لم يكن قلمه مجرد أداة للقص أو الحكي، بل مشرطًا حادًا يُشرّح به طبقات المجتمع المصري، ويسبر أغوار النفس البشرية، ثم يُخيط جراحها بوعيٍ ساخرٍ مرة، وبألمٍ جارف مرةً أخرى، إنه الكاتب الكببير يوسف إدريس الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، والذي تمتع بتجربة أدبية فريدة لا تزال آثارها تنبض في وجدان القرّاء والكتّاب العرب على حد سواء.

نيابةً عن الرئيس.. وزير الثقافة يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان الجديدوزير الثقافة يفتتح ثلاثة قصور ثقافة بأبو سمبل وأخميم وجاردن سيتي خلال الأيام المقبلة.. هنو: خطوات متواصلة لتفعيل استراتيجية مستدامة لتطوير البنية الثقافيةطلب إحاطة بشأن خطة الثقافة لاكتشاف المواهبقصور الثقافة تحتفي بسيد حجاب في مسقط رأسه بالدقهلية

كان يوسف إدريس ابنًا بارًا لزمانه ومكانه، نشأ في قلب الريف المصري، لكنه لم يكن أسيرًا له، بل حوّله إلى معمل لغوي، وثقافي، ونفسي، يستخرج منه نبض الحكاية وحكمة الإنسان البسيط، كل قصة كتبها كانت بمثابة "بورتريه" حيّ لشريحة من المهمشين، المقهورين، الفقراء، الذين لا صوت لهم سوى صوت يوسف إدريس.

الطفولة والتكوين: مزيج الريف والعقل الثائر

وُلد يوسف إدريس في قرية البيروم بمحافظة الشرقية، لأسرة متوسطة الحال، وكان والده من الموظفين الذين تنقلوا بين الأقاليم، ما أتاح له التعرف على تنوع المجتمع المصري في سن مبكرة، هذا التنقل كان له بالغ الأثر في اتساع رؤيته وتعدد طبقات شخصياته.

درس الطب في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1951، وتخصص في الطب النفسي، وهو ما أمده بقدرة نادرة على تحليل الشخصيات والغوص في دواخلها، لكن قبل ذلك، خاض نضالاً سياسيًا عنيفًا، فشارك في المظاهرات ضد الاحتلال، وكتب مقالات حادة أدت إلى اعتقاله مرات عدة.

التحوّل إلى الأدب: من المشرط إلى القلم

لم يكن يوسف إدريس كاتبًا تقليديًا، بل جاء بروح المتمرّد، كان يرى أن الأدب ليس ترفًا بل ضرورة، وأن القصة القصيرة هي الشكل الأنسب للتعبير عن التغيرات الاجتماعية السريعة في مصر.

في عام 1954، نشر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالي"، ومنذ تلك اللحظة، بدأ إدريس يضع لبنات مشروع أدبي متكامل يقوم على تصوير المجتمع من الداخل، لا من فوق.

الهوية الأدبية: من الواقعية إلى الرمزية

تميز يوسف إدريس بأسلوب واقعي قريب من الحياة اليومية، لكنه كان قادرًا في لحظات كثيرة على الارتقاء بلغته إلى مستويات رمزية، كما في "النداهة" و"الحرام"، لم يكن معنيًا فقط بالحكاية، بل بالسياق الاجتماعي والسياسي والنفسي للشخصيات.

قصصه القصيرة حملت نفسًا صوفيًا أحيانًا، وساخرًا في أحيان أخرى، استطاع أن يصور الرجل البسيط، المرأة المهمشة، الطفل الفقير، الجندي، العامل، الفلاحة، جميعهم أبطال عاديون جعلهم إدريس أيقونات روحية للأدب الواقعي.

يوسف إدريس والمسرح: الكلمة على خشبة الوعي

لم يقف عند حدود القصة والرواية، بل اقتحم المسرح بجرأة، وكتب نصوصًا مسرحية من طراز خاص، أبرزها: "الفرافير"، التي فتحت باب المسرح العبثي في مصر، و"اللحظة الحرجة"، التي جسدت الصراع بين الضمير والنظام.

كان يرى أن المسرح يجب أن يكون ساحة صراع فكري، لا مجرد ترفيه، لذا جاءت أعماله محمّلة بالتوتر، والصراع الطبقي، والأسئلة الوجودية.

بين السلطة والقلم: الكاتب في مواجهة السقف

لم يكن يوسف إدريس على وفاق دائم مع السلطة، في الستينات، كان من أكثر المدافعين عن الثورة، لكنه انقلب عليها حين أحس بتجاوزاتها، كتب مقالات نقدية لاذعة ضد الدولة والبيروقراطية والفساد.

دخل في صراعات أدبية مع رموز مثل نجيب محفوظ، حين ادّعى أحقيته بجائزة نوبل، لكنه تراجع لاحقًا، لم تكن خلافاته الشخصية بقدر ما كانت جزءًا من شخصيته الجريئة التي لا تؤمن بالمهادنة.

الجوائز والتكريمات: اعتراف مستحق رغم الجدل

نال يوسف إدريس عدة جوائز أبرزها: حصل على كل من وسام الجزائر (1961)، وسام الجمهورية (1963 و1967)، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980)، لكن الجائزة التي ظلت حلمًا لم يتحقق له كانت "نوبل"، التي رأى أنها حُجبت عنه لأسباب سياسية لا أدبية.

