غزة- أمام مبنى قديم حولته إدارة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لمركز بديل لغسيل كلى، جلس المريض السبعيني سليمان أبو حطب لنحو ساعتين ونصف الساعة ينتظر شغور أحد أجهزة قليلة متهالكة تعمل على مدار ساعات النهار، ليخضع لجلسة غسيل كلى من أصل 3 جلسات أسبوعيا.

كانت الساعة تشير للخامسة مساء عندما حان دور أبو حطب (78 عاما) وجلس على جهاز غسيل الكلى، ضمن مرضى الدفعة الرابعة، ويقول للجزيرة نت "في كل مرة أضطر للانتظار ساعتين و3 ساعات، نتيجة الضغط الشديد، وأنتهي من الغسيل قرب الساعة الثامنة مساء، وأعاني بالبحث عن وسيلة مواصلات للعودة إلى خيمتي بمنطقة المواصي".

ويحتوي هذا المركز على 21 جهازا فقط، وقد استحدثته إدارة المجمع بديلا عن "مركز هند الدغمة" الذي كان يحتوي على نحو 50 جهازا، قبل تدميره كليا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي إبان حصارها للمجمع واقتحامه أثناء اجتياح مدينة خان يونس في ديسمبر/كانون الأول 2023 الذي استمر لـ4 شهور.

ضغط شديد في مركز غسيل الكلى البديل في مجمع ناصر الطبي (الجزيرة) أزمة أجهزة طبية

لا تفي هذه الأجهزة بحاجة مرضى غسيل الكلى في مدينة خان يونس، التي تؤوي حاليا أكثر من 700 ألف نسمة من سكانها والنازحين إليها من مدينة رفح ومناطق أخرى من قطاع غزة، وتضطر إدارة المجمع للعمل على مدار أيام الأسبوع على فترات متتابعة يوميا من الصباح حتى المساء.

وبالنسبة لأبو حطب فإن الأمر مرهق للغاية، فبعدما يضطر أحيانا للسير لمسافة طويلة لعدم توفر المواصلات جراء أزمة الوقود، فإنه يجد نفسه مضطرا للجلوس ساعات طويلة في انتظار موعده للخضوع لجلسة غسيل، يعاني بعدها من أجل العودة إلى خيمة يقيم بها بعد دمار منزله.

ومن أجل الوصول لموعدها ضمن الدفعة الصباحية الأولى، تؤدي الستينية عائشة النجار صلاة الفجر، وتنطلق من خيمتها في منطقة "واد صابر" في الجنوب الشرقي لمدينة خان يونس، عند الساعة الخامسة والنصف صباحا، وتتحمل أعباء شديدة في سبيل الحصول على أولوية الغسيل.

إعلان

وفي المرة التي تأخرت فيها النجار (60 عاما) عن موعدها لبضع دقائق، لم تجد جهازا شاغرا، واضطرت للانتظار لنحو 3 ساعات، وتقول للجزيرة نت "نحن كمرضى نعاني في كل شيء، ابتداء من الألم الجسدي، وعدم توفر المواصلات وارتفاع الأسعار، وعدم توفر الطعام والماء، وحتى قلة الأجهزة الطبية".

النجار تخضع لجلسة غسيل كلى على أحد الأجهزة القليلة التي نجت من التدمير الإسرائيلي (الجزيرة) صيانة معقدة

وتنسحب أزمة الأجهزة الطبية في مركز غسيل الكلى على باقي الأقسام في مجمع ناصر الطبي، والمستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في القطاع، بعدما خرجت 38 مستشفى عن الخدمة بفعل الاستهداف الإسرائيلي المباشر، والحصار المشدد ومنع الاحتلال إدخال الأجهزة الطبية وقطع الغيار، والأدوية ومولدات الكهرباء والوقود.

ويقول مدير دائرة الهندسة والصيانة في مجمع ناصر المهندس إسماعيل أبو نمر للجزيرة نت، إن الاحتلال يمنع إدخال الأجهزة وقطع غيارها، وكذلك المولدات الكهربائية وقطع غيارها والزيوت "والجهاز الذي يتعطل عن العمل يخرج عن الخدمة ولا تتوفر الإمكانيات لإصلاحه، وهذا يؤثر على مستوى الخدمة المقدمة للمرضى".

