المهاجرون الأفارقة.. الفرار إلى جحيم اليمن والصراع يضاعف معاناتهم (تقرير خاص)
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
كيف يمكن لبلد السعادة (اليمن) أن يتحول إلى بيئة محفوفة بالمخاطر ومسرحًا للاستغلال والمعاناة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه عند النظر إلى مصير مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين عبروا اليمن بحثًا عن الأمان، ليجدوا أنفسهم متأثرين بالنزاع الدائر وضحايا لانتهاكات مروعة.
اليمن: محطة عبور وتحديات متزايدة
عبر التاريخ، شكّل اليمن محطة عبور رئيسية للمهاجرين الأفارقة، ومساحة سعوا من خلالها لاقتناص فرص العيش والوصول إلى السعودية أو الاستقرار في المدن اليمنية.
وبالرغم من هذا الدور التاريخي، فإن التدفق البشري المستمر من قبل الأفارقة كان مستمرًا ومرتفعًا قبيل النزاع المسلح الأخير الذي يشهده اليمن منذ أكثر من ثمانية سنوات قبيل عام 2014م.
رغم أن اليمن تحول إلى بيئة محفوفة بالمخاطر، يستمر تدفق المهاجرين الأفارقة عبر بوابات رئيسية سرعان ما تتحول إلى ساحات استغلال ومعاناة مضاعفة.
ففي رحلتهم البحرية عبر مضيق باب المندب، والذي يبدأ من سواحل أوبوك الجيبوتي وبوصاصو الصومالية المكتظة باليائسين، يواجهون خطر الغرق وقسوة المهربين، كما وثق تقرير للجزيرة نت.
الذين يكدسونهم في قوارب متهالكة مقابل وعود بحياة أفضل. وعند الوصول إلى الشواطئ اليمنية، وخاصة في مناطق رأس العارة بلحج وساحل شبوة حول بئر علي، يكونون منهكين وجائعين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقع جديد من الاستغلال والابتزاز.
أما برًا، فالرحلة ليست أقل صعوبة، إذ تمر عبر مناطق حدودية وعرة كـ مديرية موزع (تعز) ومحافظة لحج، يسلكون طرقًا مهجورة تحت تهديد جماعات مسلحة وعوامل الطبيعة القاسية. وتتحول محافظتا حضرموت والمهرة، وصولًا إلى مناطق كـ شحن قرب الحدود العمانية، إلى محطات انتظار قلقة، حيث يكونون عرضة للاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة من قبل أطراف مختلفة.
وفي هذا المعترك من المخاطر، يواجه هؤلاء المهاجرون أساليب مروعة أخرى، فهم يصبحون عرضة لعصابات الخطف التي تدير معسكرات احتجاز سرية في مناطق حدودية، حيث يواجهون الضرب والإيهام بالغرق والابتزاز مقابل حريتهم، كما وثقت ذلك [منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2019. [منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2019.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يُجبر الكثيرون على العمل القسري في مزارع أو مصانع، ويُحتجزون رهن الكفالة حتى تسديد مبالغ مالية. وتزداد المأساة عندما يتعلق الأمر بالنساء والمراهقات، اللاتي يتعرضن لاعتداءات جنسية أثناء الاحتجاز أو النقل، تاركة وراءها ندوبًا نفسية وجسدية عميقة، وآثارًا مدمرة طويلة الأمد على صحتهن النفسية وكرامتهن الإنسانية.
تأثير النزاع على أوضاع المهاجرين
الهروب من الجوع والحرمان من مقومات الحياة هو الدافع الذي قاد المهاجر الإفريقي رغم النزاع وتفاصيله الكثيرة، وكان اليمن محطة الهجرة الأولى بالنسبة إليهم.
ولتوضيح مدى استمرار هذا التدفق، تشير تقديرات [المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها الدورية] المنظمة الدولية للهجرة .
ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة الذين دخلوا اليمن منذ عام 2014 وحتى 2024 يتجاوز 700,000 مهاجر، معظمهم من إثيوبيا والصومال. الأرقام:
2019: الأعلى تاريخيًا بـ 138,000 مهاجر.
