مخاوف طهران: رسائل زيارة بزشكيان لأذربيجان.. احتواء تهديد أم نفوذ بديل؟
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
تسعى إيران إلى تحسين علاقاتها مع دول منطقة القوقاز، والتي تمثل دول جوارها الشمالي، ولا سيّما في الوقت الذي تتعرض فيه طهران لضغوط غير مسبوقة؛ بسبب خسارة جزء كبير من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ولمواكبة التحولات التي تمر بها منطقة جنوب القوقاز. وفي هذا الإطار، زار الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أذربيجان، في أواخر شهر إبريل 2025، على رأس وفد رفيع المستوى ضم وزير الخارجية عباس عراقجي، والطاقة عباس علي آبادي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ستار هاشمي، والتراث الثقافي والسياحة رضا صالحي أميري، والطرق والتنمية الحضرية فرزانه صادق، فضلاً عن المستشار السياسي للرئاسة الإيرانية مهدي سنائي.
أهداف رئيسية:
هدفت زيارة بزشكيان لأذربيجان إلى تحقيق ما يلي:
1- تعزيز التعاون الثنائي: شهدت هذه الزيارة توقيع سبع مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات مختلفة، شملت مجالات السياسة والنقل والتعليم والثقافة والتعاون الإعلامي. كما اتفقت إيران وأذربيجان على رفع مستوى التبادل التجاري من نحو 900 مليون دولار حالياً، إلى عدة مليارات خلال السنوات المقبلة.
وأعرب الجانبان عن تطلعهما إلى استكمال ممرات النقل المشتركة، وأبرزها ممر آراس، الذي يُفترض أن يمر عبر إيران لربط أذربيجان بإقليم ناختشيفان التابع لها دون الحاجة إلى المرور بأرمينيا، بالإضافة إلى مشروع سكة حديد رشت- أستارا، والذي يُتوقع أن يربط بين إيران وأذربيجان، ويُعَدّ جزءاً من ممر النقل الدولي “شمال- جنوب” والذي يُخطط أن يصل بين روسيا والهند. وهذه كلها مشروعات تعزز التعاون الثنائي بين إيران وأذربيجان، وتُضاعف من دورهما في سلاسل التوريد العالمية.
هذا إلى جانب استعداد إيران وأذربيجان، بالإضافة إلى تركمانستان المُجاورة لإيران، للتعاون في مجال الطاقة، عبر مشروعات مشتركة في البنية التحتية لنقل الغاز والكهرباء، ومحطات الطاقة في المناطق الحدودية، خاصةً في ضوء أزمة الكهرباء التي تعاني منها محافظات عدة في إيران. وتنخرط الدولتان في صيغة (3+3)، والتي تضم إلى جانب إيران كلاً من روسيا وتركيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا، والتي تعمل على تعميق التعاون بين دول جنوب القوقاز وجيرانها.
2- حل الخلافات بين البلدين: تُعَدّ زيارة بزشكيان لأذربيجان هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ التوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين على خلفية عدة أحداث في السنوات الأخيرة، أبرزها الهجوم المسلح الذي تعرضت له سفارة أذربيجان في طهران، في 27 يناير 2023، والذي أسفر عن مقتل مدير أمن السفارة، وإصابة حارسين، ووصفت باكو حينها الهجوم بأنه إرهابي، مُتهمة السلطات الإيرانية بالتقاعس عن فرض إجراءات أمنية مشددة حول السفارة؛ ما سهّل وقوع الحادث. كما تبادل البلدان طرد ممثلين دبلوماسيين في إبريل ومايو من نفس العام، فضلاً عن التُّهم المتبادلة بدعم مجموعات معارضة مناوئة لحكومتي الدولتين.
