هل عززّت الصيرفة الإسلامية جهود التنمية؟
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يرى بعض الخبراء أن البنوك الإسلامية في المنطقة لم تحقق التنمية الاقتصادية المنشودة بالشكل المأمول في معظم الدول العربية والإسلامية، لكنها تساهم في بعض الجوانب التجارية المهمة، وما زال لديها إمكانيات كبيرة لم تُستغل بعد.
هذه الإجابة تدفعنا للحديث عن هذا القطاع الذي يأمل الكثير منه بأن يحقق المزيد من التطورات الإيجابية في الاقتصادات القائمة، ويقدّم المزيد من الدعم للمجتمعات التجارية والصناعية في المنطقة، ويساعد في تعزيز التنمية المستدامة.
الكل يدرك بأن البنوك الإسلامية لها دور مركزي في تحقيق التوازن بين العمل المالي والالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية في المجتمعات، خصوصًا في العالم الإسلامي، وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لتحقق التنمية المطلوبة، في الوقت الذي يتطلب فيه من الجهات المعنية إعطاء الفرصة للبنوك الإسلامية لتتمكن من مواجهة المنافسة الشرسة التي تواجهها من البنوك التقليدية، ودعم أجهزتها بالخبرات والكفاءات اللازمة للتعامل مع المؤسسات التجارية والصناعية ومعرفة احتياجات الاسواق الإسلامية للسلع والمنتجات التي تستوردها القطاعات العامة والخاصة؛ الأمر الذي يتطلب إعطاء دور اكبر للخبراء المصرفيين في هذا القطاع الهام الذي يحاول قدر الامكان الابتعاد عن خلط الأوراق بين ما هم حلال وحرام، وابتعاده عن العمل في القطاعات المشبوهة. ولا شك أن هذه الأمور تعتمد أيضا على طبيعة النظام المالي في كل دولة، والسياسات الاقتصادية، ومدى التزام البنوك الإسلامية بمبادئها.
البنوك الإسلامية في أعمالها اليومية لا تبتعد كثيرًا عن أعمال البنوك التقليدية المعتادة، إلّا أنها تعمل بالتشريعات الإسلامية التي تعتمد على صيغ تمويل قائمة على المشاركة (مثل المضاربة والمشاركة)؛ مما يدفع نحو تمويل المشاريع بدلًا من الاستهلاك. وقد تمكنت هذه البنوك خلال العقود الماضية من جذب شريحة من الناس الذين كانوا يتجنبون البنوك التقليدية لأسباب دينية والعمل على تحقيق الشمول المالي.
وخلال بعض الأزمات السابقة، أظهرت البنوك الإسلامية أداءً جيدًا نسبيًا مثل الأزمة المالية العالمية 2008 بسبب ابتعادها عن المنتجات المعقدة والمشتقات، أي أنها أظهرت مرونة في مثل هذه الأزمات. وفي مقابل ذلك ما زالت البنوك الإسلامية تواجه العديد من التحديات، منها ضعف الالتزام الحقيقي بالمبادئ الإسلامية؛ حيث تبين أنه في بعض الأحيان، تستخدم هذه البنوك صيغ تمويل إسلامية اسميًا فقط، دون اختلاف جوهري عن القروض التقليدية. كما إنها تعاني من ضعف في الابتكار المالي الخاص بها، أي أنها في أغلب الأمور ما تزال تُقلِّد المنتجات التقليدية بدلًا من تطوير أدوات تمويلية جديدة لها تراعي التنمية. وعليها اليوم تقديم الكثير للتمويل طويل الأجل، بدلًا من التمويل قصير الأجل لتتمكن المؤسسات من الدخول في المشاريع التنموية المنتجة، في الوقت الذي يتطلب من البنوك الإسلامية عدم التركيز على تمويل العقارات والاستهلاك أكثر من تمويل المشاريع الإنتاجية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وهذه القضايا تحتاج إلى تزويد البنوك الإسلامية بالكفاءات وزيادة الوعي لدى الموظفين والمتعاملين بهذه القضايا.
هناك اليوم العديد من البنوك الإسلامية الكبيرة في الدول الإسلامية، وعلينا في السلطنة الاستفادة من تجارب هذه المؤسسات لدعم المشاريع الاقتصادية القائمة في البلاد. فالتجربة المصرفية الإسلامية لدينا تدخل اليوم عقدها الثالث، وتحتاج إلى مزيد من الخبرات لتفعيل أنشطة هذه المؤسسات والدخول في المشاريع الانمائية طويل الأجل. وقد شهدت البنوك الإسلامية في سلطنة عُمان نشاطًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، وتظهر تقارير الأداء المالي نموًا في الأصول والأرباح، إضافة إلى تعزيز التزامها بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية لها منذ أن تم قام البنك المركزي العُماني في شهر مايو من عام 2011 بإصدار إرشادات أولية لمزاولة الأعمال المصرفية الإسلامية في سلطنة عُمان.
