تقرير_ يحيى الشامي:

بات قلق كيانِ العدوِ الإسرائيلي من تنامي القدرات العسكرية اليمنية هاجساً يؤرق دوائر صنع القرار السياسي والأمني والعسكري في كيان العدو، ومع التصعيد الجديد ونجاح العملية اليمنية يوم الاحد في اختراق طبقات الدفاع الإسرائيلي والوصول الى مطار اللد تحوَّل القلقُ إلى واقع مرير، تجسد في سلسلة من الأحداث التي كشفت عن عجز الكيان الصهيوني، وحتى حليفته وشريكته في الإجرام الولايات المتحدة، عن وضع حد للتحدي اليمني المتصاعد.


تأتي هذه المخاوف في سياق أوسع من تآكل قوة الردع الإسرائيلية، والذي بدأتها معركة طوفان الأقصى، وتعزّزها اليوم عمليات الإسناد اليمني، وتحولها الى واقع حقيقي يثبت من جديد تأكيد فاعلية الجبهة اليمنية التي كانت خارج حسابات الأعداء، ولم يكن يُحسب لها حساب بهذا الشكل.
وقد شكل وصول الصاروخ اليمني إلى مطار اللد، الذي يسميه الكيان الصهيوني “مطار بن غوريون”، نقطة تحول فارقة في نظرة “إسرائيل” للتهديد اليمني. مُحدثاً زلازل من الإرباك الذي امتد إلى كافة أوساط العدو، وعبّر عن خيبة غير مسبوقة جرّاء فشل كل طبقات الحماية الإسرائيلية والأمريكية المتطورة. هذا الاختراق النوعي فتح بوابة واسعة أمام تداعيات استراتيجية وعسكرية لا تزال تتفاعل حتى اللحظة.
وسائل إعلام العدو توقفت مطولاً عند هذا الفشل، معتبرة إياه بداية لسلسلة من الإخفاقات المحتملة، فكما ورد في الإعلام العبري، تساءلت مذيعة في إحدى القنوات بشكل مباشر: “هذا الصاروخ اخترق أنظمة الدفاع الجوي، سواء الإسرائيلية أو الأمريكية، ولم يتم اعتراضه، هل اتّضح ما حدث هناك؟”
جاء الرد من مختص الشؤون العسكرية في القناة 12 ليكرس حجم الصدمة: “نعم، ما حدث يُعدّ استثنائيًا للغاية، فقد تمكّن صاروخ من تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية دون اعتراضه، وهذا يأتي في وقتٍ يشهد تصاعدًا حادًا في وتيرة إطلاق الصواريخ. أقترح أن نعرض ما حدث على الشاشة لنفهم التفاصيل بدقة. فبعد الساعة التاسعة صباحًا بقليل، أطلق الحوثيون من اليمن صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل، الأمر الذي فعّل أنظمة التتبع والدفاع الجوي، حيث أُطلِق باتجاهه صاروخان اعتراضيان: الأول من نظام “حيتس 3” الإسرائيلي، والثاني من النظام الأمريكي “ثاد”، لكن وبشكل غير مسبوق، فشل كلا الصاروخين في إصابة الهدف وسقط الصاروخ في منطقة مفتوحة داخل مطار بن غوريون”.

لم يقتصر الأمر على المحللين، بل امتد ليشمل القادة العسكريين السابقين، القناة الثانية عشرة لتلفزيون العدو أجرت لقاءً مع العميد تسفيكا حيموفيتش، القائد السابق للدفاع الجوي في جيش العدو، بهدف الوقوف عند هذا الفشل الذي وقع في منطقة يفترض أنها الأكثر تحصيناً ويصعب فيها اختراق المنظومات الدفاعية.
وجهت المذيعة سؤالاً مباشراً لحيموفيتش: “من الطبيعي أن تنجح أنظمة الدفاع في الاعتراض عشرات المرات، لكن الفشل في موقع حساس كهذا يثير تساؤلات. برأيك، ما طبيعة ما حدث تحديدًا؟”
جاء رد حيموفيتش ليكشف عن حجم الارتباك والتحقيقات الجارية: “أنتِ محقة، لا يزال الأمر قيد التحقيق المكثف بما في ذلك تحقيق مشترك بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، فعملية الاعتراض عادة ما تبدأ بالكشف، ثم إصدار الإنذار، ثم اتخاذ القرار من مركز القيادة في سلاح الجو، وتحديدًا من مركز إدارة الاعتراضات الخاص بنظام “حيتس”. وهي عملية نُفّذت عشرات المرات بنجاح سابقًا، بنفس الأفراد، ونفس أنظمة السلاح، ونفس الآلية. لذلك، ومع ذلك يبقى هذا الفشل غير مقبول.”
الأهم من ذلك، هو إقرار حيموفيتش بتراكم الخبرات اليمنية وتطور قدراتهم، الأمر الذي يستدعي استنفاراً إسرائيلياً دائماً. فعند سؤاله عن ازدياد إطلاق الصواريخ من اليمن منذ استئناف الحرب على غزة، وما يعنيه ذلك لتقديرات الدفاع الجوي، قال: “خلال الأسابيع الستة الماضية منذ استئناف القتال أطلق الحوثيون ما يعادل 50% من إجمالي ما أطلقوه خلال السنة والنصف السابقة، وبوتيرة شبه يومية رغم الحملة الجوية الأمريكية المكثفة، وعلينا أن نتوقّع استمرار هذا النمط في الفترة المقبلة. كما يجب ألا ننسى أن الحوثيين يخوضون هذه المواجهة بخبرة عملياتية راكموها خلال سبع سنوات من الحرب مع السعودية. خلال تلك الفترة، أطلقوا أكثر من 430 صاروخًا، ما يجعلهم اليوم ليسوا مجرد جماعة بدائية، بل كيانًا شبيها بالدولة يملك بنية عسكرية متطورة. لديهم قدرات على التصنيع والتطوير والإطلاق، ورغم الضربات الهجومية، لا تزال لديهم القدرة على إطلاق الصواريخ. ما يعني أننا بحاجة إلى الحفاظ على نفس القدرات الدفاعية، ونفس الجهوزية، وربما لفترة طويلة قادمة”.
هذا الاعتراف بامتلاك اليمن بنية عسكرية متطورة” وقدرات تصنيعية وعملياتية، يمثل تحولاً في خطاب العدو الإسرائيلي ويعكس حجم التهديد الذي باتوا يواجهونه بعجز ومحدودية في الخيارات.