يُضاف إلى ذلك، العلاقة الوطيدة التي تجمع كلاً من إيران وأرمينيا، والتي تنظر لها باكو بتوجس؛ إذ تدعم طهران تاريخياً أرمينيا، غريمة أذربيجان والتي خاضت معها حروباً عديدة للسيطرة على إقليم ناغورني كاراباخ، منذ عام 2020، حتى ضمّت أذربيجان الإقليم بشكل كامل في سبتمبر 2023. وحرصت إيران، خلال السنوات الأخيرة، على انتهاج موقف متوازن تجاه الجارتين في القوقاز، من خلال السعي إلى الوساطة بينهما والدعوة إلى التهدئة وخفض التصعيد، بل اعترفت بسيطرة أذربيجان على كاراباخ؛ إذ صرّح بزشكيان، خلال زيارة إبريل الماضي، بأن الإقليم جزء من أراضي أذربيجان، في محاولة لكسب ود الأخيرة.
3- المُزاحمة على النفوذ في القوقاز: تُدرك طهران الأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية لمنطقة القوقاز، وهو ما جعلها محط تنافس إقليمي ودولي كبيرين؛ ومن ثم فإنها تحرص على مزاحمة هذا النفوذ المتنامي في تلك المنطقة، عبر موازنة العلاقة بين كل من أرمينيا وأذربيجان على السواء، وليس الاعتماد فقط على تعزيز العلاقات مع يريفان، خاصةً وأن الأخيرة بدأت مؤخراً، بعد سيطرة أذربيجان على إقليم كاراباخ في سبتمبر 2023، في تبني نهج مُغاير بالاتجاه نحو تعزيز العلاقات مع الغرب، وخاصةً فرنسا، والتي وقّعت معها صفقات تسليح، كما أجرت مناورات عسكرية محدودة مع الولايات المتحدة في يوليو 2024، وذلك على حساب العلاقات التقليدية مع روسيا. وقد يحمل ذلك في طياته بذور خلاف مُحتمل بين إيران وأرمينيا، خاصةً إذا لم تتوصل الأولى إلى اتفاق مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وأُجبرت حينها يريفان على الاستجابة للضغوط الغربية واتخاذ موقف ضد طهران.
كما لا يخلو سعي طهران إلى تعزيز علاقتها مع باكو من رسائل موجهة إلى تركيا، والتي تُعَدّ الحليف المُقرب لأذربيجان، حيث ترى إيران أنها خسرت نفوذها في سوريا مقابل مكاسب استراتيجية لأنقرة؛ ومن ثم فإن توطيد العلاقات مع أذربيجان، والتي تتشارك وإيران في كثير من عناصر الثقافة والدين والعرق، ربما يبعث برسائل إلى تركيا بأن إيران قادرة على الوجود في مساحات النفوذ التركي. خاصة مع تصريح بزشكيان، الذي ينتمي والده للقومية الأذرية في إيران: “عندما أكون في أذربيجان، أشعر وكأنني في تبريز أو أردبيل، وهذا الشعور بالأخوة يُشكل أساساً قوياً لتطوير العلاقات بين البلدين”. مع العلم أن تبريز وأردبيل من المناطق التي يقطن بها الأذريون في شمال إيران.
مخاوف إيران:
على الرغم من تحسن العلاقات بين إيران وأذربيجان؛ فإن ثمّة مخاوف تُثير قلق طهران من جارتها الشمالية، ويمكن إجمال أبرزها في التالي:
1- تنامي العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل: تنظر طهران بتوجس إلى العلاقات المُتنامية بين أذربيجان وإسرائيل على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، لا سيّما بعد افتتاح سفارة لإسرائيل في باكو في مارس 2023، خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، إيلي كوهين، وإعلان رغبته في تشكيل جبهة موحدة بين البلدين ضد إيران.
وتتهم طهران أذربيجان باستضافة عناصر إسرائيلية على أراضيها، تُنفذ عمليات تخريبية في الداخل الإيراني. ومن ثم تعمل إيران على إبطاء وتيرة التقارب بين أذربيجان وإسرائيل أو على الأقل احتواء المخاطر التي قد يفرضها هذا التقارب، وربما هذا ما يُفسر توقيت زيارة بزشكيان لأذربيجان، قبيل أيام من زيارة كانت مُقررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لباكو، في الفترة من 7 إلى 11 مايو 2025، للقاء الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، قبل أن يتم الإعلان عن إلغائها فيما بعد. وهنا تجدر الإشارة إلى إدراك طهران لمساعي تل أبيب نحو تطويقها من الشمال؛ سواء من جهة الشمال الغربي في أذربيجان أم الشمال الشرقي في تركمانستان، والتي ترتبط بعلاقات قوية أيضاً مع إسرائيل.
