هل تراجعت حدة خطاب ترامب حيال إيران أثناء زيارته للمنطقة؟
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
طهران- بينما ألقت الجولة الخليجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب بظلالها على المشهد الإقليمي حظيت خطاباته في الدول الثلاث (قطر والسعودية والإمارات) بتفاعل واسع بين الإيرانيين الذين رأوا في مواقفه تجاه بلادهم مؤشرا على اطلاعه بما يشغل الرأي العام والأوساط السياسية بطهران.
وفي مشهد يعكس خطورة الملفات الخلافية بين طهران وواشنطن ينقسم الإيرانيون في قراءة مواقف ترامب في محطاته الخليجية الثلاث، حيث تفاوتت نبرته بين القساوة والمرونة، والتهكم والجدية، والدعوة للاتفاق والتحذير من المماطلة، مما يطرح تساؤلات عن دوافع تحول الملف الإيراني إلى جزء ثابت في خطاباته الخليجية.
ويعتقد طيف من المراقبين في طهران أن مواقف ترامب حيال بلادهم كانت "صادمة"، ولا سيما في محطته الأولى، حيث انتقد الإدارة الداخلية وعزف عن الأزمات الاقتصادية والبيئية، في حين تحدث بشكل مباشر عن هموم الشارع الإيراني الذي يعاني عجزا في المياه وتزايد انقطاع الكهرباء ويطالب بحلول ملموسة.
رد رسميرسميا، صب المسؤولون الإيرانيون جام غضبهم على العقوبات الأميركية التي عرقلت عجلة الاقتصاد وكبدته خسائر فادحة، وألقوا باللوم على ترامب لتجاهله تأثير هذه العقوبات على معيشة المواطن الإيراني.
إعلانمن ناحيته، رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان "تهديدات" ترامب لبلاده، واعتبرها "نابعة من جهله بالإيرانيين" علی حد وصفه، مضيفا أن الرئيس الأميركي اتهم إيران بزعزعة استقرار المنطقة "فيما أميركا هي التي قتلت 60 ألف طفل وامرأة في غزة".
كما اتهمت الخارجية الإيرانية الرئيس الأميركي بـ"تحريف الحقائق"، وقالت في بيان لها إنه طرح "مزاعم كاذبة ومضللة لبث الفرقة بهدف "التستر على كارثة الإبادة الجماعية في غزة وبقية جرائم كيان الاحتلال في لبنان وسوريا واليمن".
أما وزير الخارجية عباس عراقجي فقد استغل تصريحات ترامب في دول الخليج لتذكيره بأن "العقوبات الأميركية طوال أكثر من 4 عقود وتهديداتها العسكرية، وغيرها عرقلت تطور الشعب الإيراني وسببت له مشكلات اقتصادية عديدة".
اعتراف بالقوةمن ناحية أخرى، يلمس السفير الإيراني الأسبق في ليبيا جعفر قناد باشي اعترافا غير مباشر بقوة إيران في خطاب ترامب "في سياق سردية العدو القوي"، إذ أشاد بقدراتها العسكرية من جهة، وتراجع عن عزمه "تحريف تسمية اسم الخليج"، علی حد قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت يقرأ باشي "مناشدة ترامب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من أجل التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وحديثه عن اقتراب طرفي المفاوضات النووية من اتفاق"، في إطار المساعي الأميركية لتسجيل انتصار لترامب بعد تراجعه أمام الإرادتين الروسية والصينية وإخفاقه في وقف العدوان على غزة.
وخلص إلى أن "سياسة التخويف من اقتراب إيران من صنع قنبلة نووية وإن كان ترامب قد طرحها لشيطنة طهران وتقديمها كتهديد للجوار لكنها اعتراف ضمني من الرئيس الأميركي بقدرة إيران".
وقال باشي إن "كلمة إيران وردت نحو 100 مرة في خطابات ترامب الخليجية، مما يؤكد أن اللغز الإيراني يشكل كابوسا للإدارة الأميركية التي انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018 وتبذل ما بوسعها للعودة إليه بعد مرور 7 أعوام".
