بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

شهد العصرُ الحديث تطورًا ملحوظًا في مفهوم العنصرية وتجلياتها في المجتمعات العربية والعالمية. فمع انتشار الأفكار التنويرية وحركات حقوق الإنسان والمساواة، أصبحت العنصرية موضوعًا للنقد والرفض في الخطاب الثقافي والأدبي. وقد تزامن ذلك مع تحولات سياسية واجتماعية كبرى في العالم العربي، مثل حركات التحرر من الاستعمار، وظهور القومية العربية، وبروز قضايا جديدة مثل الصراع العربي الإسرائيلي.

في هذا السياق، اتخذت العنصرية في الشعر العربي الحديث والمعاصر أبعادًا جديدة، فلم تعد مُقتصرة على التمييز على أساس اللون أو النسب، كما كان الحال في العصور السابقة، بل امتدت لتشمل أشكالًا أخرى من التمييز، مثل التمييز على أساس الدين أو الانتماء السياسي أو الهوية الوطنية. كما ظهرت أصوات شعرية تناهض العنصرية وتدعو إلى المساواة والعدالة، مُتأثرة بحركات حقوق الإنسان العالمية.

من أبرز التحولات في موضوع العنصرية في الشعر العربي الحديث والمعاصر، ظهور شعراء من أصول أفريقية يعبرون عن معاناتهم من التمييز العنصري، مثل الشاعر السوداني محمد الفيتوري. كما برزت قضية العنصرية ضد الفلسطينيين كموضوع رئيسي في الشعر العربي المعاصر، خاصة في أعمال الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

ويعد محمد الفيتوري، المُتوفى عام 2015، من أبرز الشعراء العرب الذين تناولوا موضوع العنصرية في أشعارهم. ولد الفيتوري في السودان لأب ليبي وأم مصرية من أصول سودانية، وعاش طفولته وشبابه متنقلًا بين عدة بلدان عربية، مما جعله يتعرض لأشكال مختلفة من التمييز العنصري.

تميز شعر الفيتوري بالتعبير عن مُعاناة السود من التمييز العنصري، ليس فقط في العالم العربي، بل في العالم أجمع. وقد تأثر في ذلك بحركة الزنوجة الأدبية (Négritude) التي ظهرت في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي دعت إلى الاعتزاز بالهوية الأفريقية ومقاومة العنصرية.

من أشهر دواوين الفيتوري التي تناولت موضوع العنصرية "أغاني أفريقيا" و"عاشق من أفريقيا". وفي هذه الدواوين، عبر الفيتوري عن معاناة السود من الاستعمار والعنصرية، ودعا إلى التحرر والمساواة. ومن أبرز قصائده في هذا السياق قصيدة "إلى أفريقيا"، التي يقول فيها:

"أفريقيا...

يا أمي الحزينة

يا قارة مثقلة بالجراح

يا قارة مثقلة بالدموع

يا قارة مثقلة بالدماء".

في هذه القصيدة، يصور الفيتوري معاناة القارة الأفريقية من الاستعمار والعنصرية، ويعبر عن تضامنه معها كابن لها.

ومن أبياته الشهيرة التي تعكس معاناته الشخصية من العنصرية:

يسيرُ فتسخر منه الوجوه // وتسخرُ حتى وجوهُ الهموم

في هذا البيت، يصور الفيتوري معاناة الإنسان الأسود من نظرات السخرية والاحتقار التي يواجهها في حياته اليومية، حتى أن همومه نفسها تسخر منه، في إشارة إلى عمق المعاناة النفسية التي يسببها التمييز العنصري.

وفي قصيدة أخرى بعنوان "أنا أسود"، يعبر الفيتوري عن اعتزازه بلونه وهويته الأفريقية، رغم كل أشكال التمييز العنصري:

"أنا أسود

وأحب لوني

لأنه لون الليل الجميل

ولون الأرض الطيبة

ولون كل ما هو أصيل".

في هذه القصيدة، يتحدى الفيتوري النظرة العنصرية التي تحتقر اللون الأسود، ويؤكد على جماله وأصالته، مرتبطًا بجمال الليل وطيبة الأرض.

أما محمود درويش، المُتوفى عام 2008، فيُعد من أبرز الشعراء العرب المعاصرين الذين تناولوا موضوع العنصرية في أشعارهم، خاصة العنصرية ضد الفلسطينيين. ولد درويش في قرية البروة في فلسطين، وعاش تجربة التهجير والاحتلال، وقد واجه أنواعا شتى من التجارب العنصرية.

تميز شعر درويش بالتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال والتمييز العنصري، ودعوته إلى المقاومة والصمود. وقد استخدم درويش الشعر كأداة للتعبير عن هوية الفلسطيني المقاوم، وللدفاع عن حقه في الوجود والحرية.

من أشهر قصائد درويش التي تناولت موضوع العنصرية ضد الفلسطينيين قصيدة "بطاقة هوية"، التي كتبها عام 1964، والتي يقول فيها:

"سجل أنا عربي

ورقم بطاقتي خمسون ألف

وأطفالي ثمانية

وتاسعهم سيأتي بعد صيف

فهل تغضب؟".

في هذه القصيدة، يتحدى درويش السياسات العنصرية الإسرائيلية التي تحاول طمس الهوية الفلسطينية، ويؤكد على حقه في الانتماء إلى أرضه وشعبه.

ومن قصائده الشهيرة أيضًا "عابرون في كلام عابر"، التي يرد فيها على الخطاب الصهيوني الذي يصور الفلسطينيين مجرد عابرين في أرضهم:

"أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا

واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا

أنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء".