 

استهداف “بن غوريون”: قلب المعادلة الاستراتيجية

 

تداعيات سقوط الصاروخ اليمني على مطار بن غوريون، أكثر المنشآت حيوية وحساسية في الكيان المؤقت، لا يمكن حصرها، لكن أبرزها هو ضرب الرؤية الإسرائيلية التي سادت منذ السابع من أكتوبر، وهي التباهي بفاعلية استخدام القوة الإسرائيلية في محاولة “ترويض وردع” أعدائها، هذه الرؤية التي يتحرك من خلالها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في مواصلة حروبه تحت شعار “تغيير الشرق الأوسط وتسييد إسرائيل عليه”، تلقّت بالفعل صفعة قوية من اليمن، أعادت موضعةَ القوى وأسقطت نظرية التفوق في ذروة التباهي بها، ولذا ألقى الأمريكي بثقله كاملاً في محاولته عزل اليمن عن فلسطين ومنعه إسنادها، وهذا الوضع ترك “إسرائيل” عارية، فاقدة لأي نوع من أنواع الحماية الذاتية الفعالة، وغير قادرة على الاعتماد كلياً على واشنطن، فاضطرت للدخول العسكري بنفسها بعد ما تجلّى لها وللعالم عجز العدو الأمريكي عن تحريك الموقف اليمني الثابت أو زحزحته، وهو ما أشار اليه رئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ نصر الدين عامر.

 

المحللون العسكريون الصهاينة: اعتراف بالعجز الأمريكي والإسرائيلي

 

تؤكد تصريحات المحللين العسكريين الصهاينة هذا العجز. ألون بن ديفيد، محلل عسكري صهيوني، قال بوضوح: “الولايات المتحدة تستخدم هناك قوة هائلة، وهي لم تنجح في وقف إطلاق الصواريخ من اليمن. فماذا سينفع الهجوم الإسرائيلي؟ وقد قال لنا الأمريكي اصمتوا منذ البداية، لأن هذا داء عضال لا يمكن الشفاء والتخلص منه وسيستمر دائماً. وكلما ضرب الحوثيون فسيواصلون ضربك.”
هذا التصريح يكشف عن يأس أمريكي من إمكانية حسم المعركة مع اليمنيين عسكرياً، ويؤكد أن أي تدخل إسرائيلي لن يكون أكثر فعالية.
إيتاي بلومنتال، مراسل عسكري للقناة 11 الصهيونية، أضاف بعداً آخر لهذا العجز: “الأمريكيون يهاجمون في اليمن منذ فترة طويلة، وطلبهم من إسرائيل أن لا تشن هجوماً في اليمن وأبقوا العمل لنا. ورغم أننا رأينا سابقاً هجمات إسرائيلية في اليمن على بعد ألف وسبعمئة كيلومتر من هنا بواسطة خمس هجمات سابقة، واحدها كانت موازية لهجوم أمريكي. والآن بعد إصابة مطار بن غوريون والذي هو ذخر استراتيجي لإسرائيل وبوابة الدخول والخروج المركزية، إلا أننا رأينا تصاعداً في هجمات الحوثيين. ففي نهاية الأسبوع أطلقت أربعة صواريخ وطائرتين مسيرتين، وإسرائيل لم ترد. لذا يمكن الافتراض أن هذا الواقع سيء جداً.”
تصاعد الهجمات اليمنية رغم الضربات الأمريكية، وعدم رد “إسرائيل” على استهداف “ذخرها الاستراتيجي”، كلها مؤشرات على “واقع سيء جداً” بالنسبة للكيان الصهيوني.