2020–2021: انخفاض كبير بسبب كورونا (27,000–37,000 سنويًا).
2022: حوالي 40,000 مهاجر.
2023: أكثر من 77,000 مهاجر في أقل من عام واحد فقط.
وفي هذا السياق، تشير تقارير متفرقة صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة (IOM) بين عامي 2014 و2023 إلى أن العدد التراكمي للمهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن تجاوز 700 ألف مهاجر وفق إحصائيات منشورة في تقارير DTM السنوية حتى منتصف 2023. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد حتى الآن تقرير موحد يغطي تلك الفترة بالكامل وما يتبعها من سنوات مستمرة، مما يجعل هذه الأرقام تقديرية بناءً على البيانات المتاحة.
للعودة إلى السياق الذي سبق تصاعد النزاع وقبيل الحرب، وتحديدًا في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة وبداية العقد الثاني (تقريبًا بين عامي 2005 و2013)، حجز قضية الأفارقة مساحة من الاهتمام في اليمن. تجلى ذلك في مناقشات محدودة في بعض الوزارات وجلسات وورش عمل في مجلس النواب.
وإلى جانب ذلك، بدأت ملامح نشوء منظمات المجتمع المدني والكيانات المدنية في اليمن تتشكل بوضوح منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، وتزايدت وتيرتها خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، لا سيما بعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 وما تبعها من انفتاح نسبي. وقد نشطت العديد من هذه المنظمات في الدفاع عن حقوق الفئات المهمشة، بما في ذلك المهاجرين الأفارقة.
تأثير الحرب والنزاع
تشير تقارير صحفية واسعة إلى أنه منذ بداية التدخل العسكري بقيادة الرياض وحلفائها في مارس 2014، من أجل إسناد الحكومة الشرعية اليمنية، وردت تقارير صحفية وتناقلت وسائل إعلامية كثيرة وبشكل مستمر ظاهرة تجنيد جماعة الحوثي أعدادًا كبيرة من المهاجرين الأفارقة في صفوف مقاتليها.
" أخذوا الكثير من الشباب بالقوة من هناك"، يروي أ. ل.، وهو ناشط مدني وصحفي يمني كان يتردد بحذر على مركز تجمع المهاجرين في مبنى الجوازات والمصلحة والهجرة بصنعاء لأغراض إنسانية وحقوقية، وأضاف بحسرة في حديثه للموقع بوست قائلاً:
"أتذكر جيدًا تلك الليالي في عام 2020، وقت ذروة محاولة جماعة الحوثي اقتحام خطوط الدفاع الأولية لمدينة مأرب، كنت أرى شاحنات تأتي وتأخذ الشبان الأفارقة، بعضهم لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، من أمام المبنى ويجبرونهم على الذهاب إلى الجبهات. كنا نحاول التدخل أو السؤال عنهم لكن لم يكن بوسعنا فعل شيء. كانوا يستغلون حاجة هؤلاء الشباب ووضعهم الهش."
وتشير تقارير صحفية واخبارية متفرقة إلى استغلال جماعة الحوثي لهذا الوضع في عدة محاور، منها تحشيدهم ومناصرتهم لصفوفها القتالية، كما أدت تجمعات المهاجرين الأفارقة في مناطق نفوذ الجماعة إلى تسهيل عملية دمجهم في جهودها العسكرية.
أوضاع الاحتجاز وتداعياتها
في أعقاب حادثة صنعاء المفزعة الذي هزت المدن اليمنية وأثارت استياءً واسعًا، أعلنت جماعة الحوثي في حينه أن الحادثة نجمت عن غارة جوية نفذها ما وصفته بـ 'تحالف العدوان' واستهدفت مخيمًا للاجئين من أفريقيا وإثيوبيا.
وعلى الرغم من هذه الاتهامات، فإن تقارير صحفية وشهادات متطابقة أشارت إلى مسؤولية الجماعة عن إحراق مكان احتجاز المهاجرين بعد رفضهم الانصياع وإعلانهم الإضراب عن الطعام، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول روايتها.