الرحيل.. وخلود التجربة

في 1 أغسطس 1991، غيّب الموت يوسف إدريس، لكنه لم يستطع أن يغيّب أثره، ترك وراءه أكثر من 20 مجموعة قصصية، وعدة روايات ومسرحيات ومقالات نقدية وفكرية لا تزال محل دراسة.

يوسف إدريس لم يكن مجرد كاتب، بل كان ظاهرة ثقافية، جسّدت أزمة الإنسان المصري والعربي في لحظة حرجة من التاريخ، وفي زمن أصبحت فيه الأصوات مكررة والكتابة أسيرة النمط، لا يزال إدريس واحدًا من الأصوات القليلة التي ما إن تقرأها حتى تشعر بأنها كتبت لك، عنك، ومنك.

طباعة شارك يوسف إدريس قلب الريف السلطة والقلم الهوية الأدبية جامعة القاهرة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: يوسف إدريس الهوية الأدبية جامعة القاهرة یوسف إدریس لم یکن

إقرأ أيضاً:

قطاع المسرح يطلق النسخة الثامنة من مسابقة أنا المصري للأغنية الوطنية

أعلن قطاع شؤون الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة، برئاسة المخرج خالد جلال، عن انطلاق النسخة الثامنة من مسابقة "أنا المصري" للأغنية الوطنية للشباب، وذلك ضمن فعاليات مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها" وتحت رعاية وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو.

تأتي المسابقة هذا العام استمرارًا للنجاح الذي حققته في دوراتها السبع السابقة، والتي أسهمت في اكتشاف ورعاية عدد كبير من الأصوات الشابة المتميزة، ممن أثبتوا حضورهم في الساحة الغنائية الوطنية.

وتهدف المسابقة إلى إعادة إحياء التراث الغنائي الوطني، وترسيخ قيم الانتماء من خلال أعمال فنية حديثة تستلهم روح الأغنية المصرية الأصيلة.

تُقام المنافسات في أربعة مجالات رئيسية: الغناء، التلحين، التأليف، والتوزيع الموسيقي، ويُمنح الفائزون جوائز مالية على النحو التالي:

المركز الأول: 20 ألف جنيه

المركز الثاني: 15 ألف جنيه

المركز الثالث: 10 آلاف جنيه

المركز الرابع: 7 آلاف جنيه

المركز الخامس: 5 آلاف جنيه


شروط التقدم للمسابقة تتضمن أن يكون المتسابق مصري الجنسية، ويتراوح عمره بين 18 و45 عامًا، ويحق له التقدم بعملين فقط. يجب ألا تقل مدة الأغنية المقدمة عن 4 دقائق ولا تزيد عن 10 دقائق، على أن تكون مكتملة العناصر (كلمات – لحن – غناء) بصيغة MP3، مصحوبة بإقرار موقع من جميع المشاركين في العمل بالموافقة على الاشتراك، وألا يكون قد سبق فوزه عن هذا العمل في أي مسابقة أخرى.

آخر موعد لتقديم المشاركات هو 31 أغسطس 2025، ويتم تحميل استمارة الاشتراك من صفحة المسابقة على فيسبوك، وملؤها إلكترونيًا وإرسالها مع العمل على البريد التالي:

للمقيمين داخل مصر: [email protected]

للمصريين بالخارج: [email protected]


جدير بالذكر أن الدورة السابقة من المسابقة شهدت فوز الفنان أحمد حسن بالمركز الأول عن أغنية "يوم ميلادي"، تلاه الفنان علي الألفي بأغنية "الدفعة"، فيما حلت الفنانة هالة غلوش ثالثة بأغنية "مصر الحلوة"، وجاءت الفنانة سلمى مصطفى رابعة بأغنية "التاريخ مكتوب عشانها"، واختتمت الفنانة شهد السعدني المراكز الخمسة الأولى بأغنية "بلاد الخير".

طباعة شارك قطاع شؤون الإنتاج الثقافي المخرج خالد جلال مسابقة أنا المصري للأغنية الوطنية للشباب وزير الثقافة

مقالات مشابهة

  • عصام كاريكا وأميرة فتحي ونسمة يوسف إدريس في ضيافة تامر عبدالمنعم ومسرحية الملك وأنا
  • قطاع المسرح يطلق النسخة الثامنة من مسابقة أنا المصري للأغنية الوطنية
  • حلمي النمنم: المشروع الوطني المصري يحتاج لتأمين داخلي ومعرفي
  • في ذكرى ميلاده.. وحيد حامد صوت الحقيقة في زمن الصمت (تقرير)
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد توفيق مبدع “لن أعيش في جلباب أبي” الذي هزم أدوار الشر بالإبداع والاحترام
  • المركز القومي للسينما يقيم فعاليات ثقافية لإحياء ذكرى ٣٠ يونيو بمركز الثقافة السينمائية ٣٦ شارع شريف
  • أستاذ بالأزهر: انتشار الرحمة فى المجتمع يخفي 90% من مشاكلنا
  • في ذكرى ميلاده.. تعرف على مسيرة الشحات أنور وعلاقته بالشيخ الشعراوي
  • في ذكرى رحيله.. عزت أبو عوف طبيب عشق الفن وأسس "فور إم" وترك بصمة لا تُنسى في السينما
  • فى ذكرى ميلاده.. وحيد حامد تعرض للتهديد بالقـ.تل بسبب طيور الظلام