وما يواجهه مرضى غسيل الكلى من معاناة جراء قلة الأجهزة وتهالكها، هي حالة عامة تواجه جميع المرضى في مختلف الأقسام، التي تعاني من نقص حاد في الأجهزة، ناجمة عن تدميرها بالاستهداف المباشر، أو لتقادمها بعد سنوات طويلة من العمل، وعدم توفر البدائل، وفقا للمهندس أبو نمر.

ويضرب المثل بأجهزة الأشعة التي تعمل منذ أكثر من 12 عاما، وازداد الضغط عليها خلال الحرب الإسرائيلية، لعملها المتواصل على مدار اللحظة، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى والمرضى، وهذه الأجهزة –حسب أبو نمر- تعرضت وغيرها من الأجهزة الطبية في المجمع للتدمير والتخريب المتعمد من قبل الاحتلال، الذي صادر منها اللوحات الإلكترونية والحواسيب، والعبث في برمجتها، وواجهت المهندسين عقبات شديدة من أجل إعادة تشغيلها.

المهندسون في وزارة الصحة يضطرون للمفاضلة بين الأجهزة المعطوبة واستخدام قطع الغيار من أجهزة أخرى (الجزيرة)

 

وفي ظل عدم توفر قطع الغيار يضطر المهندسون إلى إصلاح الأجهزة الطبية من بعضها البعض، ويفاضلون بين الأجهزة المعطوبة ويصلحون جهازا باستخدام قطع غيار جهاز آخر، ويوضح أبو نمر "هذه الطريقة تفقدنا أجهزة نحن بحاجة ماسة لها في ظل النقص الكبير بالأجهزة وكذلك الحال بالنسبة للمولدات الكهربائية".

إعلان

ويوجد في مجمع ناصر الطبي جهاز وحيد للتصوير الطبقي، يؤكد مسؤول وحدة متابعة الأجهزة في المجمع أحمد شهوان للجزيرة نت إن "العمر الافتراضي للجهاز انتهى بالفعل، ولا يزال يعمل في ظروف معقدة، لعدم توفر البديل".

وحسب شهوان، وهو أخصائي أشعة، فإن هذا الجهاز المتهالك يتعامل منذ اندلاع الحرب مع 50 إلى 100 حالة يوميا "ونضطر إلى إرجاء الحالات المرضية غير الطارئة ووضعها على قوائم الانتظار، وقد تصل مدة انتظار المريض لنحو 10 أيام حتى تحين فرصته للتصوير بسبب الضغط الهائل".

حصار صحي

ويقول مدير عام المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة مروان الهمص للجزيرة نت إن القطاع الصحي، الحكومي والخاص والأهلي، بما في ذلك المستشفيات الميدانية المحلية والدولية، "يعاني من أزمة حادة في الأجهزة الطبية نتيجة القيود الإسرائيلية على إدخال الأجهزة وقطع غيارها".

وفي أحدث الأزمات الناجمة عن ذلك، فشل مهندسون في وزارة الصحة في إصلاح جهاز الأشعة الوحيد الخاص بغرف عمليات جراحة العظام في المستشفى الميداني الأردني المجاور لمجمع ناصر، لعدم توفر قطع الغيار والصيانة، وكان لذلك انعكاس سلبي كبير على الجرحى والمرضى، بحسب الهمص.

ويؤكد المسؤول الطبي أن الاحتلال تعمد في إطار هجومه الممنهج على المستشفيات منذ اندلاع الحرب، تدمير الأجهزة الطبية الحساسة، ومن بينها أجهزة الرنين المغناطيسي التسعة، التي تعرضت للتدمير أو خرجت عن الخدمة لعدم توفر غاز التشغيل الخاص بها، ولا يتوفر أي منها حاليا على مستوى القطاع.

وفي حين يوجد في مستشفيات جنوب القطاع 3 أجهزة تصوير طبقي تخدم أكثر من مليون نسمة، يقول الهمص إنه لا تتوفر في مستشفيات شمال القطاع -حيث الثقل السكاني الأكبر من بين مليونين و200 ألف نسمة-، أي جهاز.