 

فشل الخيار العسكري ومحاولات “رد الاعتبار” الهزيلة

 

أمام هذا الفشل المزدوج، الإسرائيلي والأمريكي، في استخدام القوة أو تأمين الحماية عبر منظومات الدفاع، كشفت الأوساط الصهيونية أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تدركان فشل الخيار العسكري. وأن ما تقوم به حكومة نتنياهو من تهويل بالرد أو حتى ما حصل من رد باستهداف الأعيان والمصالح المدنية، ليس سوى محاولة يائسة لـ “رد اعتبار الكرامة التي داسها اليمنيون”. يجمع كل المحللين الصهاينة على هذه النقطة.
يارون أبراهام، مراسل سياسي للقناة 12 الصهيونية، كشف عن النقاشات الداخلية في حكومة العدو: “هناك مشاورات لدى رئيس الحكومة وعدد مقلص من الوزراء ومسؤولي المؤسسة الأمنية. وهناك صراع لدينا بين العقل الذي يقول إن الأمريكيين يقومون بالعمل، والذين يملكون قوة أكثر بعشرين ضعف عما يمكن لإسرائيل أن تفعله، وربما لذا طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة أنها سترد على الكرامة التي أصيبت وعلى إصابة مركز الأعصاب الإسرائيلية، هدف استراتيجي كبير جداً لديها مثل مطار بن غوريون.”
هذا الصراع بين “العقل” و “الكرامة المصابة” كما يعبّر عنها المراسل السياسي للقناة العبرية، يعكس حجم المأزق الذي يواجهه الكيان، وتفاقم الوضع والصراع بين أجنحة الحكم.
الطيار السابق عوفر بيرتل، من سلاح الجو الصهيوني، أقر بالتأثير الكبير للهجمات اليمنية: “إنه من دون شك هذا مؤثر جداً لليمنيين. ونحن نرى أن وسائل إسرائيل للحماية ضد الصواريخ هي من الأفضل في التكنولوجيا العالمية، لكن دائماً كلما أطلقوا صواريخ أكثر فسينجحون أكثر.”
هذه شهادة أخرى تتوج الإقرارات الصهيونية بأن التفوق التكنولوجي وحده لم يعد كافياً ولا يحقق الحسم، وأن الإصرار اليمني وكثافة النيران يمكن أن يتغلبا على أكثر الأنظمة تطوراً

 

اليمن: مصدر إلهام للعالم العربي، وقلق متزايد للعدو

 

حذر المراقبون الصهاينة من أن اليمن، بهذا “الإنجاز الدراماتيكي” المتمثل في اختراق الدفاعات واستهداف العمق “الإسرائيلي” قد اجتذب اهتمام العالم العربي، الذي بدأ يرى في اليمن الأمل الكبير، باعتباره -والحديث للصهاينة- الطرف الذي فعل ما لم يفعله أي طرف آخر في وقوفه الحازم والثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني، ويدفع ثمناً باهظاً مقابل ذلك، ولكنه يصر على موقفه الداعم لغزة.

يضيف المتحاورون في أحد استديوهات القنوات العبرية أنه في الصراع الممتد والطويل، يظهر اليمن براعة لافتة في مفاجأة العدو وقدرة على التحمل في مواجهة التحديات الجسيمة، وفي المقابل، يهتز الكيان الصهيوني من وقع صاروخ واحد يصل إلى هدف حساس، كاشفاً عن هشاشة منظومته الأمنية والعسكرية التي طالما روج لها.
قلق العدو الإسرائيلي يعبّر واقعاً عن إدراك متزايد بأن التحدي اليمني هو تحدٍ استراتيجي طويل الأمد، خاصةً مع ما تشهده القدرات اليمنية من تطورات كبيرة وقفزات تقنية، يلمس فيها الصهاينة تهديداً مباشراً لأمن الكيان، فضلاً عن نجاح اليمن على هامش إسنادِهِ غزة، في فرض نفسه لاعباً مؤثر في معادلة الصراع ورقما يستحيل تجاوزه

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: إطلاق الصواریخ مطار بن غوریون الدفاع الجوی هذا الفشل من الیمن فی الیمن صاروخ ا ما حدث

إقرأ أيضاً:

من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟

غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.

وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".

وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.

وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.

مسيرة قيادية

ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.

حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.

وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.

وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في  كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.

إعلان

وفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.

كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025

تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.

وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.

وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.

ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.

واقع أمني جديد

وأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.

ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".

ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.

وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.

إعلان

وفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.

ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".

مقالات مشابهة

  • مدرب السعودية يرفع راية التحدي قبل مواجهة الأردن في كأس العرب
  • السامعي يزور أضرحة شهداء الإعلام الذين استهدفهم العدو الإسرائيلي في العاشر من سبتمبر
  • الخارجية اليمنية: عيدروس الزبيدي لا يمكنه إعلان الإنفصال وما حدث شرق اليمن كان مفاجئًا
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه
  • التايمز: المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني مستعد للتطبيع مع إسرائيل
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • العدو الإسرائيلي يتوغل في ريف القنيطرة السوري ويعتقل شابين
  • ما الذي تخطط له العدل الإسرائيلية بشأن العفو الرئاسي عن نتنياهو؟