وتفصيلاً لهذه الحادثة في 7 مارس/آذار 2021، اندلع حريق هائل في مركز الاحتجاز، مما أسفر عن مقتل العشرات، معظمهم من الإثيوبيين، وإصابة المئات، ووثقت تقارير متعددة صادرة عن منظمات حقوقية وشهود عيان الظروف الصعبة للاحتجاز والمعاملة السيئة منظمة مواطنة للحقوق والحريات وأشار التقرير إلى أن احتجاج اللاجئين أثار غضب سلطات جماعة الحوثي مطالبة بتحقيق دولي شفاف بالحادثة.
ويعكس الوضع الصعب داخل هذه المراكز شهادة ع. ق والذي قال في حديثه للموقع بوست: "كنا نعيش في سجن حقيقي، حتى قبل الحريق'. هذا ما قاله ع. ق.، وهو عامل نظافة أفريقي لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره احتُجز لعدة أشهر في أحد مراكز الاحتجاز في صنعاء، في حديث خاص به. والذي أضاف قائلاً: 'خانق الاكتظاظ'، 'أحسسنا بالإهانة'، بالكاد نجد مكانًا للجلوس أو النوم.
الطعام كان قليلًا وغير صالح للاستهلاك في كثير من الأحيان، والمياه شحيحة. كنا نشعر بالإهانة المستمرة وسوء المعاملة من قبل الحراس. فقدنا كرامتنا وإنسانيتنا داخل تلك الجدران. عانيتُ أنا وزملائي الذين كانوا معي في تجمعات مماثلة لنفس الظروف القاسية لأشهر طويلة."
هذه الشهادة المؤلمة من عامل النظافة الأفريقي تكشف عن جزء يسير من الأثر الإنساني المدمر لهذه المأساة. فبالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية الذي تفقدهم أبسط مقومات الكرامة الإنسانية، يعاني هؤلاء المهاجرون من صدمات نفسية عميقة نتيجة الخوف المستمر من الموت والعنف، والشعور بالعجز واليأس، وفقدان الأمل في مستقبل آمن. هذه التجارب تترك ندوبًا نفسية تستمر معهم مدى الحياة، وتؤثر على قدرتهم على التعافي والاندماج في أي مجتمع جديد.
ردود الفعل الدولية تجاه الحادثة
وعلى صعيد ردود الفعل على هذه الفاجعة، أثار الحريق الذي راح ضحيته أرقام كبيرة يصعب حصرها ردود فعل دولية واسعة، حيث طالبت منظمة هيومان رايتس ووتش بإجراء تحقيقات مستقلة وشاملة، والتي دعت إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحادثة ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين وتطبيق القانون الدولي.
تواجد الأفارقة في مناطق النزاع
في سياق مختلف، يتواجد أرقام كثيرة من الشباب الأفارقة بمقدمة الصفوف الأمامية لأطراف مختلفة، فتواجده بخطوط النار غير مقتصر على جماعة الحوثي وحسب، الحوثيون يجندون المهاجرين الأفارقة.. مرتبات زهيدة ومصير مجهول في جبهات القتال حيث تحوز أرقام مرتفعة من نسبة تواجد عناصر وسط قوات تابعة لما تسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، إضافةً إلى تواجد الكثير من الأفارقة المجندين ضمن الجيش السعودي والذين يدافعون عن أرض المملكة العربية السعودية.
تأثير القصف على المهاجرين
تزايدت في السنوات الأخيرة من النزاع المسلح جرائم القصف الذي طال تجمعات للمهاجرين الأفارقة.
في مشهد مروع يضاف إلى فصول معاناة الأفارقة في اليمن، استهدف القصف الذي وثقته وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) جراء غارات الطيران الأمريكي في الثامن والعشرين من أبريل عام 2025 مركزًا للمهاجرين في محافظة صعدة. تحت وطأة الانفجارات، لقي أكثر من ستين بريئًا من السودانيين والإثيوبيين والصوماليين حتفهم، بينما تناثرت أشلاء الضحايا على أرض المركز. وبينما تتداول الأنباء إشارة إلى أن طائرات أمريكية نفذت عملية القصف تلك، يبقى السؤال معلقًا حول ملابسات هذا الاستهداف المباشر لمركز إيواء. لقد تحول الملجأ الآمن إلى ساحة للموت، ليروي فصولًا جديدة من المأساة التي تلاحق هؤلاء الذين سعوا للنجاة من حروب أخرى. أصوات الإدانة والاستنكار تعالت، لتكشف عن فظاعة ما لحق بهؤلاء الضحايا العزل.
وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن منظمات حقوقية وثقت حوادث مماثلة في السابق، بما في ذلك مقتل نحو 90 مهاجرًا في ضربة جوية للتحالف السعودي عام 2022 على منشأة اعتقال أخرى للمهاجرين الأفارقة في مدينة حجة.
تقارير صحفية تحدثت في نهاية ديسمبر 2024م والذي أشارت إلى مقتل ثلاثة مهاجرين وإصابة العشرات خلال فضّ قوات جماعة الحوثي اعتصامًا للمهاجرين الأفارقة في صنعاء باستخدام الرصاص الحي.
إن فقدان العشرات من الأرواح في حوادث القصف الوحشية لا يمثل مجرد إحصائية مروعة، بل يمزق أوصال عائلات ويترك ناجين يعانون من فقدان الأحباء، وإصابات جسدية ونفسية دائمة، وشعور عميق بالظلم والخوف من تكرار هذه الفظائع. هذه الأحداث تخلق جيلًا من الصدمات الذي يؤثر على النسيج الاجتماعي للمجتمعات المتضررة، سواء كانت مجتمعات المهاجرين أو المجتمعات اليمنية الذي يستضيفهم.
جهود الإغاثة والمطالبات الدولية
وعلى الرغم من هذه الجرائم التي طالت مدنيين وفئة واحدة من قبل أطراف كثيرة، فإن المناصرة العالمية وبيانات الإدانة الدولية مستمرة من قبل الجهات والمنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان. ويتجلى هذا الاهتمام الدولي في أنه خلال مطلع العام 2025 عقدت مؤتمرات دولية واسعة حول أوضاع الأفارقة في اليمن والتي أكدت على ضرورة الالتزام بقوانين الإنسان الدولية، حيث حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في تصريح نقلته [قناة المملكة] من "تنامٍ خطر" للقصف على المدنيين، بما في ذلك المهاجرون الأفارقة، ودعا جميع الأطراف لاحترام القانون الدولي الإنساني وحماية الأفراد العُزل. في بيان صادر في 28 أبريل 2025.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: هجرة الأفارقة الأفارقة في اليمن الهجرة إلى اليمن وضع المهاجرين المهاجرین الأفارقة للمهاجرین الأفارقة تقاریر صحفیة جماعة الحوثی الأفارقة فی فی مناطق فی الیمن إلى أن من قبل
إقرأ أيضاً:
رماة بوتين السود في أتون حرب أوكرانيا
"فاغنر السود" أو "رماة بوتين" أو المرتزقة الأفارقة، تعددت الأسماء والمقصود واحد، إنهم الأفارقة المقاتلون إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.
وقد تحدثت تقارير إعلامية غربية متعددة عن فيلق كبير من الأفارقة يزج بهم الروس في الجبهات الأمامية للقتال بأوكرانيا بعد حملات تجنيد مكثفة شملت كافة أرجاء أفريقيا، واستعملت فيها حوافز مادية كبيرة من رواتب مغرية وجوازات روسية.
غير أن كثيرا من هؤلاء تنقطع أخبارهم بمجرد أن يغادروا بلدانهم، ومنهم من يعلن عن وفاته ومنهم من يقع في الأسر لدى الأوكرانيين ومنهم من لا يزال مفقودا.
قصص كثيرة ومتعددة لأفارقة زُج بهم متطوعين أو مكرهين على خطوط النار بين روسيا وأوكرانيا، ويستعرض هذا التقرير نماذج منها، كما يتناول الموقف الروسي من هذه القصص.
تعتمد موسكو في تجنيدها للمرتزقة الأفارقة على تقديم إغراءات الرواتب الضخمة ومنح الجنسية، وينتهي الحال بالعديد -ممن سافروا من بلدانهم الأفريقية إلى روسيا بهدف العمل أو الدراسة- في جبهات القتال، بحسب تقارير متطابقة، ومن جانبها تنفي روسيا تجنيدها الطلاب قسرا.
