شهدت سوريا في 2025 تحركات مهمة على صعيد التعاون الاقتصادي والطاقة، حيث أعلنت الحكومة عن سلسلة اتفاقيات استراتيجية مع تركيا والصين تهدف إلى إعادة إعمار البنية التحتية وتعزيز التعافي الاقتصادي بعد سنوات من النزاع.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، كشف وزير الطاقة السوري محمد البشير عن اتفاق جديد مع تركيا لمد خط أنابيب غاز بين البلدين، بالإضافة إلى استكمال الإجراءات الفنية لربط خط كهرباء بقدرة 400 كيلو فولت، مع توقع بدء تشغيل هذه المشاريع قبل نهاية العام.

وأوضح البشير أن هذا الربط سيحدث نقلة نوعية في تحسين واقع الكهرباء في سوريا، بينما أكد نظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار أن بلاده بدأت بالفعل تزويد سوريا بملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، ما يساهم في توليد نحو 1300 ميغاواط من الكهرباء.

كما لفت بيرقدار إلى استعداد الشركات التركية الكبرى للعودة والاستثمار مجددًا في سوريا، مشددًا على أن رفع العقوبات إلى جانب هذه المشاريع المشتركة يشكل حافزًا قويًا لجذب الاستثمارات الأجنبية.

على صعيد آخر، وقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم مع شركة Fidi Contracting الصينية لاستثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز مليون متر مربع في مدينتي حسياء بمحافظة حمص وعدرا بريف دمشق، وذلك لمدة 20 عامًا.

وتهدف المذكرة إلى إنشاء منطقة صناعية متكاملة تضم مصانع ومنشآت إنتاجية متخصصة تلبي متطلبات السوق المحلية والإقليمية، وتوفر مزايا عديدة للمستثمرين من إعفاءات ضريبية كاملة إلى حرية استخدام اليد العاملة وتحويل رؤوس الأموال الأجنبية.

وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الهيئة الرامية إلى تنشيط المناطق الحرة وتعزيز جذب رؤوس الأموال الأجنبية، لخلق فرص عمل جديدة ونقل التكنولوجيا ورفع حجم التبادل التجاري عبر المنافذ البرية والبحرية.

كما تأتي هذه الاتفاقيات ضمن سياق أوسع تشهده سوريا بعد قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على البلاد، إثر مناقشات مع السعودية وتركيا، وهو ما يفتح الباب أمام فرص أوسع للتعاون الإقليمي والدولي في مسارات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.

وتدعو الحكومة السورية المجتمع الدولي إلى دعم هذه الخطوات وتسهيل الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتعدين والصناعة، لتسريع عملية التعافي الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين.

ويرتبط التعافي الاقتصادي السوري بشكل وثيق بتحسين قطاع الطاقة الذي يعاني من نقص حاد في الكهرباء والوقود، ما أثر على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وتعتمد سوريا بشكل كبير على استيراد الغاز والكهرباء، مما يجعلها في حاجة إلى شراكات استراتيجية مع دول الجوار، خصوصًا تركيا التي تمتلك بنية تحتية متقدمة في مجال الطاقة، إضافة إلى فرص استثمارية مع دول مثل الصين التي تملك خبرات واسعة في تطوير المناطق الحرة والصناعات الثقيلة.

قطر تستعد لتزويد لبنان بالغاز عبر سوريا مجاناً الصيف المقبل في خطوة لدعم الطاقة

أشارت صحيفة “المدن” إلى استعداد قطر لإيصال الغاز إلى لبنان عبر سوريا بشكل مجاني خلال الصيف المقبل، في إطار تنسيق بين البلدين، في مبادرة تهدف إلى دعم قطاع الطاقة اللبناني وتحقيق حل مستدام لأزمة الكهرباء.

وقالت الصحيفة إن الحكومة اللبنانية أظهرت مؤشرات إصلاحية مهمة تراهن عليها عدة دول صديقة للبلاد، ما يعزز فرص استئناف الدعم الدولي.

