أين وصلنا في تعمين القوى العاملة بالقطاع الصحي؟
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
تطور إعداد المؤسسات الصحية بالقطاع الحكومي والخاص بشكل مطرد خلال السنوات الماضية لتغطي جميع المحافظات والولايات حسب الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي من أجل توفير الخدمات الصحية الأولية وأيضا العلاجية بكافة أنواعها. ذلك التطور صاحبه نمو في أعداد القوى العاملة بالقطاع الصحي الحكومي التي بلغت ما يزيد على 43 ألفا والقوى العاملة بالمؤسسات الصحية الخاصة ما يزيد على 25 ألفا حسب بيانات الكتاب الإحصائي السنوي لعام (2023) الذي يتم الاعتماد عليه في هذا المقال.
كما أن التوزيع الجغرافي للمجمعات الصحية الحكومية والخاصة يتباين بين المحافظات. على سبيل المثال، في محافظات، ظفار، وشمال الشرقية، والوسطى لا يوجد مجمعات صحية حكومية، بينما تكثر المجمعات الصحية الخاصة. ففي ظفار يوجد ما يزيد على 20 مجمعا صحيا خاصا و11 مجمعا صحيا في شمال الشرقية و3 مجمعات صحية بالوسطى. وبالتالي، تلك المجمعات الصحية الخاصة التي تقدم تخصصات طبية متنوعة للمواطنين والمقيمين يلجؤون إليها بعد ساعات الدوام الرسمي وأيضا في الفترات التي تكون فيها المراكز الصحية الحكومية بتلك المحافظات مغلقة. كما أن هناك ارتفاعا في أعداد المراكز الصحية الخاصة التي بلغ عددها 460 مركزا صحيا مرتفعة على المراكز الصحية الحكومية التي وصل عددها 194 مركزا صحيا موزعة على جميع المحافظات.
بالنسبة للقوى العاملة بالقطاع الصحي وعند تحليل أعداد وظائف الأطباء الاختصاصيين والاستشاريين فقد بلغت نسبة التعمين (45.7 %) في القطاع الحكومي. أما في المؤسسات الصحية الخاصة فقد بلغت نسبة التعمين (11.2 %). بالنسبة لوظيفة أطباء العموم فكانت نسبة التعمين في القطاع الحكومي في حدود (34.1 %) ولكن النسبة منخفضة جدا بالنسبة للتعمين لنفس الوظيفة في المؤسسات الصحية الخاصة التي بلغت (2.6 %). هذه النسبة قد تكون أقل من التوقعات نظرا للمخرجات السنوية من كليات الطب والابتعاث الخارجي كما أن هذه الوظائف لا تحتاج إلى تأهيل طبي عال المستوى - كما هو الحال - بالنسبة لوظائف الاختصاصيين والاستشاريين التي تتطلب الحصول على الزمالات الطبية المتقدمة بعد التخرج، ومع ذلك فإنها تفوقت في نسب التعمين عن وظائف أطباء العموم.
وبالتالي، انخفاض نسبة التعمين في أطباء العموم قد يتم تفسيره إما بقلة الملتحقين بالتخصصات الطبية بالجامعات وإما أن نسبة منهم لا تستكمل البرنامج الطبي وتتحول من كليات الطب إلى كليات أخرى لأسباب إما أكاديمية أو اجتماعية.
من الجوانب المهمة في تحليل القوى العاملة بالقطاع الصحي هي فئة «أطباء الأسنان» الذين لم يتجاوز عددهم (335) طبيبا في القطاع الحكومي وإن كانت نسب التعمين لأطباء الأسنان عالية جدا وصلت إلى (95 %) بالقطاع الحكومي، ولكن بمقارنة هذا العدد مع تجاوز تعداد السكان من العمانيين لمستوى ثلاثة ملايين نسمة فإننا نحصل على معدل (1.1) طبيب أسنان لكل عشرة آلاف نسمة. هذا المعدل غير المتناسب مع التوزيع المكاني والجغرافي للمحافظات يشكل ضغطا مستمرا على الحالات المرضية ما يؤدي بغالبيتهم الذهاب للمجمعات والمراكز الصحية الخاصة. هذا النقص الشديد في عدد أطباء الأسنان استدعى من يطلب هذه الخدمة الطبية فإن عليه الذهاب للمجمع أو المركز الصحي الحكومي قبل بدء الدوام الرسمي أو الذهاب للمراكز الصحية الخاصة ما يكلفهم مبالغ طائلة نظير الخدمات الصحية التي يفترض أن يحصلوا عليها بالمجان. في الجانب الآخر فإن التعمين في وظيفة أطباء الأسنان في القطاع الخاص لم تتجاوز (22.6%).