وأكد تحقيق لمراسلي قناة فرانس 24 -في كل من السنغال وغانا والكاميرون- أن العديد من هؤلاء الأفارقة انضم طواعية إلى صفوف الجيش الروسي خلال السنوات الثلاث الماضية تحت إغراءات الرواتب الضخمة، أو حتى إمكانية الحصول على الجنسية، لكن طائفة من هؤلاء تعرضت للتجنيد القسري.
وتحدث التحقيق عن شباب من دول أفريقية (هي نيجيريا وزامبيا وغانا وتنزانيا وتوغو وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون والسنغال) سافروا إلى روسيا على أمل العثور على فرص عمل، قبل أن ينتهي بهم المطاف على الخطوط الأمامية للقتال.
وأضاف التحقيق أن هؤلاء الأفارقة -الذين يتم إرسالهم للقتال دون تدريب مناسب، وغالبا ما يخدمون في الصفوف الأمامية- قتل بعضهم، والبعض الآخر انتهى الحال به في السجن أو يعلقون على خطوط المواجهة بين روسيا وأوكرانيا يتوسلون حكوماتهم لإعادتهم إلى أوطانهم.
إعلانوكمثال على ذلك، فقد نقلت إذاعة فرنسا الدولية أن 14 غانيا عالقين وسط القتال في دونيتسك (شرق أوكرانيا) كانوا قد أطلقوا نداء طلبا للمساعدة، وذلك في شريط فيديو بثه التلفزيون الوطني، وزعم هؤلاء أنهم تعرضوا للإغراء والخداع من قبل أحد مواطنيهم، وهو لاعب كرة قدم سابق.
وتحدث التحقيق عن معاناة عائلة في السنغال بسبب فقدان ابنها الذي غادر للدراسة في روسيا وهو الآن سجين في أوكرانيا، بعد أن قاتل في صفوف الجيش الروسي.
أفضلية روسية لتجنيد الأفارقةتمتع روسيا بمزايا في أفريقيا تسهل عليها تجنيد المرتزقة الأفارقة، فهي تملك وجودا عسكريا واقتصاديا واسعا في عدة دول في القارة، بالإضافة إلى نشاط مرتزقة فاغنر وسط وشمال القارة، وتحولت هذه الظاهرة إلى ما سمي مؤخرا الفيلق الأفريقي.
وكان تقرير لصحيفة إندبندنت البريطانية بعنوان "راتب، جواز سفر.. هكذا تحاول روسيا تجنيد الأفارقة" قد نقل عن تقارير استخباراتية بريطانية وأوكرانية أن روسيا تغري الأفارقة للقتال في أوكرانيا، حيث تعرض عليهم رواتب مغرية وتعدهم بمنحهم جوازات سفر.
وبحسب التقرير، فإنه للتعويض عن خسائرها الفادحة على الجبهة، والتي تقدر بأكثر من 500 ألف جندي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، قررت روسيا تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين، وتركز لهذا الغرض على أفريقيا، وتحديدا على 4 دول وسط القارة، وهي رواندا وبوروندي والكونغو وأوغندا.
وأشارت "إندبندنت" إلى أن روسيا تتمتع بنفوذ كبير في بعض مناطق أفريقيا بفضل استثماراتها في قطاع التعدين ووجود جنودها على الأرض.
وحسب أوردته "بي بي سي" البريطانية في تقرير لها، فإن لروسيا نفوذا في أفريقيا يسهل عليها عمليات التجنيد تلك، حيث تتمتع بحضور عسكري على الأرض تبرره بمساعدة دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والسودان في محاربة المتمردين أو "الإسلاميين".
وتحدث هذا التقرير عن انتشار مقطع فيديو على الإنترنت يزعم أنه يظهر جنودا من جمهورية أفريقيا الوسطى يتعهدون بالانضمام إلى "إخوانهم الروس" كما نظمت مع بداية الحرب في أوكرانيا مظاهرة مؤيدة لروسيا في بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى.