إعلان صرخة الشعبوبينما انخفضت حدة خطاب ترامب حيال إيران في المحطتين الأخيرتين من جولته الخليجية تلمس شريحة أخرى مؤشرات إيجابية في حديث الرئيس الأميركي الذي لوّح بغصن الزيتون وأبدى رغبة بحلحلة القضايا الشائكة مع طهران، منتقدة الرد الإيراني الرسمي "الذي لم يأخذ صرخة الشعب بعين الاعتبار".
ويرى الكاتب السياسي حميد آصفي أن الأهم في خطاب ترامب الصريح ولهجته القاسية تجاه الجمهورية الإسلامية أنه "كان واقعيا وأظهر دراية كبيرة جدا عما يدور داخل إيران" حتى علقت فئة من الإيرانيين بأنه "نطق بما في قلوبنا بحثا عن مخرج من المأزق الذي نعيشه".
وفي حديثه للجزيرة نت انتقد آصفي ردة الفعل الرسمية في طهران التي استخدمت "لهجة بطولية وأيديولوجية لم تعد تقنع الشعب الباحث عن حلول عملية".
وأضاف أن السلطات الإيرانية توعدت ترامب بتجاوز العراقيل الاقتصادية النابعة عن العقوبات، وفي الوقت نفسه تقر بعجزها عن توفير استثمارات بنحو 100 مليار دولار لمعالجة نقص الطاقة في البلاد.
ورأى آصفي أنه كان الأحرى بمسؤولي طهران "الترحيب بغصن الزيتون الذي مده ترامب نحوهم بدلا من إطلاق شعارات رنانة عاجزة عن كسر شوكة العقوبات التي أنهكت الشعب الإيراني وأثقلت كاهله، لكنه لا يزال يطالب بالسلم والاستقرار".
وحث مسؤولي بلاده على قراءة ما بين سطور تصريحات ترامب خلال جولته الخليجية ورغبته بالتوصل إلى اتفاق مع طهران من منظور براغماتي وليس أيديولوجي، مؤكدا أنه كان بإمكان إيران أن تكون القوة الأولى بالمنطقة بدلا مما حل بها، ودعا سلطات بلاده إلى "إشعال شمعة لتحسين معيشة المواطن بدلا من لعن الظلام الذي ترى طهران أميركا سببه الرئيس".
فرحة ترامببدوره، يقول حميد أبو طالبي المستشار السياسي للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني إن إيران شغلت ترامب في جولته الخليجية، إذ لم تخلُ لحظة أو مكان من ذكر حضارتها وقوتها، والتعبير عن استيائه من تصحر أجزاء منها والإشادة بأسلحتها المتطورة، كما لم يفته التلميح بين الفينة والأخرى برغبته في وجود علاقة سلمية بين البلدين.
إعلانوفي تعليق نشره في موقع "عصر إيران" الإخباري التحليلي يعتبر أبو طالبي "فرحة ترامب بالإعلان عن بلوغ الولايات المتحدة عتبة التفاهم مع إيران وحديثه عن عدم رغبة طهران وواشنطن بخلق غبار نووي في إيران يدل على رغبتهما بضمان الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني وعدم مهاجمة منشآته".
ورأى أن أي اتفاق محتمل بين إيران وأميركا سيكون بحاجة لضمانات الصمود والاستدامة، وأن إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين هي الضمان الوحيد الفعال، مضيفا أن ترامب أعلن استعداده مرارا لذلك، وأن الكرة باتت في ملعب الرئيس بزشكيان لاتخاذ خطوة مماثلة.
وبينما تبدو حدة لهجة ترامب حيال إيران قد تراجعت بعد محطته الأولى إذ تحدث في الدوحة عن اتفاق وشيك مع طهران يتساءل الإيرانيون عما إذا كان ذلك يرجع إلى تقدم غير معلن في الملف النووي عبر الوساطة العمانية بعد وصوله إلی الدوحة، أم أنه لا يزال يمارس سياسة "العصا والجزرة" لدفع الإيرانيين إلى اتفاق يضع حدا لملفهم النووي؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس الأمیرکی ترامب حیال خطاب ترامب فی خطاب
إقرأ أيضاً:
ممثل حماس في إيران يكشف لـعربي21 واقع العلاقة مع طهران بعد حرب الـ12 يوما (شاهد)
كشف ممثل حركة المقاومة الإسلامية حماس في إيران، خالد القدومي عن تحول نوعي في شكل العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وإيران، مؤكدا أنها لم تعد مجرد تعاون سياسي أو دعم إنساني، بل أصبحت "علاقة عضوية" تتعزز يوما بعد يوم، خصوصاً بعد حرب غزة الأخيرة وما تبعها من حرب الـ12 يوما بين طهران والاحتلال الإسرائيلي في حزيران / يونيو الماضي.