في هذه القصيدة، يرفض درويش الخطاب العنصري الذي ينكر حق الفلسطينيين في أرضهم، ويؤكد على عمق ارتباطهم بها.

وقد تعرض شعر درويش نفسه للتمييز العنصري، حيث فرضت إسرائيل حظرًا على قصائده في مناهج التعليم للفلسطينيين في مناطق 48، في محاولة لطمس الهوية الثقافية الفلسطينية.

إلى جانب محمد الفيتوري ومحمود درويش، هناك شعراء عرب معاصرون آخرون تناولوا موضوع العنصرية في أشعارهم، كل من زاويته الخاصة.

ومن الشعراء العرب المعاصرين الذين تناولوا موضوع العنصرية أيضًا أمل دُنقل، المتوفى عام 1983، الشاعر المصري الذي عرف بشعره السياسي المقاوم والمُلقَّب بـ"شاعر الرفض". ومن أشهر قصائده التي تناولت موضوع العنصرية والتمييز قصيدة "لا تُصالح"، التي يقول فيها:

"لا تُصالِحْ

ولو منحوكَ الذهب

أترى حين أفقأُ عينيك

ثم أثبتُ جوهرتينِ مكانَهما

هل ترى؟

هي أشياء لا تشترى".

في هذه القصيدة، يرفض دُنقل التصالح مع الظلم والتمييز، ويؤكد على أن الكرامة والحرية قيم لا تقدر بثمن.

ومن الشعراء العرب المعاصرين الذين تناولوا موضوع العنصرية أيضًا نِزار قباني، المتوفى عام 1998، الشاعر السوري الذي عرف بشعره السياسي والاجتماعي. ومن قصائده التي تناولت موضوع التمييز والظلم قصيدة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، التي يقول فيها:

"متى يعلنون وفاة العرب؟

لقد مات منا الكلام

ومات الأدب

ومات الضمير

ومات الغضب".

في هذه القصيدة، ينتقد قباني حالة الضعف والهوان التي وصل إليها العرب، ويدعوهم إلى استعادة كرامتهم ومقاومة الظلم والتمييز.

العنصرية في الشعر العربي الحديث والمعاصر تجلت كقضية إنسانية عميقة، حملها الشعراء في أصواتهم ووجدانهم، فصارت القصيدة مساحة للمواجهة وكشف الخلل الأخلاقي في واقع لا يساوي بين البشر. عبر الكلمة، سعى الشعر إلى استعادة الكرامة، وإلى بناء معنى أكثر عدلًا للانتماء والهوية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المهندس مجدي درويش: المركز الطبي المصري الجديد أصبح علامة مميزة في جامبيا

قال المهندس مجدي درويش، العضو المنتدب للشركة المصرية الأفريقية للمشروعات التنموية، إن مشروع المركز الطبي المصري في جامبيا يمثل خطوة مهمة لتعزيز دور مصر في دعم التنمية في غرب إفريقيا.

وأضاف درويش، خلال لقاء خاص مع الإعلامية بسنت أكرم، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن مصر لها تاريخ طويل من المشروعات التنموية في إفريقيا، لكن غرب إفريقيا شهدت فترة من التراجع في هذا المجال، موضحًا أن إنشاء المستشفى أصبح علامة مميزة في جامبيا، حيث يعكس ثقة السكان في الأطباء المصريين والأدوية المصرية المستخدمة في المستشفى، مؤكدا أن المشروع سيؤثر إيجابيًا على العلاقات بين مصر والدول الإفريقية، كما يعزز مجالات السياحة العلاجية لمَن يرغب في العلاج في مصر.

وتطرق درويش إلى تعاون المواطنين في جامبيا خلال مراحل بناء المستشفى، مشيدًا بصبرهم ودعمهم طوال فترة المشروع، واصفًا الإنجاز بأنه حلم تحقق بفضل تعاونهم.

وأوضح المهندس مجدي درويش أن الشركة المصرية الأفريقية لا تقتصر على المشروعات الطبية، بل توسعت أيضًا في مجالات أخرى، أبرزها قطاع الدواجن، حيث تم إنشاء مزرعة لإنتاج البيض في جامبيا تعمل منذ أربع سنوات، وصل إنتاجها الحالي إلى أكثر من 10 ملايين بيضة سنويًا، مع خطط لزيادة الإنتاج إلى 35 مليون بيضة في منتصف 2026، وهو رقم يكفي لتلبية احتياجات البلاد.

شاهد الفيديو 

مقالات مشابهة

  • المهندس مجدي درويش: المركز الطبي المصري الجديد أصبح علامة مميزة في جامبيا
  • فطريات فروة الرأس… كيف تنتقل وما هي أعراضها؟
  • وتريات الأسكندرية تستعيد ذكريات موسيقى البيتلز بسيد درويش
  • وتريات الإسكندرية تستعيد ذكريات موسيقى البيتلز بسيد درويش
  • ذكرى رحيل يحيى حقي .. أيقونة الأدب العربي التي لا تغيب
  • اليوم.. الزمالك يواجه كهرباء الإسماعيلية في كأس عاصمة مصر بـ الناشئين
  • عبد الرحمن يوسف.. حين يُختطفُ صوتُ الشعر من أمَّته
  • بيراميدز يشكو ثلاثي التحكيم سيد منير ومحمد العتباني ومحمود رشدي
  • كمال درويش: الزمالك سيموت حال عدم توافر ارض بديلة
  • كمال درويش: الزمالك «سيموت» حال عدم توافر أرض بديلة