4 خطوات عاجلة يجب اتخاذها من أجل أطفال غزة
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
منذ أكثر من شهرين من الإغلاق المطبق على قطاع غزة، يستمرّ الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخال المساعدات إلى أهالي القطاع، حارمًا أكثر من مليونَي إنسان من أبسط مقومات الحياة. فبينما تُلقي الطائرات قنابلها في كل مكان، يُحكم الاحتلال إغلاقه للمعابر، ليجد السكان أنفسهم محاصرين بين الموت العاجل، والمجاعة البطيئة، وفي مقدمتهم الأطفال، والنساء الحوامل، والمرضعات، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقانونية.
قبل اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت مؤشرات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل في غزة مرتفعة، فوَفق تقارير أممية، بلغت نسبة سوء التغذية المزمن لدى الأطفال دون سن الخامسة حوالي 10 إلى 11%، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 2% لدى دولة الاحتلال، و7% في المعدل العالمي.
ونسبة الهزال الحاد بين الأطفال بلغت 0.8%، وهي أعلى من المعدل لدى الاحتلال البالغ 0.5%، أما نسبة فقر الدم بين النساء الحوامل، فتجاوزت 35% في غزة، مقارنة بـ 14% في دولة الاحتلال. ورغم أن نحو 68% من الأسر كانت تعاني من انعدام الأمن الغذائي، فإن تدخلات المنظمات الدولية ساعدت في تأمين جزء من احتياجات الأطفال والحوامل التغذوية، خاصة عبر برامج التغذية المدرسية، بينما ظلت إسرائيل تمارس القيود المشددة على إدخال المواد الغذائية، خاصة تلك الضرورية لتغذية الأم والطفل.
إعلان أثناء الحرب: انهيار منظومة التغذية العلاجيةمنذ بداية الحرب، تعرّضت منظومة التغذية العلاجية والتكميلية في قطاع غزة لانهيار شامل. يُظهر تقرير مجموعة التغذية في غزة لشهر يناير/ كانون الثاني 2025 أرقامًا مروعة: أكثر من 15% من الأطفال دون الخامسة يعانون من الهزال الحاد، و90% منهم لا يحصلون على الحد الأدنى من التنوع الغذائي. كما ارتفعت معدلات فقر الدم بين الأطفال إلى 77%.
ومع الإغلاق التام للمعابر، أظهرت بيانات الجهات الصحية في غزة أن أكثر من 70 ألف طفل أُدخلوا إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، وأن 60 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من نقص شديد في العناصر الغذائية الأساسية دون تلقي أي علاج.
الأطفال اليوم يواجهون خطر الموت جوعًا، فقد توفي منهم ما يزيد عن 53 طفلًا جوعًا، ويُقدر عدد الذين يعانون من الجوع بأكثر من 1.1 مليون طفل.
إلى جانب ذلك، تشير الإحصاءات المحدثة إلى أن ما لا يقل عن 18.000 طفل استُشهدوا منذ بدء العدوان، بينهم مئات الرضّع، كما استُشهدت أكثر من 830 سيدة حاملًا ومرضعًا؛ نتيجة القصف المباشر، أو بسبب نقص الرعاية الصحية والغذائية.
أما النساء الحوامل والمرضعات الباقيات على قيد الحياة، فقد وصل عددهن إلى أكثر من 150 ألف سيدة يواجهن خطر الموت أو الولادة المبكرة أو الإجهاض؛ بسبب نقص المناعة وسوء التغذية. وقد سُجلت زيادة بنسبة 300% في حالات الإجهاض، كما أن نسبة تشوهات الأجنة بلغت 25%؛ نتيجة للتعرض للغازات السامة والنقص الحاد في الغذاء والمكملات.
ولا يزال الاحتلال يمنع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية منذ أكثر من شهرين. تشير البيانات إلى أن العجز في الغذاء العلاجي للأطفال والحوامل والمرضعات يتجاوز 95%، بينما تغيب أي شحنات أو تدخلات دولية ملموسة رغم النداءات الإنسانية المتكررة. هذا الواقع جعل كل محاولة لإنقاذ الأطفال وحديثي الولادة بلا جدوى، في ظل نقص حاد في الحليب المخصص لهم، وعدم توفر أي وسيلة للكشف المبكر عن حالات سوء التغذية أو تشوهات الأجنة.
إعلان التجويع انتهاك صارخ للقانون الدولييمثل هذا الوضع انتهاكًا فاضحًا للمعايير الإنسانية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، واتفاقيات جنيف، التي تحظر استخدام الجوع كوسيلة حرب، واتفاقية حقوق الطفل التي تؤكد على حق الطفل في الغذاء والرعاية الصحية. كما أن هذا الحصار يشكّل خرقًا للمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن حقّ كل إنسان في الغذاء الكافي والصحة، خصوصًا للنساء الحوامل والمرضعات والأطفال.
