منذ مرحلة مبكرة من عمري وأنا انظر بعين "الريبة" لمن يقدمون أنفسهم بـ"الناصريين" ويتباهون بذلك؛ كنت فريسة العديد من الأسئلة "البريئة" على غرار: ماذا فعل هذا "الزعيم المبجل" لوطنه وأمته يا ترى؟ وكم عدد الانتصارات المسجلة في سجله؟ وإذا كان يحظى بكل هذه "القداسة"؛ فلماذا هذا الكيان الغاصب وهو حسب علمي كان يصنف كـ"عدوه الأول" ما زال جاثما على أنفاسنا حتى يومنا هذا؟ وفي أي حقبة سينجح هذا البطل الهمام في كسر شوكته وإعادة الهيبة العربية (كموضة دارجة في عصره) وتطهير كل شبر من أراضينا المحتلة؟
كبرت واكتشفت أن الرجل مات وفي مشهد سينمائي بكاه المصريون والعرب، ولعل هذا الوتر الحساس كان نقطة ضعفي (وما تزال مع كامل الأسف)؛ إنه "البروفايل" الذي يروي ظمأ شعوب مقهورة نُكل بها وتتوق لترجمة شعارات "رضعتها" ولُقنت لها في المدارس، لكنها على أرض الواقع تصطدم بأنظمة تجتمع في صورة تذكارية وتتبادل ابتسامات صفراء ولا تكل ولا تمل في نهش بعضها البعض في الحقيقة.
"سعدون المجنون" ما زال بيننا:
قادتني صدفة غريبة عجيبة للنبش في أرشيف الكاتب المسرحي المصري الراحل لينين الرملي، واستوقفني نص "سعدون المجنون"، تحديدا بالتزامن مع تسريبات جمال عبد الناصر التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في المحروسة وخارجها؛ لأقف مذهولا من الحكمة حول اختيار عمل مسرحي لشخصية رجل أصيب بانهيار عصبي بعد نكسة 67، ليتوقف الزمن عنده في تلك المرحلة رافضا تصديق حقيقة الهزيمة، وأنه غادر المصحّة في عام 1992، وأن "ناصر" مات والحرب انتهت وكل تلك الشعارات الجوفاء التي اجترّها لسنوات وعقود ذهبت أدراج الرياح.
لكن مع تسريبات عبد الناصر وحديثه مع الزعيم الليبي معمر القذافي، ورغم كل الخيبات والكوارث التي مرت على هذه الأمة؛ يبدو أن "سعدون المجنون" ما زال حاضرا وبقوة بيننا؛ ولن يدخر أدنى مجهود في إيجاد عشرات المبررات والحجج الواهية لدحض الحقيقة "الساطعة" التي جاد بها "الزعيم" وهو ينزع القناع ليؤكد أنه لا يختلف إطلاقا على باقي "الزملاء" من "حمائم السلام" وهواة العلاقات "السرية"، طبعا في تلك الحقبة قبل أن تخرج الأمور للعلن و"على عينك يا تاجر" وتوثَّق كل العقود العرفية وتصبح رسمية في واضحة النهار.
التوقيت المدروس:
بصرف النظر عن أية نظرة لعبد الناصر وفترته؛ لا يمكن البتة تجاوز التوقيت المدروس بعناية فائقة لهذه التسريبات ونوعيتها كي تتماشى مع الخطاب الرسمي العربي الذي بات يتسلل نهارا جهارا؛ أولا لتقزيم القضية الفلسطينية وتحميل أهلها كل المسؤولية، وثانيا لتشجيع التوجه لتسليم المقاومة لسلاحها وإركاعها كي تنضم لباقي القطيع المهرول نحو أوهام الاستسلام، وكسب ود "الماما أمريكا" والكيان المدلل لها.
الغاية من التسريب واضحة وضوح الشمس؛ انظروا "للقائد الملهم" وهو يتخلى عن الفلسطينيين ولا يمانع في ركوب موجة السلام، والخلاصة وأد عصر "القومية العربية" وشعاراتها الرنانة الفضفضة، وعلى الجميع الانخراط في "زمن التطبيع" وتقديم فروض الطاعة والولاء للكيان الغاصب تحت عناوين "براقة" جاهزة للتنفيذ والطرح في الأسواق.