بالنسبة للقوى العاملة بالمؤسسات الصحية الخاصة فقد بلغت نسبة التعمين الإجمالية (22.7 %). تلك النسبة قد تختلف حسب التخصص ونوعية الوظائف الطبية المساندة ومنها وظائف الصيادلة، والممرضين والممرضات وفنيي المختبرات الطبية وفنيي الأشعة. حيث نجد بأن أعلى نسبة تعمينا كانت في وظائف الصيادلة بنسبة (11.4 %) وأقلها في وظائف الممرضين والممرضات وفنيي المختبرات الطبية بمتوسط يصل إلى (3.35 %) كما لم يتم تعيين أي عماني بوظيفة فنيي الأشعة بالمؤسسات الصحية الخاصة. فعندما نتحدث عن التعمين في القطاع الصحي سواء الحكومي والخاص فإن الأمر ليس سهلا فهذه الوظائف ليست كبقية الوظائف التي يتم تحفيز المواطنين بالعمل بها والحث على قبولها وإن كان بعضها وخاصة الوظائف الطبية المساندة بالمؤسسات الخاصة ليست بذات المزايا المالية المعادلة لها في القطاع الحكومي.
الوظائف الطبية تحتاج إلى مهارات عالية من الخبرة والكفاءة سواء في المراحل الأولى والتي تتعلق بالتشخيص الطبي إلى مرحلة العمليات الجراحية المتقدمة. ولكن الجهات المختصة ومنها وزارة الصحة استطاعت تأهيل القوى العاملة الوطنية بوصول أعداد كثيرة منها لمستويات طبية عالية بدرجة اختصاصي واستشاري والتي كما أشرنا فاقت نسبة تعمينها فئة تعمين وظائف أطباء العموم. عليه فإن الأمر يحتاج نفس الزخم والاهتمام وتقديم شتى أنواع الدعم والتمكين للوظائف شبه الطبية والفنية سواء في القطاع الحكومي ومؤسسات القطاع الخاص لنصل إلى مستويات مقبولة من نسب التعمين تتوافق مع المخرجات السنوية من الجامعات والكليات الطبية.
والجميع على يقين بأن القيادات العليا بوزارة الصحة تعطي اهتماما بالغا بالتعمين والتأهيل للقوى العاملة الوطنية بالقطاع الصحي الذي ينمو بوتيرة متسارعة مع التطلع بفتح مستشفيات مرجعية في أغلب المحافظات في السنوات القادمة. وبالتالي، تلك القيادات تعمل بجهود تستحق الثناء من أجل الوصول بالقطاع الصحي لمستويات أفضل من حيث تقديم الخدمات الطبية الأولية والمتقدمة ومن أجل التيسير والتسهيل على المواطنين في الحصول على العلاج المناسب بأعلى المعايير الطبية. هذا الاهتمام يحتاج إلى تكاتف من الجهات الحكومية المساندة ومنها وزارة المالية بضخ المزيد من الدرجات المالية لتعيين الكفاءات الطبية حسب التوزيع الجغرافي للمحافظات.
أيضا على وزارة العمل التطلع إلى إعطاء القطاع الطبي الخاص مزيدا من الاهتمام ليس عن طريق تعيين عماني لكل من له سجل تجاري وإنما بإيجاد ضوابط أكثر استدامة من حيث البدء بالتعمين في المستشفيات الخاصة التي تتمتع بموارد مالية عالية ولديها اتفاقيات خدمات التأمين الصحي لأن مثل تلك المستشفيات تتمتع بسمعة مالية عالية. وبنفس النهج فإن الصيدليات الخاصة التي تستأثر بنسب أعلى من المناقصات الحكومية في شراء الأدوية للمستشفيات الحكومية، ينبغي أن يكون لديها خطط سنوية للتعمين تحت إشراف الجهات الحكومية. إيجاد مبادرات لتعمين الوظائف بالقطاع الصحي وخاصة المؤسسات الخاصة من شأنه أن يفتح المجال نحو وظائف مستدامة وبأجور جيدة للباحثين عن العمل بالتخصصات الطبية والفنية لنصل لنسب تعمين مرضية في القطاع الصحي.
