ترجمة: أحمد شافعي -

إنه لشأن جديد، إذ يصبح أكبر أمل للفلسطينيين في الغوث معلقا برجل يحلم بإخلاء غزة من أهلها وتحويلها إلى منتجع ساحلي. ولكن أوضح مخرج، أو ربما المخرج الوحيد، من الكبد الراهن، يتمثل في دونالد ترامب ونفاد صبره المتزايد من إسرائيل التي تتزايد العزلة.

لو أن الرئيس الأمريكي الحالي هو أي واحد من أسلاف ترامب، لكنتم الآن تثنون على الأسبوع الماضي وتصفونه بأنه تحول جذري، بل تاريخي، في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.

لكن أما وأنه ترامب، فليس بوسعكم أن تتيقنوا من أن الأمر لا يعدو نزوة عابرة سوف تتبدد بتحول آخر لا يقل جذرية في غضون أسابيع من الآن، أو قولوا ساعات.

ولكن النظر إلى الأمر بظاهره يقول إن جولة ترامب خلال الأيام الماضية تنم عن اختلاف حاد في نهج التعامل مع الشرق الأوسط، وبخاصة مع البلد الذي اعتبرته واشنطن على مدى عقود حليفها الرئيسي في المنطقة. فالحقيقة الأشد أساسية هنا هي أيضا الحقيقة الأوضح دلالة، وهي أن رئيس الولايات المتحدة لم يزر إسرائيل أساسا.

كان يمكن تبرير هذا الأمر لولا ما قاله ترامب وما فعله خلال رحلاته. ففي المملكة العربية السعودية لم يكتف بتوجيه تحية حارة لولي العهد محمد بن سلمان، وإنما أغرقه بإعجابه قائلا: «إنني معجب بك كثيرا»، سائلا الحاكم السعودي الفعلي الذي سبق أن أعرضت عنه واشنطن إن كان يجد وقتا ينام فيه، نظرا لمدى نشاطه في تغيير المملكة.

اتفق الرجلان على صفقة تشتري المملكة العربية السعودية بموجبها أسلحة أمريكية بقيمة 142 مليار دولار. وحتى هذا الأسبوع، كان من أركان العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أن تضمن الولايات المتحدة لإسرائيل تفوقا عسكريا دائما على جيرانها. يبدو أن هذا لم يعد مؤكدا الآن. فلقد أعلن ترامب فعليا أنه ليس للولايات المتحدة «شريك أقوى» من المملكة العربية السعودية، وتلك مكانة كانت مقصورة على إسرائيل دون غيرها.

زد على ذلك أن ترامب أظهر للرياض كل هذه المحبة دونما ربط لها بالشروط السابقة. فليس منها ما هو مشروط بـ«تطبيع» سعودي للعلاقات مع إسرائيل. بل قال ترامب للأمير محمد إن بوسعه القيام بذلك حينما يجد نفسه مستعدا، ودونما ضغط من الولايات المتحدة.

وكان هذا هو النمط السائد طيلة الوقت. والمذهل أن ترامب رحب بعودة سوريا من جديد، في تغير كان ينبغي أن يلقى اهتماما هائلا لو فعله رئيس آخر، لكنه وقد فعله ترامب بات محض منعطف في دورة الأخبار. ورفع ترامب العقوبات وأثنى على قائد البلد الجديد باعتباره «جذابا» و«مقاتلا». ولما كان أحمد الشرع قد ظل حتى ديسمبر الماضي على قائمة الإرهابيين المطلوبين من الولايات المتحدة بسبب علاقاته بالقاعدة، وأن 10 ملايين دولار كانت مرصودة لرأسه، فإن هذا تحول وأي تحول. ومما يثبت أن من نقاط ضعف ترامب الكبرى في التفاوض أنه ينزع إلى تقديم شيء دونما مقابل، فإن ترامب قد أعطى لسوريا كل هذا دون حتى أن يثير مسألة الضمانات الأمنية التي تنشدها إسرائيل.

