن الأهمية بمكان الوقوف على نوع الأحكام التي صدرت :
1 : القضايا الجنائية 75 طعن .
2 : القضايا المدنية النقض ، دعاوى الأسرة ، البنوك وغيرها .
ومن القضايا الدستورية قضايا متعلقة بالانتخابات وتفسير لوائح العمل الصحفي.
والملاحظ أن المحكمة الدستورية الأولى قد جعلت من منصتها وسيلة لمراجعة أحكام المحكمة العليا بما فيها قضايا الأحوال الشخصية مما خلق صراعاً خفياً وعلنياً بين المحكمتين ليس هنا مجال البحث فيه، رغم أن كثيراً من أهل القانون كانوا يرون أن تلك الوسيلة لتقييم أحكام المحكمة العليا ، إلا أن القضايا الدستورية لم تكن بالكم الكبير فقط لم يكن لمحكمة دور سياسي بارز إلا في قضية حل المجلس الوطني.
وقد تشكلت المحكمة الدستورية الأولى برئاسة المرحوم مولانا جلال على لطفي وعضوية ستة من القضاة وكلهم من القضاة السابقين فيهم من قضى نحبه يرحمهم الله ومن بقى أطال الله أعمارهم والتحية لمولانا واستاذنا محمد محمود أبو قصيصة.
المحكمة الدستورية الثانية بموجب دستور 2005 وحتى انفصال الجنوب ، تشكلت المحكمة الدستورية الثانية وبان من تشكليها انتماء قضاتها الجغرافي والجهوي لولايات السوان وجمعت بين شيوخ القضاة برئاسة مولانا عبد الله البشير وأساتذة الجامعات وشبابها كما كان للمرأة وجود حيث تم اختيار القاضية سنية الرشيد كما لم يكن قد بقي من أعضاء المحكمة الدستورية الأولى في تشكيلها إلا القاضي عبد الله أحمد عبد الله والذي أصبح رئيسا للمحكمة الدستورية إلى أن توفاه الله ، وقد استمرت المحكمة الدستورية إلى 2019 حيث أكمل كل قضاتها عدا رئيسها الدكتور وهبة مختار مدة بقائهم مدة سبع سنوات وينص القانون على إمكانية التجديد لهم ، ولم يتم بعد اكتمال الفترة أيضا خلال الفترة اللاحقة فأصبحت المحكمة الدستورية في الحقيقة خارج الخدمة.
أصدرت هذه المحكمة مجلتين لأحكامها المجلة الأولى للعام 2011 وشملت 38 حكما والمجلة الأخرى 2012 تضمنت 75 حكما . وتتميز هذه الفترة وأحكامها بميل المحكمة إلى تطبيق النصوص الدستورية ويظهر ذلك من التبويب كما أرست كثيراً من القواعد الذهبية أو رأي مخالف، كما أرجو أن يكون هناك وقت للبحث والكتابة عنها ومنها ما قيل في كمال محكم حامد ضد حكومة السودان المنشورة في العدد الثاني حول اشتراك القاضي في مراجعة حكم أصدره يتعارض مع قواعد العدالة الطبيعية وعلى وجه التحديد القاعدة ضد التحيز ( Justice must not only been done ,it must manifestly be seen to be done ) وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام أن حجم العمل الدستوري كان قليلا إذ أن متوسط عمل القاضي في الرأي الأول تفاوت في الأعوام الأربعة الأولى بين سبع قضايا وقضيتين وأن القضايا المدرجة (لا تشمل الفترة اللاحقة لعدم توفر الإحصائيات).
المحكمة الدستورية في ظل الوثيقة الدستورية 2019 والتعديلات وكيف يمكن قيامها لتقوم بدورها؟
أنشأت الوثيقة الدستورية 2019 مجلسا للقضاء العالي يحل محل مفوضية الخدمة القضائية في دستور 2005، يحدد القانون تشكليه واختصاصاته وسلطاته ومن مهامه اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس القضاء ونوابه، كما نصت الوثيقة في المادة 31 على أن المحكمة الدستورية محكمة مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية وحددت اختصاصاتها بالإشراف على دستورية القوانين والتدابير وحماية الحقوق والحريات وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وفقا للقانون . وحيث لم يتم تعديل قانون مفوضية الخدمة القضائية 2005 ووفقا للفصل 16 من الوثيقة إذا تم تضمين حكم ذي صلة بأن تستمر أعمال الوكالات والمؤسسات الحكومية القائمة ما لم يتم حلها أو إلغاؤها أو إعادة تشكيلها بموجب أي تدبير لاحق مما يعني استمرار تطبيق قانون المفوضية.