وقد تم تقنين هذه المبادرة في ديسمبر 2012 من خلال المرسوم السلطاني رقم (69/ 2012) الذي أدخل بابًا جديدًا في القانون المصرفي تحت مسمى "الأعمال المصرفية الإسلامية"، ومزاولتها، بإنشاء لجنة رقابة شرعية خاصة بها، بحيث تنسجم هذه المبادرات مع الأهداف الاقتصادية لسلطنة عُمان، والتي تضمنت تعزيز الشمول المالي، والتنويع الاقتصادي، وتفعيل الممارسات المالية المسؤولة.
ويؤدي هذا القطاع اليوم دورًا حيويًا في تعزيز المدخرات الوطنية وجذب الاستثمارات؛ مما يساعد في بناء قاعدة استثمارية متنوعة، إلى جانب توفير مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لكافة الأفراد والمؤسسات. وبهذا أصبح هذا القطاع رافدًا مهمًا لمسار التقدم والنمو الاقتصادي. والمأمول منه بأن يدخل في تمويل المشاريع الصناعية والعلمية التي تحتاج إليها البلاد في السنوات المقبلة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبراء لـ«الاتحاد»: الإمارات أرست تجربة رائدة في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة
حسام عبدالنبي (أبوظبي)
تقدم دولة الإمارات نموذجاً ملهماً في دعم الابتكار وتمويل مشاريع الطاقة المتقدمة حيث تمتلك سجلاً حافلاً في تنفيذ مشاريع عالمية المستوى، حسب خبراء في مجال التمويل والاستدامة.
وقال هؤلاء لـ«الاتحاد» إن الإمارات تمكنت من خلق بيئة محفزة للتوسع في مشاريع الطاقة المستقبلية والحد من مخاطر التقنيات الجديدة، ما يفتح المجال لأن تكون الإمارات في طليعة الدول الداعمة لتطوير واعتماد تكنولوجيا طاقة الاندماج على المستويين الإقليمي والعالمي.
المشاريع المتقدمة
وأكد بوب مومغارد، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي العالمي لشركة كومنولث فيوجن سيستمز «CFS»، أن الإمارات قدّمت نموذجاً ملهماً في دعم الابتكار وتمويل مشاريع الطاقة المتقدمة بفضل رؤيتها الجريئة واحتياطاتها الرأسمالية وسجلها الحافل في تنفيذ مشاريع عالمية المستوى، وهو ما مكّنها من الحد من مخاطر التقنيات الجديدة وخلق بيئة محفزة للتوسع في مشاريع الطاقة المستقبلية.
وقال إن تجربة الإمارات في الاستثمار وتسريع ونشر مشاريع الطاقة النظيفة تمثل نموذجاً يحتذى به للدول النامية في الشرق الأوسط، إذ يمكن لهذه الدول الاستفادة من الشراكات الذكية ونقل المعرفة ووفورات الحجم لبناء قدراتها التقنية والبحثية والانخراط في منظومة طاقة الاندماج الإقليمية، مشدداً على أن دولة الإمارات تمتلك جميع المقومات التي تؤهلها لتكون في طليعة الدول الداعمة لتطوير واعتماد تكنولوجيا طاقة الاندماج على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأوضح مومغارد، أن ريادة الإمارات في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة والطاقة السلمية تؤكد امتلاكها الرؤية والخبرة العملية لقيادة مرحلة جديدة من التحول في قطاع الطاقة، وترسيخ موقعها مركزاً عالمياً لتسريع تبني الطاقة الاندماجية النظيفة التي ستشكل مستقبل الطاقة المستدامة في العقود القادمة.
وأشار إلى أن ميزة الاندماج في إنتاج الحرارة إلى جانب الكهرباء تفتح آفاقاً واسعة لدعم العمليات الصناعية وتحلية المياه، ما يعزز من ريادة الإمارات في تطوير حلول الطاقة المتقدمة، ويؤكد دورها قوة تقود التحول نحو اقتصاد مستدام منخفض الكربون على المستويين الإقليمي والعالمي، لافتاً إلى أن دخول شركات رائدة مثل «كومنولث فيوجن سيستمز» إلى السوق الإماراتية يعزز مكانة الدولة مركزاً عالمياً لتقنيات المستقبل.
ويرى مومغارد، أن الشراكات مع الحكومات، وفي مقدمتها حكومة دولة الإمارات، تمثل عاملاً حاسماً في تسريع التحول نحو مصادر طاقة مستدامة جديدة، لاسيما وأن الدعم الحكومي لا يقتصر على توفير التمويل فحسب، بل يشمل أيضاً الوضوح التنظيمي والرؤية الاستراتيجية التي تعزز ثقة المستثمرين، مختتماً بالتأكيد على أن التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية في الإمارات أوجد بيئة فريدة لتوسيع نطاق تطبيقات الطاقة المتقدمة وتحقيق أهداف الحياد الكربوني، مما يجعل الدولة نموذجاً عالمياً في قيادة التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.