2- هواجس النزعات القومية: تقطن مناطق شمال إيران، خاصةً في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وأردبيل وزنجان، قومية أذرية، تُشكل ثاني أكبر القوميات في البلاد بعد الفرس. وتتخوف إيران من أن تدعم أذربيجان الحركات الانفصالية في الشمال، والتي تطالب بإنشاء ما يُسمّى بـ”أذربيجان الكبرى”، والتي تضم دولة أذربيجان الحالية، والمحافظات الأذرية في شمال إيران. ولعل أحداث العنف الأخيرة التي نشبت بين عناصر من الأذريين والأكراد في مدينة أورومية، مركز محافظة أذربيجان الغربية، المجاورة لجمهورية أذربيجان، في مارس 2025؛ دليل على إمكانية إثارة مثل هذه النعرات في تلك المناطق، بالرغم من إحجام باكو عن التدخل فيها باعتبارها شأناً إيرانياً داخلياً.
3- قلق من التحولات الإقليمية: تتخوف طهران بشأن أي تعديل في الجغرافيا السياسية لمنطقة جنوب القوقاز، بما يؤثر في طرق النقل الإيرانية؛ إذ أبدت اعتراضها على مخطط أذربيجان لإنشاء ممر زانجيزور على الحدود مع أرمينيا، في سبتمبر 2022؛ لما يمثله هذا المخطط، في حال تنفيذه، من حصار جغرافي لإيران من جهة الشمال؛ حيث تعني سيطرة أذربيجان على هذا الممر، انتفاء الحاجة إلى استخدام الأراضي الإيرانية للعبور؛ بل إن إيران ستضطر إلى دفع رسوم، ربما مضاعفة، للسماح بمرور شاحناتها، سواءً إلى الأراضي الأذرية، أم عبر الممر الواقع على الحدود مع أرمينيا، كما أنه يفصل إيران عن طرق الوصول إلى أوروبا عبر أرمينيا.
وفي محاولة لحل تلك الأزمة، وقَّعت إيران اتفاقاً مع أذربيجان لإنشاء طريق عبور لها إلى ناختشيفان، في أكتوبر 2023، يُعرف باسم “ممر آراس”، حيث يشمل طريقاً برياً سريعاً وخط سكك حديدية، ويمر عبر الأراضي الإيرانية، كبديل مقبول لدى طهران عن ممر زانجيزور، وإن كان ذلك لا يقابله تحمس من جانب أذربيجان، التي أعلن رئيسها، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، في 7 يناير الماضي، عن تمسك بلاده بمخطط إنشاء ممر زانجيزور؛ ما يجعل هذا التخوف ما زال قائماً.
