لهذا يجب أن يفزع نتنياهو مما فعله ترامب أخيرا
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
إنه لشأن جديد، إذ يصبح أكبر أمل للفلسطينيين في الغوث معلقا برجل يحلم بإخلاء غزة من أهلها وتحويلها إلى منتجع ساحلي. ولكن أوضح مخرج، أو ربما المخرج الوحيد، من الكبد الراهن، يتمثل في دونالد ترامب ونفاد صبره المتزايد من إسرائيل التي تتزايد العزلة.
لو أن الرئيس الأمريكي الحالي هو أي واحد من أسلاف ترامب، لكنتم الآن تثنون على الأسبوع الماضي وتصفونه بأنه تحول جذري، بل تاريخي، في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
ولكن النظر إلى الأمر بظاهره يقول إن جولة ترامب خلال الأيام الماضية تنم عن اختلاف حاد في نهج التعامل مع الشرق الأوسط، وبخاصة مع البلد الذي اعتبرته واشنطن على مدى عقود حليفها الرئيسي في المنطقة. فالحقيقة الأشد أساسية هنا هي أيضا الحقيقة الأوضح دلالة، وهي أن رئيس الولايات المتحدة لم يزر إسرائيل أساسا.
كان يمكن تبرير هذا الأمر لولا ما قاله ترامب وما فعله خلال رحلاته. ففي المملكة العربية السعودية لم يكتف بتوجيه تحية حارة لولي العهد محمد بن سلمان، وإنما أغرقه بإعجابه قائلا: «إنني معجب بك كثيرا»، سائلا الحاكم السعودي الفعلي الذي سبق أن أعرضت عنه واشنطن إن كان يجد وقتا ينام فيه، نظرا لمدى نشاطه في تغيير المملكة.
اتفق الرجلان على صفقة تشتري المملكة العربية السعودية بموجبها أسلحة أمريكية بقيمة 142 مليار دولار. وحتى هذا الأسبوع، كان من أركان العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أن تضمن الولايات المتحدة لإسرائيل تفوقا عسكريا دائما على جيرانها. يبدو أن هذا لم يعد مؤكدا الآن. فلقد أعلن ترامب فعليا أنه ليس للولايات المتحدة «شريك أقوى» من المملكة العربية السعودية، وتلك مكانة كانت مقصورة على إسرائيل دون غيرها.
زد على ذلك أن ترامب أظهر للرياض كل هذه المحبة دونما ربط لها بالشروط السابقة. فليس منها ما هو مشروط بـ«تطبيع» سعودي للعلاقات مع إسرائيل. بل قال ترامب للأمير محمد إن بوسعه القيام بذلك حينما يجد نفسه مستعدا، ودونما ضغط من الولايات المتحدة.
وكان هذا هو النمط السائد طيلة الوقت. والمذهل أن ترامب رحب بعودة سوريا من جديد، في تغير كان ينبغي أن يلقى اهتماما هائلا لو فعله رئيس آخر، لكنه وقد فعله ترامب بات محض منعطف في دورة الأخبار. ورفع ترامب العقوبات وأثنى على قائد البلد الجديد باعتباره «جذابا» و«مقاتلا». ولما كان أحمد الشرع قد ظل حتى ديسمبر الماضي على قائمة الإرهابيين المطلوبين من الولايات المتحدة بسبب علاقاته بالقاعدة، وأن 10 ملايين دولار كانت مرصودة لرأسه، فإن هذا تحول وأي تحول. ومما يثبت أن من نقاط ضعف ترامب الكبرى في التفاوض أنه ينزع إلى تقديم شيء دونما مقابل، فإن ترامب قد أعطى لسوريا كل هذا دون حتى أن يثير مسألة الضمانات الأمنية التي تنشدها إسرائيل.
ترامب الآن في معرض إبرام ما يريد من صفقات، بغض النظر عن احتياجات البلد الذي كان الحليف الأساسي الوحيد للولايات المتحدة. فقد وافق على اتفاقية منفصلة مع أنصار الله في اليمن تمنعهم من مهاجمة السفن الأمريكية وتترك لهم مساحة كبيرة للاستمرار في إغراق إسرائيل بالصواريخ. وقال إنه «شديد القرب» من اتفاقية نووية مع إيران، معرضا عن قناعة منذ عقود لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا إيقاف لطموحات إيران النووية إلا بالقوة. وأبدى لطفا تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير مبال بعداوته لإسرائيل وقرب صلاته بحماس. بل لقد تعامل مع حماس بشتى الطرق عدا المباشر منها، وتوصل إلى إطلاق الجماعة سراح إيدان ألكسندر ـ المواطن الأمريكي الإسرائيلي ـ في خطوة لم يعرف بها نتنياهو إلا بعد تمامها.