أولوية استراتيجية
ومن جهته أكد جمال صالح، المدير العام لاتحاد مصارف الإمارات، أن التمويل المستدام يمثل أولوية استراتيجية للقطاع المصرفي الإماراتي من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولذا أنشأ اتحاد مصارف الإمارات لجنة إشراف رفيعة المستوى لمتابعة الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بين أعضاء الاتحاد تضم خبراء متخصصين للعمل على تعزيز مبادئ وأطر التمويل الأخضر تحت الإشراف المباشر من المصرف المركزي، وبحيث تتبنى مبادئ الاستدامة في مختلف جوانب العمل المصرفي والمالي.
وأرجع صالح، النمو الكبير في إجمالي التمويل الأخضر من البنوك الأعضاء في اتحاد مصارف الإمارات إلى مبادرات وتوجيهات مصرف الإمارات المركزي لتعزيز التمويل الأخضر والمستدام، حيث يضع المصرف المركزي الاستدامة ضمن أولوياته الاستراتيجية، وأطلق عدداً من المبادرات التي تضع الأطر لضمان الامتثال للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، مشدداً على أن التعاون في تحديد إطار للمساءلة ولتطبيق أفضل الممارسات سيشجع على الانتقال إلى اقتصاد محايد مناخياً وفعال في استخدام الموارد.وأوضح صالح، أن المجالات الرئيسة التي سيركز عليها اتحاد مصارف الإمارات من أجل تعميق وتسريع التحول إلى الممارسات المستدامة في القطاع المصرفي والمالي، تشمل دعم المشاريع الخضراء من خلال توفير التمويل وإصدار السندات الخضراء، والعمل على تعزيز الممارسات المستدامة وتبني نمط حياة صديق للبيئة بين العملاء والشركات الصغيرة والمتوسطة والموردين والبائعين، مختتماً بالتأكيد على أن اتحاد مصارف الإمارات سيعمل مع البنوك الأعضاء على الحد من الانبعاثات وإدارتها بكفاءة والإفصاح عن التأثيرات الناتجة عنها.
حلول تمويلية
وأكد مصرف الإمارات للتنمية، تصميم تمويل الطاقة المتجددة لتسريع تطوير، ونشر، واعتماد مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الموفرة للطاقة، بحيث تتيح الحلول التمويلية المرنة للشركات المستدامة التي تركز على المستقبل المساهمة في توجيه الدولة نحو إمدادات طاقة أكثر خضرةً وكفاءةً وأماناً.
وقال إن هذا الحل التمويلي الذي يوفره المصرف يتيح تحول المزيد من الشركات إلى اعتماد الطاقة المتجددة، ويشمل مشاريع، مثل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والمباني الموفرة للطاقة، وأنظمة النقل المستدامة لدمج الطاقة النظيفة في البنية التحتية لدولة الإمارات.
وأوضح أن المصرف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعملائه، حيث يقدم لهم برنامجاً لتمويل النفقات الرأسمالية لألواح الطاقة الشمسية، ما يمكن الشركات الصغيرة من توليد الطاقة الخاصة بها، وبالنسبة للشركات التي تتطلع إلى إقامة مبادرات للطاقة النظيفة على نطاق أوسع، فسيتم تقديم تسهيلات التمويل المهيكل للمشاريع الجديدة والقائمة في العديد من قطاعات الطاقة المتجددة، مشدداً على التزام المصرف بتطوير وبناء وتسهيل سير العمليات لمشاريع الطاقة المستدامة، مثل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاُ عن توفير التسهيلات اللازمة لتمويل شراء أو تأجير تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، إلى جانب العمل على تشجيع الاستثمار الأخضر من خلال توفير تمويلات مصممة خصيصاً لمختلف الاحتياجات وبشروط تمويلية ذات فائدة مناسبة لمشاريع الطاقة المتجددة.
التمويل الأخضر
وتشهد أسواق الأسهم المحلية طرح العديد من المبادرات في مجال تبني المنتجات المالية الخضراء وحلول التمويل المستدام ومنها مبادرة هيئة الأوراق المالية والسلع بوضع إطار عام لتأسيس أسواق رأس المال المستدامة على مستوى دولة الإمارات من أجل العمل على توفير منتجات مالية خضراء وإتاحة قنوات تمويل مبتكرة للمشاريع المستدامة، وحث الشركات على الإفصاح عن دورها ومسؤولياتها تجاه البيئة والمجتمع وأصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركات المساهمة، إضافة إلى توعية المستثمرين ومن يمثلونهم بأهمية دورهم في دعم الاقتصاد المستدام والاستثمار المسؤول.
كما أعلن سوق دبي المالي عن أول معايير إسلامية في العالم تناولت بالتفصيل الأدوات والأوعية المالية الخضراء، مثل الصكوك الخضراء والأسهم الخضراء وصناديق الاستثمار الخضراء التي باتت تشغل العالم حديثاً. كما تتسابق البنوك الوطنية والعالمية العاملة في الدولة على طرح القروض الخضراء ومنح مزايا تفضيلية للحاصلين عليها مع ترتيب التمويلات الخضراء للمشاريع الصديقة للبيئة.