وحيث إنه بموجب قانون المفوضية تتشكل من رئيس القضاء رئيسا وعضوية كل من وزير العدل ووزير المالية ورئيس اللجنة القانونية بالمجلس الوطني ورئيس اللجنة القانونية بمجلس الولايات وعميد كلية القانون جامعة الخرطوم ونقيب المحامين وثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة يعينهم رئيس الجمهورية (رئيس مجلس السيادة) .
من جماع نص الوثيقة والقانون فإن السلطة التنفيذية ورغم غيابها هي المسيطرة على تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بل أن لائحة المفوضية بشأن التعيين أن رئيس الجمهورية يرشح ثلاثة للمفوضية وتختار المفوضية منهم رئيس المحكمة الدستورية ، كما أنه ليس هناك مجلس وطني أو مجلس ولايات كما أنه لم يتم اختيار ثلاثة أعضاء للمفوضية ، وحاولت التعرف على كيفية من تم اختياره من رؤساء القضاء ونوابهم وقضاة المحكمة العليا منذ 2019 وحتى الآن وهذه معضلة حاضرة .
وهناك صعوبة ثانية هل نحن في حاجة لمحكمة دستورية مستقلة عن السلطة القضائية أم في الإمكان أم الأنسب أن تعاد المحكمة الدستورية لدائرة مستقلة بالمحكمة العليا برئاسة رئيس القضاء وإعادة النظر في قانون المحكمة العليا وتقدير حاجة الولايات وفي ظلل النظام الفدرالي وتحقيقا لهوية الولايات ومعالجة بعض أسباب الحرب والأخذ بنظام المحكمة العليا ووجود محكمة عليا في الأقاليم ومحاكم استئناف في عواصم الولايات كما في أنظمة عدة منها النظام الأمريكي ولمزاياه في أنه يضمن تكامل القانون الدستوري مع فروع القانون الأخرى كما يوحد القواعد القانونية ويعزز الانسجام ويستفيد من البنية التحتية القائمة والفعالية بما يوفر الموارد ويقلل التكاليف.. وتحظى قرارات المحكمة العليا بقبول أوسع نظرا لمكانتها وتتكيف المحكمة العليا في اختصاصاتها مع تطورات القضاء والقانون الدستوري وفقا للمقترح عند مناقشة إصلاح القضاء ، كما أن حجم العمل ونوع القضايا وطبيعة النزاعات القانونية والمفاهيم والدولة ما زالت في إطار الهيمنة المركزية كما أنه لم تقم المحكمة الدستورية ومنذ إنشائها بممارسة السلطات الجنائية كمحاكمة الرئيس ولم تتعرض لقضايا في هيكلة الحكم أو الخلاف بين السلطات أو غيرها .
ورغم ما في وجود المحكمة الدستورية المستقلة من مزايا إلا أن الدساتير المتعاقبة من 1998 وحتى الآن لم تحترم دور رئيس المحكمة الدستورية السياسي في المسائل الدستورية أو القانوني فالمحكمة الدستورية تنظر القضايا التي شارك فيها رئيس القضاء ويمكن أن تلغي أحكامه ورغم ذلك أسند مسائل منها تكليف الرئيس والوزراء .
مما أرى:
أولا : العمل على تعديل الوثيقة الدستورية لجعل المحكمة الدستورية دائرة دستورية مستقلة بالمحكمة العليا وتعديل قانون المحكمة العليا.
ثانياً: أو إذا رأت الدولة من ضرورة قيام محكمة دستورية مستقلة، فينبغي إنشاء مجلس القضاء العالي واستكمال تعيين أعضائه بما يحفظ للقضاء استقلاله وحياده ونزاهته.
وبإذن الله إلى المقال الثاني تحت عنوان إصلاح القضاء.
دكتور عوض الحسن النور
قاضي سابق
إنضم لقناة النيلين على واتساب