وأضافت أن هذه المبادرة القطرية ليست مفاجئة، بل تأتي استكمالاً لما تم طرحه في ديسمبر 2021، حين كشف وزير الطاقة اللبناني السابق وليد فيّاض عن محادثات بين لبنان وقطر حول إمداد الغاز عبر الأردن وسوريا.

وفي فبراير 2022، أكد وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي، خلال قمة الدول المصدرة للغاز، أن قطر تعمل على دعم لبنان بإمدادات طاقة طويلة الأمد باستخدام الغاز الطبيعي المسال، كما عرضت قطر بناء محطتين لإنتاج الكهرباء في لبنان، وأعلنت في نوفمبر 2023 عن استعدادها، بالشراكة مع شركة توتال الفرنسية، لتقديم ثلاثة معامل للطاقة البديلة بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 500 ميغاوات، أي ما يعادل بين 25 و30% من حاجة لبنان للطاقة.

وأوضحت “المدن” أن المبادرة القطرية، في حال تنفيذها وتلقفها سريعاً من الجانب اللبناني، ستشكل خطوة أساسية نحو حل مستدام لأزمة الطاقة. في المقابل، يعتبر استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري حلاً مؤقتاً يعترضه العديد من العراقيل، من بينها استكمال الإصلاحات الداخلية في لبنان لضمان موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع، فضلاً عن هشاشة التمويل نفسه.

هذا وتقدم المبادرة القطرية المجانية مرونة غير متوفرة في مشروع الاستجرار من الأردن ومصر، ما يجعلها فرصة مهمة لتعزيز أمن الطاقة في لبنان.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الاقتصاد السوري الرئيس السوري أحمد الشرع سوريا حرة سوريا والصين سوريا وتركيا

إقرأ أيضاً:

البُعد الاقتصادي لوثيقة ترامب- نتنياهو (8-8)

 

 

 

 

 

عبيدلي العبيدلي **

 

في نهاية المطاف، من الأفضل فهم مشروع السلام بين ترامب ونتنياهو على أنه مقامرة اقتصادية ذات تداعيات سياسية. وإذا نجحت، فسوف تظهر أن الرخاء يمكن أن يرسخ السلام في واحدة من أكثر الصراعات استعصاء على الحل في التاريخ الحديث. وإذا فشلت هذه الاستراتيجية، فسوف تشعر بالتكاليف إلى ما هو أبعد من غزة؛ مما يعزز التقلبات في الأسواق العالمية، ويجهد الاقتصادات الهشة، ويديم اليأس. ولا يكمن الخيار في توافر الأموال؛ فالمانحون والموارد موجودة، بل في مصداقية الحكم، واستدامة الأمن، واستعداد الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية لمواصلة المشاركة.

ومن شأن استقرار غزة أن يقلل من تعطل الشحن الإقليمي (البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط)، مما يقلل من التكاليف على جميع المستوردين والمصدرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كما يمكن أن يفتح استقرار غزة ممرات تجارية جديدة، تربط بلاد الشام بمصر والخليج وأوروبا.  ستكتسب مشاريع مثل الجسور البرية والموانئ والمراكز اللوجستية زخما إذا انخفضت المخاطر السياسية.

ومن شأن إعادة إعمار غزة أن تخلق طلبا على العمالة والمواد والخدمات التي يتم الحصول عليها من البلدان المجاورة (المهندسين الأردنيين، والإسمنت المصري، والمقاولين الأتراك، والتمويل الخليجي)، مما يعزز التجارة البينية الإقليمية.