ترامب الآن في معرض إبرام ما يريد من صفقات، بغض النظر عن احتياجات البلد الذي كان الحليف الأساسي الوحيد للولايات المتحدة. فقد وافق على اتفاقية منفصلة مع أنصار الله في اليمن تمنعهم من مهاجمة السفن الأمريكية وتترك لهم مساحة كبيرة للاستمرار في إغراق إسرائيل بالصواريخ. وقال إنه «شديد القرب» من اتفاقية نووية مع إيران، معرضا عن قناعة منذ عقود لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا إيقاف لطموحات إيران النووية إلا بالقوة. وأبدى لطفا تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير مبال بعداوته لإسرائيل وقرب صلاته بحماس. بل لقد تعامل مع حماس بشتى الطرق عدا المباشر منها، وتوصل إلى إطلاق الجماعة سراح إيدان ألكسندر ـ المواطن الأمريكي الإسرائيلي ـ في خطوة لم يعرف بها نتنياهو إلا بعد تمامها.

فبأعلى صوت ممكن يقول ترامب لنتنياهو إنه لم يعد الأول وإنه لن يعترض طريق أي شيء يرى ترامب أنه الأمثل لخدمة مصالح الولايات المتحدة ولمصالحه الخاصة. وهذا ناجم جزئيا عن إحباط من نتنياهو لعدم قيامه بدوره في الوصول بالشرق الأوسط إلى الاستقرار، ثم الرخاء، برغم ظن ترامب أن ذلك ممكن، ويحتمل أن يكون مربحا للولايات المتحدة. والأمر ببساطة هو أن ترامب يريد من نتنياهو إنهاء الحرب على حماس وإنهاء حضورها على شاشات التلفزيون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي لا يحقق ذلك.

ويمكنكم أن تتبينوا هذا الإحباط في كلام مبعوث ترامب الشخصي ستيف ويتكوف الموجه لأسر الأسرى في إسرائيل هذا الأسبوع إذ قال: «إننا نريد أن نرجع الأسرى إلى الوطن، لكن إسرائيل غير راغبة بإنهاء الحرب، بل إنها تطيل أمدها».

والحق أن استطلاعات الرأي تبين أن أغلبيات هائلة من الإسرائيليين حريصون -إن لم يكونوا متلهفين- على إنهاء هذه الحرب. لكن نتنياهو يتحدى مواطنيه لأسباب أنانية بحتة. فهو في ظل محاكمته بسبب الفساد لا يمكنه ضمان البقاء خارج السجن، إلا ببقائه على مقعد رئيس الوزراء. ولكي يفعل ذلك، فعليه أن يحافظ على بقاء ائتلافه الحاكم وفيه وزيران من القوميين المتطرفين المتشددين هما إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وهذان الرجلان يريدان للحرب أن تستمر وتستمر، حالمين بإخلاء غزة لإعادة المستوطنات اليهودية. ولأنه لا يفكر إلا في نجاته، فإن نتنياهو ينحني أمام مطالبهما ويبقي النار متأججة، مهما تكن الخسائر البشرية.

وهكذا ينتهي الأمر بوحشية استعمال الحكومة الإسرائيلية للتجويع سلاح حرب، ومنعها دخول المساعدات إلى غزة منذ الثاني من مارس. وهذا ليس اتهاما للحكومة، ولكنه أمر تعلنه بافتخار. إذ أوضح إسرائيل كاتز وزير الدفاع الشهر الماضي أن «سياسة إسرائيل واضحة: لا دخول لمساعدات إلى غزة». ووصف منع المساعدات بأنه «من أوراق الضغط الرئيسية» على حماس.

ودافع مسؤولون إسرائيليون عن الضربات الجوية من قبيل الضربات التي قتلت عشرات هذا الأسبوع قائلين إنها موجهة لمواقع حماس العسكرية أو مقاتليها ومنهم زعيم الجماعة في غزة محمد السنوار. ولكنهم لا يستطيعون التذرع بمثل ذلك في حالة التجويع الجماعي، فهو بطبيعته لا يميز بين الناس. وهو قانونيا جريمة حرب، وأخلاقيا غير مقبول. ومع ذلك فإنه السياسة المعلنة لهذه الحكومة الإسرائيلية الكريهة.

لا يكاد أحد يوجه انتباهه إلى جملة الظروف التي أوجدت هذه الكارثة: وهي أن أعمال حماس في السابع من أكتوبر 2023 ، قد وقعت تحت أسماع وأبصار حكومة إسرائيلية شكلها الكاهانيون [أي الصهاينة من أتباع الحاخام مائير كاهانا] ورئيس وزراء مستعد لخرق أي خط أحمر لكي ينجو بجلده من السجن. وهذا المزيج هو الذي وصل بنا إلى لحظتنا الرهيبة الراهنة التي يبدو فيها أنه لا نهاية مطلقا للمعاناة والقتل.