وفي واحدة من قصص المهاجرين الأفارقة الذين تم تجنيدهم بالجيش الروسي، روى تحقيق لصحيفة تلغراف البريطانية قصة كاميروني يدعى جان أونانا كان عاطلاً عن العمل بالعاصمة ياوندي، ويكافح لإعالة زوجته و3 أطفال صغار، وفجأة اطلع على إعلان وظيفة في مصنع روسي فانتهز فرصة الحصول على راتب جيد، كما أخبر المحققين الأوكرانيين لاحقًا.
وبعد جهد مضن، حصل الشاب البالغ 36 عامًا على ثمن تذكرة وسافر إلى موسكو في مارس/آذار الماضي، وبدلاً من أن تُقدم له هذه الرحلة حلاً لمعاناته المالية، تسببت له في معاناة أشد كادت تودي بحياته على جبهة القتال شرق أوكرانيا.
وما إن وصل أونانا إلى روسيا حتى احتُجز مع 10 آخرين من الكاميرون وزيمبابوي وغانا وأُبلغوا جميعا أنهم لن يعملوا، وأنهم سيوقعون بدلاً من ذلك عقدًا لمدة عام للانضمام إلى الجيش الروسي للقتال في الحرب على أوكرانيا.
إعلانووُعِد أونانا بأجر كبير وتعرض للضغط لتوقيع العقد، بحسب اعترافاته، كما خضع لتدريبٍ لمدة 5 أسابيع في روستوف ولوغانسك. وخلال التدريب، تمكن من الاتصال بمنزله، ولكن في طريقه إلى الجبهة، صُودرت هواتفه ووثائقه.
وانتهت مسيرة أونانا العسكرية تقريبًا بمجرد بدايتها، حيث طُلب منه هو و8 آخرون احتلال مركز على الجبهة أوائل مايو/أيار الماضي، وبمجرد أن تمركزوا في المكان حتى تم قصفه وقُتل الجميع باستثناء أونانا الذي سقط جريحًا واختبأ بين الأنقاض لمدة أيام، وبمجرد أن تمكن من الخروج تم أسره.
وحسب تقرير تلغراف، فإن روسيا تجبر الأفارقة -وغيرهم من سكان الدول النامية الذين يهاجرون إليها بحثا عن العمل- على الخدمة العسكرية لسد حاجتها لأعداد هائلة من المجندين من أجل تعويض خسائرها الكبيرة في الحرب المستمرة لأكثر من 3 سنوات.
ووفقا للصحيفة، فإن حكومة الكاميرون باتت تشعر بقلق بالغ إزاء أعداد الجنود الذين يُعتقد أنهم يفرون من جيشها ويسافرون إلى روسيا، لدرجة أنها شددت في مارس/آذار القيود على مغادرة العسكريين الدولة الواقعة غرب أفريقيا. وتشير تقديرات على وسائل التواصل الاجتماعي لمقتل حوالي 60 كاميرونيا في الحرب الروسية الأكرانية.
يروي تحقيق تلغراف قصة السنغالي مالك جوب، الذي أُسر مؤخرا لدى القوات الأوكرانية، ويبلغ من العمر 25 عامًا، وكان يدرس في روسيا عندما التقى بمُجنِّدين في مركز تجاري أخبروه أنه يستطيع التسجيل لغسل الصحون في لوغانسك، بعيدًا عن الجبهة، مقابل 5700 دولار شهريًا. لكن بعد أسبوع واحد فقط، أعطي جوب سلاحا وقنابل يدوية وخوذة، ثم اقتيد إلى الجبهة قرب توريتسك.
وفي حديثه مع محاور عسكري أوكراني، يقول جوب "بدأنا نرى جثثًا في الغابة، وجثثا كثيرة في مبانٍ مختلفة، لقد أثر ذلك بي حقًا". وبمجرد أن شاهد تلك المشاهد توارى عن الأنظار وتخلص من زيه العسكري وأسلحته، وهرب، وبعد يومين من المشي تم أسره من طرف الأوكرانيين.