ولعل تعمين القوى العاملة بالقطاع الصحي يحتاج إلى تسريع اعتماد البرامج التعليمية بمؤسسات التعليم العالي التي تمنح مؤهلات طبية وشبه طبية سواء عن طريق معايير الاعتماد الوطنية وأيضا اعتماد المؤهلات الطبية من الهيئات الطبية الخارجية من أجل أن تكون مخرجات تلك المؤسسات على مستوى عالٍ من الكفاءة والجودة عند ممارستها للعمل في القطاع الصحي الحكومي والخاص. أيضا من المناسب إيجاد تدرج مدروس عند تعمين الوظائف الطبية بأنواعها من أجل الموازنة بين الحاجة إلى التعمين وأيضا عدم تأثر جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمقيمين تطبيقا لرؤية عمان (2040) التي من أهدافها توفير كوادر وطنية مؤهلة ونظام صحي يتسم بالجودة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الصحیة الخاصة فی القطاع الحکومی الوظائف الطبیة أطباء الأسنان القطاع الصحی الخاصة التی التعمین فی من أجل
إقرأ أيضاً:
هجرة الأدمغة الطبية تُقلق تونس.. دعوة من جنيف لتعاون دولي يُنقذ الأنظمة الصحية
في ظل تصاعد ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية من دول الجنوب نحو الشمال، دعت تونس إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد استقرار الأنظمة الصحية في البلدان النامية، وعلى رأسها تونس، وجاءت هذه الدعوة خلال مشاركة وزير الصحة التونسي، مصطفى الفرجاني، في الدورة 27 للقاءات الفرنكوفونية حول الصحة المنعقدة في جنيف، حيث ألقى محاضرة حول هجرة الكفاءات الصحية وآثارها المتزايدة.
وأكد الوزير الفرجاني في كلمته أن هذا التحدي يتطلب تعاوناً دولياً مسؤولاً، داعياً إلى إرساء شراكات مؤسسية قائمة على اتفاقيات شفافة بين دول الشمال والجنوب، بدلاً من الاعتماد على المبادرات الفردية التي تُضعف المنظومات الصحية في الدول النامية.
كما استعرض الوزير حزمة من الإجراءات التحفيزية التي أطلقتها الحكومة التونسية لتشجيع الأطباء والإطارات الطبية على البقاء داخل البلاد، لا سيما في المناطق الداخلية، من خلال تطوير البنية التحتية الصحية، ورقمنة الخدمات، وتعميم الطب عن بعد، إلى جانب تحسين بيئة العمل.
وشدد الفرجاني على أن التصدي لهجرة الكفاءات الصحية لا يكون فقط عبر المعالجات المحلية، بل عبر تعاون دولي متوازن يأخذ في الحسبان احتياجات الدول النامية ويضمن استدامة أنظمتها الصحية.
وتُعد هجرة الكفاءات الصحية من أبرز التحديات التي تواجهها تونس منذ سنوات، حيث تشهد البلاد نزيفاً متزايداً في مواردها البشرية من أطباء وممرضين وتقنيين باتجاه الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وكندا،ويُعزى هذا النزوح بالأساس إلى الفوارق الكبيرة في ظروف العمل، وتفاوت الأجور، ومحدودية الإمكانيات والتجهيزات داخل القطاع الصحي العمومي في تونس، لا سيما في المناطق الداخلية والجهات المحرومة.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن آلاف الأطباء والممرضين غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في اختلالات هيكلية داخل المؤسسات الصحية العمومية، وأدى إلى تراجع جودة الخدمات المقدمة، وصعوبة تعويض الكفاءات المغادرة في ظل ندرة الأطباء المتخصصين، وخصوصاً في المجالات الدقيقة كالتخدير والإنعاش، وأمراض القلب، وجراحة الأعصاب.
وفي مواجهة هذا الوضع، تسعى السلطات التونسية إلى اتخاذ جملة من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة، من بينها تحسين بيئة العمل، وتوفير الحوافز المادية والمعنوية، وتحديث البنية التحتية الصحية، إلى جانب العمل على تعزيز التعاون الدولي لوقف الاستقطاب غير المنظم للكفاءات، والدفاع عن حق الدول النامية في الحفاظ على مواردها البشرية الحيوية.