وقال القدومي في لقاء خاص مع "عربي21"، إن السنوات الماضية، بكل ما حملته من جراح وعدوان، رسخت قناعة لدى الإيرانيين بأنهم "أصدقاء طبيعيون لفلسطين وللمقاومة"، مضيفاً: "الإيراني اليوم لا يقف فقط معنا، بل يشعر بأنه شريك كامل في المعركة، وهذه نقلة استراتيجية في الوعي الإيراني تجاه القضية الفلسطينية".
حرب غزة.. نقطة تحوّل جديدة
وجاءت هذه التصريحات في سياق تقييم أوسع للتغيرات التي شهدتها المنطقة بعد حرب غزة التي استمرت سنتين وخلفت دمارا واسعا واستقطابا إقليميا ودوليا، فخلال تلك الحرب، لعبت فصائل المقاومة أدوارا عسكرية وسياسية بارزة، بينما برز الدعم الإيراني عبر المستويات المختلفة أهمها المواقف المعلنة ضد الاحتلال.
وأشار القدومي إلى أن هذا الدعم لم يعد ينظر إليه في إيران على أنه موقف تضامني فقط، بل كقضية ترتبط مباشرة بالأمن القومي الإيراني بعد أن نقل الاحتلال الإسرائيلي الحرب، لأول مرة، إلى الداخل الإيراني.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
حرب الـ12 يوماً.. عندما أصبح الإيراني "شريكا في الدم"
وتوقف القدومي مطولا عند هجوم الاحتلال الإسرائيلي على إيران في حرب حزيران/ يونيو التي استمرت 12 يوماً، وهي الجولة العسكرية التي مثلت أول مواجهة مباشرة بهذا الحجم بين الطرفين منذ عقود.
وقال القدومي "بعد تلك الحرب، لم يعد المواطن الإيراني يشعر بأنه فقط داعم للقضية الفلسطينية، بل بات يعتبر نفسه جزءاً من المعركة نفسها، الدم الذي سقط على الأرض هنا وهناك جمع الشعبين في مواجهة عدو واحد لا يحترم حدوداً ولا سيادة."
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ووفق القدومي، فإن هذه التجربة غيرت المزاج الشعبي والسياسي داخل إيران، وجعلت فكرة "الشراكة" مع المقاومة أكثر عمقا من أي وقت مضى.
الاحتلال "عدو للجميع".. والمواجهة تجاوزت فلسطين
وأكد ممثل حماس أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الشعب الفلسطيني، بل امتدت إلى دول عربية وإسلامية عدة، وهو ما جعل طهران ترى في هذا السلوك تهديدا إقليميا شاملا.
وقال القدومي:"الإسرائيلي اليوم يضرب في كل مكان: في فلسطين، إيران، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، وحتى بلدان بعيدة كالماليزية. هذا العدو لا يعرف حدوداً ولا يلتزم بسيادة أحد، ولذلك أصبح من الواضح أن الأمة كلها أمام عدو مشترك."
العلاقة مع إيران: من الدعم إلى "استراتيجية مشتركة"
وختم القدومي بالتأكيد أن العلاقة بين الجانبين أصبحت تحمل طابعاً استراتيجياً، قائلا:"اليوم علاقتنا مع إيران علاقة ذات أفق استراتيجي، تقوم على شراكة حقيقية من أجل مستقبل مشترك لهذه الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني."
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التنسيق والتكامل، خصوصاً بعد أن رسخت الحروب الأخيرة وجود اصطفاف إقليمي جديد يقوم على محور مقاومة أكثر تماسكا، يرى في مواجهة الاحتلال "قدراً مشتركاً لا خياراً سياسياً فقط".