عواقب طويلة الأمد تهدد الأجيالالجوع في غزة لا يقتل فقط، بل يترك آثارًا بعيدة المدى. الأطفال الذين ينجون من هذه المجاعة سيعانون من تأخر في النمو الجسدي والعقلي، وانتشار التقزم وفقر الدم، فغياب التغذية السليمة في المراحل المبكرة من حياة الطفل، يقوّض قدراته المستقبلية، ويخلق فجوة تنموية لا يمكن تعويضها. والنساء الحوامل اللواتي يُحرمن من الغذاء والمكملات يلدن أجيالًا ضعيفة صحيًا وجسديًا، مع ارتفاع نسبة التشوه في الأجنة والولادة المبكرة والإجهاض.
ما الذي يمكن فعله الآن؟أمام هذه المأساة، هناك خطوات يمكن اتخاذها على الفور:
دوليًا: يقع على عاتق الأمم المتحدة تأمين ممر إنساني دائم، وعلى منظمة التعاون الإسلامي قيادة تحرك قانوني جماعي. كما يجب على جامعة الدول العربية إنشاء صندوق طارئ لدعم التغذية، ويجب على مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية محاسبة الاحتلال على جريمة تجويع الأطفال والنساء. إسعافيًا: تشغيل المطابخ المجتمعية، وتوزيع الحليب والمكملات المتوفرة على الأطفال والحوامل، وتفعيل الزراعة المنزلية، وتوزيع ما تبقى من الموارد بإشراف صحي دقيق. إغاثيًا: ينبغي تجهيز شحنات غذائية عاجلة تتضمن حليب الأطفال، وأغذية علاجية جاهزة، ومكملات للحوامل والمرضعات، مع عيادات متنقلة للرعاية. إنعاشيًا: إعداد خطة إنقاذ وطنية لإعادة بناء منظومة الغذاء: من الزراعة المستدامة إلى دعم المخابز، وتوفير الغذاء المدرسي والتطعيمات والمكملات الغذائية. إعلانفي غزة، الجوع يفتك بالأطفال والحوامل والمرضعات أمام مرأى العالم. هذه ليست مجرّد أزمة غذاء، بل هي جريمة مكتملة الأركان تُرتكب بصمت. لا بد من تحرك عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فكل تأخير هو موت جديد لطفل بريء، أو أم حملت حُلم الحياة ولم تجد من يمنحها غذاء البقاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحوامل والمرضعات سوء التغذیة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
أطفال غزة يدفعون ثمن الحرب الأكثر دموية في العصر الحديث
بعد قرابة 19 شهراً من الحرب، تؤكد التقارير أن أكثر من 17,500 طفل قد قُتلوا، وأصيب أكثر من 34,000 طفل آخرين، فيما تعرّض نحو مليون طفل للنزوح المتكرر، وجرى حرمانهم من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك التعليم، والغذاء، والرعاية الطبية. اعلان
منذ استئناف إسرائيل هجماتها العسكرية المكثفة على قطاع غزة أواخر مارس/آذار الماضي، تعكس الأرقام ارتفاعا مطردا في عدد الضحايا من الأطفال. وفقًا لإحصائية صادرة عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بلغ عدد الصغار الذين قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي 927 طفلاً، بينما تعرض مئات آخرون لإصابات بالغة.
وتكشف التقارير الميدانية أن انهيار وقف إطلاق النار والتصعيد في القصف الجوي والعمليات البرية أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين بمعدلات مُروّعة. فخلال عشرة أيام فقط، على سبيل المثال، قُتل ما يزيد عن 322 طفلاً وأُصيب 609 آخرون، بمتوسط يقترب من 100 طفل يوميًا بين قتيل وجريح.
هذه الأرقام تؤكد مرة أخرى التداعيات الكارثية للتصعيد العسكري على المدنيين، وخاصة الأطفال، الذين يشكلون النسبة الأكبر من الضحايا في ظل استمرار العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر. معظم هؤلاء هم من الأطفال النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو منازل مدمّرة تفتقر إلى أبسط مقومات الأمان.
ومع تجدّد القصف العشوائي العنيف، فإن الحظر الكامل على دخول الإمدادات الإنسانية، والذي يدخل شهره الثالث، يُفاقم من تدهور الأوضاع، ويُعرّض نحو مليون طفل في غزة إلى خطر جسيم.