ختاماً، يمكن القول إن حرص إيران على معالجة الخلافات مع جارتها الشمالية أذربيجان، يأتي في إطار نهج التقارب وتحسين العلاقات مع دول الجوار خلال السنوات الأخيرة؛ في محاولة لتخفيف آثار الحصار الاقتصادي المفروض على طهران بسبب العقوبات الغربية، ومن ناحية أخرى لتفادي التهديدات التي قد تصدر عن بعض دول الجوار في حال تعاونت تلك الأخيرة مع خصوم إيران.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
كيف تعمل الإمارات بثبات لتقسيم اليمن وتحويله إلى ساحة نفوذ إسرائيلية
من أين أتت الإمارات بهذا القدر من الجرأة والثقة والمقامرة، وهي تنفّذ ميدانيا وعسكريا أخطر مشاريعها الجيوسياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية، دافعة بجنوب اليمن إلى حافة الانفصال، ومُثبّتة هذا الخيار عبر عوامل ميدانية مستحدثة تتضافر لإسناده؟
الإجابة تتجلى في حالة الارتباك التي تهيمن هذه الأثناء على المنافس السعودي الأقوى في معركة النفوذ على الساحة اليمنية، رغم استناده إلى فرص لا متناهية وإمكانات قلّ نظيرها للتفوق؛ لكنه يُصرّ، بشكل لا يمكن فهمه، على تحييدها. وتتجلى كذلك فيما يعانيه رأس السلطة الشرعية الدكتور رشاد العليمي، الحليف المخلص للرياض، إذ لم يكن قويا منذ تولّيه هذا المنصب، ولم يمتلك الشجاعة لاستثمار الإمكانيات العسكرية المتاحة لديه، والتي تبخّر جزء منها في غزوة الانتقالي لمحافظتَيْ حضرموت والمهرة، كما عجز حتى عن إشاعة الأمل في التجمعات اليمنية المليونية التي تترقب منذ سنوات قدوم المنقذ، بينما يهيمن عليها القلق على مصير وطنها، وتعيش تحت وطأةٍ لا تُحتمل من الفقر، وانعدام الخيارات المعيشية، والإنهاك المتعمد، وعذابات النزوح الداخلي والخارجي.
اتكأت الإمارات على استثمارات سخية في بناء وحدات عسكرية بعقيدة دون وطنية، ودعمتها بالمال والسلاح، وأخضعتها خلال السنوات العشر الماضية لتجارب ميدانية كقوات عملت تحت إشرافها في معارك منتقاة في جنوب وغرب اليمن. وقد نتج عن هذا بناء مشروعين يخضعان بالكامل للإمارات: المشروع الانفصالي ومقره مدينة عدن، ومشروع إعادة تأهيل سلطة نظام صالح المخلوع ومركزه الساحل الغربي لمحافظة تعز بما في ذلك باب المندب.
منذ الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى الخامس من كانون الأول/ ديسمبر، تحركت نحو ثمانية ألوية مزودة بالمدرعات والأسلحة التكتيكية، تشمل الطائرات المسيّرة، من مدينة عدن باتجاه حضرموت والمهرة. كانت حركة هذه القوات سريعة ومفاجئة، معتمدة على تهيئة كاملة لمسرح العمليات، مثل تحديد الأهداف، وتسويق الذرائع، وشراء ذمم القادة الأساسيين في أهم وأكبر التشكيلات المتبقية من الجيش اليمني السابق، المعروفة باسم "المنطقة العسكرية الأولى"، والمنتشرة على منطقة جغرافية واسعة وحيوية تمتد من وادي حضرموت حتى الحدود العُمانية في محافظة المهرة، ومن ثم القاطع الحدودي الشمالي الأكبر مع المملكة العربية السعودية.
طبقت الإمارات نموذجا هجينا يجمع بين أسلوب انقلاب قوات الدعم السريع في السودان وبين الهجوم الذي نفذته قوات "ردع العدوان" لإسقاط نظام الأسد. وقد نجح هذا النموذج القتالي في تمكين قوات الانتقالي من تحقيق أهدافها الميدانية وترسيخ وقائع لا يمكن تغييرها إلا بالقوة العسكرية.
هذه هي المعضلة التي تواجهها المملكة العربية السعودية، التي سارعت منذ الثالث من هذا الشهر إلى إيفاد اللواء محمد عبيد القحطاني إلى حضرموت، وهو رئيس اللجنة الخاصة المعنية بإدارة الملف اليمني، وهي فرع استخباري واسع الصلاحيات، يتجاوز في تأثيره الدورَ والمكانةَ اللذين يحوزهما السفير السعودي لدى اليمن.