الهمص أكد أن الاحتلال تعمد تدمير وتخريب الأجهزة في المستشفيات خلال اجتياحها (الجزيرة)

 

ونال مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة -وهو الأكبر على مستوى القطاع- النصيب الأكبر من عمليات التدمير والتخريب خلال اقتحام الاحتلال له على مرتين، وبسبب ذلك خرج عن الخدمة:

إعلان نحو 700 سرير. 24 غرفة عمليات. قسم الحضانة الذي يضم 60 حضانة، وهو الأكبر في الضفة الغربية والقطاع. جهاز الأشعة التداخلية الوحيد في القطاع. 35 سرير عناية مركزة. 3 أجهزة تصوير طبقي. 10 أجهزة أشعة عادية. 10 أجهزة تصوير تلفزيوني. جهاز قسطرة قلبية. 6 محطات أكسجين.

وحسب بيانات وزارة الصحة لا يوجد أي محطة أكسجين في مستشفيات شمال القطاع، ومن بين 130 جهاز غسيل كلى لا يتوفر حاليا سوى 25 جهازا فقط، و10 حضانات من بين 90 حضانة في جميع تلك المستشفيات.

وقال الهمص إن الاحتلال يتلاعب بأولويات واحتياجات القطاع الصحي، وإضافة إلى تدميره الأجهزة والعبث بها وتخريبها أثناء اجتياح المستشفيات، يعرقل حاليا إدخال أجهزة بديلة أو قطع غيار لإصلاح المتوفر، علاوة على عرقلة إدخال المهام الطبية حتى للمستشفيات الميدانية التابعة لهيئات دولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مجمع ناصر الطبی الأجهزة الطبیة مدینة خان یونس فی مجمع ناصر وزارة الصحة للجزیرة نت قطع الغیار غسیل الکلى عن الخدمة لعدم توفر غسیل کلى أبو نمر من بین

إقرأ أيضاً:

FT: هل تخفي التسهيلات الإسرائيلية خطة ترامب لتفريغ غزة؟

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا، أعدّه جيمس شوتر وهبة صالح، قالا فيه إنّ: "إسرائيل باتت تخفف من الحواجز للخروج من غزة، بعدما حثّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إعادة توطين الفلسطينيين في غزة بأماكن أخرى". 

وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "تخفيف الحواجز قد أتى في وقت يخشى فيه الدبلوماسيون من أنّ تخفيف القيود على نقاط العبور من غزة هي جزء من خطة لتهجير التي يدعمها الرئيس الأمريكي". 

وجاء في التقرير أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي سمحت للمئات بمغادرة غزة في الأسابيع الماضية، عقب أشهر من الحصار المطبق، إذ زاد الخروج بعدما اقترح الرئيس الأمريكي في شباط/ فبراير إفراغ غزة من سكانها واستيلاء أمريكا عليها.

وتابع: "شجبت الأمم المتحدة والحكومات بالعالم وجماعات حقوق الإنسان مقترح ترامب، بكونه يرقى لمستوى التطهير العرقي، لكن وزراء بالحكومة اليمينية المتطرفة بإسرائيل استغلوا الاقتراح، إذ أعلن وزير الحرب إسرائيل كاتس في آذار/ مارس أنه سينشئ هيئة لتسهيل الخروج والمساعدة في تنفيذ خطة ترامب". 

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم إنّ: "إسرائيل سمحت لمئات الأشخاص بمغادرة القطاع المحاصر. واستقبلت فرنسا أكثر من 170 شخصا، وألمانيا أكثر من 70 شخصا، كما استقبلت العديد من البلدان الأخرى أعدادا مضاعفة من الأشخاص المغادرين القطاع. وسعى مسؤولون إسرائيليون، بينهم وزير الداخلية موشيه أربيل، لتصوير عمليات الخروج كجزء من مخطط "المغادرة الطوعية".

"دبلوماسيين مشاركين بالعملية قالوا إن هذا ليس هو الحال، وأن الذين يخرجون من غزة الآن هم أشخاص كانوا يحاولون مساعدتهم على الخروج، منذ فترة طويلة. ومعظم المغادرين: من حملة الجنسية المزدوجة أو أبناءهم وأشخاصا يريدون المغادرة للعلاج في الخارج أو لديهم تأشيرات لدولة ثالثة" تابع التقرير نفسه. 