وللأمانة، يُحسب لنظام السيسي صاحب السجل الحافل في الزلات والكوارث أنه هذه المرة سدد ركلة متقنة في وقت قاتل، والملفت أنه استعان بأطراف من صلب ودم "ناصر" لا يجدون غضاضة في الإساءة لوالدهم والتخلي عنه مقابل بعض المناصب والمغريات؛ والمفارقة أنهم أول من قفز من مركب "الناصرية" تاركين أنصارها في حيرة من أمرهم.
أيتام ناصر:
رغم ملاحظاتي السالفة عن تلك الحقبة وأوهامها؛ لا بد من وضع الأمور في سياق أكثر اتزانا والحرص على أن حالة "العقم" التي تعيشها هذه الأمة جعلت أبناءها عرضة لتصديق ميلاد القائد الملهم القادر على انتشالها من حالة الضياع والتشرذم التي تحياها. ومن هذا المنطلق يمكن "تفهّم" حالة "الانفصام" التي عاشتها تلك الأجيال والتي استغلتها الأنظمة بمنتهى الخسة من أجل كسب ود الشعوب والتلاعب بها في شتى الاتجاهات؛ دون وجود دليل واحد ملموس على أنها حقا ماضية في بلورة تلك الشعارات العريضة والتضحية من أجل إنزالها على أرض الواقع؛ وأول تلك الأكاذيب هي المتاجرة بفلسطين وقضيتها لنيل مكاسب شخصية والتوغل في الحكم والبطش بالناس وإذلالهم. وتلك الحقيقة الدامغة التي نطق بها عبد الناصر بعظمة لسانه دون حياء ولا خجل.
ومن هذا المنطلق نختم بحوار جاء على لسان شخصية "سعدون المجنون" تلخص كل تفاصيل تلك المرحلة وتجعلنا نشفق على "أيتام ناصر" والصدمة التي عاشوها، وبسؤال مؤلم: ما المطلوب من أجيال وشعوب بين مطرقة أنظمة كانت تصدر وتبيع الأوهام وتتآمر في السر وأخرى تملك من "البجاحة" ما يجعلها ترفع راية الذل والاستسلام نهارا جهارا؟ فشتان بين كلمات "سعدون المجنون" وكيف كانت تدار الأمور في الغرف المغلقة والكواليس..
"هيرجع وهيوحد أمة العرب؛ ويمحي إسرائيل المزعومة من الخريطة؛ وهيخلينا نتفوق على روسيا وعلى أمريكا وهيبقى عندنا فعلا تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا في كل قرية عربية؛ مش هيبقى عندنا مواطن عربي فقير أو أمي، وهيأخذنا للأفراح والرفاهية وهيدينا الديمقراطية والعدل والحرية؛ وهيخلق فينا العزة والكرامة وهنطلع القمر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الناصريين المصريون عبد الناصر الفلسطينية إسرائيل مصر إسرائيل فلسطين عبد الناصر الناصريين قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
تشكيل الاتحاد أمام المحلة في الدوري
أعلن مجدى عبد العاطى المدير الفني لفريق الاتحاد السكندرى عن التشكيل الذى سيخوض به فريقه مباراة غزل المحلة المقرر لها فى الثامنة مساء اليوم على ستاد الإسكندرية ضمن مباريات الجولة السادسة من المرحلة الثانية فى دورى نايل.
وجاء التشكيل كالاتى:
حراسة المرمى: المهدى سليمان.
خط الدفاع: أحمد أيمن، مصطفى ابراهيم، محمود شبانه، محمد المغربى.
خط الوسط: كريم الديب، ناصر ناصر، عمر الوحش، اسلام سمير.
خط الهجوم: يوسف أسامه، ايمانويل.
ويتواجد على دكة البدلاء كلا من صبحى سليمان، عبد الله بكرى، سمير فكرى، إسلام مرزوق، فادى فريد، مروان داوود، فان ديريك، شكرى نجيب عبد الغنى محمد.
ويحتل الاتحاد السكندرى المركز الثالث برصيد 23 نقطة بينما يأتى المحله فى المركز السابع برصيد 20 نقطة.