يمانيون:
2025-05-11@08:26:40 GMT

المثقف والسياسي في ملحمة غزة

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

المثقف والسياسي في ملحمة غزة

د. محمد إبراهيم المدهون

الثقافة هي جوهر الوعي الجمعي وأساس الثبات أمام تقلبات السياسة، ومواجهة دعوات الاستسلام تبدأ من تفكيكه ثقافيًا، باعتباره انحرافًا عن الثوابت الوطنية لا مجرد خيار سياسي. فحين تُختزل فلسطين في معادلات وشروط الاستسلام، تُغتال الذاكرة، ويُقنّن التفريط. والمثقف الحقّ هو من يزرع الوعي الرافض، لا من يُساق في ركاب التبرير، لأنه أول من يقاوم وآخر من ينكسر.

ولذا، فإن مشروع المواجهة لا يبدأ بالمواجهة السياسية، بل بصناعة وعيٍ لا يُدجَّن، وهو وعي لا تصوغه السلطة أو الفصيل والحزب، بل ينبع من تربة الثقافة الإسلامية والوطنية، التي ترى فلسطين حقاً لا تفريط فيه، وترى في الاستسلام سقوطًا لا يُغتفر، لا يُقاوم إلا بثقافة الثبات القيمي. حين نفكك دلالة «ثقَّف» لنجدها تعني التعليم والتهذيب والتقويم، ندرك أن الثقافة ليست تراكماً معلوماتيًا بقدر ما هي تشكيلٌ واعٍ للعقل والوجدان، وصياغة للرؤية والسلوك.

في هذا السياق، يُصبح المثقف روحاً حية في جسد الأمة، لا موظفًا في بيروقراطية المعرفة، ولا أداة في يد السلطة أو الفصيل والحزب. إنه نسيج من الوعي المتقد، والحس الوطني، والإدراك الحضاري، لذلك فإن «صناعته» ليست ترفاً بل ضرورة، والإعلام إحدى ركائزها، بينما تظل اللغة أداة التشكيل الأعمق لهذا البناء العقلي. ومن أجل التحرر من احتكار السلطة في رسم صورة المثقف، يلزم تنويع البيئات والمؤسسات الراعية له، لتكون الثقافة مشروعًا وطنيًا عابرًا للسلطات والفصائلية، حاميًا للهوية، ومقاومًا للهزيمة.

فالمثقف، كما قيل، أول من يقاوم وآخر من ينكسر. ولا تنبع مقاومته من شعارات بل من عمق انتمائه للمقدس والوطني، كما تتجلى في الثقافة الإسلامية، بانسجامها الفطري ورفضها للظلم، وفي الثقافة الوطنية، التي تزرع جذور الوعي المقاوم. ومن هذا التلاحم، تولد «الخصوصية الفلسطينية الغزية» التي لا تُروّض، ولا تركع. لا يمكن مجابهة مشاريع الاستسلام، إلا بإعادة إنتاج الوعي بحقيقتها، لا كسلوك فقط بل كمشروع اختراق. والسياسة، وإن كانت فن إدارة الحياة، فإنها حين تفلت من قبضة الوعي، تصبح ذراعاً للخذلان. أما الثقافة فهي الذاكرة الحارسة، والوعي الذي لا يتبدل بتبدل الأنظمة، لذلك تتفوق على السياسة وتكشف زيفها، وتعيد تأويلها بما يخدم الثوابت. ومن هنا، تنشأ مفاهيم كـ«ثقافة القرار» و«ثقافة الشهادة»، وتُفضح مفاهيم الاستسلام المقنعة بعباءة «الضرورة السياسية».

في فلسطين، تُصارع «ثقافة الثبات» موجات السياسة المتغيرة، وتتمسك بالمقدس كجزء من الهوية، لا ورقة تفاوض. ومن هنا يتجلى الفرق بين رؤية تتلو قوله تعالى: «ولا تيأسوا من روح الله» في كل سياق، وبين سياسات تقبل بالتفريط وتُغلفه بمنطق الممكن. فالثقافة تُحصن الوعي من التزييف، وترفض تحويل الخيانة إلى وجهة نظر، أو الاستسلام إلى واقعية.