فبأعلى صوت ممكن يقول ترامب لنتنياهو إنه لم يعد الأول وإنه لن يعترض طريق أي شيء يرى ترامب أنه الأمثل لخدمة مصالح الولايات المتحدة ولمصالحه الخاصة. وهذا ناجم جزئيا عن إحباط من نتنياهو لعدم قيامه بدوره في الوصول بالشرق الأوسط إلى الاستقرار، ثم الرخاء، برغم ظن ترامب أن ذلك ممكن، ويحتمل أن يكون مربحا للولايات المتحدة. والأمر ببساطة هو أن ترامب يريد من نتنياهو إنهاء الحرب على حماس وإنهاء حضورها على شاشات التلفزيون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي لا يحقق ذلك.
ويمكنكم أن تتبينوا هذا الإحباط في كلام مبعوث ترامب الشخصي ستيف ويتكوف الموجه لأسر الأسرى في إسرائيل هذا الأسبوع إذ قال: «إننا نريد أن نرجع الأسرى إلى الوطن، لكن إسرائيل غير راغبة بإنهاء الحرب، بل إنها تطيل أمدها».
والحق أن استطلاعات الرأي تبين أن أغلبيات هائلة من الإسرائيليين حريصون -إن لم يكونوا متلهفين- على إنهاء هذه الحرب. لكن نتنياهو يتحدى مواطنيه لأسباب أنانية بحتة. فهو في ظل محاكمته بسبب الفساد لا يمكنه ضمان البقاء خارج السجن، إلا ببقائه على مقعد رئيس الوزراء. ولكي يفعل ذلك، فعليه أن يحافظ على بقاء ائتلافه الحاكم وفيه وزيران من القوميين المتطرفين المتشددين هما إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وهذان الرجلان يريدان للحرب أن تستمر وتستمر، حالمين بإخلاء غزة لإعادة المستوطنات اليهودية. ولأنه لا يفكر إلا في نجاته، فإن نتنياهو ينحني أمام مطالبهما ويبقي النار متأججة، مهما تكن الخسائر البشرية.
وهكذا ينتهي الأمر بوحشية استعمال الحكومة الإسرائيلية للتجويع سلاح حرب، ومنعها دخول المساعدات إلى غزة منذ الثاني من مارس. وهذا ليس اتهاما للحكومة، ولكنه أمر تعلنه بافتخار. إذ أوضح إسرائيل كاتز وزير الدفاع الشهر الماضي أن «سياسة إسرائيل واضحة: لا دخول لمساعدات إلى غزة». ووصف منع المساعدات بأنه «من أوراق الضغط الرئيسية» على حماس.
ودافع مسؤولون إسرائيليون عن الضربات الجوية من قبيل الضربات التي قتلت عشرات هذا الأسبوع قائلين إنها موجهة لمواقع حماس العسكرية أو مقاتليها ومنهم زعيم الجماعة في غزة محمد السنوار. ولكنهم لا يستطيعون التذرع بمثل ذلك في حالة التجويع الجماعي، فهو بطبيعته لا يميز بين الناس. وهو قانونيا جريمة حرب، وأخلاقيا غير مقبول. ومع ذلك فإنه السياسة المعلنة لهذه الحكومة الإسرائيلية الكريهة.
لا يكاد أحد يوجه انتباهه إلى جملة الظروف التي أوجدت هذه الكارثة: وهي أن أعمال حماس في السابع من أكتوبر 2023 ، قد وقعت تحت أسماع وأبصار حكومة إسرائيلية شكلها الكاهانيون [أي الصهاينة من أتباع الحاخام مائير كاهانا] ورئيس وزراء مستعد لخرق أي خط أحمر لكي ينجو بجلده من السجن. وهذا المزيج هو الذي وصل بنا إلى لحظتنا الرهيبة الراهنة التي يبدو فيها أنه لا نهاية مطلقا للمعاناة والقتل.