التحرك السعودي يتعاطى لأول مرة وبشكل جدي مع المخاطر التي تهدد السلطة الشرعية، التي يمثلها اليوم رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، بعد أن اصطف نصف المجلس التابع للإمارات خلف المغامرة العسكرية للمجلس الانتقالي، مستندين إلى نزعة النفوذ الإماراتية وإلى الاستغلال الواضح للتحول في الموقف الأمريكي تجاه الملف اليمني، وإلى بروز توجه إسرائيلي لاستثمار الجغرافيا المنهكة لليمن في بناء نفوذ يمنع تكرار الهجمات العسكرية وشبه الحصار البحري الذي نفذه الحوثيون إسنادا لمعركة غزة، وهو ما عبّرت عنه التطورات الأخيرة.
إن أخطر ما تواجهه السعودية اليوم هو محاصرة النفوذ الإماراتي، وكبح جماحه، وإنهاء التقاطعات الخطيرة لهذا النفوذ مع الأطماع الإسرائيلية إزاء الفرص المتاحة لتأسيس نفوذ رادع لها في جنوب البحر الأحمر، خصوصا أن الإمارات استعدّت لهذه الشراكة مع الصهاينة ببنية تحتية من المطارات والقواعد والقوات الجاهزة للقتال بالوكالة.
ويضاف إلى ذلك أن الرياض تستثمر نتائج المغامرة العسكرية الإماراتية التي نُفذت عبر قوات الانتقالي الانفصالية لصالح تعزيز نفوذها في محافظتي حضرموت والمهرة، لأن تلك المغامرة أفرغت المحافظتين من الأدوات المادية والعسكرية الضامنة للنفوذ السيادي للدولة اليمنية وخلقت فراغا سياديا. ومن هنا نفهم لماذا يجري التركيز على المحافظتين لا بصفتهما جزءا من اليمن الكبير، بل مجرد ساحة صراع للنفوذ بين قوى الدولة الجنوبية السابقة، ربما تتكفل اللجنة العسكرية السعودية الإماراتية التي وصلت عدن الجمعة بتسويته على ذات النتائج الكارثية المحدقة بالسيادة اليمنية.
وهناك مزاج يمني عام يتسم بالقلق من الازدواجية السعودية الحاضرة هذه الأيام، حيث تُظهر الرياض حزما بشأن ضرورة سحب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة، لكنها تُبقي على موقفها المؤيد لـ"القضية الجنوبية"، وهو توجه فضفاض قد يرجّح -في المدى البعيد- خيار الانفصال بارتدادات جيوسياسية قليلة الكلفة على المملكة، في مقابل وعود بفوائد تعزز نفوذها، خصوصا في شرق اليمن.
وفي مقابل الضغط السعودي، أوعزت الإمارات لوكيلها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزُّبيدي، إطلاق تصريحات لخلط الأوراق، تُظهر أن فرض الحدود الميدانية للدولة الانفصالية المحتملة هو عملية ضرورية لتهيئة مسرح العمليات لخوض معركة تحرير "اليمن الشمالي"، مقترحا البدء بمحافظة البيضاء الواقعة وسط اليمن، واستهلها بإطلاق "عملية الحسم" ضد أنصار القاعدة في محافظة أبين المتاخمة للبيضاء، في مصادمة مع "طواحين القاعدة" تهدف إلى رفع القيمة الأمنية والجيوسياسية لقوات المجلس الانتقالي ومشروعها الانفصالي، على المستوى الإقليمي والدولي. واللافت أن تهيئة مسرح العمليات تحولت إلى توجه تبناها طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي الموالي وقواته المتمركزة في المخا والمدعومة للإمارات.
تشعر الغالبية العظمى من الشعب اليمني بأنها تتعرض لإهانة لا سابق لها، إذ تقف أمام مسارين إجباريين: أحدهما ينتهي إلى تثبيت دولة شيعية طائفية في شمال البلاد، والآخر إلى دولة انفصالية بعقيدة سياسية إقليمية "إبراهيمية" في جنوبها. وما من محدد للمقاربة السعودية، أهم من قدرتها على تحجيم المشروع الانفصالي، والدفع نحو تمكين الشعب اليمني وقواه السياسية والعسكرية نحو إنهاء هذا الانقسام المعزز بسطوة الجماعات المسلحة المنبوذة في شمال اليمن وجنوبه.
x.com/yaseentamimi68