إن مواجهة مشاريع الاستسلام ليست رفضًا لحالة، بل مقاومة لمنظومة اختراق متكاملة، تبدأ من المصطلح وتنتهي بتصفية الوعي. لذا، لا بد أن تتحول المواجهة من ترف نخبوي إلى تيار جماهيري، وأن تتصدر الثقافة المشهد، لا بوصفها تابعًا للسياسة والإعلام، بل قائدًا له.

فالصراع هنا ليس على حدود، بل على الذاكرة والهوية والمصير، و«ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، والوعي، في هذا كله، هو أول الجبهات.

*كاتب فلسطيني

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

تفعيل المسرح المتنقل والقوافل للوصول بالخدمات الثقافية لقرى شمال سيناء

استمرارًا لمتابعة استعدادات افتتاح عدد من المواقع الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة بالمحافظات، وفي ضوء توجيهات الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء خالد اللبان مساعد الوزير لشئون رئاسة الهيئة، تفقد الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف نائب رئيس الهيئة بيت ثقافة قاطية بمحافظة شمال سيناء، لمتابعة التجهيزات النهائية للموقع المقرر افتتاحه قريبًا.

تجهيزات بيت ثقافة قاطية بمحافظة شمال سيناء 

 

رافق نائب رئيس الهيئة في جولته التفقدية كل من الشاعر د. مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، د. شعيب خلف مدير عام إقليم القناة وسيناء الثقافي، وأشرف المشرحاني مدير عام ثقافة شمال سيناء، وبحضور عدد من شيوخ القبائل بقاطية.

 

وخلال الجولة، وجه نائب رئيس الهيئة بعدد من الإجراءات والتكليفات، تضمنت تشكيل لجنة لاعتماد الفرق الفنية بالموقع من الكبار والأطفال، وتزويد المكتبة العامة بأحدث الإصدارات الصادرة عن الهيئة، فضلا عن توريد أجهزة حاسب آلي لتأسيس نادي تكنولوجيا معلومات يخدم أبناء المنطقة.

برامج توعوية وتثقيفية

 

كما شملت التوجيهات أهمية الاستفادة من المسرح المتنقل وقافلة شمال سيناء الثقافية، وتوجيهها للتحرك من العريش إلى القرى التابعة لبيت ثقافة قاطية، وذلك بهدف تنفيذ برامج توعوية وتثقيفية تسهم في الوصول بالخدمات الثقافية إلى أهالي تلك القرى وتعزيز دور الثقافة في تنمية الوعي المجتمعي، إلى جانب إنشاء نادي للمرأة ببيت الثقافة استجابة لرغبة الأهالي.

 

وفي ختام الجولة، وجه ناصف الشركة المنفذة لأعمال التطوير لسرعة الانتهاء من وضع اللمسات النهائية للموقع، تمهيدًا لافتتاحه رسميًا خلال الفترة المقبلة، في إطار خطة الدولة لدعم التنمية الثقافية بمحافظة شمال سيناء وتعزيز المشاركة المجتمعية في الأنشطة الثقافية.

 

وكان نائب رئيس الهيئة قد تفقد قبل يومين قصر ثقافة نخل بشمال سيناء، لمتابعة جاهزيته تمهيدًا لافتتاحه، وذلك ضمن خطة الهيئة لافتتاح مواقع ثقافية جديدة بالمحافظات، وخاصة في المناطق الحدودية.

 

مقالات مشابهة

  • غدًا.. ثقافة الإسماعيلية تقدم أربعة عروض ضمن الموسم المسرحي لقصور الثقافة
  • تفعيل المسرح المتنقل والقوافل للوصول بالخدمات الثقافية لقرى شمال سيناء
  • عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما بتعليم اللغة لغير الناطقين بها
  • بعد غضب المثقفين.. بيان رسمي بشأن إغلاق قصور الثقافة المستأجرة
  • قصور الثقافة: نخطط لإنشاء بيوت بديلة للمواقع المؤجرة في المحافظات
  • فعاليات فنية وثقافية ببيوت الثقافة ومكتبات الفيوم خلال أبريل
  • محافظ الفيوم: أنشطة ثقافية مكثفة في أبريل لتعزيز الوعي والفن
  • حماية الطفل ضمن فعاليات «دوري المكتبات» لقصور الثقافة بالغربية
  • قيادى بـ المؤتمر: مبادرة أهلاً وسهلاً بالطلبة تعزز الوعي والانتماء