فلعله لا يوجد غير رجل واحد قادر على إيقاف هذا. وبوسع ترامب أن يواصل ما بدأه هذا الأسبوع، بإبرام صفقات في الشرق الأوسط تستبعد إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لا تخدم الفلسطينيين بشيء. أو هو قادر بعد اعترافه لدى مغادرته المنطقة يوم الجمعة بأن شعب غزة «يتضور جوعا» ووعده بـ«أننا سوف نهتم بهذا الأمر» على أن يستعمل ما لديه من عضلات في إرغام نتنياهو على القبول بصفقة مطروحة على الطاولة منذ أشهر: إطلاق سراح بقايا الرهائن وإنهاء الحرب. وبالطبع، ما يحتاج إليه عشرات الأسر الإسرائيلية وملايين الفلسطينيين المشردين الجائعين هو قيادات جديدة، عازمة وقادرة على صياغة مصير أفضل للشعبين، ويفضل أن يكون للشعبين معا. وإلى أن يأتي هذا اليوم، فإن حياتهم جميعا بين أيدي دونالد ترامب.
جوناثان فريلاند من كتاب مقالات الرأي في ذي جارديان
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تجري مباحثات تمهيدية حول الاتفاق الإسرائيلي السوري
أفاد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون لموقع أكسيوس أن إدارة ترامب تُجري "مباحثات تمهيدية" مع إسرائيل وسوريا بشأن اتفاقية أمنية مُحتملة بين الجانبين.
التطبيع بين إسرائيل وسورياقال موقع أكسيسو إنه على الرغم من أن التطبيع ليس مطروحًا على الطاولة بعد، إلا أن هذه المحادثات قد تُمهّد الطريق لدبلوماسية مُستقبلية - بدءًا من الجهود المبذولة لتخفيف التوترات وتحديث الترتيبات الأمنية على طول الحدود الإسرائيلية السورية المُضطربة.
وتُفضل الولايات المتحدة عملية تدريجية من شأنها بناء الثقة تدريجيًا وتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا، لكن إسرائيل تسعى جاهدةً للحصول على ضمانات بأن أي محادثات ستؤدي في النهاية إلى اتفاق سلام كامل وتطبيع العلاقات، وفقًا لما ذكره مسؤول إسرائيلي كبير لموقع أكسيوس.
حذّر مسؤول إسرائيلي آخر من أن الاتفاق "ليس وشيكًا"، وقال إن تحقيق تقدم ملموس سيستغرق بعض الوقت.
في مطلع يونيو، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبعوث ترامب إلى سوريا، توم باراك، اهتمامه بالتفاوض على اتفاقية أمنية جديدة مع الحكومة السورية ما بعد الأسد، بوساطة الولايات المتحدة.
اتفاق فك الاشتباكوقال مسؤول إسرائيلي كبير إن هدف نتنياهو هو مجموعة من الاتفاقات على مراحل مع سوريا - تبدأ بنسخة مُحدّثة من اتفاق فك الاشتباك لعام ١٩٧٤، وتنتهي في نهاية المطاف باتفاق سلام كامل وتطبيع.
وتتواصل إسرائيل مع سوريا عبر أربع قنوات مختلفة على الأقل - بما في ذلك مستشار نتنياهو للأمن القومي تساحي هنغبي، ومدير الموساد ديفيد برنياع، ووزير الخارجية جدعون ساعر للحوار السياسي والاستراتيجي، وقوات الدفاع الإسرائيلية للتنسيق العسكري اليومي.
لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم يريدون من الولايات المتحدة أن تضطلع بدور وساطة أكثر نشاطًا، معتقدين أن ذلك سيعطي الحكومة السورية الجديدة حافزًا أقوى للانخراط بجدية.
صرح مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون كبار بأن باراك كان على اتصال بالمسؤولين السوريين منذ زيارته لإسرائيل في أوائل يونيو لاستكشاف إمكانية إطلاق محادثات رسمية.
وقال مسؤول إسرائيلي: "نأمل أن نرى إدارة ترامب تدفع بقوة أكبر في هذا المسار".
هضبة الجولانومن أكبر علامات الاستفهام التي تُحيط بأي محادثات سلام إسرائيلية سورية مستقبلية وضع مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا خلال حرب عام 1967.
في كل جولة مفاوضات سابقة على مدى العقود الثلاثة الماضية، طالب نظام الأسد بانسحاب إسرائيلي كامل - أو شبه كامل - من المنطقة مقابل السلام.
خلال ولايته الأولى، اعترف ترامب بهضبة الجولان كجزء من إسرائيل - وهي خطوة لم تتراجع عنها إدارة بايدن.
وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر يوم الاثنين بأن إسرائيل منفتحة على اتفاق مع سوريا، لكنه أصر على أن مرتفعات الجولان ستبقى جزءًا من إسرائيل بموجب أي اتفاق مستقبلي.