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، كاثرين راسل: "كان وقف إطلاق النار في غزة شريان حياة ضرورياً لأطفال غزة وأملاً في طريق للتعافي. لكنهم يجدون أنفسهم مجدداً في قلب دوامة الحرمان والعنف المميت. يجب على جميع الأطراف إعمال التزاماتها بحماية الأطفال التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني".
لا غذاء ولا تعليموبعد قرابة 19 شهراً من الحرب، تؤكد التقارير أن أكثر من 17,500 طفل قد لقوا مصرعهم، وأصيب أكثر من 34,000 طفل آخرين، فيما تعرّض نحو مليون طفل للنزوح المتكرر، وجرى حرمانهم من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك التعليم، والغذاء، والرعاية الطبية.
أما فيما يخص التعليم، فقد أُجبر أكثر من 625,000 طفل على التوقف عن الدراسة، بعد أن تحولت 88% من المدارس إما إلى أنقاض أو ملاجئ تأوي النازحين. ولم تعد هناك بيئة تعليمية آمنة.
من جانبها قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة إن أكثر من 90% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما سُجلت بالفعل حالات وفاة بين الأطفال نتيجة الجوع ونقص الحليب والماء الصالح للشرب
يتحدث الطفل عبد الله الشخريت (12 عاماً) بحرقة عن معاناته اليومية بعد نزوحه من رفح إلى خيمة وسط قطاع غزة، حيث يروي كيف تحولت حياته إلى صراع من أجل البقاء.
يقول الشخريت: "قبل الحرب، كانت حياتنا طبيعية، دون مشاكل تذكر. أما الآن، فأبدأ يومي مع الفجر بجمع الحطب والأوراق لإشعال النار، ثم أقطع أكثر من كيلومتر لجلب مياه الشرب، وحدي دون مساعدة أحد".
ويضيف: "أقف ساعات طويلة أمام مراكز الإغاثة لأحصل على وجبة لا تكفي عائلتي، غالباً ما تكون أرزاً أو فاصولياء، إن توفرت أصلاً".
بمرارة، يستذكر الشخريت حياته السابقة وعلاقاته بأقرانه، ويتمنى أن تنتهي الحرب ليعود إلى طفولته الضائعة: "كل ما أريده هو حياة طبيعية، كأي طفل في عمري".
بدوره يصف محمود الزهار (13 عاماً) النازح من منطقة المغراقة، ليحكي بمرارة عن طفولة ضائعة بين النزوح المتكرر ومهام البقاء اليومية التي لا تناسب عمره. يقول: "قبل الحرب، كانت حياتي طبيعية، لا ينقصها شيء سوى أحلام الطفولة. أما اليوم، فأركض طوال النهار بحثاً عن الماء والحطب، وأقف ساعات طويلة أمام مراكز الإغاثة للحصول على وجبة لا تكاد تسد جوعنا".
ويضيف الزهار، الذي اضطر لاستخدام البلاستيك كوقود لإشعال النار، أنه تعرض لتسمم أدخنة أدخله المستشفى بسبب أزمة تنفسية حادة: "لم أعد أتحمل رائحة الدخان، لكن ما الخيار؟ لا يوجد غاز ولا كهرباء".
في خيمة مجاورة بمدرسة الصلاح، يقاسم إسماعيل أبو حسان (12 عاماً) الزهار ذات المعاناة. يروي أبو حسان، وهو يغالب دموعه، كيف تحول منزله في المغراقة إلى ركام خلال العملية العسكرية الإسرائيلية: "أتذكر كل تفصيل في بيتنا، النوافذ، الفراش، صورنا على الجدران... كلها انتهت بقصف واحد".
وعن واقعه الحالي، يقول: "النزوح صعب، لكن الأصعب أنني لا أستطيع الدراسة. أيام المدرسة أصبحت ذكرى، والكتب تحت الأنقاض". رغم ذلك، يرى أن وضعه "تحسن نسبياً" بعد عودة بعض النازحين إلى منازلهم، بينما هو لا يجد مكاناً يعود إليه: "البعض لديهم بيوت مدمرة يمكن إصلاحها، أما أنا فلا أعرف حتى أين سأنام غداً".
تبقى شهادات الزهار وأبو حسان نموذجاً مصغراً لواقع مئات آلاف الأطفال النازحين في غزة، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. حيث تحولت المدارس إلى ملاجئ مكتظة، وفقد 80% من الأطفال انتظامهم الدراسي، بينما يعاني 90% من انعدام الأمن الغذائي.
يقول عبد الرحمن جبر، مسؤول الإغاثة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا): "هؤلاء الأطفال يحملون أعباء تفوق عمرهم بعشرات السنين. الحرب لم تسرق منهم منازلهم فحسب، بل سرقت براءتهم ومستقبلهم".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة