✍️ محمد هاشم محمد الحسن
6 مايو 2025.

في المشهد السوداني المتقلب، حيث تتصاعد وتيرة العنف وتتداخل الحسابات الإقليمية، يبرز سباق تسلح محموم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كأحد أبرز سمات المرحلة الراهنة. فكل طرف يسعى جاهداً لامتلاك أحدث التقنيات العسكرية، إدراكاً منه أن التفوق النوعي في ميدان المعركة قد يُغير موازين القوى ويُملي شروط الحل في المستقبل.


الجيش السوداني، بقيادة الجنرال الساعي، يولي اهتماماً خاصاً للحصول على أسلحة حديثة قادرة على تحييد تهديد الطائرات المسيرة التابعة للدعم السريع، والتي أثبتت فعاليتها في العديد من المعارك. كما يسعى لتعزيز منظومة دفاعه الجوي لمواجهة أي تفوق جوي محتمل للطرف الآخر. في المقابل، لا يدخر الدعم السريع وسعاً لتطوير قدراته الهجومية والدفاعية، ساعياً لامتلاك أسلحة تُمَكِّنُهُ من الحفاظ على مكاسبه الميدانية وتوسيع نفوذه.
هذا التنافس المحموم على امتلاك السلاح، والذي يُغذي نيران الحرب ويُطيل أمدها، يحمل في طياته مفارقة قد تبدو للوهلة الأولى غير منطقية. ففي خضم هذا الجنون العسكري، قد تلوح في الأفق إمكانية حدوث تسوية مرحلية لخفض التصعيد. فكل طرف، بعد أن يستشعر حجم الخسائر والتكاليف الباهظة لهذا النزاع، وبعد أن يستنفد جزءاً كبيراً من قدراته العسكرية والاقتصادية، قد يجد نفسه مضطراً للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
هذه التسوية الأولية لخفض التصعيد، إذا ما تحققت، قد لا تكون حلاً شاملاً ونهائياً، بل قد تتطور تدريجياً إلى تسوية سياسية أكثر شمولية. في هذا السيناريو، قد يجد السودان نفسه أمام واقع جديد يتمثل في وجود حكومتين متنافستين: حكومة تأسيس محتملة في الخرطوم وحكومة بورتسودان القائمة.
في هذا المشهد السياسي المعقد، سيصعب على مجموعة صمود بقيادة عبد الله حمدوك إيجاد موطئ قدم راسخ. ففي ظل استقطاب حاد بين قوتين عسكريتين رئيسيتين تملكان النفوذ والسلاح على الأرض، سيصبح دور القوى المدنية محدوداً، وستجد صعوبة بالغة في فرض رؤيتها وتحقيق مطالبها في ظل معادلة القوة الجديدة.
ويمكننا هنا استحضار مثال من الحرب في اليمن، حيث شهدت مراحل مختلفة من التصعيد العسكري سعياً لتحقيق مكاسب على الأرض، تلتها فترات من الهدوء النسبي أو خفض التصعيد تحت ضغوط إقليمية ودولية أو نتيجة لاستنزاف الأطراف المتحاربة لقدراتها. على سبيل المثال، بعد فترات من القتال الشرس والغارات الجوية المكثفة، شهدت الحرب اليمنية هدنات مؤقتة أو خفضاً للتصعيد بهدف إتاحة المجال للمفاوضات أو تبادل الأسرى. هذه الهدنات لم تكن بالضرورة مؤشراً على نهاية الحرب، لكنها عكست إدراك الأطراف المتنازعة لحدود القوة العسكرية وضرورة البحث عن مسارات أخرى، ولو مؤقتة، لإنهاء الصراع أو تخفيف وطأته.
إن السيناريو المتوقع في الفترة القادمة يُنذر بمرحلة بالغة التعقيد والحساسية. فبين سباق التسلح المحموم وإمكانية حدوث تسوية مرحلية، تتشكل ملامح مستقبل السودان السياسي. وفي هذا المخاض العسير، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن السودانيون من تجاوز منطق الحرب والاقتتال، والتوصل إلى حل سياسي مستدام يُنهي معاناتهم ويُحقق تطلعاتهم في دولة ديمقراطية موحدة؟ أم أن شبح الانقسام والفوضى سيظل يلاحق البلاد في ظل تغليب لغة السلاح على لغة الحوار؟

herin20232023@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !

تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
 
بقلم : محمد بدوي
 

الأحداث التي شهدها السودان في مطلع الشهر الاول من مايو ٢٠٢٥ والذي يصادف بداية السنة الثالثة للحرب في السودان بين الأطراف الرئيسية الجيش والدعم السريع وتحالفاتها المقاتلة والتي برزت مع إستمرار الحرب، والتي تمثلت في قصف الجيش  لطائرة شحن من طراز بوينق بمطار نيالا بولاية جنوب دارفور والتي راح على اثرها ما يقارب ال٧٩ من جرحي مقاتلي الدعم السريع بما يشمل طاقم الطائرة الكابتن الذي وفقا لوسائل الاعلام تنحدر أصوله من دولة جنوب السودان،  بالإضافة إلي ثلاثة آخرين من مساعديه الكينيين، بالمقابل إستهداف الدعم السريع عبر المسيرات مطارات كسلا وبورتسودان ومواعين الوقود وأعيان مدنية اخري ببورتسودان، إمتد الامر الي قصف لسد مروي بالولاية الشمالية، والدمازين بالنيل الازرق، خزانات نفطية بكوستي ، ومواقع بكنانة بولاية النيل الابيض، مثلت نقلة نوعية شرسة ومتسارعة في سياق القتال، حيث برزت أهداف الدعم السريع في قصف المطارات، المقار العسكرية  ومخازن السلاح، محطات تخزين الوقود .

الجدير بالذكر أن دخول المسيرات في حرب السودان بدء بالتقريب في أغسطس ٢٠٢٤ من طرف  الدعم السريع، بينما تأخر الجيش حتي مارس ٢٠٢٤، وفقا للمصادر المفتوحة وليست معلومات موثوقة فقد يكون أمتلاك الأطراف للمسيرات قبل ذلك لكن جاء الإستخدام في التواريخ المشار اليها .
بالعودة إلي سياق الحرب فقد أعلن الدعم السريع على لسان قائده الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي في خطابه الذي جاء عقب بدء  الخروج/ إنسحاب قواته من ولاية الخرطوم وبررت الخطوة باعادة  التموضوع العسكري، ليظل الامر مختلفا حول أسبابه كما يتضح ذلك من تصريحات دالجيش التي  ذهبت الي العكس بان السيطرة تمت عسكريا أي الإجبار على الخروج مع الإشارة إلي تواجد قوات للدعم السريع غربي أمدرمان .

عقب ذلك كشف الدعم السريع عن إسقاط طائرات عسكرية بكل من الفاشر ونيالا والخرطوم الامر الذي إسند بامتلاك أسلحة متطورة تشمل المسيرات وأجهزة الرادارات  التشويش، في ظل هذه السردية جاء قصف الجيش لطائرة الشحن بمطار نيالا، ليكشف القصف عن ثقوب في  سردية تامين الفضاء الجوي من قبل الدعم السريع نسبيا، ويشير في ذات الوقت الي إمتلاك الجيش أسلحة يرجح أن منها مسيرات حديثة وتقنية تمكن  من إختراق رادارات الدعم السريع .

لعل هذا التطور يكشف التحرك السريع  للدعم السريع  سلسلة الإستهدافات لعدة مناطق أدخلت الاقليم الشرقي إلي دائرة الحرب بعد استقرار دام عامين، بينما إستدعت السلطات السودانية  قبل وقت قصير السفير الصيني بالخرطوم لاستفساره عن امتلاك الدعم السريع لمسيرات صينية الصنع، ربما يكشف هذا التوجيه الذي وجهته الحكومة الصينية لاحقا لرعاياها المتواجدين بالسودان للمغادرة فورا.

بالمقابل في ٤ مايو ٢٠٢٥أي اليوم التالي للاستهداف الأول لمطار بورتسودان الدولي وقاعدة فلامنقو العسكرية،  كشفت مصادر صحفية عن هبوط وإقلاع طائرة اسعاف تركية، عملت على إجلاء طاقم تركي فني على صلة إشرافية على  مسيرات تركية إمتلكها الجيش والتي يرجح أنها وراء قصف مطار نيالا في الاول من مايو٢٠٢٥.

المعلومات غير الرسمية التي رشحت من الجيش أو الدعم السريع أو وسائل الاعلام المحلية يمكن تلخيصها لتتبع أسباب هذا التطور العسكري العنيف، في امتلاك الاطراف الرئيسية للحرب لمسيرات تركية وصينية الصنع، مع تفوق الجيش في اختراق رادارات الجيش بمطار نيالا، وتدمير مخزون من الأسلحة، الأمر الذي قاد إلي سباق من قبل الدعم السريع للقضاء على مخزون الجيش من المسيرات التركية وغيرها من الاسلحة المتطورة المتواجدة بمطارلي ببورتسودان، وإستهداف المستودعات  النفطية للتأثير على الحركة اللوجستية للجيش،  وإدخال نشاط  الحرب إلي  إلي قرب ساحل البحر الأحمر، قبل أن تقف الغارات الأمريكية على الحوثي باليمن على خلفية أستهداف السفن التجارية من قبل الحوثي، ولعل تاثير تلك العمليات الحوثية على السفن، أثر في عائدات قناة السويس بنسبة كبيرة خلال ٢٠٢٤.

عطفا على ما سبق مع  بداية العام الثالث للحرب في السودان، صار هناك سباق لإمتلاك الاسلحة المتطورة من قبل الأطراف، بالمقابل تمثل الحالة إحالة إلي  ضعية تفوق للمسيرات لصالح الدول المصنعة، يمكننا تقصي ذلك في تفوق المسيرات التركية في اختراق مطار نيالا، وفشل الدفاعات الارضية في بورتسودان من صد المسيرات الصينية.

من ناحية ثالثة  ووفقا لتقرير حقوقي من منظمة هيومان رايتس ووتش ان دولة الامارات أعادت تصدير أسلحة صينية الصنع للدعم السريع، الأمر الذي يعيد الربط بين الامارات ومحاولاتها السابقة خلال الفترة الانتقالية للسيطرة الايجارية  على ميناء بورتسودان، ثم التحول الي التفكير في ميناء آخر بمنطقة أبوعمامة، بالمقابل فقد ظل وجود تركيا بميناء سواكن في فترة سيطرة النظام السابق وبعض الوقت خلال الفترة الانتقالية، فيما ظلت إسرائيل تسعى لحيز أمني أيضا على ساحل البحر الاحمر في تلك الفترة والتي نشطت فيها جهود محاولات حمل السلطة الانتقالية آنذاك للتطبيع معها.

جميع هذه النقاط يمكن تلخيصها في سياقين داخلي وخارجي، فالداخلي أن الحرب التي بدأت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ في السودان وصلت مرحلة التنافس في امتلاك التقنيات العسكرية الحديثة، وما حدث في مطاري نيالا وبورتسودان رهين بما ستكشف عنه الأيام القادمة ومن سيتمكن من الحصول على تقنيات عسكرية تفوق الآخر بما يشكل المسيرات والرادارات.

أما في السياق الخارجي  فإن الحرب صارت أكثر ارتباطا بمصالح  الحلفاء الاقليميين، والخريطة الجديدة للموارد، حيث لابد من الوقوف على أن ٢٠٢٥ شهد قصف لمدن بورتسودان والحديدة اليمنية الساحليتان !! إضافة إلي الأحداث الموازية التي لا تنفك عن مشهد التنافس حول تقنيات التسليح حيث التفوق الصيني علي مقاتلات الرافال الفرنسية في الصراع الذي بدأ بين الهند وباكستان، الحالة التي اثبتت أن وقف القتال ممكنا بالوعي والإرادة السياسية .

تحول سماء السودان إلي ساحة إختبار لتقنيات الاسلحة الحديثة لصالح لدول المصنعة يشير إلي أن إتساع نطاق الاطراف الدولية  في حرب السودان، الأمر الذي ينعكس مباشرة طول أمد الحرب في السودان عبر تحول الحيز والمجال السوداني لساحة إختبار لتفوق الأسلحة لصالح الدول المصنعة! وأن القادم هو من الحليف الدولي الذي سيظهر في مشهد السيطرة على مواني بورتسودان والحديدة والساحل !

الخلاصة: ما يجري في السودان لابد من النظر إليه في سياقه التاريخي بدء من الأزمة المالية العالمية في ٢٠١٣، صراعات حزب المؤتمر الوطني المحلول حول إنتخابات الرئاسة ل٢٠١٥، إقتناص أطراف بالوطني المحلول للصراع وإعادة تنظيم حرس الحدود إلي الدعم السريع في ٢٠١٤، حصول القوات الرديفة بدارفور على ٥٤ مليون دولار في ٢٠١٤ من عائدات الذهب بأسواق دبي،  وأن السبب الرئيسي لبدء إنسحاب  بعثة  اليونامد في ٢٠١٧ عقب التلويح  بالقرار في  ٢٠١٥ إلي إكتماله في ٢٠١٩ مرتبط بتاثير الازمة المالية العالمية وتغير سياسات بعض الدول الممولة للبعثة مثل الإدارة الامريكية، تعاقد الأمارات على ميناء بربرا بارض الصومال في ٢٠١٥ وإستئجار مهبط بميناء عصب الاريتري في ٢٠١٧، ليمر العالم بازمة مالية آخري نتيجة لجائحة الكوفيد، مع العلم أن السودان وصل ذروة الأزمة الاقتصادية بدء من٢٠١٦ حتي سقوط نظام الحركة الإسلامية في ٢٠١٩، ليتم زعزعة الفترة الإنتقالية في السودان بعدة طرق من النظام السابق للعودة للسلطة، ثم جاء إنقلاب ٢٠٢١ الذي مثل مرحلة ما قبل حرب ٢٠٢٣ الراهنة، لنختم القول بأن التنافس الداخلي والخارجي حول السلطة والموارد هما دافعا الحرب، ليمثل التاخير في وقف الحرب من الاطراف الداخلية قد يقود إلي ضم الحالة إلي المشهد الدولي الذي ترتبط فيه التسويات مقابل الموارد، أو إحتمال الإخضاع للإشراف الأجنبي ايضا كطريق للسيطرة.

مقالات مشابهة

  • بالنسبة للشعب السوداني فإن حميدتي مات وشبع موتاً
  • تضاؤل فرص توسيع العملية العسكرية في غزة
  • عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته
  • شاهد بالفيديو.. على طريقة أفلام الأكشن وبعد أن زار المكان مرة أخرى.. لواء بالجيش السوداني يكشف تفاصيل هروبه الأسطوري من معتقلات الدعم السريع (حفرت نفق طويل في باطن الأرض وخرجت من الناحية الأخرى)
  • مصادر سياسية:السوداني “توسل “بالشرع الحضور لقمة بغداد مقابل رفض الأخير
  • بالفيديو.. الجيش السوداني وقوات العمل الخاص يبسطان سيطرتهما على الصالحة والجامعة الإسلامية والبنك العقاري وسقوط قتلى واستلام عتاد عسكري من الدعم السريع
  • الإفراج عن الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.. بادرة انفراجة سياسية في ظل وساطة مصرية قطرية
  • تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
  • الجيش السوداني يُصّعد هجماته الجوية على مواقع مهمة لقوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يخوض معارك لساعات ويستعيد مدن من قبضة الدعم السريع