دروس الاتفاق اليمني – الأمريكي والمواجهة الباكستانية – الهندية
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
لا يمكن فهم جزء كبير من التطورات السياسية في العالم، بمعزل عن التطورات الجارية في المجال العسكري، من تقدم في الأسلحة النوعية، خاصة لدى دول الجنوب وروسيا والصين، لأن كل خلل في ميزان القوى العسكري يعني خريطة جيوسياسية جديدة ستأخذ في التبلور. وفي هذا السياق، تشكّل الأحداث الأخيرة في اليمن، إلى جانب المناوشات العسكرية بين الهند وباكستان، مؤشرات تتجاوز الطابع الرمزي، لتعبّر عن تحولات واقعية وملموسة، ذات تأثير متصاعد على المشهد الإقليمي والدولي.
وفي البدء، نستعرض عددا من التطورات السياسية، التي حصلت في هذا الشأن، ما اضطر الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين في اليمن، من أجل وقف الهجمات المتبادلة، أي وقف الحوثيين استهداف السفن التجارية والعسكرية الأمريكية، مقابل تجميد البنتاغون الهجمات ضد اليمن. وكان هذا الاتفاق الذي جرى بواسطة سلطنة عمان، لافتا لسببين، الأول، أنه لم يشمل السفن الإسرائيلية بالحماية، وثانيا استثنت الولايات المتحدة من الاتفاق باقي السفن الغربية، أي اقتصر على السفن الأمريكية. وهذا الموقف يتعارض مع فلسفة انتشار الأساطيل العسكرية الأمريكية في العالم، التي تؤكد أن هدفها الرئيسي هو تأمين التجارة عبر العالم، خاصة في المعابر الاستراتيجية.
ويتجلى التطور الثاني في سرعة إيقاف المواجهات العسكرية بين الهند وباكستان، بطلب من الغرب، خاصة واشنطن، في وقت كان الرأي السائد هو استمرار هذه المواجهات لمدة أطول، والانتقال من مناوشات إلى حرب حقيقية. لماذا هذا الانتقال؟ لأن الغرب أناط بالهند مسؤولية تقزيم باكستان، كقوة عسكرية ومحاولة إذلالها لوقف تنسيقها العسكري مع الصين ومع تركيا، وربما مستقبلا مع إيران. ويجب فهم جزء من تحرش الحكومة الهندوسية بالمسلمين الهنود والباكستانيين ضمن هذا المخطط. وفي هذا الركن من الجريدة عالجت يوم 27 يناير/كانون الثاني الماضي، التعاون العسكري بين باكستان وتركيا من جهة، وبين الصين وباكستان من جهة أخرى، والقلق الذي يشكله للغرب والهند. وعلاقة بالاتفاق اليمني – الأمريكي، لا يمكن فهمه بمعزل عن فشل البنتاغون، بل الغرب برمته، في القضاء على عملية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من طرف الحوثيين. يشرف الغرب على عمليتين لضمان مرور السفن وهي «حارس الرفاهية» بزعامة البنتاغون، وقوة «أسبيديس» بقيادة فرنسا وألمانيا. ولنتأمل ما قاله قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط الأدميرال براد كوبر، خلال مارس/آذار 2024 حول العمليات الأمريكية ضد الحوثيين بأنها «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم». لقد نجح الحوثيون في إسقاط أكثر من عشر طائرات مسيرة من نوع إم كيو 9، التي تعتبر تاج الدرونات الأمريكية، ستة منها خلال الشهرين الأخيرين. ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تعترض البنتاغون تحديات عسكرية في أي حرب ومنها العراقية، في عامي 1991 و2003، مثل الحرب ضد اليمن بقيادة الحوثيين. لقد كان الرئيس دونالد ترامب يهدد بأقسى الردود العسكرية ضد الحوثيين، وانتهى أمام الواقع إلى الرهان على الحوار.
لقد نجح الحوثيون، رغم عنف القصف الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، في جعل البوارج العسكرية الأمريكية تتمركز بعيدا جدا عن سواحل اليمن، وفق الخرائط التي ينشرها المعهد البحري الأمريكي، المتخصص في البحرية الأمريكية، ليكون لها وقت أكبر للمناورة عندما يطلق الحوثيون صواريخهم. ويوجد غموض حول إسقاط الحوثيين مقاتلات إف 18، بينما يقدم البنتاغون تفسيرات غير مقنعة حتى الآن في هذا الشأن. وبدأت أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي والإسرائيلي تفشل في اعتراض الصواريخ فرط صوتية اليمنية، علما أن اليمن الآن يجد صعوبة في إطلاق الصواريخ، بسبب المراقبة الدقيقة للرادارات والأقمار الاصطناعية، لكن التكهن العسكري يؤكد أنه كما ينجح الحوثيون الآن في إسقاط إم كيو 9 بسهولة، فسينجحون في تسديد ضربات دقيقة بالصواريخ فرط صوتية بعد إصلاح الخلل في التصويب، وطريقة تفادي كثرة الصواريخ الاعتراضية. كما تبرز هذه الحرب أنه رغم الخسائر التي يتكبدها اليمنيون في الوقت الراهن، فهم سيؤمنون مستقبلا قادرا على الوقوف في وجه الاعتداءات لعقود طويلة. ويمكن الاستشهاد بالتاريخ الغربي، فقد خسر الغربيون كثيرا في الحرب العالمية الثانية، منها ملايين من الأرواح والتدمير في المدن، وذلك لكي ينعموا بعقود من الاستقرار. والآن يعتقدون أنه يجب التضحية كثيرا في الحرب الأوكرانية – الروسية لكي يتجنبوا الخطر الروسي لعقود مقبلة.
علاقة بملف الهند وباكستان، يتحدث الخبراء والمهتمون بالخسائر الهندية في المواجهة مع باكستان ومنها، إسقاط الجيش الباكستاني لمجموعة من الطائرات المسيرة من صنع إسرائيلي، ثم إسقاط ما بين واحدة إلى ثلاث مقاتلات رافال الفرنسية التي تعتبر من أهم المقاتلات العالمية. ونجح الباكستانيون في إسقاطها بفضل المقاتلة الصينية تشنغدو 10 وصاروخ PL-15E ويمكن تلخيص آراء الخبراء، فيما نشره موقع «ذي أفيونيست» المتخصص في الطيران الحربي، بأن إسقاط رافال هو تنبيه إلى الصناعة العسكرية ليس الفرنسية وإنما الغربية برمتها، من التقدم الصيني المذهل في مجال تصنيع الأسلحة. ويبرز موقع «أرمي ريكونيشن» كيف أن باكستان تلعب بذكاء بالاستثمار في الصواريخ الدقيقة والحرب الإلكترونية، وكيف أن هذه المواجهة تكشف مسبقا من سيهيمن على أجواء آسيا مستقبلا.
إن التطورات الأخيرة، بدءاً من الاتفاق الأمريكي – اليمني، مروراً بنتائج المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان، تمثل مؤشرات قوية على أن التقدم في صناعة السلاح، واقتناءه بذكاء، أصبحا من أهم عوامل الصمود في خريطة جيوسياسية بات فيها القانون الدولي مسألة ثانوية، ليحل محله منطق القوة العسكرية. وفي ظل هذه التحولات، أصبحت المواجهات العسكرية من هذا النوع تدفع العديد من دول العالم، لاسيما دول الجنوب ذات الميزانيات المحدودة، إلى المراهنة على السلاح، الذي يحمل العلامات التركية، الصينية، الإيرانية، أو الباكستانية، بدلاً من الاعتماد على السلاح الغربي الباهظ الثمن، الذي غالباً ما يكون مشروطاً بشروط استخدام مجحفة.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه باكستان الصين الحوثيون امريكا الصين باكستان الحوثيون مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهند وباکستان فی هذا
إقرأ أيضاً:
من فوق ركام الهزيمة .. العدو الصهيوني ممسكاً بالذراع الأمريكية لخوض مغامرة استخبارية في اليمن
يمانيون / تحليل / خاص
في تطور لافت على مسرح المواجهة بين إيران وكيان العدو الصهيوني وتأثيراته على المستوى الإقليمي والعالمي ، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا متزايدة على كيان العدو لوقف إطلاق النار مع إيران، بعد التصعيد الصاروخي الواسع والموجع الذي شنّته الجمهورية الإسلامية الإيرانية ردًا على العدوان الصهيوني الأمريكي . ويأتي هذا التحرك الأمريكي في ظل معادلة عسكرية جديدة فرضتها إيران على “كيان العدو الصهيوني”، ما استدعى من واشنطن إعادة وضع خطة انسحاب تكتيكي للخروج بهذا المستوى من الهزيمة والحد من الخسائر، وخشية من تحوّل الموقف إلى حرب شاملة قد تطيح بما تبقى من نفوذها وهيبتها في الإقليم.
السبب الحقيقي: حماية الكيان من الانهيار الاستراتيجي
رغم ادعاءات “كيان العدو الصهيوني” وواشنطن أنها دمرت البرنامج النووي الإيراني، إلا أن تقارير استخبارية وإعلامية متقاطعة تشير إلى أن حجم الدمار الذي تسببت به الضربات الإيرانية الدقيقة، لا سيما على مستوى البنى التحتية العسكرية والمطارات، فرض على واشنطن التعاطي ببراغماتية واضحة، إذ لا يحتمل “كيان العدو” حرب استنزاف طويلة، ولا تمتلك الجبهة الداخلية الصهيونية المناعة اللازمة في ظل حالة الانقسام السياسي والانهيار المعنوي الذي يعيشه الكيان منذ 7 أكتوبر.
وبحسب معطيات هذه المعركة ، فإن إيران استطاعت إفشال الهجوم الصهيوأمريكي المشترك عبرهجوم مضاد حققت من خلاله انتصارات استراتيجية على كل المستويات الاستخبارية والعسكرية، هذا الفشل العسكري والاستخباري الفاضح دفع واشنطن إلى التحرك العاجل لكبح التصعيد، ومحاولة إنقاذ “إسرائيل” من مزيد الضربات الإيرانية المدمرة.
17 طائرة أمريكية وغربية… دعم عاجل أم رسالة تهدئة؟
في سياق متصل، أكدت تقارير استخبارية موثوقة وصول 17 طائرة أمريكية وأوروبية محملة بالسلاح والذخيرة إلى “إسرائيل”، في محاولة لتعويض الخسائر الكبيرة في الترسانة، خصوصًا في مجال الدفاعات الجوية واعتراض الصواريخ. هذه الإمدادات وإن بدت دعمًا استراتيجيا، إلا أنها تعكس حالة الهشاشة العسكرية لكيان الاحتلال بعد تلقيه ضربات غير مسبوقة.
اليمن في قلب الاستهداف.. وحرب استخبارية تلوح في الأفق
في مقابل هذا الإرباك الميداني جراء الهزيمة ، بدأ “العدو الصهيوني” بتحريك خطط بديلة، وأهمها التوجه نحو اختراق الساحة اليمنية استخباريًا. فاليمن، الذي تحوّل إلى جبهة فعالة تضغط على المصالح الغربية في البحر الأحمر، بات هدفًا أمنيًا ملحًا للكيان، يسعى عبره لزرع خلايا تجسس، وإيجاد موطئ قدم يمكنه من التأثير في خطوط الملاحة وقطع خطوط الدعم للمقاومة.
لكن اللافت أن هذا التوجه الصهيوني تجاه اليمن لا يتم بعيدًا عن التنسيق الأمريكي، بل يُعد جزءًا من خطة أوسع لاعتماد العمل الاستخباري غير المباشر في الساحات التي لا يمكن الوصول إليها عسكريًا، في ظل الردع المتبادل مع إيران وبقية دول محور المقاومة ، ووقوفاً على الطريقة والأسلوب الذي تعتمده القيادة اليمنية في الصراع مع العدو الصهيوأمريكي فإن هذا المخطط مغامرة أخرى سيدفع ثمنها غالياً .
إعادة تموضع أمريكي
ما يجري الآن يمكن وصفه بانسحاب أمريكي تكتيكي، لإعادة تموضع استراتيجية، عنوانها: تقليل الخسائر، واحتواء التصعيد، والعمل في الظل، إلى حين امتصاص صدمة الهزيمة والصلابة التي أبدتها إيران في المواجهة مع العدوان الصهيوأمريكي ، وهو ما يؤكد أن واشنطن أدركت أن هذه الحرب ستكلفها الكثير في هذه المرحلة، خصوصاً وأن برنامجها لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي لم ينتهي بعد وهو ما قد يؤدي بها الى انهيار إقتصادي تنتظره ’’الصين’’ بفارغ الصبر لتوجه ضربتها القاضية .
خاتمة
ما يظهر للعلن كضغوط أمريكية للعدو الصهيوني لوقف إطلاق النار، يخفي في طياته تراجعًا استراتيجيًا فرضته الوقائع الميدانية والانتصارات الإيرانية، ومن خلال محاولة اختراق اليمن أمنيًا، يسعى “كيان العدو” وواشنطن إلى فتح جبهات ناعمة لإضعاف خصومهم بعيدًا عن المواجهة المباشرة التي لم تعد تصب في صالحهم.