إلا أنه عندما ينظر للمشروع من زاوية المكاسب الاقتصادية، التي تم الترويج لها، توجد أرقام ومؤشرات قوية تجعل احتمال فشل مشروع ترامب- نتنياهو عاليًا جدًا من الزاوية الواقعية، وليس فقط النظرية.​

حجم التمويل وطبيعته:

الخطة تتحدث عن نحو 50 مليار دولار للمنطقة، منها حوالي 27.8 مليار دولار للأراضي الفلسطينية على عشر سنوات، أي 2.78 مليار سنويًا فقط.​ من هذا المبلغ، حوالي 11.4 مليار منح، بينما نحو 14.6 مليار تُموَّل كقروض، أي أن أكثر من نصف التمويل ديون تضاف لاقتصاد هش يعاني أصلًا من عجز مزمن.​ متوسط المنح السنوي (حوالي 1.14 مليار دولار) لا يتجاوز مستوى المساعدات التقليدية؛ فمثلًا تعهّد المانحون في مؤتمر باريس 2007 بحوالي 7.4 مليار دولار لثلاث سنوات (أكثر من 2.4 مليار سنويًا)، أي أعلى من مستوى المنح في خطة ترامب رغم تسويقها كطفرة تمويلية.​

هذه الأرقام تعني أن الخطة لا تضيف طفرة حقيقية في المنح، كما يروج لها، لكنها تضيف عبئًا كبيرًا من الديون يجعل الاقتصاد أكثر هشاشة وارتهانًا سياسيًا.​

افتراضات نمو مبالغ فيها:

الخطة تفترض أن الاستثمار المقترح يمكن أن يرفع الناتج المحلي من نحو 14.6 مليار دولار إلى 33.3 مليار دولار خلال عشر سنوات، أي أكثر من 100% نمو.​ مقارنة بـالمبادرة الاقتصادية التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري عام 2013 لدعم الاقتصاد الفلسطيني، والمعروفة باسم “المبادرة الاقتصادية لفلسطين” أو Palestine Economic Initiative، والتي قُدمت كمسار “سلام اقتصادي” موازٍ أو داعم للمسار السياسي السابقة التي افترضت نصف التمويل تقريبًا (13 مليار دولار) مقابل زيادة متوقعة في الناتج بنسبة 50% فقط، تبدو افتراضات ترامب شديدة التفاؤل وغير منسجمة مع القيود الفعلية على الاقتصاد الفلسطيني.​ على مستوى التشغيل، تتحدث الخطة عن خلق أكثر من 1.3 مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات، بينما العدد الحالي للوظائف في الضفة وغزة يقارب 956 ألف وظيفة؛ أي أنها تريد مضاعفة حجم سوق العمل تقريبًا في بيئة لا تزال فيها المعابر والموارد خاضعة لسيطرة الاحتلال.​

هذه الفجوة بين الأرقام والواقع تعطي إشارة واضحة للمستثمرين والاقتصاديين بأن النمو المتوقع غير قابل للتحقق دون تغيير جذري في الواقع السياسي والقيود الإسرائيلية، وهو ما لا تعالجه الوثيقة.​

استمرار بنية التبعية الاقتصادية:

دراسات الاقتصاد السياسي للاحتلال تُظهر أن نحو 80% من واردات الفلسطينيين و90% من صادراتهم تاريخيًا مرتبطة بالسوق الإسرائيلية، ما يعكس علاقة تبعية لا تسمح بنمو مستقل.​ الخطة لا تعالج جذور هذه البنية (التحكم بالحدود، المعابر، الموارد الطبيعية)، بل تقترح حلولًا تقنية مثل تحسين الشاحنات والمخازن المبرّدة عند الحواجز بدلاً من إزالة المعوقات التجارية ذاتها.​

اقتصاديًا، هذه المؤشرات الرقمية (تركيبة التمويل، مبالغة توقعات النمو والتوظيف، استمرار التبعية، وتعميق الدين) تجعل الوثيقة أقرب إلى وصفة لأزمة جديدة منها إلى خطة تنمية حقيقية، وهو ما يفسر إجماع غالبية التحليلات المستقلة على أن المشروع محكوم عليه بالفشل اقتصاديًا حتى قبل أن يُختبر سياسيًا.