وقالوا إنّ: "من بين الذين غادروا القطاع أشخاص رفضت إسرائيل في السابق السماح لهم بالخروج من غزة، أو تأخر خروجهم مرارا وتكرارا"، فيما أبرز أحد الدبلوماسيين: "بعد إعلان ترامب، قررت إسرائيل فتح باب الخروج مرة أخرى، لأن هذا كان، من وجهة نظرهم، وسيلة لبدء تنفيذ ما يسمى بخطة ترامب  بينما بالطبع لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لنا".

وقالت هيئة تنسيق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة إنها: "نسقت مغادرة عشرات الأشخاص، دون أن تعطي رقما محددا". مضيفة أنّ: "ذلك تم وفقا لتعليمات القيادة السياسية". فيما لم يستجب مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي لطلب التعليق. 

وتضيف الصحيفة أنّ: "عمليات المغادرة توقفت في أيار/ مايو العام الماضي بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح، الطريق الوحيد بين غزة ومصر للخروج من القطاع".

وقال أشخاص شاركوا في عمليات الإجلاء: "بدأت مرة أخرى بأعداد صغيرة في أواخر العام الماضي، وتسارعت الموافقات بشكل حاد بعد أن قال ترامب في شباط / فبراير إن الولايات المتحدة يجب أن تسيطر على غزة، وأن "جميع" سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون يجب إعادة توطينهم. ورفض كل من الأردن ومصر دعوات ترامب لهما باستقبال سكان غزة".

وبحسب التقرير فإنّ: "المخاوف من النزوح الجماعي تجدّدت بالأيام الأخيرة بعد أن وافقت حكومة نتنياهو على خطة لتكثيف هجومها المستمر في القطاع. وتشمل خطة السيطرة إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين للانتقال لمساحات أصغر بجنوب القطاع. لكن مسؤولا أمنيا إسرائيليا قال، الاثنين، إن خروجهم من القطاع بشكل كامل كان أيضا أحد أهداف الهجوم المكثف. مردفا أنّ: برنامج النقل الطوعي لسكان غزة، وخاصة الذين سيتم تركيزهم في الجنوب، سيكون جزءا من أهداف العملية".

وقال دبلوماسيون، وفقا للصحيفة، إنه: "لم يتضح بعد ما إذا كانت إسرائيل ستسمح للذين غادروا بالعودة. لكن العديد من الذين غادروا القطاع أعربوا عن تصميمهم على القيام بذلك، على الرغم من الظروف الإنسانية المزرية بالقطاع، إذ أدى الهجوم لتحويل المباني لأنقاض، كما أدى حظرها للمساعدات إلى تأجيج الجوع الشديد".


ونقلت الصحيفة عن الشاعرة والكاتبة الفلسطينية، دنيا الأمل إسماعيل، التي غادرت غزة لفرنسا، في نيسان/ أبريل الماضي، أنها حصلت في عام 2024 على منحة حكومية فرنسية لقضاء عام في باريس للعمل على مشروع للكتابة والتدريس. لقد تقدمت بطلب للحصول على المنحة قبل الحرب، ولكنها لم تتمكن من السفر إلا في شهر نيسان/ أبريل. 

وقالت إسماعيل التي نزحت خلال الحرب 11 مرة إنها مصممة للعودة إلى غزة بعد نهاية المنحة، مضيفة: "لم يطلب من أحد التوقيع على وثيقة للهجرة من غزة أو البقاء خارجها لعدد من السنوات، ولو طلب مني ذلك لعدت أدراجي عند معبر كرم أبو سالم".

مقالات مشابهة

  • أجهزة البث تحت المجهر
  • شعبة المحمول: وقف دخول 50 ألف جهاز بسبب الرسوم على الهواتف
  • استغلال ثغرات في أجهزة سامسونج لشن هجمات خبيثة
  • بوتين ونتنياهو يبحثان حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة
  • FT: هل تخفي التسهيلات الإسرائيلية خطة ترامب لتفريغ غزة؟
  • “تمهل .. أمامك حياة”.. إدارة مرور ولاية النيل الأبيض تدعم مركز غسيل الكلي بربك بمحاليل ومواد طبية
  • ببطارية جبارة وسعر معقول.. مايكروسوفت تطلق أجهزة لوحية جديدة
  • جمعية “لمسة شفا” توفر خدمات طبية لأكثر من 200 مريض يومياً في ريف درعا
  • طبيب كلى زار غزة: تتم إعادة استخدام المستهلكات الطبية التي من المفترض استعمالها مرة واحدة