وتحدث تقرير لصحيفة "جون أفريك" في مايو/أيار الماضي عن آلاف من "المجندين المخدوعين" الذين فُقدوا في الحرب الروسية الأوكرانية، وذكر من بين هؤلاء جان كلود سانجوا، وهو طالب كونغولي في لوغانسك، في منطقة شرق أوكرانيا المحتلة من قبل روسيا منذ عام 2014.
وفي زامبيا، تحدث تقرير سابق لإذاعة فرنسا الدولية عن وصول جثمان طالب قُتل في أوكرانيا يدعى ليمخاني ناثان نييريندا، كان قد جندته مجموعة فاغنر من سجن روسي.
وأثار مقتل الطالب -الذي كان يدرس الهندسة النووية في روسيا- جدلا واسعا في زامبيا وسط مطالبات للحكومة بالتحقيق في كيفية مقتله، وكيف ذهب طالب علم وانتهى به الأمر قتيلا في الخطوط الأمامية في حرب لا تعني زامبيا في شيء.
وفي نفس الإطار، نشرت الصحافة التوغولية منتصف أبريل/نيسان الماضي تقريراً عن مواطن يُدعى "دوسيه كوليكباتو" ذهب لدراسة الطب في روسيا قبل أن يتم إرساله دون تدريب إلى الخطوط الأمامية ليقع أسيراً ويصاب بجروح على يد الأوكرانيين.
ويقدّر رئيس منظمة "روسوتروديتشستفو" يفغيني بريماكوف، وهي منظمة تُعنى بنشر المعرفة حول روسيا في الخارج، وجود ما بين 35 ألفا و37 ألف طالب أفريقي في روسيا، تزامنا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.
تجنيد السجناء
وقد نقلت مجلة جون أفريك -في تقرير عن الصحفي النيجيري فيليب أوباجي- أنه مع بداية الحرب في أوكرانيا، تم إرسال نحو 200 من المتمردين السابقين من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى روسيا بعد أن غيروا ولاءهم وتلقوا تدريبًا على يد شركة فاغنر الروسية.
إعلانكما زعم أوباجي أن المعتقلين من أفريقيا الوسطى، بمن فيهم المدانون بجرائم خطيرة، تم إرسالهم، في وقت لاحق، للخدمة على الجبهة الأوكرانية، على غرار ما قامت به مجموعة المرتزقة من تجنيد جماعي في السجون الروسية.
وفي شهادة أخرى نقلتها جون أفريك عن مواطن من جمهورية أفريقيا الوسطى تمكن من الفرار من جبهة الحرب في أوكرانيا إلى جمهورية لاتفيا، حيث قال إنه تم تجنيده بشكل مباشر في بانغي من قبل مرتزقة فاغنر أثناء احتجازه بمركز للشرطة.
وزعم هذا الشاهد أن أحد أفراد المليشيات أخذ منه مئات الآلاف من الفرنكات الأفريقية مقابل توقيع عقد للالتحاق بـ"شركة أمنية" روسية ليسافر في ديسمبر/كانون الأول إلى روسيا مع معتقلين سابقين آخرين من جمهورية أفريقيا الوسطى، ضمن مجموعة تتألف من 300 إلى 400 شخص من دول جنوب الصحراء الكبرى.
نفي روسيزعم مسؤولون أوروبيون أن الكرملين يهدد بعدم تمديد تأشيرات الطلاب الأفارقة والعمال الشباب ما لم يوافقوا على الانضمام إلى الجيش، وهو ما تنفيه موسكو على الدوام.
كما نفت الخارجية الروسية أكثر من مرة مزاعم إجبار الأفارقة -وخصوصا الطلاب- على المشاركة في الحرب الدائرة في أوكرانيا مقابل تمديد تأشيراتهم، مؤكدة على الضرر المحتمل الذي قد تُلحقه هذه التقارير بالعلاقات الأفريقية الروسية.
وفي المقابل، تشير أنباء أخرى تم تداولها عن محاولات أوكرانية لتجنيد أفارقة للقتال ضد روسيا، ومن ذلك بيان تم تداوله في السنغال يتحدث عن مساع من السفارة الأوكرانية لحث السنغاليين على القتال ضد روسيا، وهو ما أدانته حكومة السنغال قبل أن تنفي السفارة وجود مساع من هذا القبيل.