واقتصاديًا، هناك عدة عوامل تمارس دورًا سلبيًا يجعل وثيقة ترامب – نتنياهو للسلام أقرب إلى الفشل من النجاح:

الفصل بين الاقتصاد والسياسة: الخطة تَعِد بمشروعات واستثمارات دون معالجة جوهر المشكلة: الاحتلال، السيطرة على الموارد، وحرية الحركة والتجارة للفلسطينيين.​ التركيز على “السلام الاقتصادي” يعالج الأعراض (بطالة، فقر) ولا يعالج البنية غير العادلة للاقتصاد الفلسطيني المرتبط بإسرائيل.​ غياب الشريك الفلسطيني الحقيقي: الخطة أُعدّت وقدمت عمليًا بدون مشاركة فلسطينية ذات تمثيل حقيقي، ما يعني غياب الملكية المحلية للمشروعات وارتفاع احتمال المقاطعة أو عدم التنفيذ.​ الاستثمار الخارجي في بيئة يرفضها المجتمع المحلي سياسيًا وأخلاقيًا يزداد معه خطر المقاطعة وعدم الاستقرار، وهو ما ينفّر المستثمرين الجادين.​ هيكل تمويل غير متوازن وغير واقعي: جزء كبير من التمويل المقترح عبارة عن قروض وليس منح، ما يفاقم عبء المديونية في اقتصاد هش أصلًا، بدلاً من تخفيفه.​ الأرقام المتوقعة للنمو وفرص العمل في الخطة مبالغ فيها وغير منسجمة مع القيود الهيكلية على الاقتصاد الفلسطيني (إغلاق، حواجز، سيطرة على الحدود والموارد).​ استمرار القيود الإسرائيلية وعدم ضمانات تنفيذ: الخطة لا تعالج بوضوح مسألة رفع القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة والموارد، وهي شروط أساسية لأي نمو اقتصادي مستدام.​ غياب آليات تنفيذ ملزمة وجداول زمنية واضحة يجعل الوعود الاقتصادية نظرية، ويُبقي القرار الفعلي بيد الحكومة الإسرائيلية.​ بيئة استثمار عالية المخاطر: عدم اليقين السياسي والأمني، واستمرار الاستيطان والعقوبات المالية على السلطة، كلها عوامل ترفع مخاطر الاستثمار وتضعف جدوى المشروعات المقترحة.​ المستثمرون الكبار عادةً يتجنبون بيئات يكون فيها القانون والسيادة محل نزاع، ما يفرغ “حوافز الاستثمار” من محتواها العملي.​

باختصار.. القوى السلبية هنا هي: تجاهل البعد السياسي والحقوقي، تغييب الشريك الفلسطيني، تضخيم الوعود الاقتصادية مع تحميل الاقتصاد ديونًا جديدة، الإبقاء على القيود الإسرائيلية، وخلق بيئة استثمار غير مستقرة؛ وكلها تجعل الخطة اقتصاديًا غير قابلة للحياة حتى قبل مناقشة بعدها السياسي.

** خبير إعلامي

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الجبلي: تعزيز الحضور الاقتصادي المصري في أفريقيا ضرورة استراتيجية لاستكمال النجاح السياسي
  • الكهرباء العراقية تعلن معاودة ضخ الغاز الإيراني
  • الكهرباء تعلن إعادة ضخ الغاز الإيراني إلى العراق
  • إيران: ندعو دول المنطقة لوقف توسع “إسرائيل” ومستعدون لتعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا
  • برنامج تعاون بين "جامعة التقنية" و"الخدمات المالية" لتعزيز الشراكة
  • شريف الجبلي: تعزيز الحضور الاقتصادي المصري في أفريقيا ضرورة استراتيجية
  • مجلس الدولة يشارك في حلقة عمل لتعزيز التواصل التشريعي بين الدول العربية والصين
  • استئناف العمل في حقل خور مور العراقي ونقل الغاز لمحطات الكهرباء
  • البُعد الاقتصادي لوثيقة ترامب- نتنياهو (8-8)
  • مصر تقود خطة إصلاحية لتعزيز تنافسية الاقتصاد