فلعله لا يوجد غير رجل واحد قادر على إيقاف هذا. وبوسع ترامب أن يواصل ما بدأه هذا الأسبوع، بإبرام صفقات في الشرق الأوسط تستبعد إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لا تخدم الفلسطينيين بشيء. أو هو قادر بعد اعترافه لدى مغادرته المنطقة يوم الجمعة بأن شعب غزة «يتضور جوعا» ووعده بـ«أننا سوف نهتم بهذا الأمر» على أن يستعمل ما لديه من عضلات في إرغام نتنياهو على القبول بصفقة مطروحة على الطاولة منذ أشهر: إطلاق سراح بقايا الرهائن وإنهاء الحرب. وبالطبع، ما يحتاج إليه عشرات الأسر الإسرائيلية وملايين الفلسطينيين المشردين الجائعين هو قيادات جديدة، عازمة وقادرة على صياغة مصير أفضل للشعبين، ويفضل أن يكون للشعبين معا. وإلى أن يأتي هذا اليوم، فإن حياتهم جميعا بين أيدي دونالد ترامب.

جوناثان فريلاند من كتاب مقالات الرأي في ذي جارديان

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الأسبوع

إقرأ أيضاً:

بعثة الولايات المتحدة في الإمارات: شكراً على الترحيب الاستثنائي بالرئيس ترامب

وجهت بعثة الولايات المتحدة الأميركية، الشكر إلى الإمارات على الترحيب الاستثنائي بفخامة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته التاريخية إلى الإمارات.
ونشرت البعثة، في حسابها على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، تدوينة قالت فيها «اختتم الرئيس دونالد ترامب يوم أمس زيارته التاريخية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعادت رسم ملامح إمكانيات القيادة الأميركية في المنطقة». 
وأضافت بعثة الولايات المتحدة الأميركية في الإمارات «لقد ارتقت هذه الزيارة التاريخية بالشراكة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات إلى مستويات غير مسبوقة، وأرست دعائم ثقة واحترام متبادل ودائم بين الدولتين، وفتحت آفاقًا جديدة وجريئة للسلام والازدهار والتعاون الاستراتيجي. برؤية واضحة وقوة وثبات، جدّد الرئيس ترامب التزام الولايات المتحدة بالنمو المشترك، والاستقرار الإقليمي، والقيادة العالمية». 
وختمت البعثة قائلة «شكراً للإمارات على الترحيب الاستثنائي والصداقة المستمرة».

أخبار ذات صلة ترامب يحدد موعدا للتحدث مع بوتين وزيلينسكي خبراء أميركيون لـ«الاتحاد»: زيارة ترامب إلى الإمارات محطة لافتة في العلاقات المتنامية بين البلدين

اختتم الرئيس دونالد ترامب يوم أمس زيارته التاريخية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة — التي أعادت رسم ملامح امكانيات القيادة الأمريكية في المنطقة. لقد ارتقت هذه الزيارة التاريخية بالشراكة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات إلى مستويات غير مسبوقة، وأرست دعائم ثقة واحترام متبادل… pic.twitter.com/L3jQpmC7pl

— US Mission to UAE (@USAinUAE) May 17, 2025

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • بعثة الولايات المتحدة في الإمارات: شكراً على الترحيب الاستثنائي بالرئيس ترامب
  • مصادر: ويتكوف أبلغ الوسطاء أن الولايات المتحدة لا تخطط لإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة
  • نائب العربي للدراسات: الضغوط الداخلية في إسرائيل تدفع نتنياهو للتصعيد
  • عاجل | وزير الخارجية الأميركي: أبلغت نتنياهو هاتفيا أن الولايات المتحدة قلقة بشأن الوضع الإنساني في غزة
  • «رئيس الإمارات»: حريصون على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة
  • ترامب يقول إنه يريد أن تأخذ الولايات المتحدة غزة وتحولها إلى منطقة حرية
  • ترامب: على الولايات المتحدة أن تسيطر على غزة وتحولها إلى منطقة حرة
  • ترامب: أريد أن تمتلك الولايات المتحدة غزة
  • ترامب: أريد أن "تمتلك" الولايات المتحدة غزة